أرضيات املالط املدكوك البونيقية تارخيها - تقنيتها - تطورها

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تارخيها - تقنيتها - تطورها تاريخ التسليم: 2012 م 3/ 22/ تاريخ القبول: 2012 م. 6/ 19/ ماجستير في اآلثار الكالسيكية/ قسم اآلثار/ كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية/ جامعة دمشق/ سوريا. 369

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها ملخص: يج سلط مو ضوع الدرا سة ال ضوء على اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية التي ا صطلح لتينيا على ت سميتها ب اأوبو س سيجننيوم Signinum( )Opus والتي اأج شري اإليها يف العديد من الدرا سات الأثرية والتاريخية املتعلقة بتاريخ الفن والعمارة الرومانية على اأنها تقنية رومانية املن صاأ قد عهدها الرومان منذ منت صف القرن الثاين قبل امليالد اإل اأن بع ض امل صادر الأدبية الكال سيكية القدمية وكذلك ال شواهد الأثرية قد اأثبتت عك س ذلك العتقاد باأنها تقنية بونيقية الأ صل ابتدعها البونيقيون القرطاجيون خالل الع رص البونيقي منذ القرن الرابع قبل امليالد وذلك لغر ض اإعداد اأر ضيات مبانيهم اخلا صة والعامة يف كل من مدن: اأوتيكا كركوان وبري سة. الكلمات املفتاحية Sigm: Signinum O. Sigm: Opus Signinum X. R. D.: X- Ray Diffraction Analysis )حتليل حيود اأ شعة اأك س( X. R. F.: X- Ray Fluorescence Spectrometry )حتليل مطيافية ومي ض اأ شعة اإك س( 370

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 Abstract: This study sheds light on the Punic mortar floors that had been known in Latin as Opus Signinum. These sorts of pavements have been mentioned in many of the historical and archaeological studies as a technique of Roman origin. Thus, they were familiar with it since the middle of the second century B. C. But, some of the ancient classical art sources as well as the archaeological evidences had proved the opposite of that belief by confirming that it is a Punic technique in origin. Furthermore, the Punic Carthaginians had used this kind of technique during the Punic period since the fourth century B. C. for the purpose of preparing the floors of their public and private buildings in the Cities of Utica, Kerkouane and Byrsa. 371

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها متهيد: اأر ضيات املالط املدكوك املعروفة يف ال صطالح الالتيني با سم Sigm(.O( نوع من الأر ضيات التقليدية التي ابتدعها البونيقيون يف قرطاجة ومن ثم شاع ا ستخدامها على نطاق وا سع يف عمارة املدن واملناطق الواقعة يف غربي املتو سط بدءا مبدن ال شمال الأفريقي ثم شمال باجتاه جزيرة صقلية وانتهاء بجنوبي إايطاليا خالل الع رص الهلين ستي وهى نوع من الأر ضيات التي ا ستخدمت لالأغرا ض الوظيفية والتزيينية على حد سواء )1(. يت أالف هذا النوع من الأر ضيات من مموعة من مواد البناء املتنوعة التي من اأبرزها مالط الكل س )Calx( املمزوج مع الرمل واملت ضمن لأعداد ل حت صى من الفخار الأحمر )2( املدكوك اأوالترياكوتا )Terracotta( واملبعرثة جميعها يف شكل شظايا صغرية احلجم اإ ضافة إاىل ال شظايا الرخامية وبع ض الأحجار اجلريية املتنوعة ذات الألوان البي ضاء )3( والرمادية واخل رضاء وال سوداء والبنف سجية وال صفراء والبنية ال شبيهة بلون القرميد هذا اإىل جانب بع ض الأحجار ذات اللون الأزرق والتي من املحتمل أان يكون م صدرها الزجاج وهي مواد ا ستخدمت يف مموعها لأغرا ض الزينة وذلك بت صميمها اإما على هيئة مكعبات اأو اأ شكال معينية اأو ما سية )4( تنوعت يف مملها ضمن اأ سطح الأر ضيات اإما ب شكل ع شوائي اأو رج ت بت ضمن اأ شكال فنية منتظمة مع تباين وا ضح فيما بينها من حيث الكثافة والكمية )5( كما ا شتملت اأ سطح هذا النوع من الأر ضيات يف بع ض احلالت على بع ض الأنواع من ال صخور الربكانية ذات الن سيج ال صخري املتبلور )6(. اإن اأبرز ما تيزت به اأر ضيات املالط املدكوك من مالمح فنية ب صورة عامة هو لون املالط املتفاوت بني اللون ال ضارب اإىل احلج مرة واللون الزهري الناجمة عن ا ستخدام شظايا الفخار )7( الذي كان يدك بو ساطة مدكات متنوعة خ ص صت لهذا الغر ض الأمر الذي اأك سب هذا النوع من املالطات ت سمية )املالطات املدكوكة( )8(. اإ ضافة اإىل ذلك تيزت هذه الأر ضيات باأ سطحها الناعمة امللم س الدالة على عملية ال صقل اجليد اأثناء مرحلة الإن شاء )9( وكذلك مبا كانت تزدان به بع ض اأ سطحها من عنا رص فنية زخرفية مثلت رموز ذات مغزى ديني أاو عقائدي نفذت وب شكل عر ضي بو ساطة مكعبات حجرية صورت بع ض شخو ص الآلهة اأو الطقو س الطوطمية الأخرى والتي دلت عليها بع ض اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية املكت شفة يف بع ض مدن قرطاجة )10(. لقد بدت املالمح التقنية لهذا النوع من الأر ضيات ماألوفة يف فن العمارة القرطاجية حيث ك شفت التنقيبات الأثرية ضمن م ستويات طبقية متفاوتة العمق يف موقع اأطالل 372

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 مدينة قرطاجة القدمية عن أاعداد كبرية من اأر ضيات املالط املدكوك تيزت باأمناطها الفنية املتنوعة من حيث الت صميم الفني وطبيعة مكوناتها من املواد الإن شائية )11( وتعد مدينة كركوان )Kerkouane( البحرية ال صغرية الواقعة عند شبه اجلزيرة ملنطقة راأ س بون Bon( )Cap من اأهم املدن البونيقية الرائدة يف مال تقنية اأر ضيات املالط املدكوك التي ات سمت بها بع ض العنا رص الفنية املعمارية يف املنازل العامة واخلا صة يف املدينة كالأفنية الداخلية والأروقة والأر ضيات وقاعات احلمامات واأحوا ض ال ستحمام لتك شف بذلك النقاب عن واحدة من اأهم تقنيات الزخرفة املعمارية الداخلية التي ن صاأت وتطورت يف مباين املدينة اأثناء املدة التاريخية املمتدة بني القرنني اخلام س والثالث قبل امليالد )12(. وقد انتقلت مالمح هذه التقنية فيما بعد من مدينة كركوان باجتاه ال شمال نحو كل من جزيرتي صقلية )Sicily( و رسدينيا )Sardinia( حيث عج رث على العديد من النماذج الفنية لأر ضيات املالط املدكوك )13( ففي مدن جزيرة صقلية على سبيل املثال والتي من بينها مورجنتينا )Morgantina( سيلينيو س )Selinius( وموتيا/ موت سيا Mozia( )Motya/ كانت هذه التقنية من اأكرث العنا رص املعمارية شيوعا يف املنازل ال صقلية خالل الع رص الهيلين ستي حيث عج رث على مناذج فنية يعود تاريخها اإىل القرن الثالث قبل امليالد )14(. مع حلول منت صف القرن الثاين قبل امليالد وعرب جزيرة صقلية اأخذت املالمح التقنية لهذا النوع من الأر ضيات ت شق طريقها كتيار فني جديد باجتاه شبه اجلزيرة الإيطالية ومن ثم عم ت وب شكل تدريجي كامل املقاطعات الالتينية )15( حيث شاع ا ستخدام هذه التقنية يف أاماكن متعددة من منطقة جنوبي اإيطاليا خالل الع رص الهيلين ستي وكانت تج صنع اآنذاك من املالط املمزوج يف اأحيان عدة مع شظايا من الرخام وهي ذات التقنية من الأر ضيات البونيقية التي يرى بع ض الباحثني باأنها قد اأج دخلت اإىل روما خالل القرن الثاين قبل امليالد )16(. لقد خ ضع هذا النوع من الأر ضيات الذي نج فذ باأ سلوب تقني فريد يف بداية مراحله التاريخية يف شبه اجلزيرة الإيطالية ملتطلبات وظيفية من حيث ال ستخدام اأكرث منها تزيينية وجتميلية يف مال فن العمارة الرومانية )17( وتج عد مدينة سيينا )Signa( التي ا شتهرت بوفرة م صادرها الطبيعية من الطني الأحمر اإحدى اأهم مدن اإقليم لتيوم La-( )tium الإيطالية التي شاع فيها ا ستخدام مثل هذه التقنية والتي ا شتق من ا سمها ال صطالح الالتيني )Sigm( الذي عج رفت به لحقا اأر ضيات املالط املدكوك كما عج رث على مناذج فنية لهذه الأر ضيات يف اجلزء املخ ص ص للم شاة على طول اإمتداد شوارع مدينة بومبي Pom-( )peii وكذلك يف غرف اخلدم يف املنازل اخلا صة التي ازدانت اأر ضياتها ب شظايا حجرية باللون الأ سود رج تبت ضمن صفوف زخرفية ذات منط فني ب سيط )18( هذا اإىل جانب بع ض 373

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها النماذج الفنية الأخرى التي اكت شفت يف كل من مدينتي انتيوم/ انت سيوم Anzio( )Antium/ و روما )19(. وقد تطورت تقنية اأر ضيات املالط املدكوك خالل الع رص الروماين وتعددت اأمناطها الفنية مثلما تنوعت طبيعة املواد الداخلة يف اإعدادها الإن شائي و سوف نتطرق ضمن هذه الدرا سة اإىل أابرز مالمح التطور الفني لهذا النوع من الأر ضيات وذلك من خالل ا ستعرا ض لبع ض النماذج الفنية التي اكت شفت يف موقع مدينة قرطاجة والتي يرجع تاريخها اإىل فرتة ال ستيطان الروماين للمدينة خالل الع رص الروماين )20(. إشكالية الدراسة: على الرغم من كرثة الدرا سات الأثرية والتاريخية التي تناولت بالبحث والدرا سة املالمح الفنية والتقنية لأر ضيات املالط املدكوك وبداياتها التاريخية باعتبارها اإحدى فنون الزخرفة املعمارية الرومانية التي ل تدين بالف ضل من حيث الأ صالة والبتكار اإل لرومانيتها اخلال صة جند باملقابل ندرة ملحوظة من هذه الدرا سات التي تطرقت مل صاألة حتديد الأ صول التقنية لهذا النوع من الأر ضيات والتي عزت بداياتها التقنية والتاريخية اإىل املعماريني البونيقيني يف احل ضارة القرطاجية الذين ابتدعوها لأول مرة كنوع من أانواع الزخرفة املعمارية التي ا ستخدمت يف عمارة املنازل اخلا صة والعامة منذ القرن الرابع قبل امليالد وما اأدته لحقا من دور فني وح ضاري يف تطور املالمح الفنية والتقنية لنظرياتها الرومانية وذلك بدءا من منت صف القرن الثاين قبل امليالد وحتى القرن الثاين امليالدي. وفيما ياأتي ا ستعرا ض لبع ض تلك الدرا سات التي كانت وما زالت تتبنى الراأي العلمي الذي يج شيد بالدور التقني الروماين اخلال ص يف مال اإعداد اأر ضيات املالط املدكوك ومن ثم عدم اإقرارها بوجود أاي دور ح ضاري اآخر على الرغم مما اأوردته بع ض امل صادر الأدبية الكال سيكية القدمية من جهة ودللت عليه بع ض ال شواهد الأثرية املكت شفة يف بع ض املواقع البونيقية من جهة أاخرى. قامت الباحثة اإليطالية ماريا لويزا موريكوني Morricone( )Maria Luisa بدراسة أثرية مستفيضة حول أرضيات المالط المدكوك الرومانية المكتشفة في غالبية مدن شبه الجزيرة اإليطالية وأقاليما تطرقت من خاللها للبدايات التاريخية ومواقع اكتشاف هذا النوع من األرضيات وطبيعة أنماطها الفنية وكذلك مواد البناء المختلفة التي استثمرت في إعداد تركيبها اإلنشائي وذلك ضمن مباني الفيالت والحمامات والمنازل الخاصة والمعابد بدءا من منتصف القرن الثاني قبل الميالد وحتى القرن الثاني الميالدي. Morricone, Maria Luisa, Scutulata Pavimenta, L Erma di Bretschneider, Roma, 1980 374

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 الباحثة ماريون اإليزابيث بليك Blake( )Marion Elizabeth اأ شارت من خالل درا ستها للمالمح الفنية لالأر ضيات الرومانية العائدة للع رصين اجلمهوري والإمرباطوري اإىل اأن تاريخ ا ستخدام اأر ضيات املالط املدكوك يف روما يعود تاريخها اإىل منت صف القرن الثاين قبل امليالد وذلك دومنا الإ شارة اإىل اأية دلئل لأ صولها التقنية البونيقية )21(. اأما الباحث بيرت في رش Fischer( )Peter فقد اأ شار يف درا سته املتعلقة بتاريخ تقنية الزخرفة املعمارية الرومانية يف مال صناعة الف سيف ساء اإىل أان تقنية املالط املدكوك هي رومانية الأ صل وعليه ن سبها من حيث الن صاأة اإىل مدينة سيينا الرومانية الواقعة يف اإقليم لتيوم وقد ا ست شهد ببع ض النماذج الفنية املكت شفة يف بع ض شوارع ومنازل مدينة بومبي )22(. الباحث ح. سترين Stern(.H( اأ شار فيما قام به من درا سة اإىل اأن هذا النوع من الأر ضيات قد خ ضع لتاأثريات فنية اإغريقية وباأنه قد اأخذ ي شق طريقه تدريجيا باجتاه اإيطاليا منذ منت صف القرن الثاين قبل امليالد ليبلغ بعدها اأوج ازدهاره يف القرن الأول قبل امليالد حتى عم كامل املقاطعات الالتينية التي برزت من بينها مدينة سيينا الإيطالية كاأهم مدينة شهدت البدايات التقنية لهذا النوع من الأر ضيات التي كانت مبنزلة تيار فني جديد عرفته اآنذاك شبه اجلزيرة الإيطالية )23(. اأما الباحثة ماريا موريكوين Morricone( )Maria فقد اأ شارت يف درا ستها امل ستفي ضة لأر ضيات املالط املدكوك الرومانية املكت شفة يف غالبية املدن والأقاليم الإيطالية اإىل اأنها تقنية رومانية خال صة امتد تاريخ تطورها من منت صف القرن الثاين قبل امليالد وحتى القرن الثاين امليالدي وعر فتها اإىل جانب ت سميتها املعهودة لتينيا )Sigm( بت سمية أاخرى هي )Scutulatum( كما أانها مل تورد يف درا ستها اأية اإ شارة لأي دور ح ضاري قرطاجي ضمن هذا الإطار بل اإنها على العك س من ذلك قد اأيد ت لفيف الباحثني القائلني باأ صولها الإغريقية )24(. الباحثة عبري قا سم يف إاحدى الدرا سات العربية الأكادميية التي اأجرتها والتي تناولت من خاللها بالبحث والدرا سة بع ض اأهم معامل الفنون الزخرفية امل ستخدمة يف مال اإعداد الأر ضيات يف فن العمارة الرومانية مل تتطرق بدورها اإىل الدور التقني املهم الذي اأدته اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية يف ن شوء نظرياتها الرومانية وتطورها واكتفت باقتبا س ما ورد من معلومات يف غالبية املراجع والدرا سات الأثرية الأجنبية التي تبن ت مبداأ التجاهل التاريخي واحل ضاري الوا ضح ملالمح تطور الفنون الزخرفية املعمارية يف مال اإعداد الأر ضيات يف فن العمارة القرطاجية خالل الع رص البونيقي )25(. 375

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها الباحثة جني بيري اآدم Adam( )Jean Pierre اأ شارت يف درا ستها لفنون العمارة ومواد البناء الرومانية اإىل اأن اأر ضيات املالط املدكوك ذات اأ صول رومانية دومنا الإ شارة اإىل اأي دور ح ضاري قرطاجي ضمن هذا اجلانب التقني املعماري كما ا ستعر ضت بدورها مموعة الأ س س الفنية التقنية التي ذكرها فيرتوفيو س حول هذا النوع من الأر ضيات يف كتابه الثامن من كتاب فن العمارة )26(. اأما الباحثة اأن ا لويزا فيلو سا Velosa( )Ana Luisa وبالتعاون مع االباحثني: رو ساريو فييجا Veiga( )Rosario و جو كوروادو Coroado( )Joao و فيكتور فريريرا ferreira( )Victor و فرناندو روكا Rocha( )Fernando فقد تطرقوا من خالل ما قاموا به من درا سة اإىل طبيعة اإحدى مواد البناء التي ا ستخدمت ضمن مكونات الرتكيب الإن شائي لأر ضيات املالط املدكوك الرومانية واملتمثلة يف مواد ال صخور الربكانية املعروفة بالبوزولنا )Pozzolana( )27( وذلك دون الإ شارة إاىل نظرياتها القرطاجية التي سبقتها إاىل مثل هذا النوع من ال ستخدام خالل الع رص البونيقي منذ القرن الرابع قبل امليالد. على الرغم مما اأوردته الدرا سات الأثرية والتاريخية فيما يخ ص م صاألة املن صاأ التقني الروماين اأو الإغريقي لأر ضيات املالط املدكوك فان الباحث يرى من خالل هذه الدرا سة عدم صحة مثل هذا العتقاد أاو الراأي العلمي وباأن هذا النوع من الأر ضيات هو ذو اأ صل بونيقي خال ص وذلك من خالل ال ستدلل ببع ض امل صادر الأدبية الكال سيكية القدمية وكذلك ال شواهد الأثرية التي ك شفت عنها التقنيات الأثرية التي اج جريت ضمن مواقع عدة من املدن القرطاجية من جهة و مواقع بع ض امل ستعمرات التي كانت تابعة لقرطاجة يف منطقة غربي املتو سط من جهة أاخرى. أوال - املصادر األدبية الكالسيكية القدمية: 1- ماركوس كاتو: اأ شار الكاتب الروماين ماركو س بور شيو س كاتو )-234 Cato- Marcus Porcius 149(.B C يف اجلز أاين ال سابع ع رش والثامن ع رش من كتابه )يف الزراعة( إاىل هذا النوع من الأر ضيات وذلك عند حديثه عن الأ س س الفنية املعمارية الواجب اتباعها عند القيام استخدم البونيقيون في قرطاجة الصخور البركانية ذات النسيج البلوري كواحدة من المكونات اإلنشائية ألرضيات المالط المدكوك وذلك منذ القرن الرابع قبل الميالد وقد كان البونيقيون يستجلبون هذه الصخور من جزيرتي سردينيا وصقلية ليشكلوا منها مكعبات أو شظايا صغيرة الحجم كانت ت رصع بها أسطح أرضيات المالط المدكوك. فنطر محمد حسين الحرف والصورة في عالم قرطاج أليف- منشورات البحر األبيض المتوسط مركز النشر الجامعي تونس 1999 ص 160. 376

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 باإن شاء غرف معا رص الزيتون التي شكلت فيها اأر ضيات املالط املدكوك عن رصا فنيا اإن شائيا ل يتجزاأ عن باقي العنا رص الإن شائية الأخرى الالزمة لإقامة مثل هذا النوع من املباين املرتبطة بفعاليات الن شاط الزراعي وقد ع رف كاتو هذا النوع من الأر ضيات ب الأر ضيات ذات النمط البونيقي Facito( )Punicanis والتي تن صاأ ح سبما اأ شار وفق الأ س س الفنية الآتية: اجعل نطاق الأ سا س الأم وب شكل متماثل على عمق قدمني ثم قم بعد ذلك بدك الأ سا س وانرث اأعاله طبقات موؤلفة من ك رس احلجارة ال صغري احلجم وم سحوق الكل س بعد ذلك قم ببناء الأر ضية على النحو الآتي: بعد اإجراء عملية الت سوية بو ساطة ال شاخ ص انرث الطبقة امل ؤولفة من مواد اجل ص وم سحوق الكل س وقم بدك ها باجتاه الأ سفل ثم يليها طبقة أاخرى م شابهة باملوا صفات نف سها بعد ذلك قم بغربلة م سحوق الكل س من فوقها حتى عمق اإ صبعني ومن ثم اطرح الأر ضية املوؤلفة من شظايا القرميد وقم بدك ها باجتاه الأ سفل ومن بعد ذلك صقلها حتى يج ح صل على سطح ناعم واأمل س )28(. شكل- 1- يرى الباحث اأن ماتقل ده كاتو من منا صب مهم ة يف حياته ال سيا سية والتي من بينها من صب الكن سورية يف صقيلة واأفريقيا يف عام- 204 ق. م- والربينورية يف رسدينيا عام- 198 ق. م- ثم من صب القن صلية يف اإ سبانيا عام- 195 ق. م- قد اأتاحت له الطالع عن كثب على هذه التقنية ول سيما إاذا علمنا باأن اأرا ضي هذه املقاطعات الرومانية قد احت ضنت يف املا ضي بع ض أاهم مراكز امل ستعمرات الفينيقية التي كانت منت رشة يف اجلزء الغربي من حو ض املتو سط مثل: قاد س )Cades( وغدير )Gadir( وايبيزا )Ebiza( يف اإ سبانيا واأوتيكا وكركوان وقرطاجة على ال ساحل ال شمايل لأفريقيا وموتيا و سيلينو س يف جزيرة صقلية ثم م ستعمرة نورا )Nora( يف جزيرة رسدينيا. 2- بليين األكرب: اأ شار الكاتب الروماين جايو س بلينيو س سكيندو س Secundus-( Gaius Plinius -23( 79 AD وامللقب بالأكرب يف كتابه اخلام س والثالثني يف معر ض حديثه عن الفخار لقد دلت الشواهد األثرية المكتشفة في ليبيا على عدة نماذج فنية معمارية لمعاصر الزيتون التي كانت منتشرة في العصر الروماني في بعض مراكز القرى ذات االقتصاد الزراعي الواقعة في ما يسمى بمنطقة الجبل في إقليم المدن الثالث وهي مبان يعود تاريخها إلى المدة الممتدة بين القرن األول والقرن الرابع الميالدي فعلى سبيل المثال في إحدى القرى الزراعية الواقعة في منطقة قصر الداوون Dauun( )Gasr ed- الواقعة شرقي منطقة الجبل الغربي ع ثرعلى بقايا لمعصرة رومانية اشتملت على عدة عناصر فنية معمارية من بينها أحواض وقنوات لتجميع زيت الزيتون وكذلك جدران وأرضيات مشيدة وفق تقنية المالط المدكوك. Oates, David, The Tripolitania Gebel- Settelment of the Roman Period around Gasr ed- Dauun, Papers of the British School at Rome, vol. xxi, The British School at Rome-.Richard Clay and Company Ltd, Great Britain, London, 1953, pp. 85, 86, 87, 94, 105 377

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها ذي اجلودة العالية الذي ا شتهرت به مدن: ريجيو )Reggio( وكوماي )Cumae( يف الإقليم ال ساميني )Samian( إاىل هذا النوع من الأر ضيات املبتكرة املتميزة باملتانة وال صالبة والتي كانت تت أالف من مموعة ك رس من الأواين الفخارية املدكوكة واملج ضافة اإىل ما كان يج عرف اآنذاك با سم مادة كل س سيينا Signina( )Calce )29( ويف كتابه ال ساد س والثالثني اأ شار اإىل نوع آاخر من الأر ضيات الذي كان يتاألف تارة من مواد الرتبة وتارة اأخرى من الطني اأو احلجارة والتي كان تج دك بو ساطة مدكات متنوعة خ ص صت لهذا الغر ض وهو ما اأك سبها ت سمية )املدكوكة( )30(. وي ضيف بليني ضمن هذا الكتاب باأن هذا النوع من الأر ضيات املدكوكة قد بداأ ا ستخدامها من قبل الإغريق على اأ سا س أانه نوع من اأنواع االطالءات الفنية التي كانت تنجز برباعة وتقنية فائقة اإىل أان حلت حملها لحقا اأر ضيات الف سيف ساء من برجامة Per-( )gamum اإل اأنها من حيث الأ صل وح سبما كان يعتقد كانت بالن سبة للرومان مبنزلة اأر ضيات اأجنبية )Barbarica( قد اقت رص ا ستخدامها على الأماكن الداخلية املغلقة )31(. وعلى الرغم مما ذكره بليني من اأن الأر ضيات املدكوكة قد رصج ع يف ا ستخدامها من قبل الإغريق )Graeci( من جهة واأنها ذات اأ صول تقنية اأجنبية )بربرية( من جهة أاخرى جنده باملقابل مل يحدد أاي من شعوب احل ضارات القدمية معنيني مب صطلح بربري وبهذا ال صدد يرى الباحث باأن يف ذلك اإ شارة غري مبا رشة اإىل اأ صولها التقنية البونيقية واأن ال شعوب املعنية بذلك هم البونيقيون اأنف سهم وذلك ا ستنادا اإىل الآتي: اإن بليني يف كتابه ال ساد س والثالثني ذكر باأن الأر ضيات املدكوكة هي اإغريقية من حيث بدايات ال ستخدام وبربرية من حيث املن صاأ وذكر شعوب الإغريق ا صطالحا ب )Graeci( يف احلالة الأوىل ومن هم سواهم حتت م صطلح )Barbarica( يف احلالة الثانية الأمر الذي يوؤكد باأن ثمة جن سني من ال شعوب معنيون بهذا اجلانب الفني احل ضاري واإذا مل يكن الأمر كذلك و أان ال شعوب املعنية بهذه التقنية يف كلتا احلالني هم الإغريق فما الداعي لأن يذكر بليني ا صطالح الإغريق فيما يخ ص البدايات الأوىل لال ستخدام التقني لهذا النوع من الأر ضيات ثم يعود ليذكرهم من جديد حتت م صطلح )الرببر( فيما يخ ص عالقتهم باأ صول هذه التقنية هذا من جهة. من جهة أاخرى راأى بع ض الباحثني الذين اهتموا بدرا سة تاريخ زخرفة الأر ضيات الرومانية يف اإيطاليا من اأمثال )1930 )Blake و )1975 )Stern باأن هذا النوع من الأر ضيات ذو اأ صول اإغريقية وذلك يعد جتاهال متعمدا منهم- ح سبما يرى الباحث- للدور احل ضاري الذي اأدته شعوب بع ض املراكز احل ضارية العربية القدمية ول سيما اأن اإحدى 378

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 شعوب تلك املراكز احل ضارية على سبيل املثال كانت لهم الريادة يف مال تقنية الزخرف املعماري يف مال اإعداد الأر ضيات املتعلقة بفن صناعة الف سيف ساء. اإ ضافة اإىل ذلك اأن بع ض مناذج اأر ضيات الزخرف املعماري التي كانت حتمل و سم مكعبات المبليما )Emblema( الذي يج سد الإلهة تانيت (Tanit) التي كانت من اأكرث النماذج الزخرفية شيوعا يف قرطاجة قد عج رث على مناذج فنية اأخرى م شابهة لها يف مدينة فينيقيا )Phoenicia( الواقعة على ال ساحل اللبناين )32(. ل شك يف اأن الإغريق قد نقلوا عن البونيقيني هذه التقنية وذلك نتيجة ملا جرى من توا صل ح ضاري بني الإغريق ونظرائهم من اأ سالف البونيقيني من ال شعوب الفينيقية حينما تزامن الوجود ال ستيطاين الإغريقي يف جزيرة صقلية مع من سبقهم من الفينيقيني خالل القرن ال سابع قبل امليالد )33( وهو ما دلت عليه تلك النماذج الفنية العديدة لأر ضيات املالط املدكوك التي حملت و سم الإلهة تانيت والتي عرث عليها يف معظم مدن اجلزيرة التي من بينها: مورجنتينا موتيا سولونتوم و سيلينو س )34(. ومما جتدر الإ شارة اإليه اأن و سم اأر ضيات املالط البونيقية برمز الإلهة تانيت ذات املغزى الديني وال سحري كانت سمة فنية متالزمة ملثل هذا النوع من الأر ضيات يف مال عمارة املباين البونيقية يف منطقة شمايل اأفريقية وكذلك الفينيقية يف منطقة ال رشق الأدنى القدمي باملقابل ف إانه يف الع رص الهيلين ستي وخالل املدة التاريخية املمتدة بني أاواخر القرن الثاين واأوائل القرن الأول قبل امليالد برزت ظاهرة طبع الفنانني البونيقني لأ سمائهم ضمن مناذج فنية من ف سيف ساء الأر ضيات من نوع الت سيالتوم )Tesselatum( تانيت إلهة فينيقية األصل مشهورة كانت تمثل اإللهة األم وهي من المعبودات التي اشتهرت في منطقة غربي البحر المتوسط وكانت تتميز بصفات سماوية وأخرى أرضية فمن صفاتها السماوية عالقتها المتينة بالقمر الذي كثيرا ما نجده منحوتا على سطح الن صب التذكارية أما صفاتها األرضية فتتمثل في عالقتها المتينة بالخصب الذي كان ي رمز له بثمرة الرمان وحبوب الغالل وشجرة النخيل وكانت تانيت وفق المعتقد الديني تسهر على حياة المدينة وعلى رزق سكانها وخصبة أراضيها ونمو أنعامها وهي األم الحنون التي تمنح البونيقيين كل خير األمر الذي أوجب عليهم التقر ب إليها ابتغاء لمرضاتها. فنطر محمد قرطاج- لمحة تاريخية عن الحضارة البونيقية منشورات دار الثقافة تونس 1963 ص ص 46. 45 عند مجيء اإلغريق إلى جزيرة صقلية كان الفينيقيون يستوطنون السواحل الصخرية من الجزيرة وكذلك الجزر الصغيرة ومن ثم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى النزوح باتجاه الجزء الغربي من الجزيرة في أواخر القرن الثامن قبل الميالد واستقروا هناك حتى القرن الرابع قبل الميالد حيث قاموا بتأسيس ثالث مستعمرات رئيسة هي: بانورمو )Panormo( وسولونتو )Solunto( وموتيا التي كانت أكثر المدن أهمية بالمقابل قام اإلغريق بتأسيس مستعمراتهم في الجزء الشرقي من الجزيرة والتي كان من أبرزها ناكسوس )Naxos( وسيراكوزا )Syracuse( وكان ذلك فيما بين عامي )734-733 ق. م.(. Audet, Maria Eugenia, The Phoenicians and the West Politics,Colonies and Trade,.Cambridge University Press, First Published, Cambridge, 1993, p. 200 379

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها الذين كانوا على دراية فنية تامة بها ومن ثم برعوا يف تقنيتها الأمر الذي أادى بهم يف نهاية املطاف إاىل تنفيذ اأعمال فنية من هذا النوع خارج حدود قرطاجة وهو ما دلت عليه ال شواهد الأثرية التي عج رث عليها يف جزيرة ديلو س )Delos( داخل اإحدى القاعات املعم دة يف ما يج عرف مبنزل الدلفني حيث ا شتملت اإحدى الأر ضيات على اأج طر تزيينية للوحات الفنية حملت توقيع ملنفذها حتت ا سم اآ سكل بياد س Piades( )Askle من اأرادو س )Arados( )35(. إان م صطلح الرببر الذي اأ شار اإليه بليني قد ورد ذكره يف الكتاب ال سابع ع رش من كتاب )جغرافية سرتابو( وذلك حينما اأطلق املوؤرخ اجلغرايف سرتابو )Strabo( م صطلح )βàpβapоị( على بع ض سكان املغرب العربي الذين كانوا يقطنون اجلزء اجلغرايف املواجه مبا رشة ل شبه جزيرة اإيبرييا )Iberia( )36( ويرى الباحث باأن هذه البقعة اجلغرافية كانت ت ضم اإحدى اأهم أاقدم امل ستعمرات الفينيقية التي تاأ س ست خالل القرن ال سابع قبل امليالد يف منطقة غربي املتو سط واملتمثلة يف م ستعمرة كوا س )Kouass( الواقعة اأطاللها فوق اإحدى التالل عند الإنحناءة الطبيعية لنهر )Loukkos( على ال ساحل الغربي للمغرب عند م ضيق جبل طارق والتي ا شتهرت اآنذاك باإنتاجاتها املتنوعة من الفخار الأحمر والك ستنائي واملزجج هذا بالإ ضافة اإىل م ستعمرة بانا سا )Banasa( التي ك شفت التنقيبات الأثرية ضمن موقع اأطاللها عن مناذج فنية من اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية. اإن الأر ضيات الإغريقية التي ذكرها بليني وو صفها باملدكوكة هي تلك الأر ضيات- ح سبما يرى بع ض الباحثني- ذات العالقة بالف سيف ساء احل صوية Mosaics( )Pebbles التي عهدها فن العمارة الإغريقية منذ الع صور امليكينية )Mycenaean( )37( هذا من جهة. ومن جهة ثانية يرى الباحث اأن بليني قد خلط بني اأر ضيات املالط املدكوك وتلك املتعلقة بالف سيف ساء احل صوية. وتربز اأوىل الأدلة الأثرية لهذا النوع من الأر ضيات من خالل بقايا اإحدى الأر ضيات املكت شفة يف معبد أاثينا برونايا Pronaia( )Athena يف دلفي ببالد الإغريق والتي يرجع تاريخها اإىل القرن ال ساد س قبل امليالد وقد تيزت هذه الأر ضيات با ستخدام مموعات من احل صى امل صقول طبيعيا واملطمور يف طبقة املالط )38( وعليه ف إان كال النوعني من الأر ضيات يختلفان عن بع ضهما من حيث التقنية وطبيعة مواد البناء فالف سيف ساء احل صوية تت شابه مع نظرياتها املتعلقة بف سيف ساء املكعبات احلجرية وذلك من كونهما يعتمدان تقنية تثبيت القطع احلجرية ضمن طبقة رفيعة من املالط وذلك بخالف اأر ضيات املالط املدكوك التي ا ستخدم فيها تقنية دك مواد البناء املختلفة املمزوجة مع مالط الكل س الطري طورا وتلك املدمة ضمن سطح املالط طورا اآخر. 380

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 ثانيا - الشواهد املادية األثرية: تتمثل مموعات ال شواهد املادية الأثرية يف العديد من النماذج الفنية لأر ضيات املالط املدكوك البونيقية التي ك شفت عنها التقنيات الأثرية التي جرت ضمن مواقع اأطالل بع ض املدن البونيقية القرطاجية الواقعة يف قرطاجة وتلك الواقعة ضمن امل ستعمرات البونيقية الواقعة خارج حدود قرطاجة يف منطقة غربي املتو سط يف منطقة شمايل اأفريقيا وجزيرة صقلية و سوف يقت رص الباحث باحلديث عن بع ض النماذج الفنية اكت شفت ضمن اأ شهر املدن وامل ستعمرات البونيقية التي من أابرزها: مدينتي كركوان وبري سه يف قرطاجة مدينة مورجنتينا يف جزيرة صقلية ثم مدينة لبت س الكربى Magna( )Leptis يف اإقليم املدن الثالث يف ليبيا. مدينة كركوان: اكت شف موقع مدينة كركوان يف عام- 1952 م- واأقيمت اأوىل حفريات التنقيب باملوقع على يد الباحث الفرن سي Cintas( )Pierre وكان ذلك يف عام- 195 م ثم اأعقب ذلك احلفريات ال ضخمة التي قام بها املعهد القومي للفن والآثار بتون س وقد اأ سفرت احلفريات عن اكت شاف كامل معامل املدينة التي شملت املنازل مبرافقها املعمارية املختلفة واجلدران احل صينة وال شوارع والأفنية هذا اإىل جانب العديد من العنا رص الفنية املعمارية التي ت ضمنت اأر ضيات املالط املدكوك مبا حتويه من مواد بناء متنوعة ك شظايا القرميد املدكوك اأو الأواين الفخارية وقطع الرخام الأبي ض بالإ ضافة اإىل مموعة الأطيان املتنوعة التي ا ستخدمت يف عمارة املباين وقطع احلجارة واجل ص الذي اكت ست به اجلدران باألوانه املتعددة وكذلك الأعمدة )39(. لقد بج لطت اأر ضيات احلجرات والقاعات و صالت ال ستحمام وكذلك الأحوا ض يف املنازل والفيالت البونيقية يف قرطاجة باأر ضيات من املالط املدكوك املوؤلف من شظايا القرميد التي اأ ضفت عليه لون اأحمر واملر صع اإما ب شظايا اأو قطع صغرية من الرخام الأبي ض اإل اأن اأبرز ما تيزت به هذه الأر ضيات هو احتواء اأ سطحها على شكل زخريف يج سد الإلهة تانيت صج مم من خالل مموعة من املكعبات الف سيف سائية البي ضاء اللون املدمة ضمن سطح الأر ضية املتكون من املالط و شظايا القرميد )40(. شكل 2. ومما جتدر الإ شارة اإليه أان الرمز الديني املتمثل يف جت سيد الإلهة تانيت والذي عرف لحقا ب ( إام ضاء تانيت( يعد من ال سمات الفنية الوا ضحة التي تيزت بها اأر ضيات املالط املدكوك املكت شفة ضمن اأ سطح قيعان الأحوا ض واأر ضيات املنازل البونيقية يف 381

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها مدينة كركوان )41( اإ ضافة اإىل مباين بع ض مدن امل ستعمرات البونيقية الأخرى يف غربي املتو سط مثل مدينة سيلينو س يف صقلية ومدينة نورا يف رسدينيا )42( وقد كان هذا الرمز الديني ال شبيه مبا يعرف ب ) صوجلان هرم س( الذي عرث عليه يف مدينة نورا واملعد اأ سا سا لدرء ال رشور وفق املعتقد الديني والروحي يف احل ضارة القرطاجية يج نفذ يف الغالب من مموعة من القطع احلجرية البي ضاء اللون )رخام- حجر جريي( ذات ال شكل املكعب واملدمة ضمن طبقة املالط املمزوج ب شظايا الفخار الأحمر وقد جرى تاأريخ هذا الرمز ضمن اأر ضيات مدينة كركوان إاىل مرحلة القرن الرابع قبل امليالد )43(. شكل 2 اأما فيما يتعلق بالأحوا ض التي كانت تزخر بها عموم املنازل يف مدينة كركوان فقد صممت اأ سطح قيعانها بطريقة املالط املدكوك التي شكلت البدايات التاريخية ملثل هذا ال ستخدام التقني يف مال العمارة القرطاجية )44( وقد تباين الغر ض الإن شائي الكامن وراء اإن شاء مثل هذه الأحوا ض بني الغر ض الديني وال صحي والقت صادي. شكل 3 ففي اإحدى منازل املدينة عج رث على حو ض اعتقد بع ض الباحثني باأنه كان ي ستخدم لإعداد اأ صباغ الأرجوان يف حني راأى بع ضهم الآخر منهم باأنه قد خ ص ص لغر ض ال ستحمام )45( كما عج رث على أاحد الأحوا ض الذي يحتمل اأنه كان خم ص صا لغر ض ديني وذلك من خالل ال ستدلل بالرمز الزخريف الذي ج سد الإلهة تانيت صج مم من قطع احلجر )46( اجلريي املدمة يف طبقة من املالط املدكوك املقاوم للمياه ضمن سطح قاع احلو ض اإل اأنه بغ ض النظر عن دواعي ال ستخدام الكامنة وراء اإن شاء مثل هذه الأحوا ض فاإن ما مي ز هذه الأحوا ض هو اأ سطح قيعانها ذات املالط املدكوك التي جرى تاأريخها اإىل مرحلة القرن الرابع قبل مليالد. مدينة مورجنتينا: مورجنتينا مدينة تقع و سط جزيرة صقلية ضمت مبانيها خالل الع رص الهلين ستي أاعداد كبرية من اأر ضيات املالط املدكوك التي ك شفت عنها التقنيات الأثرية التي اجريت يف املدة بني عامي 1986-1987 م والتي تركزت ب شكل اأ سا سي ضمن مباين املنازل الواقعة فوق التلتني ال رشقية والغربية من موقع املدينة حيث جرى اإعداد غالبية اأر ضيات املنازل لقد كان الفينيقيون سادة إنتاج وتجارة األصباغ األرجوانية وأول من ابتكرها من شعوب العالم القديم وكانت كركوان على وجه التحديد واحدة من مراكز تصنيع األصباغ األرجوانية في العهد البونيقي وتعد بقايا أصداف محار الموركس )Murex( التي عثر عليها خير شاهد على ذلك. Ben Khader, Aicha Ben Abed and Soren, David, Carthage: A Mosaic of Ancient Tunisia, The American Museum of Natural History in association with W. W. Norton.and Company, New York- London, 1953, p. 113 382

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 بتقنية املالط املدكوك التي يرجع تاريخها اإىل املدة املمتدة بني القرن الثالث ومنت صف القرن الأول قبل امليالد )47(. تتاألف اأر ضيات املالط املدكوك يف مورجنتينا من مموعة من مواد البناء املعهود ا ستخدامها يف اإن شاء هذا النوع من الأر ضيات واملتمثلة يف شظايا القرميد احلجرية املتعددة الأ شكال التي ا ستخدمت لتزيني سطح الأر ضية بنماذج فنية متنوعة وباألوان متباينة شملت الأخ رض والأ صفر والأ سود ثم البنف سجي. ونظرا للوفرة التي كانت تتميز بها املواد الفخارية واخلزفية يف ثقافة شعوب العامل القدمي وا ستخدامها يف مال بناء الأ سقف واأنابيب املياه وغريها من املرافق املعمارية فاإن ذلك قد اأ سهم يف شيوع اأر ضيات املالط املدكوك وازدياد عددها يف املدينة باملقارنة مع عدد اأر ضيات الف سيف ساء اإ ضافة اإىل التكاليف غري الباهظة التي يتطلبها اإجناز مثل هذا النوع من الأر ضيات )48(. من بني اأبرز منازل مورجنتينا التي ضمت مناذج فنية رائعة لأر ضيات املالط املدكوك منزل ال صهريج املقنطر Cistern( )Arched ومنزل التيجان التو سكانية Capitals( )Tuscan ومنزل ال صهريج املزدوج Cistern( )Double وهي اأر ضيات يرجع تاريخها إاىل القرن الثالث قبل امليالد )49(. اأما فيما يتعلق باأر ضيات املالط املدكوك التي تنتمي اإىل املرحلة البونيقية املت أاخرة فتربز بع ض شواهدها الأثرية من خالل مناذج الأر ضيات التي عرث عليها يف كل من: مدينة بري سه يف قرطاجة ومدينة لبت س الكربى يف اإقليم املدن الثالث )Tripolitania( يف ليبيا. مدينة لبتس الكربى: لقد ع رث يوا سطة التنقيبات التي قامت بها بعثة الآثار من متحف جامعة فيالدلفيا الأمريكية خالل عامي 1960-1961 م وذلك يف أاثناء تتبعها ملراحل ال ستيطان الفينيقي الأوىل ال سابقة ملرحلة ال ستيطان الروماين ملدينة لبت س الكربى عج رث ضمن اإحدى الطبقات احل ضارية التي ك شف عنها النقاب اأ سفل موقع امليدان الروماين القدمي على اأر ضيات م صنوعة من املالط املدكوك يرجع تاريخها اإىل املرحلة املمتدة بني- 241-118 ق. م- ت أالفت من مالط ذي لون زهري يحتوي على شظايا من الفخار وقطع حجرية بي ضاء اللون صج مم بع ضها على هيئة مكعبات وبع ضها الآخر على هيئة اأ شكال ما سية وهي اأر ضيات شبيهة بتلك التي عج رث عليها يف مدينة كركوان والتي يرجع تاريخها اإىل الفرتة املمتدة بني القرن الرابع والقرن الثاين قبل امليالد )50(. 383

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها مدينة بريسه: عج رث على مناذج فنية لأر ضيات املالط املدكوك يف اإحدى منازل احلي البونيقي الواقع على املنحدر اجلنوبي لإحدى التالل يف مدينة بري سه يف قرطاجة وهى اأر ضيات تنتمي للمرحلة البونيقية املتاخرة املمتدة بني- 200-146 ق. م- تيزت بذات املوا صفات الفنية والتقنية التي تيزت بها نظرياتها التي شاع ا ستخدامها يف القرن الثاين قبل امليالد خالل الع رص الهلين ستي ومن اأبرز مميزاتها مالطها ذو اللون الزهري وال سطح الناعم امللم س وكذلك مواد البناء املتنوعة املتمثلة يف الأحجار اجلريية والرخام والفخار واخلزف والتي تفاوتت ن سب توزيعها على ال سطح وب شكل ع شوائي من حيث الكثافة والكمية )51(. الرتكيب اإلنشائي ألرضيات املالط املدكوك البونيقية: مل يت سن للباحث الفر صة لالطالع عن كثب على طبيعة الرتكيب الإن شائي العام واخلا ص لأر ضيات املالط املدكوك البونيقية من واقع ال شواهد الأثرية املكت شفة ضمن مواقع بونيقية عدة واأن ما سيعر ض من معلومات ومناذج فنية تخطيطية لهذا النوع من الأر ضيات ي ستند بالدرجة الأوىل إاىل املعلومات التي اأوردتها بع ض الدرا سات والأبحاث الأثرية امل ستندة اأ سا سا اإىل ما اكت شف اإ ضافة اإىل تلك الواردة يف بع ض امل صادر الأدبية الكال سيكية القدمية. فالفكرة التقنية املتبناة يف إاعداد مثل هذه الأر ضيات هي ذاتها التي تبناها الرومان لحقا يف عمارة املباين اخلا صة والعامة مع وجود تباين وا ضح وطفيف يف تقنية الإعداد وطبيعة بع ض مواد البناء امل ستخدمة وذلك من حيث طريقة إاعدادها وتوظيفها الأمثل ضمن الرتكيب الإن شائي للنج طج ق املختلفة التي يتاألف منها هذا النوع من الأر ضيات. وا ستنادا إاىل تلك املعلومات الواردة يف الدرا سات الأثرية والتاريخية وكذلك امل صادر الكال سيكية القدمية فقد اأمكن للباحث ت صنيف اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية اإىل اأربعة اأنواع وذلك على النحو الآتي: النوع األول: اكت شفت اإحدى النماذج الفنية لهذا النوع من الأر ضيات ضمن اأطالل مدينة بانا سا البونيقية يف املغرب ويتاألف تركيبها الإن شائي من الأ سا س الأويل الذي تثله اإعدادات الرتبة الطبيعية للمكان املعد لالإن شاء يليها مموعة من البالطات ال صلبة امل صنوعة من القرميد واملثبتة ب شكل اأفقي لت شكل طبقة اإن شائية داعمة ملا يعلوها من طبقات أاخرى يليها طبقة م ؤولفة من الطني الأحمر ب سمك يرتاوح بني 2-3 سم لتعلوها بعد ذلك الطبقة 384

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 النهائية التي تثل الأر ضية وامل ؤولفة من مالط الكل س املخلوط مع الرمل وكذلك شظايا الفخار املطلي أاو املزجج املدمة يف سطحها ب إاتقان ضمن زخرفة هند سية صممت على هيئة شبكات واأربطة افقية اإ ضافة اإىل شظايا عدة اأخرى متنوعة تباينت األوانها بني اللون الأحمر الك ستنائي واللون الق شدي القامت ويج عد ا ستخدام شظايا الفخار املطلي اأو املزجج اأ سلوبا فنيا من املحتمل اأن يكون من اإنتاجات مدينة كوا س )52( والتي يرى الباحث باأنها املدينة التواأم ملدينة سيينا الإيطالية من حيث اإنتاج الفخار. شكل 4 ومما جتدر الإ شارة اإليه أان الفخار املزجج كان قد عهده الفينيقيون منذ ع صور قدمية وهو ما دلت عليه الأواين الفخارية التي عج رث عليها يف مواقع فينيقية اأخرى يف جزيرة قرب ص والتي من املحتمل اأنها كانت مور دة اإليها من بع ض املدن الفينيقية اأو اأنها كانت م صن عة باأيدي حرفيني فينيقيني أاقاموا م صانعهم باجلزيرة ويرجع تاريخ صناعة هذه الأواين اإىل املدة املمتدة بني القرنيني ال سابع والرابع قبل امليالد )53(. اإل اأنه باملقابل ل ميكننا التغا ضي عن دور الفخار املزجج الذي كان ي ستورد من منطقة جنوبي اإيطاليا اأو ما كان ي سمى ببالد اليونان الكربى بجنوبي اإيطاليا ول سيما ذلك النوع املعروف بالفخار الأترو سكي العايل اجلودة والذي كانت قرطاجة ت ستورد منه بكميات هائلة خالل مرحلة العالقات التجارية القرطاجية الترو سكية منذ القرن ال سابع قبل امليالد والتي تخ ض عنها صادرات هائلة من هذا الفخار باجتاه بع ض املراكز الفينيقية وقرطاجة وجزيرة صقلية )54( وهو ما دل ت عليه احلفائر العديدة التي اأجريت يف كل من مدينيتي كركوان وديدو )Dido( بقرطاجة ففي منطقة ميناء مدينة ديدو على سبيل املثال عج رث على اأر ضيات من املالط املدكوك موؤلفة من شظايا اجلرار الفخارية امل ستوردة من منطقة جنوبي اإيطاليا يرجع تاريخها إاىل القرن الرابع قبل امليالد )55(. ممل القول يف هذا اجلانب اأن تقنية الفخار املطلي اأو املزجج يف قرطاجة والعامل البونيقي كانت يف الأ صل قد ا ستمدت روحها الفنية من تقاليد عريقة بع ضها ذو سمة فينيقية كنعانية وبع ضها الآخر ذو سمة حملية عك ست معها املالمح الفنية لل شعوب التي ا صطبغت بثقافة احل ضارة الفينيقية القرطاجية يف منطقة غربي البحر املتو سط )56(. النوع الثاني: ك شفت حفريات مدينة مورجنتينا بجزيرة صقلية عن مناذج فنية ملثل هذا النوع من الأر ضيات الذي يتاألف من طبقة الأ سا س املوؤلفة اإما من الرتبة اأو الرمل يليها مموعة من احلجارة بقطر 5 سم ويعرف هذا النطاق ب طبقة الأ سا س التي تليها طبقة من املالط يرتاوح سمكها بني 7-10 سم ومن ثم تو ضع اأعالها طبقة الأر ضية املوؤلفة من شظايا القرميد 385

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها أأو الفخار املمزوجة مع املالط املخلوط مع امل سحوق الناجت عن عملية دك القرميد Ter-( )racotta Mortar ويجرى اإعداد طبقة الأر ضية حتى امل ستوى املقرتح اأو املطلوب ومن ثم تخ ضع للت سوية النهائية بالطريقة التقنية نف سها التي تج سو ى بها اأر ضيات الف سيف ساء لت صبح بعد ذلك جاهزة لال ستعمال وذلك عقب عملية ال صقل النهائي ل سطح الأر ضية اأما فيما يخ ص قطع املكعبات احلجرية املعد ة لأغرا ض الزينة فيجري اإقحامها ضمن طبقة املالط الطري ل سطح لأر ضية وذلك قبل اأن يجف ب شكل نهائي ثم يلي ذلك املرحلة النهائية املثمتلة يف عملية صقل ال سطح وتنعيمه. وتعد املكعبات احلجرية البي ضاء اللون من اأكرث املواد شيوعا من حيث ال ستخدام ضمن هذا النوع من الأر ضيات )57(. شكل 5. النوع الثالث: يرى الباحث اأن املالمح التقنية لهذا النوع من اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية تتج سد من خالل الو صف الفني العام الذي نقله اإلينا الكاتب الروماين لوكيو س جونيو س مودوراتو س كولوميال AD( )Lucius Junius Moderatus Columella, 04-70- يف الكتاب الأول من كتابه )يف الزراعة( وذلك عند حديثه عن اأر ضيات اأماكن تخزين غالل احلبوب اأو ماي سمى ب )هج ري القمح( وعلى الرغم من اأن كولوميال مل يج رش رصاحة اإىل الأ صول التقنية البونيقية ملثل هذه الأر ضيات التي و صفها بالرومانية )58( فاإن الباحث مييل اإىل اأن غالبية املعلومات املتعلقة مبجال الزراعة والواردة يف امل صادر الأدبية الالتينية هي ترجمة ملا ورد يف موؤلفات الكاتب القرطاجي ماجو )Mago( املوؤلفة من ثمانية وع رشين كتابا يف مال الزراعة هذا اإىل جانب اأن كولوميال فبل تتعه مبيزة حق املواطنة الرومانية كان مواطنا اإ سباين الأ صل ولد وترعرع يف مدينة قاد س التي كانت اإحدى أاقدم امل ستعمرات الفينيقية يف منطقة جنوبي اإ سبانيا والتي تاأ س ست نحو عام 1110 ق. م الأمر الذي يجعله من املطلعني عن كثب على تقنية املالط املدكوك البونيقية رغم جتاهله لأ صولها التقنية وذلك حينما انتقل للعي ش لحقا يف مزرعته الواقعة على مقربة من العا صمة روما. وبغ ض النظر عن ذلك ف إان الرتكيب الإن شائي لهذا النوع من الأر ضيات يتاألف من طبقة الأ سا س امل ؤولفة من الرتبة املدكوكة ب شدة باجتاه الأ سفل بو ساطة املداميك ثم تعلوها طبقة أاخرى م ؤولفة من ك رس القرميد املمزوجة مع املالط املت شكل من مادة الكل س والرمل والروا سب الناجتة عن زيت الزيتون وذلك عو ضا عن املاء ثم يدك خليط هذه الطبقة ب شدة مبدكات خا صة حتى درجة ال صالبة املطلوبة ومن ثم ينعم ال سطح العلوي بعد ذلك حتى درجة النعومة املطلوبة )59(. شكل 6. 386

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 اإن أاهم ما يلفت النظر من مواد البناء امل ستخدمة ضمن هذا النوع من الأر ضيات هو عملية مزج الروا سب الناجتة عن زيت الزيتون مع مالط الكل س عو ضا عن املاء وهو ما يج عد من وجهة نظر الباحث ا ستثناء تقنيا اخت صت به اأر ضيات مباين تخزين احلبوب وذلك لأن مادة الزيت ح سبما اأ شار كولوميال يف كتابه الأول- من ص أانها اأن حتمي اأر ضيات خمازن احلبوب من التلف الذي قد ت سببه الآفات البيولوجية التي من بينها احل رشات ) سو س احلبوب( اإ ضافة اإىل تاأثري بع ض العوامل الطبيعية مثل الرطوبة )60(. كما نو ه املهند س الروماين ماركو س فيرتوفيو س بوليو Pollio,( Marcus Vitruvius ضمن 01(.B C هذا الإطار يف الف صل الأول من الكتاب ال سابع من كتابه )يف العمارة( بالدور الذي يوؤديه ا ستخدام الزيت منفردا طورا وممزوجا مع مالط الكل س طورا اآخر يف حماية اأ سا سات بع ض الأر ضيات وكذلك مالطاتها اخلارجية من بع ض التاأثريات الطبيعية التي من اأبرزها ال صقيع واملياه والرطوبة )61( حيث اأثبتت نتائج التحاليل العلمية لبع ض العينات امل أاخوذة من مالطات )Sigm( املوؤرخة للع رص الروماين الإمرباطوري واملكت شفة يف جنوبي الربتغال اأنها ذات قابلية عالية للنفاذية املتعلقة بقدرتها على امت صا ص املياه بو ساطة خا صية المت صا ص ال شعرية absorption( )capillary )62(. اأما على ال صعيد البونيقي فاإنه لي س ثمة مال لل شك ح سب ما يرى الباحث- يف أان عملية مزج مالطات الكل س بروا سب زيت الزيتون قد ا ستخدمت يف اإعداد اأر ضيات مباين تخزين غالل احلبوب اإ ضافة اإىل إاعداد البطانات املتعلقة بالأحوا ض والآبار و صهاريج املياه وبخا صة اإذا ما علمنا باأن قرطاجة تيزت بوفرة منتجاتها الزراعية التي من اأبرزها غالل القمح والزيتون وال شعري التي جعلت منها واحدة من اأهم م صادر الغالل بالن سبة لروما يف العامل القدمي وقد بلغ من وفرة هذه الغالل اأن القائد الروماين سكيبيو الأفريقي Africanus( )Scipio حينما غزا ال ساحل القرطاجي يف اأواخر القرن الثالث قبل امليالد )203 ق. م( قد اقرتح صلحا ين ص على اأن تقدم قرطاجة لروما )500,000( كيل من القمح و )300,000( كيل من ال شعري )63(. سبق وأن قام الباحث كجزء من التوجهات العلمية التي تبنتها أطروحة الماجستير- 2009 م- بإجراء تحاليل كيميائية لعينات من المالط الرابط بين قطع فسيفساء أرضيات عدد من الفيالت الرومانية الواقعة في إقليم المدن الثالث في ليبيا وذلك للتأكد من وجود مادة الزيت التي استخدمت لحماية مالط األرضيات من التضرر بفعل الصقيع في فصل الشتاء وذلك حسبما أشار فيتروفيوس في الفصل األول من الكتاب السابع وقد أثبتت نتائج التحاليل العلمية وجود آثار لبقايا مادة عضوية ذات خاصية دهنية ناتجة كأقرب احتمال عن استخدام مادة الزيت على الرغم من تعذر تحديد ماهيتها الطبيعية وذلك نظرا لتفكك بنيتها التركيبية من الناحية الكيميائية بفعل العوامل المناخية المختلفة التي مرت بها عبر الزمن. نامو مصطفى علي محمد دراسة أثرية لفسيفساء أرضيات بعض الدارات في منطقة المدن الثالث منشورات المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية الطبعة األولى دار الكتب الوطنية بنغازي ليبيا 2009 ص 258. 387

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها من جهة ثانية فاإن الكنعانيني قد برعوا منذ ع رص احلديد يف اإعداد بطانات من مالط اجل ص الذي كان ميزج بطريقة ما جعلت منه مادة عازلة ملنع اأي ت رسب للمياه من داخل ال صهاريج كما حر ص البونيقيون يف قرطاجة على اإقامة خزانات هائلة لتجميع املياه على مقربة من ينبوع املياه الرئي س الذي عرف با سم ينبوع )الألف وعاء( )64(. النوع الرابع: اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية هو ذلك النوع الذي اأ شار اإليه كاتو يف اجلز أاين ال سابع ع رش والثامن ع رش من كتابه )يف الزراعة(. )On (Agriculture (XVII. i- xviii. 4), (XVIII. 4-9;9- xxi. i( لقد تطورت اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية لحقا خالل الع رص الروماين سواء من حيث املالمح التقنية للرتكيب الإن شائي العام اأم من حيث طبيعة بع ض مواد البناء والتي مل ت شهد تغريا جدريا ملحوظا اإل اأن اأبرز مالمح ذلك التطور تثلت- ح سبما يرى الباحث- يف أان هذا النوع من الأر ضيات قد أالهم البنائني الرومان لخرتاع ما يعرف باخلر سانة الرومانية Concrete( )Roman الذي شكل طفرة تقنية يف مال تطور فن العمارة الرومانية وذلك على صعيد ت شييد الأ سقف والقباب واجل سور وقناطر املياه ثم الأر ضيات وفيما يتعلق مبجال الأر ضيات اأو خر سانة الأر ضيات اأ شار فيرتوفيو س يف الف صل الأول من كتابه ال سابع اإىل مموعات من الأ س س الفنية والتقنية الواجب اتباعها عند القيام ب إاعداد الرتكيب الإن شائي ملختلف اأنواع الأر ضيات والذي يرتكز يف اأ سا سه التقني على ذات الفكرة الفنية املتبناة يف اإعداد اأر ضيات املالط املدكوك البونيقية التي شكلت من خاللها مواد البناء املتمثلة يف مالط الكل س والرمل وم سحوق القرميد و شظايا الفخار نواة تقنية لعملية الإن شاء )65( اإ ضافة اإىل بع ض اأنواع ال صخور الربكانية التي ا ستخدمت ضمن مزيج املالط املعد لت شييد قناطر املياه والآبار و صهاريج و أاحوا ض املياه وذلك ح سبما اأ شار فيرتوفيو س يف كتابه ال ساد س )66(. يت أالف الرتكيب الإن شائي لأر ضيات املالط املدكوك يف مرحلته التطورية التي شهدها خالل الع رص الروماين ووفقا للمنظور التقني الذي اأ شار اإليه فيرتوفيو س يف كتابه ال سابع من نطاق الأر ضية الأ سا س الذي تثله الرتبة الطبيعية املدكوكة جيدا يليها طبقة موؤلفة من حجارة صغرية ل يقل حجمها عما ميالأ اليد واملخلوطة بن سب متفاوتة مع عجينة الكل س املخم د ومن ثم يدك اخلليط مبطارق خ شبية* حتى درجة ال صالبة الكافية وب سمك هي مطارق أو مدقات خشبية مغطاة بالحديد مثلما يصفها فيتروفيوس في كتابه الثامن. Vitruvius, On Architecture, Book, VIII. C. I., Translated into English by Frank Granger- D. Lit, A. R. I. B. A., WILLIAM HEINMANN LTD, Loeb Classical Library, Printed in Great Britain, (No Date). 388

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 ل يقل عن ت سع بو صات )22. سم( 5 ثم تو ضع طبقة ما ي سمى بالنواة (Nucleus) وامل ؤولفة من ك رس القرميد املمزوج مع عجينة الكل س املخم د والرمل وهي طبقة صلبة ل يقل سمكها عن ست بو صات 7 سم 14. )67(. شكل 7. هذا على صعيد ما ورد يف امل صادر الأدبية الكال سيكية من مالمح فنية تطورية شهدتها اأر ضيات املالط املدكوك خالل الع رص الروماين اأما على صعيد ال شواهد الأثرية التي عك ست بع ض تلك املالمح التطورية فقد ك شفت اأعمال التنقيب التي اأجرتها بعثة جامعة مي شيغان )Michigan( الأمريكية يف موقع مدينة قرطاجة عام 1975 م النقاب عن عدد من النماذج الفنية لأر ضيات املالط املدكوك املوؤرخة اإىل الع رص الروماين والتي يرتاوح تاريخها بني القرن الأول و القرن اخلام س امليالدي )68( وقد جت سدت هذه النماذج من خالل خم سة اأنواع فنية وذلك على النحو االآتي: النوع الأول: يت أالف من قطع حجرية بي ضاء اللون عادة ما تكون من الرخام وباأ شكال غري اعتيادية مثبتة ب شكل متقارب بع ضها اإىل بع ض ضمن طبقة من املالط الأبي ض وهي تعك س يف اأحيان عدة منطا فنيا شبيها بنمط البدايات التقنية الأوىل لفن صناعة الف سيف ساء وذلك من خالل ما ت ضمنته من قطع حجرية اأخرى ذات شكل شبه مكعب كما حتتوي الأر ضيات من هذا النوع يف أاحيان اأخرى على رقائق )chips( لقطع حجرية ذات اأ شكال ل ح رص لها )69(. شكل 8. النوع الثاين: يت أالف من مموعة من القطع احلجرية امللونة واملدمة ضمن مالط متباين اللون وهي قطع حجرية متقاربة بع ضها اإىل بع ض وتتخللها بع ض الرقائق احلجرية املتفاوتة فيما بينها من حيث احلجم وال شكل )70(. شكل 9. النوع الثالث: يتاألف من قطع حجرية ذات شكل اعتيادي على هيئة مكعبات مبعرثة ب شكل ع شوائي ضمن سطح املالط )71(. شكل 10. النوع الرابع: يت أالف من مالط غني بالقرميد واأعداد كبرية من الك رس الفخارية وهو ما انعك س على اللون العام لالأر ضية اإ ضافة اإىل وجود بع ض القطع احلجرية املتعددة النواة هي الطبقة التي تمثل )Signinum( وهي ذات التسمية التي أطلقها بليني على هذه الطبقة في كتابه السادس والثالثين. Pliny, Natural History, Book, XXXVI. LXI. 185- LXII. 187, with an English Translation by D. E. Eichholz, Loeb Classical Library, Harvard University Press, Cambridge-.Massachusetts, London, 1962 لم ي شر فيتروفيوس في كتابه السابع إلى مادة الرمل ممزوجة مع الكلس وإنما أشار إليها الحقا في كتابه الثامن وذلك عند حديثه عن تقنية )Signinum( المستخدمة في األحواض والصهاريج واآلبار وقناطر المياه وقد أسهب فيتروفيوس ضمن هذا اإلطار في الحديث عن نوعية الرمل الجيدة ونسب توزيعه ضمن مالط الكلس..Vitruvius, Op. cit, Book. VIII. C. VI 389

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها الألوان التي تباينت بني الأحمر الزهري اللون ال ضارب اإىل الأخ رض ثم اللون الأ صفر ال ضارب اإىل اللون الربتقايل وهو قطع مدمة ضمن مالط متباين مع وجود بع ض القطع اأو ال شظايا احلجرية الأ صغر حجما )72(. شكل 11. النوع اخلام س: يت أالف من قطع احلجارة و شظايا القرميد املختلطة مع بع ضها بع ضا بن سب متفاوتة من حيث احلجم والكرثة ويغلب على هذا النمط التعددية اللونية التي ت شمل كال النوعني من القطع احلجرية )73(. شكل 12. التحاليل العلمية احلديثة ملكونات أرضيات املالط املدكوك: مل يكن لدى الباحث حتى تاريخ اإجناز هذه الدرا سة دراية فيما اإذا كان هناك درا سات علمية حديثة تبن ت يف درا ستها لأر ضيات املالط املدكوك البونيقية اأية تقنيات لتحاليل علمية من صاأنها ت سليط ال ضوء على طبيعة العنا رص الكيميائية واملعدنية املختلفة ملواد البناء التي يتاألف منها الرتكييب الإن شائي ملثل هذا النوع من الأر ضيات وكذلك الدور الذي اأدته يف ت شكيل بنية املالط وذلك من حيث اإ ضفاوؤها خلا صيتي التما سك واملتانة اللتني اأ سهمتا يف دميومة هذه الأر ضيات على مر الع صور. وعليه سيتطرق الباحث ضمن هذا الإطار اإىل بع ض النتائج التي تو صلت اإليها اإحدى الدرا سات العلمية احلديثة التي تعر ضت بالفح ص والتحليل الكيميائي لطبيعة املكونات ال صخرية للمالطات التي ا ستخدمت يف اإعداد اأر ضيات Sigm(.O( الرومانية وذلك نظرا للت شابه امللحوظ بني املكونات الإن شائية لأر ضيات املالط البونيقية ونظرياتها الرومانية والذي دلت عليه بع ض املالمح التقنية التي اأ شارت اإليها بع ض امل صادر الأدبية الكال سيكية القدمية وكذلك ال شواهد الأثرية املكت شفة ضمن بع ض املواقع البونيقية. لقد شملت الدرا سة مناذج لعينات من مكونات املالطات املكت شفة يف بع ض املواقع الرومانية يف الربتغال )Portugal( يف و سط مدينة )Conimbriga( ويف مدن: ) Algave) )(Troia) (Frielas الواقعة يف جنوبي الربتغال وقد شملت العينات امل ستهدفة بالتحليل عينات منتقاة من مباين احلمامات الأحوا ض شبكة اأنابيب املياه مباين ال سدود وهي من صاآت يرتاوح تاريخ اإن شائها بني القرنني الأول والرابع امليالدية )74( حيث اأج خ ضعت هذه العينات جلملة من تقنيات التحاليل املعملية التي من أابرزها حتليل مطيافية ومي ض اأ شعة اك س )F.X(.R وكذلك حتليل حيود اأ شعة اك س )D.X(.R هذا اإىل جانب ال ستعانة ببع ض تقنيات التحاليل الأخرى التي وج ظفت كل منها وفق الغاية العلمية التي تطلعت تلك الدرا سة اإىل الو صول اإليها من خالل اأهداف البحث )75(. 390

مجلة جامعة القدس املفتوحة لألبحاث والدراسات - العدد احلادي والثالثون )1( - تشرين األول 2013 اأظهرت نتائج التحاليل الكيميائية لعينات املالط املتعلق باأر ضيات Sigm(.O( امل أاخوذة من إاحدى مواقع )Troia( املفتقرة للم صادر ال صخرية من نوع البوزولن احتواءه على مكونات ملواد ذات قابلية عالية للتحلل وذلك بن سبة ترتاوح بني )30- %26( وقد تثلت هذه املكونات يف شظايا صخرية متنوعة شمل بع ضها مزيجا من القرميد املهرو س و سليكات الرمل واحتوى بع ضها الآخر على كتل ملكونات متدملتة (Dolomitic) واأخرى متكل سنة )Calcitic( وهي تف رس يف مموعها تلك الن سبة العالية من التحلل ملكونات البناء التي حج ص ل عليها ضمن موقع هذه املدينة )76(. باملقابل ف إان بع ض عينات املالط املاأخوذة من اإحدى ال سدود الرومانية يف منطقة )Alamo( قد اظهرت من خالل التحاليل العلمية افتقارها إاىل مكونات ذات عالقة مبادة القرميد على وجه التحديد وكذلك تيزها بن سبة حتلل ت صل اإىل )%33( وهي ن سبة متقاربة تاما مع تلك التي حج ص ل عليها من نتائج حتليل املالط احلاوي ل شظايا القرميد الأمر الذي ف رسه لحقا إاحتواء املالط على مكونات ملواد ذات خ صائ ص بوزولنية )Pozzolanic( )77(. واأكد حتليل مطيافية ومي ض اأ شعة اك س )F.X(.R لعينات املالط وجود ن سبة عالية من عن رص الكال سيوم CaO( )Calcium, يف غالبية العينات ويف بع ض احلالت وجود ن سبة من عن رص املغني سيوم MgO( )Magnesium, تعادل )%5( والذي دل على وجود مكونات ملواد لحمة قوامها كتل متدملتة واأخرى متكل سنة )78(. اأما حتليل حيود اأ شعة اك س )D.X(.R فقد بينت وجودا ملكونات عنا رص كل من الكل سايت )Calcite( والدولومايت )Dolomite( ويف حالت اأخرى كربونات املغني سيوم )Magniesite( والألومنيوم اإ ضافة اإىل ن سبة عالية من ال سليكات باملقابل فاإن مكونات الكل س كانت متدنية الن سبة وقد تراوحت ن سب كل من كربونات الكال سيوم واملغني سيوم بني- -17 -%23 كحد أاق صى )79(. كما اأظهر حتليل )D.X(.R لعينات البوزولن الطبيعية اإحتواءها على ن سبة عالية من معدن الفلد سبار )Feldspars( ومعادن البريوك سني )Pyroxenes( التي قوامها سليكات الكال سيوم واملغني سيوم واحلديد وغريها هذا اإىل جانب مموعة سليكات الألومنيوم املائية )Zeolites( الناجتة عن تفاعل مواد البوزولن )80(. مكونات ألحجار جيرية في طور التحول إلى صخور ذات خصائص شبيهة بتلك التي تتميز بها صخور الدولومايت. 391

أرضيات املالط املدكوك البونيقية تاريخها- تقنيتها- تطورها الدور الوظيفي ملواد البناء املستخدمة يف أرضيات املالط املدكوك: القرميد :)Brick( يعد القرميد واحدا من مواد البناء الأقدم تاريخيا والأكرث صالبة التي ا ستخدمها الإن سان حيث شكل يف املا ضي مادة اأ سا سية يف حياة شعوب احل ضارات القدمية يف منطقة بالد الرافدين وم رص القدمية وقد ازداد معدل ا ستخدام طني القرميد يف الع رص الروماين واأ صبح مف ضال كمادة بناء وذلك نظرا لأهميته الق صوى )81(. إان القوة ال ضاغطة لطني القرميد عادة ما تكون ذات عالقة ببع ض اخل صائ ص الأخرى التي من بينها امل سامية ودرجة احلرارة والتي تعد مفتاح خ صائ ص ال صالبة التي يتميز بها طني القرميد غري اأننا جندها يف املقابل جندها ذات تاأثري يف ميكانيكية ال صالبة ملادة القرميد كما اأن ح سن اختيار املواد اخلام الطينية يعد اأ سا سا جوهريا لتح سني اأداء القرميد ومن ثم حت سني خا صية ال صالبة )82(. يج ظهر طني القرميد خ صائ ص ذات اأهمية بالغة يف تقومي قوة القرميد و صالبته وهي خ صائ ص ذات عالقة وطيدة بنوعية خام املادة الطينية وب شكل مبا رش مبوا صفات الت صنيع فاخل صائ ص الفيزيائية والكيميائية وامليكانيكية واملعدنية لطني القرميد ذات عالقة بعملية تقومي خا صيتي ال صالبة والدميومة لأطيان القرميد القدمية وهي خ صائ ص جد م أالوفة يف الدرا سات الأثرية املتعلقة بتحديد ماهية املكونات الكيميائية واملعدنية التي ت شكل بنية الفخار واخلزفيات القدمية وكذلك خ صائ ص بنية املالط )83(. إان من صاأن حتديد طبيعة املكون الكيميائي للقرميد القدمي اأن يتيح لنا التعرف إاىل مظاهر ال ضعف التي برزت اأثناء عملية الت صنيع واملتمثلة يف العج قد الكل سية واملواد الع ضوية والأمالح الذائبة ال ضارة وغريها من ال شوائب التي تت سبب يف اأ رضار بالغة يف بنية القرميد وعليه توؤدي اإىل تف سخه )84( كما ي سهم حتديد املكون الكيميائي للقرميد يف حتديد معدل درجة احلرارة وكذلك يف تف سري خا صية التعدد اللوين الوا سع لأطيان القرميد وذلك من خالل اإظهار طبيعة العنا رص الطبيعية املت سببة يف تغري اللون وكذلك املواد امل ضافة لهذا الغر ض )85(. من الأكا سيد الكيميائية ال شائعة التي أاظهرتها التحاليل ضمن مكونات طني القرميد: ال سليكا )SiO2( اأك سيد الألومنيوم )Al2O2( اأك سيد التيتانيوم )TiO2( اأك سيد ال صوديوم )Na2O( اأك سيد الكال سيوم )CaO( أاك سيد املغني سيوم اأك سيد احلديد )Fe2O3( اأك سيد البوتا سيوم )K2O( وت شكل كل من ال سليكا واأك سيد الألومنيوم اأ سا س العنا رص ضمن بنية 392