أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه

Transcript

1 الجميوريػػػػػػػػػػػػة الجزائريػػػػػػػػػػػػػػػة الديمقراطيػػػػػػػػػػة الشعبية وزارة التعميػػػػػػػػػػػػ العالػػػػػػػػػػػػػػي والبحػػػػػػػػػػػػث العممػػػػػػػػػػي جامعة مولود معمري-تيزي وزو- كمية اآلداب والمغات قس المغة والثقافة األمازيغية أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه الموضوع: التخصص :األدب األمازيغي إعداد الطالبة: أشيمي فضيمة الخطاب السردي في ثالثية مزداد أعمر الروائية Iv d wass, tagrest ur$u, ass-nni لجنظ المناقذظ: د- /صالحي محند أكمي أستاذ محاضر صنؼ )أ( جامعة تيزي وزو...رئيسا -د/ بورايو عبد الحميد أستاذ التعمي العالي المركز الجامعي تبازة... مشرفا ومقررا -د/ جالوي محمد أستاذ التعمي العالي جامعة البويرة...ممتحنا -د/.خردوسي حسينة أستاذة محاضرة صنؼ )أ( جامعة تيزي وزو...ممتحنا تاريخ المناقذظ: 205

2 إهداء إىل روح أبي

3 شكر إىل األستاذ الدكتور عبد احلميد بورايو شكري وإكباري

4 ال مقد مظ المقدمظ إف ثبلثية مزداد أعمر الروائية تعد تأسيسا لمكتابة الروائية القبائمية التي احتمت حيزا كبي ار في النتاج األدبي القبائمي خبلؿ التسعينيات مف القرف الماضي وبداية األلفية الثالثة عمى اعتبار أف ىذه المرحمة تعد أى نقطة لتوقيت البداية. ارتبطت نشأة ىذا النوع األدبي بالواقع القبائمي بعد الربيع األمازيغي 098 حيث عكس ظيوره طموح أدباء إلى التعبير عف مجتمعي واستجبلء العناصر الجوىرية التي تتحك في عبلئقو وتطو ارتو وتصو ارتو. إف الروايات التي ظيرت في أواخر األلفية الثانية وبداية األلفية الثالثة عمى الرغ مف اختبلؼ مضامينيا وتنوع وجيات النظر التي صدرت عنيا إ ازء الواقع إال أنيا وردت كميا مرتبطة بالطبقة المتوسطة في المجتمع فجاءت الروايات تعبي ار عف واقع وتصو ارت ىذه الطبقة واعتبرت نتاجا إليديولوجيتيا فاألدباء عبروا عف واقعيا المادي وممارساتيا االجتماعية في خض بحثيا عف معنى لوجودىا وقضايا تطمعاتيا وأوضاعيا وحياتيا. كاف مف المنتظر ارتكا از عمى التقيي المخمص لمواقع الموضوعي ولمقوى االجتماعية المتواجدة فيو أف تظير الرواية عندنا بالمفيو والشكؿ المذيف عرفت بيما في الغرب مع إبداء احت ارز وتحفظ حوؿ الفروؽ بيف الواقعيف القبائمي والغربي عمى المستوى التاريخي والثقافي خاصة. إف الشكؿ الروائي فف غربي النشأة وال نرى عيبا في أف تكوف الرواية القبائمية مدينة لمرواية العالمية بفضميا في السبؽ الفني إلى ىذا النتاج النثري الذي "نيض في بداية القرف السابع عشر كرد فعؿ ضد الممحمة وقصص الخ ارفات التي عرفتيا القروف الوسطى في

5 مقد مظ أوروبا والتي كانت تنزع عف اإلنساف مقوماتو وقد ارتو لتنسبيا إلى غيبيات ومسبقات حوؿ بطؿ أسطوري وىمي وخ ارفي". 2 كانت الرواية "الشكؿ األدبي األكثر داللة في المجتمع البورجوازي" األوروبي ولقد وصؿ إلينا ع بر وسائؿ ثقافية مختمفة كالصحافة وتأسيس المدارس والجامعات التي ميدت لؤلدباء والروائييف طريؽ ارتياد التخييؿ الروائي وانشاء أدب ينتسب ليذا الجنس الجديد. إف الرواية القبائمية كانت ثمرة مف ثم ارت احتكاكنا بالغرب ونتيجة مف نتائج انفتاحنا عمى األدب عف طريؽ المغة والفكر والممارسة. ونشأتيا جاءت لمتعبير األصدؽ عف الواقع االجتماعي والحياة الواقعية انطبلقا مف الفئة االجتماعية التي استقت منيا مادتيا وعرضت واقع أبنائيا ومعاناتي المادية والمعنوية فجاء ىذا الشكؿ الذىني مرتبطا بالمحيط االجتماعي والرؤية الجمالية المنبثقة منو. كاف لمتفتح عمى األدب الغربي عامؿ بارز مف العوامؿ التي ساىمت في تأسيس مشروع الكتابة الروائية القبائمية إلى جانب العوامؿ الذاتية والموضوعية التي لعبت دو ار ىاما في نشأة ىذا النوع األدبي. إف الساحة اإلبداعية القبائمية انطبلقا مف شروطيا التاريخية الموضوعية والذاتية ل تعرؼ تراكما في اإلبداع الروائي نظ ار الفتقادىا إلى ت ارث نقدي تتكئ عميو في مجاؿ نقد الرواية أي أنيا تفتقر إلى العمو الحديثة وتكامميا والى حوار معرفي فاعؿ لذلؾ كاف عمييا في زمف البدايات أف تذىب في مسار خاص بيا وكأنو كاف عمى ىذه الرواية أف تنشئ ذاتيا وأف تشي وبشيء مف التمعث والصمت بنظرية خاصة بيا تصدر عف مسارىا الذاتي وأسئمتيا الخاصة بعيدا عف فمسفات جمالية ال تمتقي بيا إال ناد ار. لذلؾ اكتسى النقد الروائي 2 - اركز أحمد الرواية بيف النظرية والتطبيؽ ط 0 دار الحوار لمنشر والتوزيع سوريا 0995 ص لوكاش جورج نظرية الرواية وتطورىا ترجمة: الشوفي نزيو ط 0 دمشؽ 0987 ص 05.

6 مقد مظ خصوصية في الواقع الثقافي القبائمي كونو يتعمؽ بشكؿ أدبي ل يفرض بعد وجوده في مجاؿ اإلبداع وتنبني خصوصية نقد الرواية عمى ىذا األساس. فالناقد حينما يريد مقاربة رواية في ىذا األدب يجد نفسو يقؼ عمى,أرض ال يتوفر فييا عمى أصوؿ أو ت ارث نقدي مما استمز البحث عف جذور لو في النقد الغربي واالستفادة مف مكتسباتو سواء عمى مستوى التصور العا لمرواية أو عمى مستوى المفاىي الفرعية. يعتبر إسيامنا بمثابة اإلرىاصات األولية لؤلخذ بالمناىج الحديثة في النقد الروائي القبائمي والنقد األدبي الذي توخيناه في ىذا اإلطار ليس مجرد وصؼ لؤلساليب وتحميؿ لممعاني بؿ إنو يرتكز أساسا عمى سبر أغوار األعماؿ األدبية المدروسة لموقوؼ عمى آليات اشتغاليا ومنطؽ انبنائيا والبحث عف تمظير البنية السردية كنظا مف العبلقات والتركيبات بيف وحدات النص وكيفية تولد المعنى. ىي اإلشكاليات التي سيحاوؿ ىذا البحث معالجتيا ليذا إنبنى التحميؿ عمى مقاربة تفكيكية التي تسمح بيا المناىج البنيوية والسيميائية وىي مف المناىج القميمة التي توفر لمدارس اإلج ارءات الضرورية التي تتيح الكشؼ عف اليندسة الداخمية لمنصوص. فاعتمادنا اقتصر إذف عمى المنيج البنيوي والسميائي في اتجاىو نظ ار لما تمنحو ىذه المناىج مف آليات إجرائية تسيؿ التعامؿ مع النصوص السردية وتحميؿ الخطاب الروائي. إف اختيارنا وقع عمى ثبلثية مزداد أعمر الروائية: و- Ass Tagrest urɣu Iḍ d wass nni سنعد إلى تطبيؽ بعد اآلليات والمفاىي النقدية عمييا غايتنا اكتشاؼ بعض ممي ازت ىذه الروايات التي ألمت في نظرنا بتمؾ التقنيات التي تستعمميا الرواية المعاصرة مثؿ المعب بالزمف تعدد الرؤى...قمما نجدىا في الروايات القبائمية األخرى لذلؾ وقع اختيارنا عمييا. 3

7 مقد مظ أما الخطة المتبعة وم ارحؿ الدراسة فيي تقو عمى تقسي البحث إلى مدخؿ وفصوؿ ىي: الرؤية السردية في الخطاب الروائي. زمف خطاب الروايات. البنية السردية وتجمياتيا الداللية. البنيات التحتية المنظمة لمخطاب لقد ميدنا لكؿ فصؿ بتمييد خاص بو بغرض توضيح بعض المفاىي كما تطرقنا في المدخؿ إلى الكبل عف الخطاب والظروؼ التي أسيمت في ظيوره وتطوره في ظؿ التفاعبلت التي عرفتيا الد ارسات المغوية واألدبية. إف الفصؿ األوؿ الموسو بػ "الرؤية السردية في الخطاب الروائي" يتكوف مف ثبلثة مباحث عمدنا فييا إلى تقدي تصور مفصؿ لمرؤية السردية في الروايات الثبلث باحثيف عف تجميات ال اروي لتحديد رؤيتو أو رواه إلى العال الذي يرويو متتبعيف عبلقتو بالقصة وموقعو في إرسالو ليا كاشفيف عف الكيفية التي تدرؾ بيا األحداث ومف أية ازوية ي ارىا الراوي ومف أي موقع. باختصار حاولنا اإلجابة عمى السؤاؿ التالي: مف يرى ومف أي موقع كما حرصنا عمى تسجيؿ اإلنح ارفات التي تحدث عمى مستوى النصوص عند حدوث تحوالت عمى مستوى التبئير ووقفنا عمى ط ارئؽ اشتغاليا. أما الفصؿ الثاني الذي عنوناه بػ "زمف خطاب الروايات" فقسمناه إلى مبحثيف عنونا األوؿ منو بػ "أنماط السرد القصصي" أشرنا فيو إلى األنماط السردية التالية: تابع آني متقد. ركزنا عمى النماذج السردية األكثر إنتشا ار مف حيث الحج النصي وحاولنا الوقوؼ عمى أى وظائفيا. 4

8 مقد مظ خصصنا المبحث الثاني إلى د ارسة مظي ار آخر مف المظاىر الخاصة ببنية زمف الخطاب فقمنا فيو بتحميؿ التواتر فبيننا كؿ عبلقات التكرار بيف النص والحكاية أي رصدنا مجمؿ عبلقات التك ارر الحاصؿ بيف القصة والخطاب. خصصنا الفصؿ الثالث لمعاينة البنية السردية والوقوؼ عمى تجمياتيا الداللية. قسمناه إلى مبحثيف. جاء المبحث األوؿ بعنواف "التمظير السطحي لمداللة" عمدنا فيو إلى إب ارز الب ارمج السردية الخاصة بالذوات المييمنة نصيا مف خبلؿ تتبع الحاالت والتحوالت الطارئة عمييا في عبلقتيا بمواضيعيا وفي عبلقاتيا ببعضيا البعض ث قمنا بعدىا بإبراز فاعمية البنى العاممية التي تجسدىا حركة الفواعؿ في النص فحددنا أط ارؼ الفعؿ السردي ووزعناىا عمى ترسيمات عاممية. خصصنا المبحث الثاني لمعاينة المركبة الخطابية وعنوناه "التمظير الخطابي لمداللة" قمنا في األوؿ إلى استخبلص مجمؿ الشبكات الصورية لمنص وركزنا عمى المشكمة تمؾ لمب ارمج السردية بعدىا قمنا باستخ ارج األدوار الموضوعاتية التي اضطمعت بيا الذوات المييمنة نصيا مف خبلؿ رصد الممفوظات السردية التي تنطوي عمى موضوعات عامة التي تحيؿ عمى أدوار موضوعاتية خاصة. يدور الفصؿ ال اربع واألخير حوؿ البنيات التحتية المنظمة لمخطاب. عمدنا فيو في األوؿ إلى تفكيؾ البنية السردية إلى وحداتيا المعنوية الصغرى مما مكننا مف الكشؼ عف التقاببلت األساسية التي تمفصؿ العبلقات النحوية المتجمية فييا. في المبحث الثاني قمنا بالبحث عف المضاميف الداللية لممشاريع السردية إثر إعادة تركيب وحداتيا الداللية الموزعة عمى امتداد النص. تناولنا في مبحثو الثالث أى التشاكبلت السيميولوجية المستخمصة مف تواتر المعان النووية ث أى التشاكبلت الداللية الناجمة عف تواتر المعان السياقية قصد القبض عمى مختمؼ الدالالت التي استثمرىا الكاتب في رواياتو. 5

9 مقد مظ أنيينا بحثنا بخاتمة جاءت لتمخص أى النتائج المتوصؿ إلييا. اعتمدنا لقد إلنجاز ىذا البحث عمى بعض الم ارجع األجنبية في تحميؿ الخطاب نذكر منيا: Greimas AJ: -Sémantique structurale. - Du sens Groupe d Entrevernes: Analyse sémiotique des textes. Everaert Nicole : Sémiotique du récit. Lintvelt Jaap : Essai de typologie Narrative. Genette Gérard : Figure III. Todorov T : «Les catégories du récit littéraire» وغيرىا مف الكتب األجنبية التي أسيمت في التعريؼ باآلليات اإلج ارئية التي تسمح بمقاربة الخطاب األدبي ووضعت اآلليات المنيجية التي تمكف الباحث مف تفكيؾ بنية النص ود ارستيا. كما ت اعتمادنا عمى م ارجع بالمغة العربية نذكر أىميا: يقطيف سعيد: تحمميؿ الخطاب الروائي. شاكر جميؿ المرزوقي سمير: مدخؿ إلى نظرية القصة...2 بوطاجيف السعيد: -السرد ووى المرجع. -اإلشتغاؿ العاممي..3 جنيت جي ارر: نظرية السرد مف جية النظر إلى التبئير. بف ك ارد سعيد: مدخؿ إلى السيميائية السردية. العجيمي محمد الناصر: في الخطاب السردي

10 مقد مظ لقد واجيتنا بعض الصعوبات ونحف نتناوؿ بالد ارسة ىذه النصوص نذكر منيا: - النقص الصارخ لمدراسات حوؿ الروايات القبائمية وخاصة تمؾ التي تناولت النصوص وفؽ المناىج الحديثة. إثر اعتمادنا عمى الم ارجع بالمغة الفرنسية اصطدمنا أثناء الترجمة بمشاكؿ تحديد - المصطمح لتعدد الترجمة لممصطمح الواحد وقد تجاوزنا ىذا العائؽ حينما عمدنا إلى اختيار وتوظيؼ المصطمح األكثر والذي يساير استعماال معناه األصؿ. أثناء الترجمة واجيتنا صعوبة إخضاع المعنى القبائمي والقواعد النحوية والصرفية - لمغة القبائمية إلى المغة العربية لعد عثورنا عمى قاموس نرجع إليو في مثؿ ىذه العممية. فتأثرت ممارستنا المغة العربية بأسموب المغة القبائمية. ختاما أتقد بالشكر الجميؿ لؤلستاذ الدكتور عبد الحميد بو اريو الذي تجش مشاؽ اإلشراؼ عمى ىذا البحث ولؤلساتذة أعضاء المجنة المناقشة الذيف تكبدوا عناء ق ارءتو وتقييمو وألسرة معيد المغة والثقافة األمازيغية عمى احتضاف مناقشتو. قس المغة والثقافة األمازيغية جامعة تيزي وزو 22 جانفي 223 7

11 مدخل

12 مدخل: مفكوم الخطاب تندرج معالجتنا لمرواية القبائمية ضمف جممة مف المفاىي المتعمقة بتحميؿ الخطاب األدبي باعتبارىا نسقا تنظيريا إنبثؽ مف نشاطات معرفية ووسائؿ منيجية تتعامؿ مع المادة األدبية ليس مف وجية ضيقة النطاؽ إنما مف وجيات نظر متعددة المصادر وىي كميا تندرج ضمف التطور الذي شيدتو العمو اإلنسانية منذ بداية القرف الماضي وانطبلقا مف تعدد المناىج والزخ الكبير لمنظرية البنيوية وتفرعاتيا المنيجية نعمد إلى التساؤؿ عف الداللة التي يأخذىا المصطمح. إف الكبل عف الخطاب األدبي وابانة خصائصو الجمالية ومكوناتو البنيوية يقودنا إلى الحديث عف الظروؼ التي أسيمت في ظيور ىذا المصطمح المغوي في الغرب وتطوره في ظؿ التفاعبلت التي عرفتيا الد ارسات المغوية إبتداء مف بداية القرف العشريف. يستمد مفيو الخطاب قيمتو النظرية وفعاليتو اإلج ارئية مف كونو مفيوما إجرائيا في تفكيؾ بنى النصوص ومرجعياتيا وفؾ شف ارتيا وتحديد داللتيا بؿ إنو يقؼ ارىنا في مجاؿ النقد األدبي الحديث إذ يعد مرجعا لتحميؿ النصوص واألعماؿ األدبية اإلبداعية إذ يمدىا إج ارءات تطبيقية التي تتطمبيا عممية التحميؿ والد ارسة. ظير المصطمح في الغرب إثر ظيور كتاب دوسوسير فردناند De Saussure Ferdinand "محاض ارت في المسانيات العامة" الذي درس فيو المساف البشري. عمد الدارس إلى الفصؿ بيف نمطيف مف الد ارسة: د ارسة يكوف موضوعيا المغة وىي د ارسة نفسية ود ارسة موضوعيا الجزء الفردي مف المساف وىي د ارسة نفسية فزيائية توصؿ عمى إثرىا إلى الفصؿ بيف المغة والكبل وىو إنجاز خالؼ بو المسانيات التقميدية. عر ؼ الم غة عمى أنيا نظا مف الرموز وىي مف ىذا المنظور تشبو نظا الكتابة وأبجدية الص والبك والطقوس الرمزية وىي مؤسسة إجتماعية حركتيا التكرار والثبات الفرد وحده ال يمكنو خمقيا وال تغيير سننيا وىي كذلؾ عقد اجتماعي يمز الفرد بالخضوع لو إذا أ ارد اإلتصاؿ والمغة كذلؾ نظا مستقؿ مف الرموز لو قواعده الخاصة يستعممو الفرد لمتعبير عف أغ ارضو ويكتسبو بالتعم. - De Saussure Ferdinand : Cours de linguistique générale, Enag édition, Alger, 990, p33. 9

13 مدخل: مفكوم الخطاب الكبل عرفو عمى أنو فعؿ فردي مف اإل اردة والذكاء وانجاز فردي مبني عمى اإلختيار واالستعماؿ يولد خارج النظا وضد المؤسسة يستعيف بو الفرد إلب ارز أفكاره وإلبانة عف أحاسيسو بآليات نفسية وفيزيائية 2 يمنع كونيما يشكبلف شيئيف منفصميف بعضيما عف بعض. والكبل ىو الذي يطور المغة ىو أداتيا ونتاجيا ولكف ال de Saussure إثر ىذا التمييز فصؿ دوسوسير فردناند Ferdinand بيف ما أسماه لسانيات المغة la linguistique de la langue ولسانيات الكبل أو ما أسماه لسانيات الكبل la linguistique de la parole ومف ىنا تول د مصطمح الخطاب في المسانيات البنيوية وأصبح م اردفا لممفيو السوسوري لؿ"كبل" وتحدد مفيومو عمى أنو رسالة لغوية يتوجو بيا متكم إلى شخص آخر يتمقاىا ويستقبميا ويفؾ شفرتيا. أوؿ مف وضع مصطمح "تحميؿ الخطاب" ىو المساني األمريكي ىاريس زلؽ س Harris الذي سعى إلى صياغة مجموعة مف اإلج ارءات المنيجية التوزيعية مف Zellig.S أجؿ تحميؿ اإلنتاج الكبلمي المنطوؽ منو والمكتوب.عرؼ الخطاب عمى أنو "ممفوظ طويؿ أو ىو متتالية مف الجمؿ تكو ف مجموعة منغمقة يمكف مف خبلليا معاينة بنية سمسمة مف 3 العناصر بواسطة المنيجية التوزيعية وبشكؿ يجعمنا نظؿ في مجاؿ لساني محض". يرى ىاريس Harris.Z أنو بإمكاف إد ارؾ عناصر الخطاب وبناه بواسطة المنيجية التوزيعية وأف ما يحك تشكؿ األج ازء ويبيف عف بنية النص فيو ىو ظاىرة التنظي والت اربط. لقد سعى ىاريس Harris.Z ىذا المسعى في تعاممو مع الخطاب أو ما أسماه "الممفوظ المتواصؿ"» suivi» énoncé و أرى أف ط ارئؽ عمو الم ساف التي تختص في األصؿ تناوؿ الجمؿ يمكف أف تجرى عمى كؿ ممفوظ بما أف موضوع ط ارئؽ الم ساف الوصفية ىو التوزيع النسبي لمعناصر داخؿ ممفوظ متواصؿ ميما كاف طولو. وسع بالتالي حدود الوصؼ الم ساني إلى ما ىو خارج الجممة محاوال اإلمساؾ بداللة الخطاب مف ىذا المنظور متجاو از بالتالي تحديد دوسوسير De Saussure الذي اقتصر عمى د ارسة الجممة. - De Saussure Ferdinand, cours de linguistique générale, Op. Cit, P Ibid, p نور الديف السد األسموبية في النقد العربي الحديث مذكرة دكتو اره جامعة الج ازئر 0994 ص 25. 0

14 مدخل: مفكوم الخطاب اشتغؿ ىاريس ز Harris. Z. عمى مقاطع متكونة مف جمؿ متتالية ووقؼ عمى عناصر لغوية توجد داخميا لضبط إطرادات ىذه العناصر وفؽ الطريقة التوزيعية التي تقتضي تجزئة جمؿ النص إلى وحدات وكؿ وحدة تكوف متكافئة دالليا وتركيبيا مع الوحدات األخرى في النص والغاية مف الطريقة ليس البحث عف الداللة بقدر ما ىي ضبط طرائؽ إنتظا العناصر المغوية التي يتألؼ منيا الخطاب واذا وردت ىذه العناصر في سياقات متماثمة كانت بالتالي العناصر متكافئة. أسس ىاريس ز. س Harris. Z. S منيجو في تحميؿ الخطاب عمى متوف قصيرة وىذه الطريقة في التعامؿ واف أسيمت في توسيع آفاؽ الدراسة المسانية إال أف تطبيؽ المنيج عمى نصوص طويمة بات أم ار مستعصيا كما أف اخت ازؿ التحميؿ بحسب البنيات األولية لمجمؿ قد يفضي إلى استخبلص مظاىر التكافؤ بيف جمؿ متتالية دوف أف يكوف بينيا روابط منطقية أو داللية والغاية مف تحميؿ الخطاب مف المنظور الذي نظر إليو ىاريس ز. س Harris. Z. S يجرد النص مف السياؽ الذي قيؿ فيو ويقدمو لنا منغمقا عمى نفسو. ال ينبغي أف ننظر إلى الخطاب عمى أنو وحدة نحوية فقط بؿ يجدر النظر إليو عمى أنو وحدة داللية ايضا: "إف مفيومية رسالة قولية ال تقتصر عمى التعرؼ عمى الكممات المنظمة التواصؿ..." لتشكؿ جمبل. والجممة وحدة خاضعة لقوانيف تركيبية حاممة لمداللة ومنجزة لفعؿ إف معالجة الجمؿ تحميميا يقودنا بالضرورة إلى معالجة وحدات الخطاب فالت اربط واإلنسجا ىو التماسؾ )cohésion( الذي يعد مف السمات الشكمية لمخطاب: "إف تماسؾ نص يضمنو إستعماؿ 2 وبنبتو" طرائؽ لسانية مناسبة التي تحقؽ ت اربط عناصر متتالية لمخطاب - Ducrot Oswald, Schaeffer Jean-Marie, nouveau dictionnaire encyclopédique des sciences du language, édition du seuil, Paris, 972, 995, p Ibid, p503.

15 مدخل: مفكوم الخطاب فالتماسؾ في الخطاب سمة شكمية تضمنيا أدوات نحوية لسانية وعد وجودىا ال يمغي بالضرورة الترابط بيف وحدات الخطاب إذ العبلقات السببية والزمنية ىي المعو ؿ عمييا لتضمف الت اربط. إف تعامؿ ىاريس ز. س Harris.Z.S مع مكونات الجمؿ تعامبل محايثا بعيدا عف كؿ ما يحؼ بو مف ظروؼ تاريخية أو نفسية مقتص ار عمى استقصاء الطبقات المغوية ووحدات الخطاب قد حف ز الدارسيف في مجاؿ تناوؿ الخطاب األدبي عمى إيجاد نحو لمخطاب فأخرجوا المنيج عف األصؿ الم غوي المحض ونادوا بمسانيات موصولة بالخطاب تختمؼ عف لسانيات الجممة ألف موضوع البحث ليس نحو الجممة إنما نحو الخطاب الذي يتكوف مف وحدات تختمؼ عف وحدات الجممة ولعؿ إد اركي لمفوارؽ الموجودة بيف الجممة والخطاب ىو الذي دفعي إلى البحث عف الوحدات التي يختص بيا الخطاب وأطمقوا عمى ىذا الموصوؿ بالخطاب عم الخطاب أو عم األدب. المنيج مف أبرز مف ذىب مذىبا غير الذي ذىب إليو الم سانيوف مف قبمو بنفينيست إميؿ Benveniste Emile الذي حاوؿ اإلنتقاؿ بميداف المسانيات إلى أبعد حدود الجممة كوحدة لغوية يقو عمييا البحث المساني. في محاولتو لتحديد الخطاب إعتبر الجممة أصغر وحداتو: "إف الجممة إبداع غير معرؼ مجموعة غير محدودة...ومع الجممة نترؾ مجاؿ المسانيات كنظا لمعبلمات وندخؿ إلى مجاؿ آخر حيث المغة أداة لمتواصؿ نعبر عنو بواسطة 2 الخطاب". وأردؼ قائبل: "إف الجممة تنتمي إلى الخطاب نعرفيا مف ىذا المنظور: الجممة 3 وحدة الخطاب". مي ز بنفينيست Benveniste بيف نمطيف مف الد راسات الم سانية مف جية ىناؾ لسانيات تعنى بد ارسة المغة بإعتبارىا مجموعة عبلمات مستخمصة بواسطة إج ارءات صارمة ومف جية أخرى ىناؾ لسانيات تعنى بتجمي الم غة في عممية التواصؿ عقد مقاربة بيف المغة ذات الطابع السيميائي والمغة ذات الطابع الد اللي فإذا كانت األولى ىي التي تكوف فييا - Barths Roalnd, critique et vérité, éd Seuil, Paris, 966, p56, p Benveniste Emile, problème de linguistique générale, éd Gallimard, T, Paris, 974, p Ibid, p 30. 2

16 مدخل: مفكوم الخطاب العبلمة موجودة بذاتيا مستقمة عف الذات التي أنجزتيا فإف الثانية التي يكوف قواميا الجممة تكوف موصولة بمقا الخطاب وبسموؾ المتكمميف وبالتالي إت خذ بنفينيستBenveniste موضوعا لد ارسة الفعؿ الذاتي في استعماؿ الم غة وأسماه تمفظا enonciation وجامع تحويؿ المغة مف نطاقيا المجرد إلى سياؽ اإلستعماؿ ىو الخطاب )discours( فالتمفظ عمؿ تستحيؿ المغة بمقتضاه إلى خطاب. يعرؼ بنفينيست Benveniste.E وعند األوؿ نية التأثير في الثاني بطريقة ما" الخطاب بقولو: "كؿ تمفظ يقتضي متكمما وسامعا مف ىذا المنظور ينظر إلى الخطاب كممفوظ بحسب إشتغالو وفؽ آليات وعمميات في التواصؿ وبيذا فيو بالتالي يقتضي طرفيف متبلزميف: متكمما وسامعا. خارجة الخطاب ال يحيؿ إال عمى نفسو Auto-référentielle فبل تكوف لو وظيفة مرجعية عف الكبل فاإلحالة تكوف عمى حدث التمفظ والقائميف بو. سمح ىذا التعريؼ لبانفينيست )Benveniste( أف يميز بيف نظاميف مف التمفظ ىما: الحكاية )Histoire( أو ما أسماه تمفظا حكائيا )Discours( أو ما أسماه تمفظا خطابيا énonciation historique énonciation discursive والخطاب مستندا في تحميمو عمى مقولة الضمير والزمف. التمفظ الحكائي خصص في حكاية األحداث المسندة إلى ضمائر 2 الغائب واختص كذلؾ باستعماؿ الزمف الماضي واألحداث تروى مثمما حصمت وال أحد 3 يتكم ىينا فيي تبدو وكأن يا تحكي نفسيا بنفسيا أما التمفظ الخطابي فمقد اختص بالمستقبؿ والحاضر وبعض أشكاؿ الماضي 4 وباستخدا ضمائر المتكم والمخاطب وأسماء اإلشارة الدالة عمى الحضور. رغ التمييز الصار بيف ىذيف الضربيف مف التمفظ فإف بنفينيست Benvniste سجؿ تداخؿ النظاميف في النصوص فالمؤرخ حيف ينقؿ أقواؿ الشخصيات المتكممة أو أف يتدخؿ - Benveniste Emile, problème de linguistique générale, Op. Cit, P Ibid, P Ibid, p Ibid, P

17 مدخل: مفكوم الخطاب مباشرة معمقا أو مبديا لبعض األحكا إ ازء األحداث المنقولة يمر مف الحكاية إلى الخطاب بطريقة فورية. يبيف بنفينيست Benveniste أف ىذا التمييز بيف التمفظ الحكائي والخطاب ال يرتبط بالتمييز الذي نقو بو عادة بيف المغة المكتوبة والمغة الشفوية فالتمفظ الحكائي مقصود حاليا في المغة المكتوبة بينما الخطاب كتابيا وشفويا وفي الممارسة العممية تنتقؿ مف أحدىما إلى 2 اآلخر بطريقة فورية. إف بنفينيست Benveniste قد عدؿ عف المفيو التقميدي لمخطاب باعتباره نسقا مف الجمؿ المتتابعة ونظاما منغمقا عمى بناه ومنطويا عمى عناصره قيمتو ال تتصور إال فيما يتأدى بو مف روابط شكمية أو معنوية وما توصؿ إليو مف نتائج قد وسعت مفيو الخطاب وانفتح لجميع أنواع التمفظ. فأوسعو الدارسوف مف بعده تحميبل وتعميبل. كاف لممدرسة الفرنسية إسياما في التنظير لتحميؿ الخطاب السيما حينما قدمت مجموعة مف المفاىي وكيفية إد اركيا محاولة اإلحاطة بمشاكؿ تحميؿ الخطاب مثؿ معارضتيا بيف مفيوميف وقع حوليا الجداؿ: مفيو الخطاب والممفوظ. فعرفت الممفوظ عمى أنو متتالية مف الجمؿ موضوعة بيف فراغيف معنوييف بيف توقفيف لمعممية اإلببلغية: أما الخطاب فيو الممفوظ المنظور إليو مف جية نظر حركية خطابية مشروط بيا ومتحكمة فيو فالنص إذف حيف ينظر إليو مف حيث كونو بناءا لغويا تجعؿ منو ممفوظا وحيف يت دراستو مف حيث ظروؼ وشروط إنتاجو تجعؿ منو خطابا. دومنيؾ مف بيف الباحثيف الذيف خصصوا مواضيع بحوثي في تحميؿ الخطاب نذكر منجونو Maingueneau Domique الذي تناوؿ أى اإلتجاىات في تحميؿ الخطاب ومشاكمو إثر النقاش الدائر حوؿ المسألة بمجموعة مف المفاىي والقضايا في كتاب أسماه "مقدمة في مناىج تحميؿ الخطاب". Initiation aux méthodes de l analyse du discours. - Benveniste Emile, problème de linguistique générale, p Ibid, p242. 4

18 مدخل: مفكوم الخطاب أثار في مقدمة بحثو مجموعة مف القضايا حوؿ مسألة تحميؿ الخطاب كالبحث عف إيجاد مكانة لو ضمف دائرة العمو اإلنسانية وضمف النظرية الم سانية وما يعيؽ حسب أريو إيجاد حاليا مكانة لتحميؿ الخطاب ضمف ىذه الحقوؿ المعرفية عد استقرار موضوع الخطاب وعد تحديد منيجيتو تحديدا صارما إثر موقعو في نقطة التقاء وتقاطع بيف الم سانيات والعمو اإلنسانية مما يؤىمو إلى اجتذاب الدارسيف ونتج عف ىذه الوضعية ت ازيد الطمب النظري مف قبؿ الدارسيف لسانييف وغير لسانييف. ويرى أف تحميؿ الخطاب يسعى إلى البحث عف منيج يقارب محتوى النصوص عبر ق ارءات موضوعية غير أف تحميؿ المحتوى ال يحؿ إشكالية بنيوية النص. ويرى كذلؾ أف الغاية مف تحميؿ الخطاب ليس البحث عف كيفية اشتغاؿ الخطاب إنما استخبلص ما يميز خصوصية مضموف مدونة عف غيرىا. تبنى في مقدمة بحثو مجموعة مف التعاريؼ لمخطاب كما تبنى كما جرى اعتباره في الم سانيات البنيوية مفيوما مرادفا لمكبل كما نجده عند دوسوسير De Saussure وأعتبر كذلؾ الخطاب الوحدة المسانية التي تتعدى الجممة لتصبح رسالة كمية أو ممفوظا. وفي تعريؼ أخير لتحديد ماىية الخطاب يجري معارضة بيف المغة والخطاب فيو ينظر إلى الم غة عمى أنيا نظا منتو مف العناصر تمتاز بالثبات نسبيا أما الخطاب فيو مجاؿ تمارس 2 فيو اإلنتاجية تتشكؿ فيو سياقات تعطي قيما جديدة لوحدات المغة. وىذا العمؿ اإلبداعي مرىوف بما يضيفو الفرد مف ألفاظ وما يخمقو مف سياقات جديدة إثر استعماالت فريدة وفؽ ما تستمزمو احتياجات الفرد في التعبير. استفاد مصطمح الخطاب مف انجا ازت الم سانيات وتحدد موضوعو مف خبلؿ مجموعة مف المفاىي الم سانية فإذا كاف الم ساني في تعاممو مع المغة يقؼ عند دراسة الجممة باعتبارىا وحدة قابمة لموصؼ فإف بارت روالف لمقصص" المغة جممة كبيرة Barths Roland introduction à l analyse structurale des récits -وحداتيا ليست بالضرورة جمبل- في د ارستو "مدخؿ إلى التحميؿ البنيوي يرى أف الخطاب عمى شاكمة فالخطاب لو وحداتو وقوانينو ونحوه - Maingueneau Dominique : initiation aux méthodes de l analyse du discours, Hachette, Paris, 976, p Ibid, p -2. 5

19 مدخل: مفكوم الخطاب الخاص ويظير كرسالة لمغة أخرى أكبر مف لغة الم سانييف. ود ارسة الخطاب تقا وفؽ مبادئ الم سانيات المعاصرة ألف لسانيات الخطاب التي يطمح إلييا ما ت ازؿ بعيدة المناؿ. يرى بارت ر Barths.R. إف الخطاب يشكؿ موضوعا مستقبل بذاتو وىو مع الجممة في عبلقة تجانس فإذا كانت الم سانيات تصؼ الجممة صوتيا وصرفيا ونحويا ودالليا فإف الخطاب األدبي يحمؿ لسانيا مف عدة مستويات: الزمف الصيغة الرؤية كما يمكنو أف يحمؿ وفؽ مستويات أخرى: الوظائؼ األحداث السرد وىذه المستويات الثبلثة مرتبطة فيما بينيا: فالوظيفة ال يكوف ليا معنى إال لكونيا تأخذ مكانا ضمف الحدث العا وىذا الحدث 2 يأخذ معناه مف خبلؿ كونو مسرودا ومعيودا لخطاب لو إشا ارتو الخاصة. ينتيي بنا ىذا العرض إلى القوؿ أف الخطاب إت خذ وجوىا شتى اتصؿ أحيانا بمفاىي متباينة ومتغيرة تغي ر الزوايا التي ينظر إليو منيا فتارة ينظر إلى الخطاب عمى أن و كبل منغمؽ عمى ذاتو وتارة أخرى منفتح عمى المخاطبيف وأحيانا نص لغوي مجرد وأحيانا أخرى نص تؤلفو عناصر داللية. وليذه المفاىي آثارىا في تحديد مفيو الخطاب والمسمؾ الذي سمكو الدارسوف في تحميؿ اآلثار إلى وحداتيا المتنزلة في مستويات شتى بعيدا عف كؿ مرجعية خارجية إف ىذا المنيج في تناوؿ النصوص ظير خاصة في مجاؿ تناوؿ اآلثار األدبية شعرية كانت أو نثرية مثاؿ ذلؾ ما نجده عند جاكبسوف- أعمالو مف اىتما بنحو الشعر وأعماؿ تودوروؼ في د ارستو لمنص الشعري طبؽ جاكبسوف Todorov. T Jakobson رJakobson.R في اقت ارحو لنحو القصص. في إج ارء المفاىي النحوية عمى الخطاب وجعؿ ما أسماه إط ارد الصورة النحوية نفسيا ومعاودة الصورة الصوتية قوا األثر الشعري أما تودوروؼ Todorov. T فعمى غ ارر ما يقو بو الم ساني عند دراستو لمكونات الجممة قس عممو إلى مستويات فمي ز بيف ثبلثة مظاىر لمن ص: المظير القولي verbal) والمظير التركيبي (L aspect L aspect ( والمظير الداللي L aspect syntaxique.)semantique -Roland Barths : introduction à l analyse structurale des récits, in communication n 8, Edition du seuil, Paris, 98, p Ibid, p 2. 6

20 مدخل: مفكوم الخطاب في المظير األوؿ تناوؿ الصيغة والزمف والرؤية والصوت السردي أما في المظير الثاني حاوؿ فيو ضبط العبلقات بيف مكونات النص بعد أف تناوؿ التركيب القصصي 2 لممقاطع التي يتكوف منيا الن ص وما تشتمؿ عميو مف جمؿ قصصية. الثالث داللة الوحدات الم غوية التي تنضوي في النص األدبي باعتباره نظاما 3 درجة ثانية عمى خبلؼ الم غة التي تعد نظاما رمزيا مف درجة أولى. درس في المظير مف الرموز مف إف إد ارؾ الدارسيف لطبيعة الخطاب جعمي ينصرفوف إلى البحث عف المكونات التي يختص بيا الخطاب ومقاربة النصوص عمى مثاؿ التحميؿ الم ساني لمجممة مما جعؿ بحوثي تكوف أقرب مف منطؽ الخطاب وأبعد عف األصؿ الم غوي المحض والمجاؿ الذي إشتغموا فيو ليس نحو الجممة إنما نحو الن ص ولقد اقتضى عممي الوقوؼ عمى المكونات التي يختص بيا الن ص التي تختمؼ عف مكونات الجممة. إف ما تمخضت عميو الم سانيات مف مفاىي شمؿ الخطاب وليذه المفاىي جميعيا آثارىا المكينة في الخطاب األدبي عامة والخطاب القصصي خاصة. والخطاب القصصي كاف موضوع د ارسة مف قبؿ باحثيف إستعاروا الكثير مف المبادئ الم سانية في دراستي وجعموا بحوثي موصولة بمكتسبات عمو الم ساف سواء مما اختاروا مف مصطمحات أو ما أقاموه مف مناىج قائمة عمى ثنائية )الداؿ /المدلوؿ( )الحكاية/الخطاب(. وقريب مف ىذا التوجو ما ذىب إليو تودوروؼ Todorov. T يعرض األثر األدبي بحسب تودوروؼ 4 الذي اعتمد الطريقة الثنائية )حكاية/خطاب( في د ارستو لمقص ة. Todorov. T مظيريف إثنيف: حكاية وخطاب "كونو حكاية يحيؿ عمى واقع ما أو أحداث وقعت وشخصيات قد تتشابو مف ىذا المنظور مع شخصيات الحياة الواقعية... ولكف األثر األدبي في الوقت ذاتو خطاب حيث يوجد ارو 5 يروي الحكاية ويوجد أمامو قارئ يدركيا". - Todorov. T: Qu est-ce que le structuralisme, Poétique, édition du Seuil, Paris, 968, p49-p Ibid, p85, p77, p Ibid. p Todorov. T: «Les catégories du récit littéraire», in analyse structurale du récit, communication n 8, édition du Seuil, Paris, 98, p Ibid, p32. 7

21 مدخل: مفكوم الخطاب فالحكاية إذف ال توجد مستقمة بذاتيا إنما ىي مرىونة دائما بشخص يدركيا ويروييا والحكاية تنفصؿ إذف عف قائميا وال عمى الكبل الذي تأدت بو. III Genette لقد نحا جنيت جيرار Gérard في كتابة أمثمة نحو تودوروؼ TODOROV. T في تقسي األثر األدبي إلى ثالوث أحاط بو مجموع الوقائع السردية فميز في األثر األدبي بيف الحكاية والخطاب والسرد فاعتبر الحكاية )Histoire( كمدلوؿ القصة ومحتواىا السردي أما القص ة )Récit( فيي داليا أو الخطاب أو النص السردي ذاتو أما السرد la narration فيو الفعؿ الواقعي أو الخيالي الذي ينتج ىذا الخطاب. وىذا التمييز يبدو أكثر داللة وشفافية مف التعارض الروسي الشكبلني قصة/حبكة 2. fable/sujet وىناؾ فئة مف الدارسيف ممف اىت بمسألة التمفظ في القصص فالدراسة عندى ال تقو عمى الخطاب القصصي ككبل ذي أشكاؿ مختمفة إنما تقو عمى التواصؿ األدبي Communication littéraire المتمي ز بالشكؿ الذي يكتسبو التمفظ. فيتعامؿ الدارسوف في دراستي لمخطاب مع أفعاؿ المتكم والمخاطب والعناصر الن صية التي تحيؿ عمى العمؿ اإلنجازي وعمى مقا المتكم الذي قوامو الضمير المتكم واس اإلشارة الداؿ عمى الحضور والزمف الحاضر كما يتعامموف مع العناصر الن صية التي تحيؿ عمى سيرة ىذا المتكم اإلنفعالية التي تتجسد في أساليب كالنداء والتعجب وتوجيو 3 كبلمو إلى جيات شتى. إف ىذا النحو في التعامؿ مع الخطاب وس ع مف نطاؽ استعمالو وأصبح ال يتعامؿ معو عمى أن و كياف مغمؽ إن ما يتعامؿ معو باعتباره مجاال لمنشاط التمفظي مجاال منفتحا عمى المتكم والمخاطب وتوجيت عناية الدارسيف إلى د ارسة الخطاب موصوال بالقائميف بو. ولعؿ ىذا التوجو ىو الذي دفع جممة مف الدارسيف إلى تصنيؼ أشكاؿ الخطاب ووجيوا - Genette Gérard, Figures III, Cérés édition, Tunis 996, p جنيت ج ارر: عودة إلى خطاب الحكاية المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 2 ط 0 ص الخبو محمد الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة صامد لمنشر والتوزيع تونس 23 ص 39.

22 مدخل: مفكوم الخطاب عنايتي إلى أنواع الخطاب الموصولة بالقائميف بو فعمى سبيؿ المثاؿ جينت. ج Genette. G يقترح مصطمح خطاب بصيغة الجمع "كممة ديسكور المفرد والجمع... فالحكاية (Discours) تمؾ التي تتأرجح بيف ال تقو عمى خطاب واحد بقدر ما تقو عمى بعض الخطابات خطابيف أو أكثر...إف الحكاية تقو كمية عمى خطابيف إثنيف )أحدىما وىو االختياري- يكاد يكوف ىو نفسو متعددا دوما( ىما: نص السارد ونصوص الشخصية )أو الشخصيات(". وضع جنيت.ج Genette. G مصطمح خطاب في صيغة المثنى وذىب إلى أف الحكاية تقو عمى خطابيف إثنيف: خطاب ال اروي وخطاب الشخصية وىذا التوجو قريب مف توجو حوارية باختيف ميخائيؿ وتعدديتو الم غوية واستق ارءاتو لمعبلقات بيف الخطابات في األثر 2 األدبي. إف الخطاب اعتبره بعض الدارسيف لو عمبل سرديا بالقوؿ un acte narratif illocutoire وىو مف ىذا المنظور يكمؿ منيج مف تعامؿ معو مف قبؿ كونو مجاال لمنشاط التمفظي ومف ىذه الجية سينظر إلى الخطاب مف جية فاعميتو ال مف جية تركيبو الم غوي وبذلؾ اقترنت بالخطاب مصطمحات مف نوع العمؿ )acte( والعمؿ بالقوؿ ( acte )illocutoire فالخطاب مف ىذه الجية ال يعتبر عمبل سرديا يختص في إببلغ المعمومات فقط إن ما ىو منسوب إلى مف يوقع أفعاال مندرجة في خطة معينة وفي مقا مخصوص وعمى ىذا األساس يصير الخطاب عمبل خطابيا discours( )acte de منج از في مقا ما تبعا ليذا تعرض لنا القصة وجياف وجو نصي ووجو تداولي. يفضي بنا ىذا القوؿ إلى أف مصطمح الخطاب نشأ وصمب عوده إثر انكباب الدارسيف عمى موضوعو واستعاروا في ذلؾ الكثير مف مبادئ الم سانيات في دراستي واف تعددت مدلوالت المصطمح لكنيا ال تتعارض في جوىر تعريفيا لو بأنو ممارسة لممكة المغة واف اختمؼ في ازوية النظر إلى ىذه الممارسة وىذا االختبلؼ نوعزه لمتضخ اليائؿ - جنيت جي ارر: عودة إلى خطاب الحكاية ص المرجع نفسو ص 5. 9

23 مدخل: مفكوم الخطاب لمد ارسات الم سانية الحديثة والتفرعات المنيجية لمنظرية البنيوية وانطبلقا مف ىذا التعدد يأخذ مصطمح الخطاب في ىذا السياؽ ىذه الداللة "إف الخطاب ممفوظ موسو بخصائص نص ية ولكنو أيضا تمفظ وعمؿ خطابي discours( )acte de منجز في مقا معيف" الخبو محمد: الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة ص 54.

24 الفصل األول الرؤية السردية في الخطاب الروائي تقدي نظري Tagrest urɣu Iḍ d wass.ass-nni المبحث األوؿ: الرؤية السردية في المبحث الثاني: الرؤية السردية. في المبحث الثالث: الرؤية السردية في تقديم نظري: - الراوي: 2

25 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي وتصو ارتي- يكاد يجمع جؿ الدارسيف الميتميف بصناعة القصص عمى اختبلؼ منطمقاتي عمى أف النص القصصي يقو أساسا عمى مبدأ الوساطة. فاألثر القصصي يصمنا عف طريؽ ىيئة أعواف تخييمية يفوضيا المؤلؼ. إف السرد فعؿ لغوي يستدعي ذواتا تقو بو سواء كانت ىذه الذوات ظاىرة أ خفية حاضرة أ غائبة. فممفوظات األثر القصصي خاضعة لتوجيو الراوي 2 المنظ لمقصة الموجو لمرؤية والمنتقي لؤلصوات. الدي يسير دوالبيا ويتحك في تصاريفيا. ال اروي ىو إذف فال اروي تتحدد وظيفتو في سرد القصة فيو يمتمؾ كفاءة لغوية وقدرة عمى الحكي ونقؿ األحداث عمى شكؿ قوؿ حكائي سواء كاف السرد بضمير المتكم )أنا( أو بضمير الغائب )ىو( فيكتسي بالتالي كبلمو صيغة تخييمية. إذا أقررنا بوجود ال اروي فإنو مف الضروري التمييز بينو وبيف المؤلؼ فػ "الذي يتكم )في القصة( ليس الذي يكتب )في الحياة( والذي يكتب ليس الذي ىو 3 موجود". فإذا سممنا أف الخطاب القصصي خطاب متخيؿ يقتضي بالضرورة ساردا متخيبل فإنو مف الضروري الفصؿ بيف ىذا المخموؽ الخيالي والكاتب الشخص التاريخي الذي يضطمع بدور الكتابة. لقد لخ ص Barthes. R الخبلؼ حوؿ عبلقة ال اروي بالمؤلؼ فحصره في ثبلث تصو ارت في التصو ر األوؿ يرى أف القص ة يبثيا شخص )بالمعنى النفسي الكامؿ( لو ىوية وىو المؤلؼ الذي يكتب قصصا والقص ة تكوف بذلؾ تعبي ار عف "أنا" خارج عنيا أما التصو ر الثاني فيجعؿ مف ال اروي ضربا مف وعي كامؿ totale( )une conscience يبث القص ة مف وجية نظر عميا ىي وجية نظر اإللو وىذا الراوي يوجد داخؿ الشخوص )بما أنو يعرؼ كؿ ما يجري في أعماقيا( وىو في اآلف ذاتو خارج عنيا )بما أنو يتصور نفسو مشابيا ألحد منيا(. والتصو ر الثالث ىو أحدثيا يمثمو )جامس ىنري و)سارترSartre )James Henry ) وىو يقضي أف يقتصر الراوي عمى سرد ما يمكف لمشخصيات مبلحظتو أو -Achour Christiane, Bekkat Amina, Convergences critiques II, édition du tell, Alger, 2002, p6. 2 -Ibid, P Barthes Roland, «Introduction à l analyse structurale des récits», op.cit, p26. 22

26 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي معرفتو يفضي بارت إلى القوؿ أف ىذه التصو ارت محرجة ألنيا تبدو جميعيا ترى في ال اروي والشخصيات كائنات واقعية حية في حيف أنيا عنده "كائنات مف ورؽ". إف الحديث عف الراوي ومسألة العبلقة بينو وبيف خالقو مف أعقد المسائؿ الجارية وأعسرىا التي ال ازؿ يثيرىا العمماء بصناعة القصص ولعؿ باختيف ميخائيؿ. Mikhail Bakhtine مف أوائؿ الدارسيف الذيف أثاروا ىذه المسألة: "إف أروي )أو أحكي كتابة( حدثا جرى لي أجدني ك ارو )أو كاتب( خارج زماف ومكاف أيف جرى الحادث إف اليوية المطمقة لػ "أنا" مع "أنا" الذي أتحدث عنو مستحيؿ التحديد. العال التخييمي واف بدا حقيقيا وواقعيا ال يمكنو أبدا أف يكوف متطابقا تماما مف منظور الزماف والمكاف مع العال الحقيقي أيف يتواجد 2 فيو الكاتب". يشير باختيف Bakhtine.M( ) إلى أف الخطاب المتخيؿ يقتضي قائبل متخيبل مع تأكيده عمى صعوبة الفصؿ بيف الكاتب الذي يضطمع بدور الكتابة والراوي الذي ينيض برواية أحداث عالمو التخييمي. أما تودوروؼ TODOROV.T( ) فإن و مف الدارسيف الذيف يسمموف باستحالة تحديد صورة ال اروي وبالتالي بعبثية البحث عنيا فيقوؿ: "إف لدينا عف ال اروي كم ا مف المعمومات مف المفروض أف تتيح لنا اإلمساؾ بو وتحديد موقعو تحديدا دقيقا. ولكف ىذه الصورة الياربة ال تدع أحدا يقترب منيا وىي ترتدي باستمرار أقنعة متناقضة تت اروح بيف صورة مؤلؼ مف لح 3 ود وصورة شخصية ما". الخارج يشير جنيت جيرار Genette Gérard إلى الم بس الذي يكتنؼ ىذه العبلقة. فال اروي حكائي diégétique( )Le narrateur extra ىو ارو مف الدرجة األولى قد يتطابؽ - Barths Roland, «Introduction à l analyse structurale des récits», op.cit, p Bakhtine. M, «Esthétique et théorie du roman, édition Gallimard, Paris, 978, p396, traduit par Daria Olivier. 3 - TODOROV Tzvetan, «les catégories du récit littéraire», in l analyse structurale du récit, communication n 8, édition du seuil, Paris, 980, p52. 23

27 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي مطابقة تامة مع الكاتب عندما يتعمؽ األمر بنصوص السيرة الذاتية وقد يكوف المؤلؼ متخيبل وقد يمتزج صوت ال اروي بالكاتب في نفس األثر. إف الفصؿ بيف الكاتب ومخموقو الخيالي مف األمور المستعصية لكف مف الضروري الوصؿ بينيما فالن ص كثي ار ما يتضمف إشارات صريحة أو ضمنية لمكاتب أو ضروبا مف الكبل ال تتناسب مع وضع ال اروي وق ارئف تركيبية تدؿ صراحة عمى حضور الكاتب عمى نحو ما نجده مثبل في نصوص السيرة الذاتية وغيرىا األمر الذي يجعمنا نقر أف الراوي واف كاف في نياية األمر عونا سرديا لمكاتب فإنو ليس منفصبل عنو كؿ االنفصاؿ فالوشائح التي تربط بيف ال اروي والمؤلؼ وطيدة ويقتضي النظر في األسباب الواصمة بينيما وال نبحث في أف نطابؽ بينيما مطابقة تامة فال اروي كائف متخيؿ ومف الضروري التمييز بينو وبيف المؤلؼ الشخص التاريخي. حاوؿ )أدا جاف ميشاؿ )Adam Jean Michel تجاوز ىذه اإلشكالية وتوسيع مجاؿ الد ارسة التي اقتصرت في أغمب األحياف عمى د ارسة األعواف التخييمييف أي ال اروي والشخصيات والمروي لو لتشمؿ كؿ أعواف الن ص السردي األدبي فعرض أربع مستويات لدراستيا فاقترح ما أسماه بالعونيف المجرديف )المؤلؼ المجر د والقارئ المجر د( والعونيف الواقعييف )المؤلؼ الواقعي والقارئ الواقعي( وال اروي والمروي لو والممثميف مستندا عمى تصور )لنتفمت ياب 2. )Lintvelt Jaap يعر ؼ العونيف الواقعييف )الكاتب والقارئ( كشخصيات تاريخية ال تنتمي لؤلثر إنما لمواقع فالكاتب الواقعي يعرض صو ار عف ذاتو ويضمف آثاره األدبية مواقفو اإليديولوجية العبلقة بيف القارئ الحقيقي والكاتب الحقيقي ليست خطية فالكاتب الواقعي يمكنو أف يغير أفؽ انتظار القارئ الحقيقي وىذا األخير بدوره يمكنو أف 3 يؤثر عمى األثر ويضع صورة لمكاتب تخالؼ صورتو الحقيقية. أما القارئ المجر د فيو ذاؾ القارئ المثالي الذي يتحاور معو الكاتب طواؿ نشاطو الكتابي فيو يمثؿ صورة المرسؿ - Genette Gerard, Discours du récit, éd Seuil, Paris, 983, p Adam.J.M., le texte narratif, éd Nathan,Paris, 994, pp Ibid, p

28 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي إليو المفترض الذي يمج دالالت األثر. أما الكاتب المجرد فيعرفو عمى أن و "األنا" التي تنتج األثر تخالؼ "األنا" التي تظير عادة في المجتمع والواقع. إف تمييز أد ج. Adam. J.M. بيف المؤلؼ الواقعي والمؤلؼ المجرد ال يخمو مف افتعاؿ فا "األنا" التي تكتب ليست بالضرورة "األنا" التي تروي إذ ثمة ىوة بيف "أنا" الكاتب المعروؼ و"األنا" التي تبمغ األثر. وفي ىذا السياؽ يرى )بوث وايف( Booth Wayne أف ما نسميو بالكاتب الضمني مختمؼ دوما عف اإلنساف الواقعي ميما كانت الصورة التي تتكوف لنا عنو فاإلنساف الواقعي يخمؽ في المحظة نفسيا التي يخمؽ فييا أثره صورة مثالية عف 2 ذاتو وكؿ رواية تجعمنا نعتقد في وجود كاتب نعتبره ضربا مف األنا الثانية. نادت الدراسات البنيوية بإلغاء كوف المؤلؼ منشئا لمن ص أو مصد ار لو فنادت بموتو. فالمؤلؼ حسب ىذا المنيج ما ىو إال ناسخ يعتمد عمى مخزوف ىائؿ مف الم غة الموروثة والذي ينطؽ في األثر األدبي ويتكم إنما ىي الم غة وليس المؤلؼ أو صوتو والمعج الذي يعتمد عميو ىو مخزف ىذه الثقافة. ىائؿ مف اإلقتطافات واإلشا ارت التي تنبع مف الثقافة وتؤسس بدورىا فالنص الذي يكوف ىذا مصدره ىو نص متعدد األصوات بما أنو بني مف كتابات مختمفة وليست وحدة عضوية مصدرىا المؤلؼ أو صوتو فالن ص مجر د معج غير متجانس تصطؼ كمماتو في تتابعية مف العبلمات أو اإلشا ارت حسب أع ارؼ مقننة ال يمكف لمؤلؼ أف يتجاوزىا وتنبع مف نصوص متداخمة وىذه الصفات تقتؿ المؤلؼ وتحوؿ 3 التاريخ والت ارث التقميدي إلى نصوصية متداخمة. وفي سعينا لتجاوز ىذه اإلشكالية وحرصا عمى بقائنا في مجاؿ التحميؿ المحايث لمنص السردي فإننا نقر أف الكاتب سواء كاف مجر د ا أو ضمنيا ىو نفسو المؤلؼ الشخص الحقيقي الذي عاش أو يعيش في مكاف ما وفي زماف ما سواء أعمف صراحة عف واقعيتو - Adam.J.M., le texte narratif,op cit, P Booth Wayne. C, «Distance et point de vue», in poétique du récit, édition du Seuil, Paris 977, 3 - الرويمي ميجاف البازعي سعد دليؿ الناقد األدبي المركز الثقافي العربي ط 2 pp بيروت 2 ص 053.

29 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي بتبيانو ىويتو المدنية أو استعمؿ اسم ا مستعار ا وىو يتوسؿ باألدب لسبر جوانب خفية مف ذاتو والتعبير عف رؤيتو لمعال مستندا عمى مخزوف ىائؿ مف الم غة الموروثة. وال اروي سواء أسميناه ىيئة سردية Narrative( )Instance أو ضمي ار )Personne( أو صوتا سرديا narrative( )Voix فيو في نياية األمر دور يتقمصو الكاتب وىو "الخالؽ الروائي فالكاتب يقو بانتقاء موضوعات وأساليب مف مواقؼ ايديولوجية الوىمي لمعال " لؤلعواف التخييمييف الذيف يمكف أف يستخدمي أصواتا لو. يمكف التعامؿ مع ال اروي بمقتضى إنشائية التمفظ بوصفو ذاتا تسري أثارىا في الكبل بأساليب شتى تتحك في األشياء التي تروييا وتقو ميا وتكشؼ عف انفعاليا بيا وىي دائمة التغير تغي ر المقامات التي ترد فييا حضورىا في الخطاب تكشفو المشي ارت المكانية والزمانية الدالة عمى الحاؿ والحضور )اآلف ىنا( ضمائر المتكم والعبلمات الم غوية الحاممة لسمات وجدانية وتقويمية لممتكم والوحدات الم غوية الدالة عمى جية اعتقاد المتكم كالحروؼ الدالة عمى التأكيد أو الشؾ وكذلؾ ضروب المجاز المتشبعة بذاتية القائؿ في نظرتو إلى 2 األشياء. إنطبلقا مف ىذا التصور سندرس الراوي مف خبلؿ الثبلثية باعتباره صوتا لو وظائؼ وعنص ار قصصيا متمي از فسننظر إليو مف خبلؿ المحؿ الذي يحتمو عند قيامو بفعؿ السرد ومف خبلؿ عبلقتو بالحكاية التي يروييا. الرؤية السردية: نجد في مجاؿ النقد الروائي الحديث مجموعة مف المصطمحات النقدية التي تعني جميا الموقؼ: موقؼ الروائي مف عالمو المحيط أو موقؼ السارد مف عالمو الحكائي وىذه المصطمحات ىي: "الرؤية السردية" "الرؤية" "وجية النظر" "المنظور" "حصر المجاؿ" "التبئير"... رغ الفروؽ المتفاوتة في داللتيا فيي ترتكز في معظميا عمى "ال اروي الذي مف - Kayser Wolfgang, «Qui raconte le roman?» in poétique du récit, édition Seuil, Paris, 977, p الخبو محمد: الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة ص

30 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي خبللو تتحدد "رؤيتو" إلى العال الذي يرويو بأشخاصو وأحداثو وعمى الكيفية التي مف خبللو أيضا في عبلقتو بالمروي لو- تبمغ أحداث القصة إلى المتمقي أو "ي ارىا". مثمما ىو ال اروي تقنية مف تقنيات التقنيات الخاصة ببنية الشكؿ الروائي. الخطاب الروائي فإف الرؤية السردية كذلؾ تقنية مف يعرؼ بوث وايف س Booth Wayne.C. الرؤية السردية أو وجية النظر كما يسمييا بقولو: "كمنا متفقوف عمى أف وجية النظر ىي في معنى مف المعاني "ميارة" تقنية ( truc Un Le ( ووسيمة لبموغ غايات طموحة. ونؤكد أف التقنية ىي وسيمة بحوزة المبدع )technique )créateur مف أجؿ كشؼ نواياه الخاصة أو ىي وسيمة بحوزتو مف أجؿ رغبة التأثير عمى 2 الجميور". تضاربت اآل ارء إثر التعامؿ مع ىذا المكوف المركزي في الخطاب السردي أصبح مف المسم بو في النقد األدبي ىنري James Henry الحديث أف المفيو وليد بدايات القرف العشريف مع الروائي جيمس إثر مبلحظاتو حوؿ ال اروي المييمف عمى عالمو الروائي مستيجنا نظرة ال اروي إلى عالمو الروائي مف فوؽ فالحكاية حسب أريو يجب أف تعرض ال أف تسرد مف قبؿ المؤلؼ رغ أسبقية أرسطو حذا لوبوؾ بيرسي Percy( Aristot ليذا الطرح. )Lubbok حذو جيمس ىنري وانحاز إلى طروحاتو عمى مستوى تحديد وجيات النظر والحك عمييا وتعد د ارستو مف أولى الد ارسات التي تناولت بالتحميؿ وجية النظر في مؤلؼ عنونو صنعة الرواية fiction(.)the Craft of أوؿ ما اقترحو الدارس ىو التفريؽ بيف العرض أو ما أسماه )Showing( والسرد أو ما أسماه 3 )Telling( فاألحداث حسب أريو تقد في الحكاية وفؽ ىذيف النمطيف الخطابييف ففي النمط األوؿ )العرص( يجد المتمقي نفسو أما ارو متسمط عمى عالمو الروائي أما في النمط الثاني )السردي( فيجد نفسو أما كسوؼ ال اروي وغيابو عف األحداث وكأنو أما مشيد درامي. - يقطيف سعيد: تحميؿ الخطاب الروائي ط 3 المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب 0997 ص Booth Wayne.C. : «Distance et point de vue», Op. Cit, p Lintvelt Jaap : Essai de typologie Narrative «le point de vue», librairie José Corti, Paris, 98, p5. 27

31 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي الكاتب يتكم حينا بصوتو الخاص وأحيانا أخرى مف خبلؿ إحدى شخصيات عالمو الروائي ويستعمؿ حينا لغتو الخاصة ومعاييره التقييمية وأحيانا أخرى يستخد ذىف ومعايير اآلخر. كما ميز بيف نوعيف مف الصيغ: الصيغة التصويرية Pictural( )Le mode والصيغة الد ارمية dramatique( )Le mode فالمتمقي في الصيغة التصويرية يرى األحداث مف خبلؿ منظور ال اروي أو إحدى الشخصيات الروائية بينما في الصيغة الدرامية فالمتمقي تعرض أمامو األحداث وكأنيا مشيد مسرحي. مف خبلؿ ىذا التصنيؼ يمكف تحديد وجيات النظر كما الرواية وممخصة مف قبؿ لينتفمت ياب Jaap( نجدىا متفرقة في صنعة : )Lintvelt -التحميؽ البانورامي :Survol Panoramique إف ما يميز ىذا الشكؿ الخطابي وجود راو مستتر عمي متعاؿ ومييمف عمى عالمو الروائي يستعيف بصورتو ومنظوره الخاص مف أجؿ تقدي عرض بانو ارمي حوؿ الشخصيات الروائية واألحداث المسرودة. وىو كثيرا ما يتدخؿ عمى مدى صفحات العمؿ السردي بتعميقاتو وشروحاتو المتكررة. 2 -الراوي الممسرح Le narrateur dramatisé فيو ارو غير عمي ميمتو ىو سرد ما ي اره فقط أو ما ي اره أيا كاف في موضعو مف خبللو يت التقدي يحكى القصة حسب وجية نظره وحسب أسموبو الخاص. 3 -الذىف الممسرح L esprit dramatisé ىذا الشكؿ الخطابي ي ازوج بيف الصيغة التصويرية والصيغة الد ارمية األولى لوصؼ العال الخارجي والثانية لتقدي الحياة الداخمية لمشخصيات. -lintvelt Jaap : essai de typologie narrative «le point de vue», op cit, PP

32 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي 4 -الدراما الخالصة Le drame Pure ىذا النمط الخطابي أقرب ما يكوف لمعرض المسرحي نشيد فيو غياب الػػػػػػػػػػػػػػػ اروي فالقصة تظير وكأنيا تحكي نفسيا بنفسيا والقارئ ال يمكنو الولوج إلى خمد الشخصيات ومعرفة ما تفكر فيو وال معرفة حياتيا الداخمية. Normane وعيا منو بأىمية ىذا اإلج ارء الخطابي في نظرية القصة خص )فريدماف نورماف لمختمؼ وجيات النظر. )Freidman وجية النظر بدراستيف نظ فييما تصو ره ليا وقد تصنيفات بنى دراستو عمى التمييز بيف العرض والسرد وبيف " ارو جمي" و" ارو " "مطموس" مما أتيح لو إقامة تصنيؼ واضح ومنظ لوجيات النظر وىذا التصنيؼ يض األشكاؿ السردية التالية كما نجدىا ممخصة عند لينتفمت 2.Lintvelt 5 -المعرفة المطمقة لمراوي-المؤلؼ Omniscience éditoriale إف المعرفة المطمقة تعني وجية نظر الكاتب غير المحدودة وغير الم ارقبة. فالمؤلؼ يروي قصة مف أية ازوية شاء فيو يخبرنا عف أفكار وأحاسيس شخصيات عالمو الروائي تتعدد تدخبلت ىذا ال اروي في القصة وأحداثيا سواءا اتصمت التدخبلت بالقصة أو ل تتصؿ. 6 -المعرفة المحايدة Omniscience Neutre وجية النظر ىذه تختمؼ عف سابقتيا فالكاتب ال اروي يتكم مستعمبل الضمير الغائب ىو وال يتدخؿ إال ناد ار. يقد عالمو الروائي بصوتو وكما يدركو ىو وليس كما تدركو الشخصيات. 7 -األنا-راو كشاىد Le je-narrant comme témoin إف الراوي في ىذه الوجية يكم القارئ بضمير المتكم معرفتو بالشخصيات واألحداث محدودة والقارئ ال يدرؾ مف القصة إال أفكار وأحاسيس واد اركات ال اروي الشاىد. -lintvelt Jaap :essai de typologie narrative, op cit, p ibid, pp

33 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي 8 -األنا-راو كبطؿ القصة Le je-narrant comme Protagoniste إف السرد تتكفؿ بو شخصية مركزية في القصة. 9 -المعرفة المتعددة اإلختيار Omniscience multi-sélective تختمؼ ىذه الرؤية عف سابقتيا فالقارئ يجد نفسو ليس أما ارو واحد يروي أحداث القصة إنما أما ر واة متعدديف. فالقصة تدرؾ كما تحياىا الشخصيات نرى القصة مف خبلؿ أذىانيا وأحاسيسيا. 2 -المعرفة اإلختيارية Omniscience sélective إف القصة تدرؾ مف خبلؿ ارو واحد فالكاتب يت تركيزه عمى شخصية واحدة والقارئ يرى القصة مف خبلليا. -الصيغة الدرامية Le mode dramatique إف قارئ ال يرى مف القصة إال أقواؿ وأفعاؿ الشخصيات أما ما يجوؿ في أذىانيا وما يختمج في صدورىا ال يدركو إال مف خبلؿ أقواليا وأفعاليا. 2 -الكاميرا La caméra في ىذه الوجية األخيرة يقصى المؤلؼ فالغاية ىي نقؿ شريحة مف حياة الشخصيات دوف اختيار أو تنظي وىذا رغ اعتباره وجية النظر ىذه معاكسة تماما لجوىر الفف القصصي. ىذا التصنيؼ رغ كثرة أشكالو السردية يمتاز بالشمولية والوضوح مف خبللو حاوؿ فريدماف تمخيص أ ارء مف سبقوه واحصاء كؿ األشكاؿ التعبيرية ومختمؼ الرؤيات التي يمجأ إلييا الكاتب أثناء إعداده الجمالي لمؤلفو السردي. عمى غرار ما عرضناه سابقا حاوؿ بوث وايف س Wayne.C. Booth طرح مفيو وجية النظر مف ازوية مختمفة تتمثؿ في البحث عف تجميات ال اروي في النص السردي والكشؼ عف مختمؼ طرؽ التواصؿ بيف الكاتب والقارئ "فالكاتب ال يحكي مباشرة فالقارئ 30

34 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي ىو الذي يكتشؼ كؿ شيء بنفسو مف خبلؿ الكممات واإلشا ارت وأفعاؿ الشخصيات" أنو يدعو إلى البحث عف تجميات ال اروي لتحديد رؤيتو أو رؤاه إلى العال الذي يرويو والبحث عف الكيفية التي تبمغ بيا أحداث القصة إلى المتمقي غير محدودة- فاختيا ارت الروائي في ىذا الشأف رغ اعت ارفو بصعوبة الميمة فبل توجد مصطمحات مناسبة مف أجؿ تعييف 2 األصوات voix( )Les المتعددة التي يمجأ إلييا الكاتب. لوبوؾ بيرسي وفريدماف. وعمى ىذا األساس تجاوز أعماؿ ميز بوث وايف س بيف نوعيف مف الرواة: مشاركيف وغير مشاركيف وعيف ثبلثة أنماط منيا: 3 -الكاتب الضمني فيو ليس الكاتب اإلنساف إنما ىي ذاتو الثانية نجده في كؿ عمؿ سردي ميما كاف نوعو ونجد صورة ضمنية لكاتب قابع في الكواليس حتى في الروايات التي ال يعرض فييا ارو ص ارحة. 4 -الراوي غير المعروض حتى أكثر الق ارء سذاجة يعترؼ بوجود وساطة في كؿ قصة وىذه الوساطة ما ىي إال الراوي الذي نصبو الكاتب مف أجؿ سرد أحداث عممو القصصي وىذا ال اروي خاصة وىو غالبا ما يمتبس بالكاتب. 5 -الراوي المعروض ليس لو ميزة ىو كؿ شخصية تقو بعممية الحكي سواء تحدثت باس الكاتب أو الضمير المتكم أو الجمع ينشطر ىذا النوع إلى ثبلثة أنواع ىي: أ-الراوي الراصد :)Reflecteur( العاكسة لؤلحداث. يروي بالضمير المتكم أو الغائب وىو يبدو كالمرآة - Booth Wayne.C. : Distance et point de vue, Op. cit, p Ibid, p90. 3

35 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي ب-الراوي المالحظ أو الشاىد: يسرد عف طريؽ المشيد أو التمخيص. يروي مستخدما الضمير المتكم أو الضمير الغائب ج-الراوي المشارؾ: نجد ىنا حضور ال اروي كشخصية مف شخصيات القصة. إف ىؤالء الرواة سواء كانوا مشاركيف في األحداث أو مجرد مبلحظيف يتحدثوف بضمير الغائب أو المتكم أو الجمع فإني مختمفوف حوؿ درجة المسافة )رغ صعوبة تحديدىا( التي تفصمي بالكاتب والقارئ وباقي شخصيات القصة ونجد بيف ىؤالء حوارا ضمنيا يقا بيني وى في عبلقة تواصؿ وتجاوب حينا وتناقض أحيانا أخرى حوؿ نمط القي أو األحكا األخبلقية أو الثقافية أو الجمالية أو حتى الفيزيقية. لعؿ مف أى الد ارسات التي أغنت مفيو الرؤية السردية ومنحتيا أبعادا جديدة واتخذت مصطمحا مركزيا في تحميؿ الخطاب الروائي ىي د ارسة بويوف جاف POUILLON Jean "الزمف والرواية". Temps et roman سعى جاف بويوف إلى إقامة نمذجة سردية إنطبلقا مف حديثو عف الرواية انطبلقا مف عم النفس. إف العبلقة بيف األدب وعم النفس شديدة اإلرتباط فإذا كاف الروائي سعيا منو لمبحث وتحميؿ مواقؼ حياة الشخصيات يقو بتحديد الرؤى الممكنة متشابية نفسيا مع رؤى األشخاص الحقيقييف فإف عال النفس يمكنو أف ينطمؽ مف ىذه الرؤى مف أجؿ تحديد طرؽ اإلبداع الروائي. انطبلقا منو مف ىذه القناعة حد د الدارس ثبلثة أنواع مف الر ؤى: الرؤية مع» avec.la vision «الرؤية مف الخمؼ» derrière.la vision «Par الرؤية مف الخارج» dehors. La vision «du ) الرؤية مع: نجد ىنا ا حضور لشخصية محورية مف خبلليا نرى الشخصيات األخرى ومعيا نعيش األحداث المروية. يمكف وصؼ ىذه الشخصية مف الداخؿ والولوج إلى ذاتيا. والقارئ يتبنى نفس رؤيتيا. - Pouillon Jean: Temps et roman, Ed Gallimard, Paris, 993, p

36 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي )2 الرؤية مف الخمؼ: يسير بمشيئتو األحداث والشخصيات. )3 الرؤية مف الخارج: والفضاء الخارجي الذي تتحرؾ فيو. في ىذه الرؤية نجدنا أما ارو عمي متعاؿ دائ الحضور إف ال اروي ال يدرؾ مف الشخصيات إال كبلميا وسموكاتيا تميز الدارس عف سابقيو في تحميؿ الرؤيات مف منظور عم النفس. ما يبلحظ ىو الدقة والوضوح في عرض أط ارؼ الرؤية السردية واإلنسجا الكبير في عرض مقوماتيا السيكولوجية وتصنيفاتيا وكيفية الكشؼ عنيا ولعؿ ىذا ما أغرى TODOROV لمسير عمى منوالو. تزفيطاف Tzvetan تودوروؼ أوؿ ما نب و إليو تودوروؼ ىو إمكانية تحميؿ الخطاب السردي مف ثبلث زوايا: الزمف Le temps الصيغة طرؼ الراوي.L aspect المظير Le mode عر ؼ مظير القصة récit( )Aspect du بالطريقة التي بواسطتيا تدرؾ القصة مف 2 ويقصد بالمظير الرؤية أو النظر )Regard( بيف الضمير ىو )في القصة( واآلنا )في الخطاب( أي بيف الشخصية وال اروي. ومظير القصة يعكس العبلقة انطبلقا مف ىذا التحديد استرجع تصنيؼ بويوف وأدخؿ عميو تعديبلت خفيفة محتفظا بتصنيفو الثبلثي: > (الراوي الشخصية )الرؤية مف الخمؼ(: يظير ال اروي في ىذا الصنؼ أكثر معرفة مف الشخصيات الحكائية فيو يدرؾ كؿ شيء: الخفي والظاىر يخترؽ الجدراف يتسمؿ إلى ذىف الشخصيات وذواتيا الداخمية وفي ىذه الحالة يكوف السرد موضوعيا. 2 (الراوي= الشخصية )الرؤية مع(: تكوف معرفة ال اروي عمى قدر معرفة الشخصية الحكائية ال يقد لمقارئ أي معمومة أو أي تفسير إال بعد أف تتوصؿ إليو الشخصية ذاتيا. لمحدث. يمكف لمسرد أف يدرج بضمير أنا أو الضمير ىو لكف دائما حسب منظور الشخصية - TODOROV Tzvetan: «Les catégories du récit littéraire», in l analyse structurale du récit, Op Cit, p Ibid, p46. 33

37 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي < الراوي )3 الشخصية )الرؤية مف الخارج(: إف معرفة الر اوي في ىذه الرؤية محدودة فيو يعرؼ أقؿ مما تعرفو الشخصيات الحكائية فيو يكتفي بنقؿ أقواليا وأفعاليا دوف الولوج إلى ذواتيا الداخمية وفي ىذه الحاؿ يكوف السرد ذاتيا. سعى كذلؾ لنتفمت ياب لنمذجية سردية": "وجية النظر" Lintvelt Jaap إلى إقامة نمذجة سردية في كتابو "محاولة Essai de typologie Narrative «le point de vue» مستميما أ ارء مف سبقوه والنمذجة التي يقترحيا تنبني حوؿ السرد )ال سيما العبلقة بيف ال اروي والمروي لو( في عبلقتو مع القصة Le récit والحكاية أقا لنتفيمت نمذجتو عمى التمييز بيف ال اروي لو التمييز بيف شكميف سردييف: السرد المتبايف حكائي: والسرد المتضمف حكائي:.L histoire Narrateur والفاعؿ مما سمح L acteur Narration héterodiegetique Narration Homodiegetique فإذا كاف السارد ال يوجد في الحكاية كفاعؿ في السرد المتبايف حكائي فإنو في السرد المتضمف حكائي يكوف ساردا وفاعبل في اآلف ذاتو. نفس التمييز مكنو أيضا مف تحديد "مركز التوجيو" d orientation) (Centre تعينت األنماط السردية التالية: بفضمو - النمط السردي النظمي: :Type Narratif Auctoriel التوجيو" يقع داخؿ السارد الذي يتعيف كالناظ لمحكاية. - النمط السردي الفعمي: :Type Narratif Actoriel مركز التوجيو يقع في الفاعؿ. - النمط السردي المحايد: :Type Narratif Neutre في ىذا النمط "مركز عمى خبلؼ النمط السابؽ فإف ال السارد وال الفاعؿ يشتغؿ كمركز توجيو فالسارد يكتفي بتأدية الوظيفة السردية فقط. الفعؿ القصصي يبدو 2 موضوعيا ألف ذات السارد أو الفاعؿ ال يخترقانو. - Lintvelt Jaap : Essai de typologie narrative, Op Cit, p Ibid, p38. 34

38 الفصل األول: الرؤيظ الدرديظ في الخطاب الروائي تختمؼ ىذه األنماط السردية باختبلؼ المنظور وعمقو وىذا العمؽ يكوف إدراكا خارجيا أو داخميا محدودا أو غير محدود. قد لنا األنماط السردية السابقة مرتبطة بالمنظور وعمقو. ففي السرد المتبايف حكائي: -نجد أنفسنا في النمط السردي النظمي وداخمي غير محدوديف والمنظور إما أف يكوف ثابتا أو متغي ار. 2 -النمط السردي الفعمي: أما منظور راو ناظ عمي واد اركيف خارجي نكوف أما منظور ال اروي الفاعؿ وادراكيف: خارجي وداخمي محدوداف. ففي اإلد ارؾ الخارجي المحدود يكتفي الراوي بالتقدي الخارجي لباقي الفواعؿ أما في اإلد ارؾ الداخمي المحدود فال اروي ال يعم إال ما تعممو الفواعؿ )الشخصيات( ويجيؿ ما يجري في ذواتيا الداخمية. 3 -النمط السردي المحايد: ىي الكامي ار التي تعمؿ عمى نقؿ األقواؿ فقط اإلد ارؾ في ىذا النمط خارجي محدود فالكامي ار تكتفي بتسجيؿ المرئي والمسموع مف العال الروائي فقط. أما اإلد ارؾ الداخمي فمستحيؿ فبل تدرؾ دواخؿ الشخصيات والفواعؿ إال عبر أقواليا وأفعاليا. أما في السرد المتضمف حكائي نجد أنفسنا أما: النمط السردي النظمي أما عال روائي منظور مف خبلؿ ال اروي-الشخصية Narrateur-Personnage واد ارؾ خارجي وداخمي موسوعاف لم اروي الشخصية. النمط السردي الفعمي Personnage-Acteur فالقارئ يجد نفسو أما منظور سردي لشخصية الفاعؿ 2 الذي يقاسمو منظوره. ) )2 مف الد ارسات التي قدمت تصو ار نظريا مكتمبل لمسرد ىي أمثمة )Figures III( III لجينت جي ارر) Gerard )Genette الذي انطمؽ مف تصو ارت سابقيو فانتقدىا فعرض مشروعا منسجما أقا فيو نمذجة لممقامات السردية. - Lintvelt Jaap : Essai de typologie narrative, Op. Cit, p43, p Ibid, p84, p86, p90. 35