اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية وزارة التعليم العايل والبحث العلمي جامعة حممد بن أمحد- وهران 2 كلية العلوم االجتماعية قسم الفلسفة أطروحة لنيل شهادة دكتوراه العلوم يف الفلسفة واملوسومة: فيتغنشتاين والتداولية مقاربة فلسفية لمرحلة التأسيس إعدإد إلطالب: قادري عبد إلرحامن إرشإف: أد. زإوي إحلسني أد. بوعرفة عبد إلقادر أد.زإوي إحلسني أد. عبد إلالوي عبد هللا د. قوإمسي مرإد د. خليفي إلبشري د. خملوف سيد أمحد أستاذ إلتعلمي إلعايل أستاذ إلتعلمي إلعايل أستاذ إلتعلمي إلعايل أستاذ حمارض أ أستاذ حمارض أ أستاذ حمارض أ جامعة وهرإن 2 جامعة وهرإن 2 جامعة وهرإن 2 جامعة مستغامن جامعة معسكر جامعة سيدي بلعباس رئيسا مرشفا ومقررإ مناقشا مناقشا مناقشا مناقشا السنة اجلامعية: 2015-2014 م
إهداء إىل مجيع أفراد عائليت... وتقديرا عرفانا
شكر وتقدير أول أتوجه حتضريي لهذه إلرساةل ابلشكر إجلزيل وأمدين وإلشكر موصول أيضا للخوين: عىل ملناقش ته إسهاهمام يف خترجي هذإ إلعمل من جشعين ل ولك لس تاذي بكثري من إلفاضل إحلسني زإوي توجهياته إلقمية إدلكتور زين إلعابدين مغريب أرشف عىل إذلي ومالحظاته إلسديدة. وإدلكتور اثبت قسول وسهرهام عىل ما يرتبط ابجلانب إلدإري حتضريإ من إلقارب وإلصدقاء.
مقدمة
مقدمة: يكتسي موضوع اللغة أهمية بالغة في تاريخ الفكر البشري تمثل لكونها ذلك شرطا ضروريا يؤسس لوجود الفكر بالقوة وتجسيدا فعليا لهذا الوجود وال نفسه. الوقت في يمكن الخوض مبدئيا في أية مسألة كانت دون وسيلة التعبير عنها ممثلة بل في اللغة. إن كل نشاط بشري يبدو مستحيال دونها إنها وسيط بين اإلنسان ولم يكن والحقيقة. باإلمكان تاريخيا أن تتشكل المعرفة اإلنسانية وتتطور وتنتقل عبر الزمان والمكان إال فهي بواسطتها. حسب تعبير غادامير الكائن الوحيد القابل للفهم بشكل عام إنها تمثل وأساسي -إلى جانب الفهم- الخاصيتان األساسيتان المميزتان لكل عالقة بين اإلنسان إنها وسيلة التعبير عن كل ما له معنى وما ال ليس له معنى. أن ولذا نجد والعالم. 1 فيلسوفا مثل لدفيج فيتغنشتاين يختار الصمت في مرحلة ما كلغة لما ال يمكن التعبير عنه إذ قد يكون" الصمت أعمق داللة من ثرثرة تغيب المعنى وتعطل الفهم" 2 وتكون اللغة بذلك أكثر قدرة على التعبير حتى عن ما هو خفي ومستتر و ارء اللغة المنطوقة أو المكتوبة بل إنها وسيلة التعبير عن الصمت ذاته. اللغة تخرج لم تاريخيا عن دائرة التأمل الفلسفي إذ ال يخلو عصر من إسهامات تعكس مستوى التطور الحضاري لمجتمع ما والذي يمكن أن يقاس بدرجة اهتمامه باللغة. وقد تدرج هذا األخير من حضارة ألخرى عبر مستويات من اللغة االجتماعية إلى اللغة النحوية إلى اللغة المنطقية ثم إلى اللغة الشارحة أو ما بعد اللغة. وقد تجلى هذا االهتمام أكثر منذ العصر اليوناني ضمن خاصة الجدل السفسطائي والمحاو ارت السق ارطية واألفالطونية و ضمن أعمال أرسطو اللغوية. وفي الحضارة اإلسالمية مثلت اللغة مقدمة أو مدخال أساسيا لجميع العلوم. وحظيت باهتمام مت ازيد منذ القرون الوسطى إلى عصر النهضة وصوال إلى جهود فالسفة اللغة والمنطق في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ب 1 Diego Marconi, La Philosophie du Langage au XXe siècle, traduit par Michel Valensi, Édition de l Éclat, Paris, 1997, p.12 2- Heidegger, L être et le temps, Gallimard, 1964, p.203
مقدمة: ولم تعد مجرد موضوع للتأمل والبحث في األدبيات المعاصرة بل أضحت وبفعل القف ازت المعرفية الكبرى مكونا أساسيا في منهج البحث ذاته. أن التداخل الذي ويمكن القول حصل بين اهتمام مت ازيد بموضوع اللغة وبين القف ازت النوعية في علم كان عامال المنطق رئيسيا في نشأة وتطور الفلسفة التحليلية المعاصرة بفروعها المختلفة. وهذا التحول في مكانة اللغة ومركزيتها يؤكد مدى ما يمكن أن تؤديه من خدمة في التعامل مع القضايا الفلسفية وقدرتها على اإلسهام المتجدد في فهم كثير من قضايا الفكر والواقع وتفسيرها وفي توجيه مسار البحث الفلسفي والعلمي بما يخدم المعرفة واإلنسان. وبدال من أن تبقى اللغة موضوعا فلسفيا خاصا كبقية الموضوعات عادت لتشكل محو ار أساسيا للتفكير الفلسفي فتحولت مهمة هذا األخير مع الفلسفات التحليلية كالذرية المنطقية والوضعية المنطقية ومدرستي أكسفورد وكمبردج اللغويتين إلى التحليل المنطقي للغة وهذا ما عرف بالمنعطف اللغوي. 1 وتجدر اإلشارة في هذا السياق أيضا إلى اإلسهام الذي قدمته بعض العلوم في رسم معالم هذا التحول كعلوم اللغة والمنطق واالبستمولوجيا وعلم النفس. ومن االنجا ازت الفلسفية التي اتسمت بكثير من التأصيل والتجديد في المضمون والمنهج ما قدمه فيتغنشتاين في مجال فلسفة اللغة إذ تكشف أعماله عن عمق نظرته لحيثيات الموضوع ودقة صياغته ألفكاره التي يخضعها لم ارجعة مستمرة ونقد ذاتي. ظلت اللغة تستأثر باهتمام فيتغنشتاين منذ أعماله األولى خاصة ضمن مؤلفه "رسالة منطقية فلسفية" )1921(. وان كانت تصو ارته عن اللغة قد تغيرت الحقا إال أنه لم يكن يرى من سبيل لفهم 1 - توجه فلسفي نحو االهتمام بمسائل اللغة بوصفها الموضوع المحوري للفلسفة والذي من خالله يمكن أن تعالج بقية اإلشكاالت الفلسفية. حصل ذلك مع بداية القرن العشرين مرتبطا ج باالتجاه التحليلي الذي اعتبر أن الفلسفة هي التحليل المنطقي للغة. نشأ هذا التوجه خاصة في ألمانيا والنمسا ثم انتشر بفعل عوامل تاريخية ليسيطر على الفكر األنجلو سكسوني.
مقدمة: القضايا الفلسفية إال بالرجوع إلى اللغة التي صيغت فيها هذه القضايا وعيا منه أن إشكاالت الفلسفة هي باألساس إشكاالت لغوية. يستثمر فيتغنشتاين مجالي في معرفته الرياضيات والمنطق ليسبر أغوار اللغة ومتاهاتها بخصوص معلنا لقارئه في كثير من األحيان أنه ال ينبغي أن نطمئن إلى ما توصلنا إليه هذه المسألة أو تلك إذ هناك دائما مسلك أو منظور جديد مثل هذه الخصوصيات جعلت حضوره فاعال ومؤث ار في دوائر الفكر والثقافة الغربية خاصة إذا علمنا أن هناك صالت عميقة بين مواقف فيتغنشتاين الفلسفية واللغوية وبين القف ازت العلمية الكبرى وكذا التحوالت االجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع األوربي خالل النصف األول من القرن العشرين وأن فيتغنشتاين إنما كان يشخص ويؤرخ التغي ارت تلك لها من منظور فلسفي. لقد نال إرث فيتغنشتاين الفلسفي اهتماما بالغا من قبل الباحثين الغربيين. ومما يبرز تأثيره ومكانته أن أفكاره خاصة اللغوية لم تنحصر في مجال الفلسفة بل تعدت إلى ذلك حقول أخرى ومنها علوم اللغة. وفي هذا السياق يمكن أن نسجل مدى ارتباط بعض األبحاث اللغوية المعاصرة السيما التداوليات بفلسفة فيتغنشتاين اللغوية. هذا الحقل اللساني الجديد والمتشعب والذي تطور بشكل سريع ونال اهتمام كثير من الباحثين مع النصف الثاني من القرن العشرين رغم حداثته يعود في أصوله إلى فلسفة اللغة والى حقول معرفية متباينة كاللسانيات وعلم النفس وعلوم االتصال إال أن الصلة بين التداوليات وبين فلسفة فيتغنشتاين اللغوية تفتقر إلى د ارسات تكشف بوضوح عن أصول المقاربة التداولية في فلسفة فيتغنشتاين حصل التحول من كيف وتبحث الفلسفي الوعي المتميز بطبيعة اللغة اإلنسانية وتعقيدات استعمالها عند فيتغنشتاين إلى محاوالت متعددة لتحديد قواعد هذا االستعمال انطالقا من ما ورد في نصوص فيتغنشتاين بشكل صريح أو ضمني. وفي هذا السياق يمكن القول أن التداوليات نشأت وتطورت بفعل اهتمام فلسفي د
مقدمة: مت ازيد بموضوع اللغة بل إنها ظلت ترتبط في بعض جوانبها بطابع فلسفي. واستجابة لهذا االنشغال فإن جهدنا في هذه المذكرة سيتمحور حول التعريف بهذه الفلسفة ومدى إسهامها في نشأة التداوليات وتطورها مع التركيز ضمن هذه األخيرة على ما له عالقة مباشرة بأفكار فيتغنشتاين. إشكالية إن هذا البحث تدور حول إسهامات فيتغنشتاين في التأسيس للتداوليات ومدى تأثير فلسفته اللغوية في مسار الفكر التداولي خاصة في أعمال رواده مثل أوستن وسيرل وعليه وغ اريس. فإن هذه اإلشكالية تتأسس استنادا إلى فرضيات يمكن تلخيصها فيما يلي: تتمثل الفرضية األولى في القول بأهمية أعمال فيتغنشتاين في التأسيس الفلسفي للتداولية من خالل تحليل أهم أفكاره في فلسفة اللغة وكذا من خالل الق ارءة التي قام بها بعض الفالسفة مثل أوستن وغ وسيرل اريس ألعمال فيتغنشتاين. وبأسلوب آخر هناك حسب خطة البحث- اربط يصل الطرح الفلسفي إلشكاليات اللغة وبالتحديد إلشكالية المعنى عند فيتغنشتاين وما آل إليه البحث في هذه اإلشكالية عند التداوليين. وما نفترضه هو أن انجا ازت تداولية بارزة كتلك التي قدمها أوستن وسيرل وغ اريس إنما تعود جذورها إلى فلسفة فيتغنشتاين فانطالقا من هذه األخيرة نحتت المفاهيم والتصو ارت األساسية للفكر التداولي الذي تطور سريعا ثم انتقل من أحضان الفلسفة رغم حداثته ليصبح - من أبرز العلوم اللغوية وأهمها بفعل مركزيته وامتداداته وتقاطعاته مع علوم شتى وبفعل ارتباطه بالممارسة أو بالنشاط اإلنساني في شتى مظاهره. وأما الفرضية الثانية فتستند إلى القول بأن حركية الفكر اللغوي وتحوالته من مرحلة ألخرى إنما هي محكومة وموجهة بعوامل أو محددات تمثل خلفية لهذه التجليات واال فإن هذه األخيرة لن تأخذ معناها ومكانتها الحقيقية في التاريخ وأن البحث في تلك الشروط الموجهة إنما تمليها طبيعة الموضوع الذي يجعل المعنى محوره األساسي وبأسلوب آخر فإن إشكالية المعنى ال ه
مقدمة: يمكن تناولها في فلسفة ما إال في صلتها بكثير من القضايا التي تخص هذا العصر أوذاك. ولمعالجة هذه اإلشكالية ارتأيت تقسيم م ارحل البحث إلى مقدمة وأربعة فصول ينتهي كل منها بخالصة مختصرة وتختزل النتائج أخي ار ضمن الخاتمة. وتتبعت هذه الفلسفة اللغوية بل هذا المنهج التحليلي اللغوي وفق خطة تضمنت فصوال التالي: على النحو ومباحث المقدمة: تضمنت تقديما إلشكالية البحث وفرضياته الممكنة أو القابلة لإلثبات والمنهجية المتبعة ودوافع اختيار الموضوع والهيكل العام للبحث والصعوبات القائمة أو المحتملة أثناء البحث واألهداف المنشودة أو اآلفاق المتوخاة. الفصل األول: وهو بعنوان:"في األصول والمنهج " وي ارد به عرض الجذور األساسية التي ساهمت في بلورة فلسفة اللغة عند فيتغنشتاين وهذا ضمن سياق عام يتعلق بنشأة الفلسفة التحليلية مع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع التركيز على تحول هذه الفلسفة إلى منهج لغوي يتخذ من اللغة موضوعا للتحليل المنطقي. تناولت ضمن وقد المبحث ال اربع عرضا مختص ار لحياة فيتغنشتاين في عالقتها بأهم األحداث التي كان له الفكري مساره في تأثي ار بالغا إلى درجة تؤكد لنا مدى االرتباط بين تلك األحداث أو التغي ارت وبين مواقفه اللغوية وسيجري بيان ذلك بما يكفي لتبرير هذا العرض هذا ويشمل الفصل المباحث التالية: المبحث األول: المنهج التحليلي المبحث الثاني: التحليل اللغوي عند فريجه المبحث الثالث: التحليل اللغوي عند ارسل المبحث ال اربع: فيتغنشتاين وفلسفته المبحث الخامس: التداولية والمنهج التداولي و
مقدمة: الفصل الثاني: النظرية التصويرية للغة يعالج هذا الفصل الموقف اللغوي األول لفيتغنشتاين انطالقا من كونه يدخل ضمن مشروع اللغة المثالية الذي أسس له فريجه و ارسل. ويشمل المعطيات األساسية التي تخص النظرية التصويرية وما واجهته من اعت ارضات انتهت بتجاوزها إلى موقف جديد. ويتضمن هذا الفصل المباحث التالية: المبحث المبحث األول: الثاني: القضايا والوقائع األلفاظ واألشياء المبحث المبحث الثالث: المعنى في النظرية التصويرية ال اربع: أزمة النظرية التصويرية الفصل الثالث: نظرية ألعاب اللغة وهو فصل مخصص لفلسفة اللغة فيتغنشتاين في عند مرحلة ثانية من تطوره الفكري انطالقا من أسسها العامة ووفق ترتيب يسمح بالتعرف على مسارها ومنطقها الجديد. وت رتب مباحث هذا الفصل على النحو التالي: المبحث األول: مفهوم المبحث الثاني: أشكال ألعاب الحياة اللغة المبحث الثالث: التشابهات األسرية المبحث ال اربع: االستعمال اللغوي الفصل ال اربع: التداولية من فيتغنشتاين إلى غ اريس يتضمن هذا الفصل عرضا لبعض النظريات التداولية التي استلهمت أفكار فيتغنشتاين ومنهجه. ويبدأ الفصل بمبحث يحدد ويوضح منطلقات التداولية في فلسفة فيتغنشتاين اللغوية ويتم ذلك استنادا للفصول السابقة أما المباحث الالحقة فتتناول النظريات بعض بالتحليل ال ارئدة في الحقل التداولي والتي عالجت قضايا اللغة انطالقا من إنجا ازت فيتغنشتاين. المبحث األول: تداولية فيتغنشتاين المبحث الثاني: أفعال الكالم عند أوستن ز
مقدمة: المبحث الثالث: سيرل ونظرية األفعال اللغوية المبحث ال اربع: منطق الحوار عند بول غ ار يس الخاتمة: وتتضمن نتائج البحث بما يمكن أن يخدم اإلشكالية المطروحة ويحقق أهداف البحث مع إب ارز ما يصل بين فصوله من أفكار أساسية تمثل الخيط الواصل بين إشكالية وخاتمته. البحث أما المنهج المتبع في هذا البحث فهو تحليلي نقدي بدرجة أولى لكونه أنسب لطبيعة الموضوع. فهو تحليلي أثناء عرض مواقف فيتغنشتاين اللغوية وتلك المواقف التداولية المرتبطة من خالل الوقوف على منطلقات هذا ال أري ونقدي في سياق أو ذاك إب ارز الشروط الموجهة له واإلخفاقات التي اعترضته. ولكن ذلك ال يحول دون توظيف المنهج المقارن والمنهج التاريخي في سياقات محدودة إث ارء وذلك ألن وتوضيح بعض جوانب الموضوع وبعض تمفصالته أحيانا يتطلب تعديال في المنهج. أما فيما يتعلق بالد ارسات السابقة عن فلسفة باللغة العربية وعن بشكل عام فيتغنشتاين فلسفته اللغوية بشكل خاص جدا محدودة فإنها بل تكاد تنعدم مقارنة باهتمامات المفكرين والباحثين العرب بفلسفات أو مواضيع فلسفية أخرى. ويمكن تلخيص أهمها فيما يلي: تأليف )1967( عزمي إسالم يتناول فلسفة فيتغنشتاين بشكل " لدفيج فيتغنشتاين " -1 عام مرك از على المرحلة األولى منها وبطريقة تحليلية مكتفيا بالوصف أو السرد دون النقد. المتشابهات الفلسفية لفلسفة الفعل عند فيتغنشتاين )1986( لمحمد مجدي الجزيري. -2 ويعالج هذا الكتاب إشكالية اللغة عند فيتجنشتين مرك از على نظرية ألعاب اللغة وموظفا لمفاهيم هذه النظرية قصد إب ارز الصلة بين أفكار فيتغنشتاين وبين بعض الفلسفات المعاصرة كالبرجماتية والوجودية. 3 -لدفيج فيتغنشتاين لمؤلفه كامل محمد محمد عويضة وهو كتاب جد مبسط )1993( للمبتدئيين ال يلبي حاجة الباحثين. ح
مقدمة: المنطق واللغة والمعنى) 2005 ( للدكتور رشيد الحاج صالح ويعالج هذا الكتاب -4 فيتغنشتاين عند المعنى إشكالية في صلتها وذلك بأفكاره المنطقية. فلسفة اللغة عند فيتغنشتاين )2009( للدكتور جمال حمود وهو بحث مفصل ومفيد -5 عن فلسفة فيتغنشتاين اللغوية في المرحلة األولى لكنه ال يتناول انجا ازته اللغوية في المرحلة الثانية فالعنوان يشير إلى أكثر مما يتضمنه الكتاب. أما في األدبيات الغربية بالنسبة ال سيما للعالم األنجلوسكسوني فإن فلسفة فيتغنشتاين تحظى بجاذبية قصوى واهتمام إلى درجة بالغ يصعب فيها حصر تلك الد ارسات التي تتناول هذه الفلسفة بشكل عام أو تعالج جانبا من جوانبها كموضوع اللغة مثال. وبالرغم من ذلك فإنها حسب اطالعي- لم تقدم بحثا متكامال يتمحور حول مدى مساهمة فيتغنشتاين في التأسيس الفلسفي للتداولية. لقد جاء اختياري لمقاربة فيتغنشتاين اللغوية ودورها في التأسيس للتداوليات بدافع االهتمام الخاص بفلسفة فيتغنشتاين اللغوية وما يمت لها بصلة مما تطرحه حقول معرفية أخرى كاللسانيات والمنطق ونظرية المعرفة. وال ينطوي هذا االهتمام على انتماء لمذهب معين أو الدعوة إليه كما أنه ال يعبر عن سعي لمعارضته أو الثورة عليه إذ ال يوجد ما يفرض التعامل مع المواقف الفلسفية على هذا األساس. ويأتي هذه اإلسهام استجابة لحاجة ملحة تتمثل فيما تعانيه الد ارسات العربية من نقص في مجال الفلسفات التحليلية المعاصرة عموما وفلسفة فيتغنشتاين على وجه التحديد خاصة ما يتعلق بفلسفته المتأخرة أو ما يرتبط بالمرحلة الثانية من تطوره الفكري والتي تلخصها كتاباته خالل الثالثينات واألربعينات وقبيل وفاته. وما ينبغي االعت ارف به منذ البداية هو انطواء الموضوع على كثير من الصعوبات فأسلوب فيتغنشتاين مكثف مختزل وأفكاره سواء في مرحلته الفلسفية األولى التي تلخصها رسالته المنطقية الفلسفية أو الثانية التي يلخصها مؤلف تحقيقات فلسفية هي كالنتائج ط
مقدمة: المترتبة عن تأمالت عميقة إذ يظل القارئ متسائال عن المقدمات التي أفضت إليها وعن الكيفية التي رتبت وفقها تلك المقدمات. وال يغيب عنا في هذا الشأن اعت ر اف كثير من الفالسفة والباحثين من مثل رسل ومور بالنشارد ارمزي )أحد مترجمي الرسالة( ج.بتشر ش.ماكسويل 1 مورتون وايت 2 بما تنطوي عليه فلسفة من فيتغنشتاين صعوبات وتعقيد يحول دون فهمها بوضوح. ويمكن رد ذلك إلى عدة أسباب لعل أولها هو عدم رد هذه الفلسفة إلى إطارها العام ونسقها الذي نشأت وتشكلت فيه والى عدم رصد القواعد الفكرية والمنهجية التي كانت توجه مفاهيم هذه الفلسفة وتصو ارتها وتثري باستم ارر تجربة فيتغنشتاين الفريدة من نوعها. ومن مظاهر الصعوبة أيضا توظيف الرموز والمفاهيم واألمثلة واألفكار العلمية الرياضية والمنطقية بشكل متداخل بل يحصل هذا التداخل مع علوم أخرى كالفيزياء والكيمياء واللسانيات وعلم النفس ومناهج العلوم األمر الذي يتطلب إلماما بهذه الحقول المعرفية. وهناك عائق آخر يرتبط بمشكلة الترميز وتعدد االصطالحات واالستخدام الخاص من قبل فيتغنشتاين للمفاهيم والذي يتغير أحيانا من سياق آلخر كل ذلك أدى إلى تباين الرؤى بين المترجمين والباحثين وكثي ار ما كانت نتيجة ذلك فهما خاطئا لبعض أفكار فيتغنشتاين إلى درجة جعلت البعض يقدم تفسي ار يتعارض أحيانا مع ما أ ارده كما عبر عن ذلك فيتغنشتاين نفسه وسيرد بيان ذلك الحقا في بعض األمثلة. واذا علمنا أن كثي ار من النصوص التي يمكن العودة إليها إنما هي من جمع تالمذته وبعض ش ارحه فإن هناك صعوبة أخرى يلخصها السؤال التالي: هل نحن - 1 فيتغنشتاين لدفيج رسالة منطقية فلسفية ترجمة: عزمي إسالم م ارجعة وتقديم: زكي نجيب محمود مكتبة األنجلو المصرية القاهرة 1968-2 ص -ما أمكن ذلك- -ص. 10-13 مورتون وايت عصر التحليل: فالسفة القرن العشرين ترجمة أديب شيش دمشق 1975 ص. 247 منشور ات و ازرة الثقافة واإلرشاد القومي ي
مقدمة: حقا أمام النص األصلي هذه الوضعية الخاصة إلرث فيتغنشتاين جعلته أحيانا ضحية الق ارءات والتأويالت المتناقضة. لقد وجدت من بين الباحثين من ذهب إلى القول بأن فيتغنشتاين فيلسوف عدمي مثل يحي هويدي الذي صنفه ضمن فالسفة الوضعية المنطقية واعتبر أن غرض فيتغنشتاين هو إعدام المادة وانكار وجودها. 1 ومن الصعوبات التي اعترضت هذا البحث كون أعمال فيتغنشتاين غير معربة باستثناء" رسالة منطقية فلسفية" و"أبحاث فلسفية" )1990( الذين ترجمهما الدكتور )1968( عزمي إسالم باإلضافة إلى كتاب " في اليقين" )2004( الذي ترجمة الدكتور أحمد بهنسلي. لكن هذه الترجمات ترقى ال إلى المستوى المطلوب في تعاملها مع النص األصلي. وبخالف ذلك قدم الدكتور عبد الر ازق بنور مؤلف "أبحاث فلسفية" معربا بشكل أدق ومزودا بشروح قيمة تحت عنوان "تحقيقات فلسفية") 2007 (. وقد ساعدني الرجوع إلى هذه الترجمة األخيرة على التحقق من معاني كثير من العبا ارت حيثما طرح االلتباس. لهذه واستنادا الترجمة جاء اختيار لفظ " تحقيقات " وذلك لكونه أقرب للمعنى المقصود باللفظ المستخدم في النص األصلي بدال من " أبحاث". ومن صعوبات البحث في هذا الموضوع ندرة الم ارجع العربية التي تلم بدقة وشمولية بفلسفة فيتغنشتاين مما قد ييسر تناول الموضوع وتوجيه مسار البحث مما اضطرني للرجوع للنصوص األصلية إذ أنه ال يتوفر في المكتبة العربية عمل يلم بمختلف أعمال فيتغنشتاين إلماما كافيا خاصة بكتاباته المتأخرة التي جمعها تالمذته والتي تشكل في مجموعها انجا از نوعيا غزي ار يتجاوز أعماله األولى كما وكيفا. 1971 يمكن العودة لكتاب يحي هويدي تحت عنوان الوضعية المنطقية في المي ازن مكتبة النهضة المصرية - 1 1972/ ك
مقدمة: والصعوبة في ق ارءة فيتغنشتاين خاصة فيما يتعلق بفلسفته األولى مرتبطة بطبيعة فكره وطريقة عرضه. إنه فكر منعكس يتناول ذاته كموضوع إذ يهتم بآليات أو قواعد ما يمكن التفكير فيه وشروط ما يمكن قوله أي أنه ال يعالج موضوعا جزئيا محددا واشكاال فرعيا بل هو في مستوى من التجريد والتعالي والشمولية حيث تصبح الموضوعات الفلسفية مجرد أمثلة توضيحية. أي أنه يؤسس للعلم والفلسفة أو يؤسس للمعرفة بشكل عام مسترشدا بأهم إنجا ازت العلم وان لم يعبر عن ذلك بشكل صريح. فيقيم بذلك منطقا فلسفيا له من األسبقية والشمولية ما يجعله أساسا للمعرفة فالبحث في شروط ما يمكن التفكير فيه وما يمكن قوله بوضوح هو تأسيس للمعنى والحقيقة أو بحث في بناء الحقيقة. وبالرغم من المنحى الواقعي الذي تتخذه أفكاره اللغوية في المرحلة الثانية فإنها سرعان ما تتجاوز التجربة اللغوية التي يجسدها االستعمال إلى التعميم التنظير الفلسفي. بذلك في والتجريد موغلة إن هذا البحث يهدف بالدرجة األولى إلى المساهمة في إيجاد اإلجابة عن اإلشكال المطروح. وكذا إلى تقديم ق ارءة متكاملة قدر اإلمكان لجانب من جوانب الفكر اللغوي المعاصر في مظهريه الفلسفي والعلمي. بل في ارتباطات هذا الفكر اللغوي بشروط علمية وتاريخية وسياسية متباينة. أي أن المبتغى هو تشكيل نظرة متكاملة ترسم خيوط التواصل و الوحدة لهذا الفكر اللغوي بالرغم من مظاهر التنوع والتباين التي تميز هذه النظرية عن تلك في حقول معرفية مختلفة. وهذا للتأكيد على أن تصنيف هذه األخيرة إنما جاء العتبا ارت منطقية وألجل تحقيق مقاصد كالتبسيط و الوضوح والفهم. واذا لم يكن باإلمكان إعادة النظر في المعرفة من زوايا مختلفة آخذين بعين االعتبار المستجدات والتطور الحاصل في كل منها. فإن جهودنا ال تنتهي إال إلى عزل مستمر للمسائل العلمية والفلسفية على حد سواء المواقف حصر والى ولا نظريات في نطاق ضيق يفقدها إلى حد ل
مقدمة: ما معقوليتها ومبر ارت وجودها. فتفقد بذلك قيمتها بل إن مشروعيتها تغدو في ظل التحوالت مطروحة بين قوسين. إن البحث عن مجال التداخل والتفاعل بين أعمال فيتغنشتاين اللغوية والتداوليات كنموذج للربط بين مجالين قد يبدوان للوهلة األولى متمايزين أو متباعدين من شأنه أن يسمح بفهم أعمق وأوسع لكل منهما. وموقفنا هنا أن الق ارءة التجزيئية والتفصيلية التي تأخذ موضوعات الفكر اللغوي المعاصر بمعزل عن بعضها البعض وبمعزل عن سياقاتها يعيق إلى حد كبير فهم تلك االنجا ازت واستثمار نتائجها. هذا بالرغم مما يمكن أن تقدمه هذه الق ارءات أحيانا من خدمات. وتطمح هذه المقاربة إلى استثمار أهم تلك النتائج في تفكيك وفهم بعض المسائل ذات االرتباط الوثيق باللغة إذ أن بعضا من مشاكلنا ال ارهنة خاصة على المستوى السياسي وكذا التعليمي واالجتماعي والتربوي هي مشاكل لغوية بامتياز. وهنا يصبح من المشروع أن نتساءل ما إذا كان التفكك االجتماعي والسياسي في مجتمعاتنا نتيجة ألسباب أهمها سوء االستخدام اللغوي والجهل بشروط وآليات التواصل الناجح الذي يمكننا أن نبني ونعزز الثقة بين األف ارد والمؤسسات والمجتمعات. وهذا يدعو ل ازما إلى استثمار جهودنا ضرورة وامكانياتنا لوضع حلول أنسب كي نتجاوز فعليا ما يحول بيننا وبين الشروط الموضوعية البناء للتواصل تحقيقا للتعايش والتطور. ويمكن لهذا التوجه أن يعكس البعد التداولي لتلك اإلنسان. األفكار ويعبر عن إمكانية توظيفها بما يخدم البحث عن إن الشروط الفاعلة و الموجهة للفكر اللغوي من شأنه أن يعمق فهمنا لتلك االنجا ازت اللغوية ويمكننا من الوقوف على مختلف الروابط بينها بفهم أعمق مما يسمح لها وبرصد ومكانتها. قيمتها ويقتضي ذلك نأخذ بعين أن االعتبار السياق العام الموضوع المؤثرة في الشروط تلك ومجموع تطور فلسفة فيتغنشتاين اللغوية. م
مقدمة: لقد آثرت أن أطرح هذه المحاولة مساهمة في توضيح بعض مما خشي أنه فيتغنشتاين سيساء فهمه. وال أدعي أنني سلكت الطريق األنسب إلى معالجة هذا اإلشكال أو أنني استوفيت الموضوع حقه بل أتوقع أن في هذا العمل بعض اإلخفاق وربما كثير من اكتشافها إال أن النقائص سيدفعني ال محالة إلى مزيد من البحث. وشعاري في ذلك قول اريشنباخ: هانز " على من يريد الحقيقة أال يخيب أمله عندما تكون الحقيقة سلبية فخير للمرء أن يعرف حقيقة سلبية من أن يطلب ما يستحيل قبوله". 1 1 - رايشنباخ هانز نشأة الفلسفة العلمية ترجمة: الثانية 1979 ص. 281 ن فؤاد زكريا المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت الطبعة
األو ل: الفصل املبحث يف األصول واملنهج 1. األو ل: املنهج التحليلي املبحث الثاين: التحليل اللغوي عند فرجيه املبحث الثالث: التحليل اللغوي عند راسل.2.3 املبحث الرابع: وفلسفته فيتغنشتاين.4 5. املبحث اخلامس: التداولية واملنهج التداويل
املبحث األو ل: املنهج التحليلي
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج إن البحث في التأسيس الفلسفي للدرس التداولي ال يمكن أن يتم دون الرجوع لعامل فاعل ومحدد لنشأته والمتمثل أساسا في الفلسفة التحليلية حيث طرحت هذه األخيرة نفسها بوصفها ممارسة أو منهجا ال ارد ي به وضع نظريات شاملة للقضايا وانما يهدف إلى تبسيط هذه القضايا وتوضيحها من خالل تحليل اللغة. وقد مكن هذا المنهج التداوليين من الخوض في موضوع اللغة انطالقا من منظور جديد وهذا يعني ضمنيا وجود مصادر أخرى للدرس التداولي ال يمكن إن تنكر. كما يعني أيضا أن الطريقة التحليلية كما صاغها خاصة كل من فريجة و ارسل ومور وفيتغنشتاين هي المصدر المباشر الذي انبثقت منه التداولية. ومن هنا اقتضى األمر الوقوف على ما يمكن أن يشكل اربطا وخطا أساسيا واصال بين مرحلة التأسيس ومرحلة النشوء والتشكل للدرس التداولي انطالقا من المنهج التحليلي. يأخذ مفهوم " التحليل " معان عديدة يرتبط بعضها بالتفكيك أي تحويل الكل إلى أج ازئه البسيطة ويرتبط بعضها بفكرة الحل 1 أي البرهنة على صحة قضية وذلك استنادا إلى سلسلة من القضايا أو المقترحات تفضي في مجموعها إلى النتيجة المطلوبة حيث يكون االنتقال إلى قضية جديدة لزوميا لتصبح النتيجة محصلة ضرورية لما سبقها. والتحليل بشكل عام هو تحويل الكل المركب الذي يشكل موضوع التحليل إلى أج ازئه البسيطة أو النهائية حتى يغدو هذا األخير أكثر وضوحا وبساطة ومعقولية. وتختلف أنواع التحليل تبعا للموضوع المحلل والطريقة التي يتم بها التحليل واألغ ارض التي توجهه. وتتباين داللته من مجال معرفي إلى آخر ومن سياق آلخر. إنه " تفكيك كل معين إلى - 1 الالند أندري معجم مصطلحات الفلسفة التقنية والنقدية المجلد األول تعريب: خليل أحمد خليل منشو ارت عويدات بيروت الطبعة الثانية 2001 ص -ص. 65 64 3
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج أج ازئه سواء كان هذا التحليل ماديا كالتحليل الكيميائي أو ذهنيا كتعريف وتحليل تصور معين". 1 ويظهر التباين في مفهوم التحليل ضمن سياقات متعددة كعلم النفس وعلم االجتماع واألدب بل وفي العلوم المادية والصورية أيضا. ففي مجال الرياضيات مثال هناك أكثر من داللة تاريخية لمفهوم " التحليل " وهذا يعني أنه من الصعوبة حصر جميع المعاني. كما أن سياق البحث ال يتطلب الخوض في مختلف التعريفات. وفي مقابل التحليل هناك ما يعرف بالتركيب أي التأليف بين األج ازء لتشكل كال مركبا له معنى والفكر الفلسفي هو تركيبي بمعنى أنه يتجه إلى البحث عن حقيقة األشياء بردها إلى حقيقة مشتركة واحدة أو أصل أو مبدأ يفسر وجودها ونظامها أي أن فهم نظام األج ازء يتم من خالل نظام الكل. ومن المالحظ أنه من غير الممكن فصل التحليل عن التركيب بشكل تام خاصة إذا Bonnot de Condillac, أخذنا التحليل بالمعنى الذي ذكر أوال. فقد ذهب كوندياك إلى أن عملية التفكيك أي التحليل تشمل التركيب ألن غرض )1780 1714( Étienne التحليل هو الكشف عن النظام الثابت بين األج ازء فهو ال يخرج عن إطار الروابط القائمة بينها. بهذا المعنى يمكن القول عن جمهورية أفالطون أنها تعد تحليال لفكرة المجتمع العادل لكنها في نفس الوقت تمثل تركيبا فكريا لمجتمع عادل وفي نفس السياق يمكن أن نفهم لماذا جمع روني ديكارت )1650-1595( والتركيب)القاعدة الثانية والثالثة(. 2 في قواعده األربعة بين التحليل ورغم أن فلسفة ما قد توصف بأنها تحليلية فإن ذلك ال يعدو أن يكون تعبي ار عن الطابع الغالب فيها وهذا ما ينطبق على الفلسفة التحليلية المعاصرة. فمن المجازفة إج ارء 1 - Lalande, André, Vocabulaire Technique et Critique de Philosophie, P.U.F.,France, 17 ème éd.,1991, p.54 4 2 - عثمان أمين ديكارت مكتبة القاهرة ط 5 1965 ص. 72
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج تصنيف آلي كذلك الذي أقامه الجابري مثال بين عقل عربي مشرقي تركيبي وبين عقل )1892 1823( مغربي تحليلي أو كذلك الذي رآه أرنست رينان Ernst Renan بين عقل شرقي تركيبي وعقل يوناني غربي تحليلي. ارتبط التحليل تاريخيا بالفلسفة بوصفه من أهم خصائص التفكير الفلسفي إذ ال يمارس هذا األخير دون تحليل. وتقدم لنا محاو ارت أفالطون سق ارط بوصفه المؤسس لهذا المنهج خاصة القسمة الثنائية األفالطونية التي نجدها في محاورة السفسطائي وبارمنيدس والسياسي وينشأ عن هذه القسمة منهج التحليل ثم التركيب إنها تجعل الفكر أكثر توجيها وتسمح بتحقيق الدقة والوضوح وتصلح أساسا للبرهنة على المطلوب بحذف العناصر ال ازئدة والغريبة هذا االخت ازل الذي يعرف في الفلسفة حديثا بنصل أوكام. 1 وبعد أفالطون يوظف أرسطو التحليل في أكثر من سياق خاصة في نظريته المنطقية ففي التحليالت األولى يهتم بتحليل القياس إلى ما ينطوي عليه من قضايا وفي التحليالت الثانية يهتم بتحليل البرهان إلى عناصره البسيطة. وتكمن قيمة التحليل من خالل رده لما يمكن معرفته من ظواهر أو حقائق إلى ما هو أبسط أي إلى المبدأ أو المنطلق المؤسس للمعرفة يظهر ذلك من خالل ما ينتهي إليه التحليل عند ديكارت مثال وهو مجموعة الطبائع البسيطة التي يدركها العقل مباشرة وبوضوح تام كالبديهيات الرياضية أو عند دافيد هيوم وجون لوك وهو مجموعة االنطباعات الحسية. وينتهي التحليل عند سبينو از إلى مجموعة من العناصر البسيطة التي يبنى الكون انطالقا منها. 2 )1716-1646( غوتفريد ليبنز ل: أما بالنسبة Gottfried Wilhelm von Leibniz فقد قاده التحليل إلى القول بالذ ارت الروحية أو الموندات الالمادية 3 والتي ال تقبل القسمة وال 5 1 - نسبة إلى وليام األوكامي )1347-1287( William d Ockham فيلسوف انجليزي ذو نزعة اسمية تجريبية يقوم منهجه على مبدأ االقتصاد في الفكر إذ ال يجب اإلكثار من الكيانات إلى الحد الذي يتجاوز ما تدعو إليه الحاجة ويذهب برت ارند ارسل كثي ار إلى تحكيم هذا المبدأ. 2- Spinoza, Ethique, PUF, Paris, 2010, p. 21 3 - Leibniz, G.W., Nouveaux Essaies sur l Entendement Humain, PUF, Paris, 1961, p.107
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج الفناء وال شكل لها. وهي بالتالي أبعد من أن تكون موضوعا للعلم الطبيعي. 1 لكن أهم ما يميز أعمال ليبنتز بعد ذلك هو ربطه التحليل بالمنطق مما يعني تاريخيا تأسيسه لمنهج التحليل المنطقي إذ نجد أن ليبنتز هو أول من حاول صياغة المعرفة صياغة منطقية رمزية لجعلها أكثر دقة ووضوحا ودعا إلى استخدام لغة موحدة وشاملة معتب ار أن الخالفات الفلسفية ستظل قائمة ما لم نوظف منهجا تحليليا منطقيا صارما ولكنه مع ذلك لم يقصد تحويل الفلسفة إلى تحليل صوري للمعرفة. بينما نجد أن الكانطيين المحدثين أنصار مدرسة ماربورغ هم من دعوا إلى جعل -1838(Brentano Franz الفلسفة منطقا للعلم كما أن عدة فالسفة مثل فرنتز برينتانو Twardowski, ومينونغ )1920-1853(Alexius Meinong وتفاردوفسكي )1917 )1938-1866(Kazimierz قد حاولوا توظيف هذا المنهج في مجال الفلسفة. غير أن اعتماده بشكل أوسع جاء بعد التطو ارت الحاصلة مع نهاية القرن 19 م وبداية القرن 20 م وبالتحديد في مجالي الرياضيات والمنطق. ويعود ذلك خاصة إلى جيورج كانتور Georg )1925-1848( Gottlob وغوتلوب فريجه Frege وج. بيانو )1918-1845( Kantor.)1970-1872( Russell Bertrand )1932- و ارسل برت ارند 1858( Peano, Giuseppe لقد اتخذ هذا المنهج في مجال المعرفة لتوضيح وتحديد معاني الكلمات والعبا ارت. ويتحقق ذلك من خالل إعادة صياغة وتحويل هذه العبا ارت إلى أخرى أكثر بساطة ووضوحا ودقة وأنسب لتأدية المعنى المقصود. إن سوء الفهم المتعلق باستخدام الكلمات إنما ينتج خاصة عن " تماثالت معينة بين صور التعبير في المجاالت المختلفة للغة ويمكن إ ازلة بعضها باستبدال إحدى صور التعبير بأخرى وهذا يمكن أن يسمى تحليال لصور تعبيرنا". 2 1 - Leibniz, G.W., Principes de la nature ou Monadologie, PUF, Paris, 1986, Intro., p.1-2 فيتغنشتاين لدفيج تحقيقات فلسفية ترجمة :عبد ال ارزق بنور المنظمة العربية للترجمة بيروت ط 1 2007 109 ص. 195 6
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج ومهما يكن الغرض من التحليل فإنه يمثل الفلسفة أو هو الفلسفة بأكملها " 1 وهذا ما يؤكده )1989-1910( معتب ار أن التحليل هو جوهر الفلسفة. 2 آيرJules Ayer Alfred والحقيقة أنه يمكننا أن نكشف عن الطابع التحليلي في جميع الفلسفات بالرغم من اختالفها في توظيف التحليل كمنهج. والفلسفة التحليلية المعاصرة ابتداء من ارسل ومور )1958-1873( وفيتغنشتاين إلى فالسفة الوضعية المنطقية George Edward Moore ترفض أن تكون وظيفتها بناء وجهة نظر شاملة أو وضع تفسير عام للحياة والوجود ينير العلم والفن واألخالق والدين والسياسة. لكونها في نظر هؤالء ليست فرعا أعلى من فروع المعرفة وأداة لنقد الثقافة أو بديال للدين. وباستثناء ارسل فإن "معظم فالسفة الت ارث التحليلي المنطقي ينفرون من معالجة مسائل الحياة العامة والخاصة والمشكالت الثقافية والتطبيقية. وكأنها ليست مما يعني الفلسفة " 3. إذن كيف تتعامل الفلسفة التحليلية مع اإلشكاالت الفلسفية خاصة تلك اإلشكاالت األساسية التي تطرحها الفلسفة والتي تدعونا إلى اإلجابة عنها بطريقة نسقية مما يجعلنا في نهاية المطاف نتبنى ولو بشكل غير مباشر موقفا شموليا وميتافيزيقيا من الحياة إن الفلسفة التحليلية تجيب عن األسئلة من خالل إيضاحها للغة التي صيغت فيها هذه األسئلة. أي أنها تعمد إلى " تحليل العبا ارت المركبة وردها إلى عناصر أكثر سهولة وأكثر تأسيسا كما يصار إلى فحص دالالت المفاهيم والقضايا هذا إلى جانب تفحص مضمون النص الذي استخدمت فيه. يهدف التحليل إلى البحث عن أسس البرهان وعن - زكي نجيب محمود نحو فلسفة علمية مكتبة األنجلو مصرية القاهرة الطبعة الثانية 1980 ص. 14 2 - Ayer (A. J.), Langage, Vérité et Logique, traduit par Joseph Ottana, Flammarion, Paris, 1981, p.66 1 7-3 مورتون وايت مرجع سابق ص. 15
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج تحديد شكل صالحيته." 1 إن موضوع التحليل هو مجال اللغة والهدف ليس هو اكتشاف حقائق جديدة أو توسيع المعرفة بقدر ما هو توضيح ما نملك من معرفة وتحاشي سوء الفهم الذي يسببه الغموض اللغوي وجهلنا بمنطق اللغة. ومع جلبرت اريل Gilbert Ryle يمكن القول:"يجب...على االعتبا ارت الفلسفية...أال تزيد في معارفنا بل )1976-1900( عليها أن تصحح الجغ ارفيا المنطقية لهذه المعرفة ". 2 ومن أجل القيام بهذه المهمة الجديدة للفلسفة وجد رواد التحليل المعاصر أن هناك أداة فعالة ونموذجية هي المنطق الرمزي أو الرياضي المعاصر فمفاهيمه وقواعده التي تتميز بالدقة والص ارمة كفيلة بتخليص اللغة مما فيها من غموض وبالتالي يمكنها تحرير العقل مما يقيده من أفكار ظل اإلنسان يعتقد بصحتها منذ القديم بل أحيانا بصدقها المطلق إيمانه بهذا األخير.ومن هنا جاء إسناد صفة "منطقي" للمنهج المتبع تميي از له. وكانت نتائج هذا المنهج توظيف منذ البداية قيمة ومثيرة في آن واحد وخاصة مع فريجه و ارسل وجورج مور. ولم يتوقف األمر عند هذا الحد أي عند اعتبار " التحليل المنطقي " مجرد منهج بل صار هو الفلسفة ذاتها وبهذا يتخذ مفهوم الفلسفة داللة تاريخية جديدة تبعا لما تمليه المستجدات الحضارية ومستوى التطور العلمي. وفي ظل هذه المعطيات الجديدة أصبحت الفلسفة هي التحليل المنطقي لقضايا اللغة. لقد ذهب اهتمام فيتغنشتاين بمنهج التحليل إلى القول بأن " الفلسفة كلها عبارة عن وأن" موضوع الفلسفة هو التوضيح المنطقي لألفكار فالفلسفة ليست نظرية تحليل للغة " 3 من النظريات بل هي فاعلية ولذا يتكون العمل الفلسفي أساسا من توضيحات وال تكون نتيجة الفلسفة عددا من القضايا الفلسفية إنما توضيح للقضايا فالفلسفة يجب أن تعمل - كونزمان بيتر وآخرون أطلس الفلسفة DTV- ترجمة: جورج كتورة المكتبة الشرقية الطبعة األولى بيروت 1 2001 ص. 219-2 -3 المرجع نفسه الصفحة نفسها. فيتغنشتاين لدفيج رسالة منطقية فلسفية مصدر سابق العبارة 4.0031 ص. 83 8
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج على توضيح وتحديد األفكار بكل دقة واال ظلت تلك األفكار معتمة ومبهمة " 1 والغرض ليس هو الكشف عن المضمون المعرفي لهذه األفكار بل تحديد بنائها أو هيكلها المنطقي مما يسمح بتحديد الروابط بين محتوياتها فيتضح ما إذا كانت معقولة أو منطقية أم غير ذلك. إن كثي ار من عبا ارت اللغة توهمنا بأنها تحمل معان في حين أنها ليست كذلك. ومثال ذلك أن تنطوي عبارة ما على كلمة ال تشير إلى شيء في خبرة اإلنسان مثل كلمة "جوهر" أو أن تنطوي على ألفاظ لها دالالتها الواقعية وتركب وفقا لقواعد نحوية لكنها ال تخضع للقواعد المنطقية مثل" العقل عنصر". إن القضايا ال ازئفة أو أشباه القضايا تخالف نحو المنطق مثال:"إن الالشيء نفسه ال يتشيأ" 2 واألسئلة التي تطرحها الفلسفة هي من قبيل)هل العدد مقدس ( مثل هذه الجمل ال تحمل أي معنى ألن فيها خرق لقواعد المنطق. وكشف توظيف التحليل أن كثي ار مما اعتبره الفالسفة على أنه إشكاالت تتطلب البحث عن إجابة ليس في حقيقته إال سوء استخدام لعبا ارت اللغة. ولذا فعبا ارت الفلسفة التقليدية السابقة للفلسفة للتحليلية عبا ارت ازئفة ومضللة. "وال عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكالت ليست في حقيقتها مشكالت على اإلطالق". 3 إن منهج فيتغنشتاين التحليلي في فلسفته األولى يقترب من منهج أستاذه برت ارند ارسل ومن فكرة مور القائلة بأن وظيفة الفلسفة األساسية هي " التحليل التدريجي والتفصيلي ونقد وتوضيح األفكار التي يمكن - فيتغنشتاين رسالة منطقية فلسفية مصدر سابق العبارة: 4,003 ص. 83 9-1 2 المصدر السابق العبارة: 4.112 ص. 91 الدار الجماهرية الطبعة األولى - مور ا.ج كيف يرى الوضعيون الفلسفة تعريب وتقديم: نجيب الحصادي 1994 ص. 154 3
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج عدها أفكا ار غير متميزة ". 1 ويمكن أن نالحظ التحول الحاصل في منهج التحليل المنطقي فقد صار غاية أكثر منه وسيلة. ولم يعد من المهم ما يمكن الحصول عليه من النتائج بقدر ما يهم الطريقة المتبعة. إن االهتمام المت ازيد بتوظيف الرموز والقواعد المنطقية قد حول الفلسفة ال إلى فاعلية فاعلة وديناميكية بل إلى فلسفة مغلقة وميكانيكية محكومة بمنطلقات ال يمكن تعديها. وبقدر ما كانت اللغة أكثر وضوحا وموضوعية بقدر ما كانت أسيرة قوالب المعاني الثابتة والجامدة وبالتالي بعيدة عن الواقع المتحرك وعن شعور الفاعل الذاتي نفسه. واذا كان الغرض من التحليل هو التمييز بين ما له معنى وما ليس له معنى فإن ذلك يدل حسب منطلقات هذا الموقف على أن المعنى مرتبط بأحد الطرفين: بالجمل أي التحليلية والتركيبة وليس بالطرف اآلخر ( الجمل الفارغة أو أشباه الجمل (. لكن كيف أمكن الحكم على أن الطرف الثاني ليس له أي معني إذ البد أن ينطوي هذا الحكم على إق ارر بوجود معنى معين وهو )الخلو من المعنى أو مخالفة نحو المنطق( وبالتالي يقع هذا الحكم في نوع من التناقض. واذا كان الوضوح ميزة عامة أو شرطا ينبغي تحقيقه بالنسبة لجميع الجمل فإن المعنى سيكون أشبه بالخلفية أو اإلطار الذي يحوي ما له معنى وما ليس له معنى بحيث أن ميزة واضح تمثل)له معنى (.وغير واضح تمثل)ليس له معنى(. وهذه المطابقة بين الوضوح و االنطواء على معنى معين هي ذاتها ليست واضحة. وستكون النتيجة حسب هذا الطرح هي أننا ال نسعى لطلب ما له معنى وانما يهمنا ما هو واضح فنحن إذن ال نطلب الحقيقة وانما نسعى إلى ما هو أشمل منها أو إلى ما هو خارج مجالها هذا إذا اعتبرنا أن الوضوح يتعلق بالموضوع. أما إذا كان مرتبطا الجابري 1- ص. 103 محمد عابد مدخل إلى فلسفة العلوم مركز د ارسات الوحدة العربية الطبعة الخامسة بيروت 2002 10
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج بالذات العارفة أي العقل فهذا افت ارض ال يتسق مع الطرح الذري المنطقي. أما الحالة الثالثة فهي أن يكون الوضوح نتيجة التقاء بين الذات والموضوع أو تفاعل ديناميكي بينهما عندها لن نكون بحاجة إلى قواعد ثابتة يمليها المنهج على الموضوع. ينبغي إذن أن ال يكون طلب الوضوح مبر ار إلخضاع ما له معنى وما هو حقيقي بهذه الطريقة لمعيار الوضوح وان كنا ال ننكر أن الوضوح هو مما ينبغي أن يوصف به ما له معنى كما أن ما ال يحمل معنى قد يكون واضحا. إن الحكم بأن جميع القضايا الميتافيزيقية ال معنى لها قد تم استنادا لعملية استق ارئية وانطالقا من حاالت أو أمثلة معينة كتلك التي ينتقيها بعض الوضعيين مثل اردولف -1989( كارناب )1970-1891(Rudolf Carnap من كتابات هيدغرMartin 1 Heidegger, 1976(. والسؤال الذي يطرح هنا هل هناك مشروعية لهذا التعميم إذا كانت بعض القضايا الميتافيزيقية خالية من المعنى فهل هي جميعها كذلك سؤال حاول فيتغنشتاين أن يجيب عليه من منظور منطقي أثناء تناوله إلشكالية االستق ارء دون أن يصل إلى إجابة مقنعة. الشك أنه ال يمكن التقليل من أهمية ما تحقق بفضل اعتماد منهج التحليل المنطقي من قبل الذرية المنطقية والوضعية المنطقية وفلسفة التحليل اللغوي من إنجا ازت قيمة في مجال المنطق وخاصة فيما يتعلق بالداللة المنطقية والمنطق االحتمالي ومنطق الجهات وكذا بالنسبة لمنطق ومناهج العلوم. ويبدو أن ما يبرر الحاجة الماسة إلى هذا المنهج في مرحلة كتلك التي ازداد فيها االهتمام به إنما يعود لواقع المعرفة العلمية وما عرفته من أزمات طرحت خالفا حادا وجدال واسعا حول مشكلة األسس. 11 1- مور ا.ج مرجع سابق ص-ص. 159 158
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج وقد عبر هنري بوانكاري عن ذلك بقوله :"إن الناس ال يتفاهمون ألنهم ال يتحدثون نفس اللغة وألن هناك لغات ال يمكن تعلمها " 1. فهذا الوضع شكل أرضية مناسبة لمحاولة تأسيس منهج جديد يمكنه أن يعيد للمعرفة نظامها ونسقيتها ووحدتها. وكان باإلمكان القبول بدور فلسفي متميز أو خاص في هذا اإلطار لكن األمر انتهي بتحويل الفلسفة إلى هذا المنهج أو باحتواء المنهج الجديد لها. هذا ما حصل بالنسبة إلى فريجه ارسل وفيتغنشتاين ثم تم تدريجيا إج ارء آخر تمثل في تحييد الفلسفة واقصائها وتحميلها مسؤولية ما حدث من خلط من طرف الوضعية المنطقية. وما دعم هذا التوجه هو األزمات التي شهدتها الحياة اإلنسانية في بداية القرن من حروب عالمية وأزمات اقتصادية واجتماعية. فقد فهم الصر اع والفوضى القائمة على أنهما نتيجة تباين قيم وأفكار فلسفية ال تخدم اإلنسان لذا أرينا كيف دعا بعض الفالسفة والعلماء إلى تحكيم المنطق لبناء عالقات إنسانية بدال من االعتماد على الفلسفة. 2 ونفس األمر حصل بالنسبة للفلسفة الوضعية في القرن التاسع عشر حيث اعتبرت هذه األخيرة أن المفاهيم واألفكار الميتافيزيقية هي السبب المباشر للفوضى السائدة بعد الثورة الفرنسية والتي مست خاصة الحياة االجتماعية والسياسية وتجلت في تباين وتضارب المواقف وغياب معيار مشترك يمكنه على األقل أن يقارب بينها وهذا ما دعا أوجست كونت إلى اعتبار أن المخرج الوحيد من هذه األزمة هو تحكيم العلم بدال من الفلسفة. بمعنى أن هناك نوع من التماثل بين وضعية أوجست كونت والوضعيات المعاصرة ومنها الذرية المنطقية من حيث الشروط التي أدت إلى ظهور هذه الفلسفات بالرغم من االختالفات التي يتلخص بعضها في االنتقادات الموجهة من قبل الوضعيات المعاصرة -1 2 نقال عن محمد عابد الجابري مرجع سابق ص. 103 - ألفرد تارسكي مقدمة للمنطق ولمنهج البحث في العلوم االستداللية ترجمة: عزمي إسالم م ارجعة: فؤاد زكريا الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر القاهرة 1970 المقدمة ص-ص 31 32 12
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج ضد كونت والمتمثلة أساسا في افتقار النسق الوضعي التقليدي إلى الموضوعية التي يدعي االلت ازم بها وعدم توظيفه للمنطق. إن المبر ارت التي اعتمدتها الذرية المنطقية ال تكفي العتماد التحليل المنطقي كبديل للفلسفة أو تحويل هذه األخيرة إلى هذا المنهج ألن نتيجة ذلك خلط بين القضايا الفلسفية والقضايا المنطقية. وتحول للفلسفة إلى نظرية شكلية في المعرفة بينما يعتمد المنطق " كانطولوجيا " جديدة أي بناء الواقع منطقيا واذا كان التحليل المنطقي قد حقق إنجا از عظيما في د ارسة أسس الرياضيات وفي إعادة النظام والنسقية للمعرفة العلمية فهذا ال يعني أنه المنهج المناسب لشتى المعارف كيفما كانت طبيعتها أو أنه سيؤدي نفس الدور بالنسبة ألي موضوع أو حقل من حقول المعرفة. واذا كانت هناك عدة اعت ارضات تواجه هذا المنهج التحليلي المنطقي فإن الخلفية التاريخية والحضارية تنطوي على عوامل تمثل شروطا أو مبر ارت لوجوده تلك العوامل التي يمكنها أن تلقي الضوء على كثير مما تنطوي عليه فلسفة فيتغنشتاين من غموض خاصة فيما يتعلق بموضوع اللغة. وبالرغم من أن بعض الرواد قد جعلوا من هذا المنهج نهاية للفلسفة فإنه قد مثل على العكس من ذلك إعادة بعث للمشروع الفلسفي انطالقا من منظور جديد. ومهما كانت االنتقادات الموجهة لهذا المنهج فإن أهمية تتجلى أكثر فيما ما سينبثق عنه من توجهات تتناول اللغة بآليات وأساليب تفكيك لم يعهدها التفكير اللغوي عبر تاريخه الموازي لتاريخ اإلنسان. 13
املبحث الثاين: التحليل اللغوي عند فرجيه
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج نشأت الفلسفة التحليلية المعاصرة في العقد الثاني من القرن التاسع عشر بفضل -1806( جهود الرياضيين وعلماء المنطق أمثال دي مورغان Augustus De Morgan بيانو وفريجه وقد ساعدت أعمال هذا األخير األصيلة في إعادة تأسيس علم )1871 المنطق والرياضيات. إذ دفعته اهتماماته بأسس المعرفة والمنهج العلمي إلى الخوض في مسائل لغوية ذلك ألن كثي ار من المسائل الخاصة بأسس المعرفة هي ذات طبيعة لغوية. كانت نزعته المنطقية تعول على االستدالل الصوري الذي يقوم باعتماد الرموز كبديل لأللفاظ الطبيعية ففي الوقت الذي كان يحاول انجاز مشروع علمي متكامل وجد عائقا 1 يتمثل في عدم مالئمة اللغة الطبيعية. ومن هذه الحاجة انبثقت فكرة الكتابة الرمزية ودعت الضرورة إلى لغة رمزية أكثر شمولية. وما من شك أن ما أنجزه فريحه في هذا المجال كان منطلقا لتالمذته. يمثل كتابه " تدوين التصو ارت" "ايديوغ ارفيا" Idéographie )1879( إعادة بعث لمشروع ليبنتز الهادف إلى إيجاد لغة عالمية أكثر ص ارمة ودقة بإمكانها أن تعكس التفكير ونأ تمثل الخطاب العقالني بأمانة ودقة بشكل يتجاوز نقائص اللغات الطبيعية. اهتم فريجه باللغة المثالية انطالقا من بحثه في أسس الرياضيات وعالقتها بالمنطق. إن مشروعه هذا كان يركز على وضع نظرية صورية في االستدالل تخلص الرياضيات من الحدوس الحسية وتعيد الوحدة لحقول الرياضيات وعلى أساسها يمكن أن نستنبط كافة المعاني استنادا إلى الرياضية جملة من المبادئ المنطقية. ومن شأن ذلك بناء النسق يعيد أن الرياضي بعيدا عن كل تناقض ويحقق للرياضيات أعلى ما تنشده من مقاصد الدقة العلمية والص ارمة المنطقية. 15-1 بلبولة مصطفى مشروع اللغة الكونية عند ليبتز وه ارن ص. 130 رسالة ماجستير 2006-2005 اإلش ارف: حسين ال ازوي جامعة
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج وفي هذا السياق ميز بين اللغة العلمية واللغة العادية فاألولى ينبغي أن تكون مكتملة أو مشبعة ال تحتاج إلى غيرها للتعبير أو لتحديد حقيقة علمية ما إنها تقوم على بناء منطقي ثابت أما اللغة العادية فهي مبهمة وغير واضحة وهذا ما يساعدها في إنجاز مهمتها التواصلية وليس بإمكاننا أن نحدد بناء منطقيا لها بل هي خاضعة لعوائق التفاعل وحبيسة الرغبة واالنفعال. 1 ومن هنا جاء تمييزه أيضا بين المعنى الحقيقي والخاطئ أو بين اإلد اركي واالنفعالي. وتنطوي مقارنته تلك ال على استبعاد للغة العادية أو إنكار لوظيفتها بل يؤكد فقط على أنها ال تناسب المجال العلمي ويقر بأنها األنسب في مجال التواصل العادي بالرغم مما تتميز به من إبهام وما تنطوي عليه من معوقات ذاتية. يؤكد ارئد االتجاه التحليلي فريجه على أن من أهم مهام الفلسفة أن تقطع الصلة مع سلطة الكلمة على الفكر البشري وذلك من خالل الكشف عن األوهام الناتجة عن االستعمال للغة. السيء وذلك ال يثبت أن هذه اللغة الرمزية التي يدعو إليها هي البديل للغة Esperanto الطبيعية كما أريد مثال للغة االسبي ارنتو 2 أن تكون وانما هي لغة علمية باألساس إنها ليست مثالية إال لكونها تهدف إلى تحقيق أهداف معينة كالدقة والوضوح Port Royal في المجال العلمي بالتحديد. وبخالف ما ذهبت إليه جماعة بورت رويال 3 في تقريبها بين اللغة والمنطق فإن فريجه يعتبر أن اللغة الطبيعية ال تناسب على اإلطالق حقائق الفكر والمنطق ألن ألفاظها غامضة أحيانا وغير مضبوطة المعنى كما أن بعضا منها لها دالالت متعددة. بل إن ارتباطها بقواعد اللغة يحد من دقتها المنطقية. إن اللغة كما نستخدمها ليست مبنية استنادا إلى قواعد منطقية إذ ال يكفي استعمال النحو في جمل 16-1 2-3 أرمينكو ف ارنسواز المقاربة التداولية ترجمة: سعيد علوش مركز اإلنماء القومي بيروت د. ط د. ت. ص. 20 - لغة اإلسب ارنتو لغة مصطنعة مبسطة وضعها لودفيج أليعزر ازمنهوف کمشروع لغة اتصال دولية عام 1887. مدرسة فرنسية ذات اهتمامات منطقية ولغوية وتربوية تأسست في القرن السابع عشر واستمرت حوالي ربع قرن.
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج لنضمن ص ارمة صورية لمجرى الفكر. 1 ومن أهم تحليالت فريجه في كتابه " أسس علم الحساب" )1884( تمييزه بين مقولتين لغويتين هما: "اسم العلم" و" اسم المحمول" بطريقة تجاوزت تحليل أرسطو الذي كان يخلط بين القضية الحملية وغير الحملية. 2 ولم يكن باإلمكان تحديد الفروق بين القضية الحملية وغيرها من القضايا ووضع تصنيف جديد للقضايا إال مع تطور المنطق حديثا. فإذا تتبعنا العبارتين التاليتين مثال من الناحية المنطقية: أ- شئ ما هو حيوان لبون. ب-شيء ما هو اإلسكندر المقدوني. سنالحظ أنهما غير متكافئتين ألن ال اربطة في الجملة الثانية تعبر عن الهوية بينما في األولى تفيد الحمل. واذا استبدلنا هذه الحدود اللغوية بحدود رمزية أصبح من السهل علينا التمييز بين العبارتين. وذلك بتوظيف اربطة االنتماء و اربطة التساوي. ورغم أن النحو يسمح لنا بالتمييز بين الموضوع والمحمول على اعتبار أن األول يحيل إلى الشيء والثاني إلى المفهوم لكنه يخفي ضمن اللغة الطبيعية العالقات المنطقية الحقيقية. وعلى أساس هذا التمييز المنطقي يحلل فريجه القضية الكلية ( كل ع هو ص( كما يلي : مهما يكن )س( إذا كان )س( هو ع فإن )س(هو ص. لقد أوضح فريجه أن المحمول يقوم بوظيفة التصور أي أنه يسند مجموعة من الخصائص الوصفية الوظيفية إلى اسم العلم. أما هذا األخير فإن وظيفته تكمن في اإلشارة إلى شيء محدد وال يمكنه أن يؤدي وظيفة الحمل. ومن هنا يمكننا أن نميز المحمول بخاصيتين اثنتين: 3 1- Chauve Alain, La logique et sa signification philosophique, Delagrave, 2004, Paris, p-p 50,51 زيدان محمود في فلسفة اللغة بيروت دار النهضة العربية 1985 ص. 12. 3- Frege, G., Les fondements de l arithmétique, trad., française de C. Imbert, Paris, Le seuil, 1969, p.181 17-2
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج إن الوظيفة األولى السم العلم هي إشارته إلى شيء فردي معين بينما وظيفة المحمول األساسية هي داللته على تصور أي على جملة من الخصائص التي تسند السم الموضوع بكيفية ما حسب طبيعة القضية المنطقية. وفي هذه الحالة فإن معنى العلم اسم تام ومستقل ال يحتاج إلى لفظ آخر إلتمام معناه بينما ال يأخذ المحمول معناه بمعزل عن اسم العلم. إن أسوار القضايا ال تحمل معنا إذا ارتبطت باسم علم بينما تصبح ذات معنى إذا دخلت على محمول. أما ألفاظ التسوير أو المكممات حسب االصطالح الرياضي- مثل: كل ( مهما يكن( بعض ( يوجد على األقل ) فهي ليست ذات معنى حقيقي إذا دخلت على أما علم اسم دخولها على المحمول فيفضي إلى معنى جديد وبأسلوب آخر فإن ألفاظ األسوار ال يمكن إضافتها السم العلم قصد الحصول على معنى بينما يمكن تحقيق ذلك بإضافتها للمحمول. وهذا أهم تمييز أدخله المنطق الحديث بين اسم العلم واسم المحمول في القضية الحملية ومع أن أرسطو أدرك وجود فرق بينهما إال أنه كان يخلط بين القضية الحملية فريجه فيتغنشتاين سبق كما الحملية. وغير في التمييز بين االسم والقضية حيث اعتبر في مقالته "حول المعنى والداللة " سنة لكل من أن 1892 االسم والقضية داللة ومعنى بينما أرى فيتغنشتاين أن األسماء ذات داللة وال معنى لها وأن القضايا ذات معنى وال داللة لها. ورغم االختالف بينهما في توظيف هذين المفهومين فإن آ ارء فيتغنشتاين كثي ار ما تتقاطع مع مواقف فريجه بل يحصل ذلك أحيانا في نقاط جوهرية منها على سبيل المثال اتفاقهما في القول بأن معنى القضية هو الطريقة التي يتم بها تحديد جملة شروط صدق القضية فلكي نستطيع القول أن قضية ما صادقة ينبغي علينا أن نحدد الشروط التي بناء عليها ندعو القضية بأنها صادقة وعلى هذا األساس نحدد المعنى. وما يؤكد أهمية ومكانة فريجه بالنسبة لفيتغنشتاين هو أن هذا األخير قد افترض في رسالته أن 18
س 2 الفصل األو ل: يف األصول واملنهج ق ارءه ينبغي أن يكونوا قد اطلعوا على أعمال فريجه " وأنا لن أشير إال لمؤلفات فريجه العظيمة التي أنا مدين لها كما أنني مدين لكتابات صديقي برت ارند ارسل من حيث 1 استثارة أفكاري هذه " لقد قاد فريجه ثورة في المنطق بإدخاله الترميز الرياضي بغرض صورنة االستدالل إذ ال حظ مثال أن "االسكندر غزى آسيا" و"آسيا تم غزوها من طرف االسكندر" تعب ارن عن نفس القضية بغض النظر عن تباينهما من حيث الموضوع والمحمول. وكنتيجة لذلك يمكن إقامة نفس االستدالالت استنادا إليهما حيثما وردتا في استدالل ما أي أنهما عبارتان متكافئتان. وبأسلوب آخر فإن فريجه استبدل التمييز التقليدي بين الموضوع والمحمول بتمييز بين الحجة والدالة حيث يقابل المحمول بالدالة الرياضية. مثال : إذا كانت لدينا الدالة: تا )س( = س ² بحيث مهما يكن )س( كمتغير من مجموعة األعداد الحقيقية فإنه يمكن الحصول على قيمة مقابلة له تمثل هي األخرى عددا حقيقيا إذ تم تحديد قيمة )س(. أي أن هذه الدالة تعبر عن عالقة بين مجموعة المتغي ارت التي ([ يمثلها المتغير )س(: ]) س 1 س 3...([ وبين مجموعة مقابلة لها تا)س(: تا)س 1 ( تا)س 2 ( تا)س 3 (... [ بمعنى أنه يمكننا أن نضع في كل مرة ضمن الصيغة ² متغي ار مثل )س( فتصبح الصيغة المقابلة هي ( س( ². الرياضية ( ) اعتمد فريجه مفهوم الدالة الرياضي الذي وضعه ليبنتز في تحليل القضايا فتبين له أن المحمول كالذي يرد في قولنا: " س حكيم " يمكن أن يفسر اعتمادا على مفهوم الدالة والتي الرياضية اصطلح عليها في اإلطار الفلسفي " دالة قضية " حيث تعني هذه األخيرة جملة الخصائص والعالقات التي تصدق على جملة من األف ارد. وعند تعويضنا ل: )س( باسم علم نحصل على قضية مثلما هو الحال في الرياضيات حيث يمكن الحصول على قيمة محددة لهذه الدالة عندما نعوض )س( بعدد محدد. وتدعى النتيجة قضية ذرية. رسالة منطقية فلسفية مصدر سابق ص. 60 19 - فيتغنشتاين 1
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج وسنرى الحقا كيف يواصل فيتغنشتاين تطوير هذا الجهاز الرمزي مستفيدا من أعمال فريجه ومحاوال تجاوز ما رآه في إسهامات فريجه و ارسل من أخطاء. 1 وظف فريجه مفهوم التكميم الذي كانت له نتائج مذهلة في المنطق واهتم والفلسفة بمنطقة الرياضيات ابتغاء وضع نظرية في االستدالل الصوري المجرد من الحدوس الحسية وتمحور اهتمامه حول استنباط المعاني الرياضية انطالقا من المعاني المنطقية. لكنه لم يتوقع أن أعماله المنطقية والرياضية ستمثل بداية المنعرج اللغوي أو أنه سيصبح الحقا من أهم رواد فلسفة اللغة. كانت أعمال فريجه تتويجا لجهود علماء الرياضيات والمنطق في إقامة المنطق كعلم استنباطي وجعله أساسا الستنباط القضايا الرياضية وشكلت في مجموعها بعثا لمشروع ليبنتز المتعلق بإيجاد لغة رمزية مثالية تتميز بالدقة والشمولية. ولكن طموحها تعدى مجالي الرياضيات والمنطق إلى التفكير في أسس المعرفة اإلنسانية بشكل عام. ومادام هذا المنطق الجديد منشغال بتحديد قوانين الفكر وصياغتها رمزيا فإن هذه القوانين المنطقية- كما أرى فريجه- لن تخص موضوعا دون غيره وانما ميزتها األساسية أنها عامة ومطلقة " فالفكر هو نفسه أينما كان وليس صحيحا أن هنالك أنواعا مختلفة من قوانين الفكر لتالءم أنواعا مختلفة من الموضوعات المفكر فيها " 2 والمهم هنا ليس هو تلك اإلنجا ازت خاصة التي قدمها بيرس وشرويدر وبيانو وفريجه ثم ارسل ووايتهد الحقا وانما المهم ما تمخضت عنه من نتائج شكلت مصد ار أساسيا لفلسفة فيتغنشتاين وعامال جوهريا في بلورتها. هذه النتائج يمكن تلخيص أهمها في جملة من النقاط ابتغاء للوضوح والدقة. - فيتغنشتاين رسالة منطقية فلسفية مصدر سابق العبارة: 3,325 ص. 78 2- وداد الحاج حسن اردو لف كارناب نهاية الوضعية المنطقية المركز الثقافي العربي الدار البيضاء الطبعة األولى 2001 ص. 15 1 20
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج أوال : رفض اعتماد اللغة العادية كلغة فلسفية ومنطقية نظ ار لما تنطوي عليه من غموض وهذا يعني أن هذه اللغة ليست مناسبة للتعبير عن البنية المنطقية األساسية للفكر وأن استخدام هذه اللغة يسمح بدخول كيانات غريبة متمثلة في كلمات مجردة أو قد تحجب عنا قواعدها اللغوية قواعد المنطق. مما يعني أن استخدام اللغة العادية ال يتسق مع منطق الفكر وهذا ما يمهد ال حقا لتلك االنتقادات الموجهة ضد الميتافيزيقيا خاصة لدى الوضعية المنطقية. ثانيا : التأكيد على أن قوانين الفكر هي ذاتها قوانين المنطق أي أن هذه األخيرة تحكم جميع ما هو مفكر فيه األمر الذي يعني وجود لغة منطقية عامة تمثل بنية عميقة للمعرفة وهذا ما تعبر عنه فلسفة فيتغنشتاين األولى التي تهدف إلى صياغة هذه اللغة المنطقية أو إلى البحث عن الشروط التي تجعل اللغة كاملة منطقيا. ثالثا : التأكيد على أن ما يحدد معنى كلمة معينة هو استخدامها وهذا ما تضمنته بعض أبحاث فريجه إذ يعتبر أن من بين المبادئ األساسية لكل استدالل والتي هي مبادئ أو قوانين المنطق العامة أن ال نسأل عن معنى كلمة بمعزل عن سياقها وهذه الفكرة تشكل أساسا لفلسفة فيتغنشتاين في المرحلة الثانية. وحسب فريجه فإنه ينبغي " أال يسأل البتة عن معنى كلمة بمعزل عن سياقها في قضية". 1 اربعا : التمييز بين القضايا التحليلية القبلية والقضايا التركيبية أو التأليفية البعدية واعتبار القوانين الرياضية والمنطقية تحليلية وهذا يعني أنها ليست تركيبية كما أرى جون ستوا رت ميل وال تركيبية قبلية كما ذهب كانط مع التأكيد على مكانة ودور كل من القضايا التحليلية والتركيبية األساسي بالنسبة للعلوم أي دورهما في استخالص وصياغة المعارف العلمية. إذا كانت القضايا التحليلية أي قضايا الرياضيات والمنطق ال تقول شيئا عن الواقع إال أنها مع ذلك تساعدنا على االنتقال من قضايا واقعية إلى أخرى واقعية. وهذه 21 - المرجع السابق الصفحة نفسها. 1
الفصل األو ل: يف األصول واملنهج الفكرة ذاتها نجدها عند فيتغنشتاين في تصنيفه للقضايا وهي في نظره إما تحليلية أو تركيبية أو أشباه قضايا " قضايا مزيفة" وقد أضاف فيتغنشتاين هذا الصنف األخير تماشيا مع الفكرة األولى أي لكون بعض الجمل اللغوية ال تتسق مع منط تلك هي أهم النتائج المترتبة عن التحوالت الجذرية في مجالي المنطق والرياضيات والتي انعكس تأثيرها على المعرفة بشكل عام. إن ما جاء به فريجه يمثل انقالبا في مسار الفكر اللغوي ويتجلى ذلك من خالل رؤيته الداللية التي يميز فيها بين اسم العلم واالسم المحمول وبين المعنى والمرجع. ويمكن إجمال اهتمامات الفلسفة التحليلية التي أسس لها فريجه في ثالثة مطالب هي التخلي عن أسلوب البحث الفلسفي القديم وبالخصوص في جانبه الميتافيزيقي وكذا تغيير بؤرة االهتمام الفلسفي من نظرية المعرفة إلى التحليل اللغوي كما سعت إلى تجديد وتعميق المباحث اللغوية وبالخصوص مبحث الداللة والظواهر اللغوية المتفرعة عنها. 1 قدم فريجه توضيحا قيما يتعلق بالفرق بين األفكار والتمثالت. وكان لهذا التمييز تأثير كبير في مجرى النقاش الفلسفي الدائر حول التعقل والحقيقة في أن واحد. 2 ونتج عن هذا التصور حول التحليل اللغوي ثالث اتجاهات تمثلت في الوضعية المنطقية Positivisme logique التي يتزعمها اردولف كارناب والذي حاول أن يستبدل الفلسفة بعلم المنطق مبتدئا بالنحو "نحو اللغة المنطقي" يمكن استخدام هذا النحو لتشكيل لغات مثالية لغات شكلية ودقيقة. 3 وكذا الظاه ارتية اللغوية بزعامة إدموند هوسرل )1939-1859( Edmund Husserl الذي دعا إلى التخلي في الفلسفة عن كل تفسير سريع للعلم وعن كل األحكام المسبقة للقيام بتحليل كل ما يتجلى للوعي. مظه ار قطيعة مع 22-1 -2-3 دالش جياللي مدخل إلى السيميائيات التداولية ترجمة: محمد يحياتن ديوان المطبوعات الجامعية الج ازئر ط 1 1994 ص. 11 فيري جان مارك فلسفة التواصل ترجمة وتقديم:عمر مهيبل منشو ارت االختالف ط 1 2006 ص-ص. 24 25 بيتركونزمان وآخرون أطلس الفلسفة مرجع سابق ص. 221