2015 فيرخ - عبارلا دلجلما - 14 ددعلا
|
|
- Ευφήμιος Κολιάτσος
- 7 χρόνια πριν
- Προβολές:
Transcript
1 العدد - 14 املجلد الرابع - خريف 2015 اإلنسان مدني بالطبع أي ال ب د له من االجتماع الذي هو المدني ة في اصطالحهم وه و معنى الع م ران. ابن خلدون ال تعب آراء الك ت اب بالرضورة عن ات اهات يتبن اها»املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات«أو»جملة عمران للعلوم االجتامعية واإلنسانية«
2 االج ت م ع ا إلن س ان ا ل ذي ه و ع م ر ان ال عال م يخ أ ن ه خ ب عن ح قي ق ة ال تار الع م ران من األ ح وال مث ل ال ت و ح ش وال تأ ن س و ما ي ع ر ض ل ط بي ع ة ذل ك اف ال ت غ ل ب ات وأ ص ن وال ع ص ب ي ش ب ع ضه م ع ل ب ع ض و ما ي نش أ ع ن ات ل ل ب الد ول و م را ت ب ها و ما ي ن ت ح ل ه ال ب ش بأ ع مل ه م و م سا عيه م ذل ك من الم ل ك و الص نا ئ ع و سا ئ ر ما ي ح د ث ف ذل ك ا ل ع م ران من ال ك س ب وا ل م ع اش وا ل ع لو م و ب ط بي ع ت ه من األ ح وال... ش ي الع م ر ان ا ل ب و كأ ن ه ذا ع ل م م س ت ق ل ب ن ف س ه. فإ ن ه ذو م وض وع وه و االج ت م ع اإل ن س وهي ب ي ان ما ي ل ح ق ه من ا ل ع وار ض و ان و ذو م سا ئ ل و األ ح وال ل ذا ت ه و اح د ة ب ع د أخ رى. و ه ذا ش أ ن ك ل ع ل م من ا ل ع لو م وض ع يا كان أ و ع ق ل يا... االج ت م ع ا إلن س ان ض ور ي. و ي ع ب ا ل ح ك م ء ع ن ه ذا ب ق ول ه م " : ا إلن س ان اصطلحه م االجتم ع الذي ه و ال دن ية ف م د ن بالط ب ع" أ ي ال ب د ل ه من وه و م ع نى ا ل ع م ران... ش ك م ق ر رن ا ه وت م ع م ر ان ال عال م به م االج ت م ع إ ذا ح ص ل ل ل ب ث م إ ن ه ذا فل ب د م ن واز ع ي د ف ع ب عض ه م ع ن ب ع ض ل م ف ط با عه م ا ل ح ي وا ن ي ة من ا ل ع د وان و ون ذل ك ا ل واز ع و اح دا م ن ه م ي ك الظ ل م... ف ي ك ون ل ه ع ل يه م ا ل غ ل ب ة الس ل ط ان وا ل ي د ا ل ق اه ر ة ح تى ال ي ص ل أ ح د إ ل غ يه ب ع د وان و ه ذا ه و و م ع نى ا ل م ل ك... ش من ا ل ح ك م ا ل واز ع... و ت ز يد ا ل ف ل س ف ة ع ل ه ذا ا ل ب هان... أ ن ه ال ب د ل ل ب ش وأ ن ه ال ب د أ ن ي كون ب ش ع م ف ر وض م ن ع ن د الل ه ي أ ت ب ه و اح د من ا ل ب يم ل ه م ت م ي زا ع ن ه م ب ا يو د ع الل ه في ه م ن خ و اص ه دا ي ت ه ل ي ق ع ال ت س ل والق ب ول م نه ح تى ي ت م ا ل ح ك م فيه م و ع ل يه م م ن غ ي إ ن كا ر و ال ت ز ي يف. ش ق د و هذ ه ا ل ق ض ي ة ل ل ح ك م ء غ ي ب ر ها ن ي ة ك م ت را ه إ ذ ا ل و جو د و ح يا ة ا ل ب ت ت م م ن دون ذل ك ب ا ي ف رض ه ا ل حا ك م ل ن ف س ه أ و با ل ع ص ب ي ة ا ل تي ي ق ت د ر ب ها ع ل ق ه ر ه م و ح م له م ع ل جا د ت ه. ابن خلدون املقد مة
3 3 المحتويات دراسات 5 عز ام أمني التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا حين يكون العنف استراتيجيا هوياتية بحث ميداني 7 نوري دري س العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية عناصر تحليلية في سياقات تاريخية غير معلمنة 33 رحمة بن سليمان القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية قراءة سوسيولوجية في شهادات بعض الضحايا 51 عبد احلميد بنخطاب إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب 67 آالء حممد فار س حماد التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية دراسة مقارنة 81 حممد البغدادي ح سن احلجامي تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس 103
4 العدد ١٤ العدد / ٤3 خريف شتاء ترجمات ١٢١ روبني بي س االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف 123 مراجعات 139 املولدي الأحمر شباب دوار هيشر وحي التضامن في مدينة تونس الكبرى بحث سو سيولوجي / أ لفة مللوم وحممد علي بن زينة 141 مراد د ياين م ساءلة العدالة االجتماعية داخل النسق الليبرالي / حممد عثمان حممود 145 ناتايل سالمة قراءة في كتابات مرجعية عن الثورة )الثورة الفرنسية نموذج ا( 149 منري ال سعيداين مقاربات في فهم القادح المحلي للثورة التونسية 159
5 5 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا حين يكون العنف استراتيجيا هوياتية بحث ميداني 7 العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية عناصر تحليلية في سياقات تاريخية غير معلمنة 33 القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية قراءة سوسيولوجية في شهادات بعض الضحايا 51 إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب 67 التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية دراسة مقارنة 81 تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس 103
6
7 7 عز ام أمين * التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا حين يكون العنف استراتيجيا هوياتية بحث ميداني هتدف هذه الورقة البحثية إىل إلقاء الضوء عىل إشكالية اهلوية واالنتامء لدى الشباب الفرنسيني من أصول عربية وإسالمية واإلحاطة قدر اإلمكان بالعوامل النفس- اجتامعية التي تدفع قسام منهم إىل»رفض«اهلوية الفرنسية واإلرصار عىل إظهار هويتهم العرقية والدخول يف عالقة صدامية مع املجتمع الفرنيس. تفرتض هذه الدراسة أن التصنيف الذايت العرقي )اهلوية العرقية( ال عالقة له برغبة الشخص يف االندماج االجتامعي وال يعب عن انطواء هويايت وإنام هو اسرتاتيجيا دفاعية ملواجهة سياسة االنصهار التي تفرضها فرنسا عىل املهاجرين وأبنائهم. كام تفرتض الدراسة أن الشباب ال يرفضون االندماج يف املجتمع الفرنيس وإنام يرفضون التامهي معه ويأيت السلوك العنفي تعبري ا عن هذا الرفض وهم بذلك قادرون عىل التمييز بني آليات»االندماج«والتكييف االجتامعي من جهة والتامهي يف املجتمع الفرنيس من جهة أخرى. اعتمد الباحث يف تنفيذ هذا البحث املنهج الوصفي التحلييل املقارن من أجل الوصول إىل حتقيق أهدافه. وللتحقق من صحة الفرضيات اإلجرائية قام الباحث بتصميم استبانة مؤلفة من أربعة أجزاء وتطبيق دراسة ميدانية تشمل عي نة من الشباب الفرنسيني تضم شبان ا وشابات من اجليل الثالث متحدرين من أصول مغاربية وشبان ا وشابات من اجليل الثاين متحدرين من أصول تركية. وتراوح سن هؤالء بني 14 و 24 سنة. * دكتور يف علم النفس االجتامعي وما بني الثقافات جامعة ليون الثانية يف فرنسا. مدرس باحث يف جامعة ليون الثانية واجلامعة الكاثوليكية اخلاصة منذ سنة 2004.
8 العدد ٤ / ١٤ خريف مقدمة باتت قضية اندماج الشباب من أصول عربية وإسالمية يف املجتمع الفرنيس من املسائل املهمة التي حتتل مكانة مركزية يف احلياة السياسية واالجتامعية يف فرنسا ))). وتتناول وسائل اإلعالم الفرنسية هذه املسألة بكثري من االهتامم وغالب ا ما يشار إىل الشباب عند إثارة موضوعات العنف وانتشار اجلريمة وجتارة املخدرات والبطالة والفشل الدرايس والتطرف اإلسالمي ))). ويذهب بعض اإلعالميني إىل وصف الضواحي التي يسكنها الشباب بالساخنة أو بالقنبلة املوقوتة. هتدف هذه الورقة البحثية إىل إلقاء الضوء عىل إشكالية اهلوية واالنتامء لدى الشباب الفرنسيني من أصول عربية وإسالمية واإلحاطة قدر اإلمكان بالعوامل النفس- اجتامعية التي تدفع قسام منهم إىل»رفض«اهلوية الفرنسية واإلرصار عىل إظهار هويتهم العرقية والدخول يف عالقة صدامية مع املجتمع الفرنيس. مشكلة البحث يف فرنسا ت عترب اجلالية العربية املسلمة املتحد رة من بلدان املغرب العريب )اجلزائر املغرب تونس( من أكرب اجلوايل العربية يف أوروبا. ولوجود هذه اجلالية فيها وهبذا الكم الكبري عالقة مبارشة بتارخيها االستعامري. وكان املهاجرون املغاربة قد بدأوا الوصول إىل فرنسا مع هناية القرن التاسع عرش ولكن موجات اهلجرة املكثفة مل تبدأ إال يف أثناء احلرب العاملية األوىل وكان آخرها بعد قانون مل الشمل العائيل الذي أصدره فالريي جيسكار ديستان يف منتصف سبعينيات القرن املايض ))). كان الرهان الفرنيس يتمث ل يف أن اجليلني الثاين والثالث من هذه اجلالية سيندجمان يف املجتمع الفرنيس بل سينصهران باهلوية الفرنسية وسيكون هلام دور فاعل يف املجتمع. ولكن ما ي شري إليه السياسيون واملراقبون واملساعدون االجتامعيون واملدرسون العاملون يف هذه الضواحي هو أن هناك»رفض ا«للهوية الفرنسية عند بعض الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية بل نجد أهنم فض لوا بناء هوية جديدة خاصة هبم ))). راحت مسألة االنطواء اهلويايت واالنغالق الثقايف أو ما ي عرف باهلوية العرقية يف أدبيات علم النفس التثاقفي تؤجج جدال كبري ا يف األوساط الرسمية والشعبية الفرنسية وخصوص ا حني بدأ هذا االنطواء يرتافق مع سلوك عنفي جتاه املجتمع الفرنيس. وقد قام بعض السياسيني واإلعالميني برشح هذا السلوك وظاهرة»تصنيف الذات عىل أساس عرقي«بالرجوع إىل الدين والثقافة ونظرية صدام احلضارات وهو ما أنتج خطاب ا تالقى بشكل مبارش أو غري مبارش بخطاب يميني متطرف عنرصي. وركز بعض الباحثني يف علم االجتامع عىل العوامل االقتصادية والسياسية من أجل فهم هذه الظاهرة مغفال أثر الفرد ودوره يف بناء هويته وهو ما أنتج خطاب ا أيديولوجي ا هو أقرب إىل ميدان السياسة منه (1) Dominique Schnapper, Qu est-ce que l intégration?, Folio. Actuel ; 125 (Paris: Gallimard, 2007). (2) C. Sabatier et J. W. Berry, «The Role of Family Acculturation, Parental Style, and Perceived Discrimination in the Adaptation of Second-Generation Immigrant Youth in France and Canada,» European Journal of Developmental Psychology, vol. 5, no. 2 (Special Issue): Immigrant Youth in European Countries (2008). (3) Gérard Noiriel, Le Creuset français: Histoire de l immigration, XIXe-XXe siècles, l univers historique (Paris: Ed. du Seuil, 1988). (4) Audrey Gonin et Azzam Amin, «Discours des acteurs sociaux et processus d intégration des jeunes Français issus de l immigration,» Migrations société, vol. 19, no. 113: Citoyens et enfants de l immigration (Septembre-Octobre 2007).
9 9 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا إىل ميدان البحث العلمي بينام اعتمد باحثون يف علم النفس مقاربة نفسية عيادية بحتة األمر الذي أدى إىل»نفسنة«(Psychologisation) مشكالت هلا أيض ا جذور اجتامعية تتجاوز حدود الفرد (5). وليس من شأن طر ح املشكلة عىل أساس أهنا أمراض شخصية أو ثقافية وعدم اإلشارة إىل األوضاع ((( اهليكلية يف املجتمع الفرنيس نفسه من خالل نظمها االقتصادية والسياسية كمصدر للعنف البنيوي الذي يساهم بإثارة ردود أفعال عنيفة فردية ومجاعية )عنف دفاعي( إال أن يساهم يف تكريس النظرة العنرصية إىل هؤالء الشباب. سنعتمد يف بحثنا هذا عىل مقاربة عابرة للنظريات éclectique) (approche ))) تأخذ الفرد واملجتمع بعني االعتبار. وجتمع هذه املقاربة بني ثالث نظريات يف علم النفس االجتامعي: - نظرية اسرتاتيجيات التثاقف d acculturation) (Stratégies (8) لعامل النفس االجتامعي الكندي املعروف جون وليم بريي ))). هذه النظرية ستساعدنا عىل فهم آليات االندماج الثقايف - نظرية اهلوية االجتامعية )1)) - نظرية التصو ر االجتامعي )1)). هيدف هذا املنحى إىل اإلجابة عن األسئلة التالية: هل يرفض فعال الشباب الفرنيس من أصول مغاربية اهلوية الفرنسية واالندماج يف املجتمع الفرنيس هل هناك عالقة بني الرغبة يف املحافظة عىل اهلوية العرقية وإظهارها والرغبة يف االندماج يف املجتمع الفرنيس هل هناك عالقة بني اهلوية العرقية والتصورات االجتامعية عن فرنسا والفرنسيني (5) P. R. Dasen, «Intégration, assimilation et stress acculturatif,» dans : Christiane Perregaux [et al.], Intégrations et migrations, regards pluridisciplinaires, Espaces interculturels (Paris ; Budapest; Torino: L Harmattan, 2001). ))) راجع الورقة الخلفية لمؤتمر:»العنف والسياسة في المجتمعات العربية المعاصرة «)الدورة الرابعة للمؤتمر العلمي السنوي في قضايا التحو ل الديمقراطي المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات أيلول/ سبتمبر 2015( ص 4. (7) W. Doise et T. Devos, «Identité et interdépendance: Pour une psychologie sociale de l Union Européenne,» Psychologie et Société, no. 1 (1999). ))) است خدم هذا املصطلح (Acculturation) أول مرة يف سنة 1880 يف جمال علم االجتامع واألنثربولوجيا الثقافية التي اهتمت بدراسة التغريات الثقافية التي طرأت عىل املهاجرين يف املجتمع األمريكي ويف منتصف القرن العرشين اعتمده علامء النفس وراج استخدامه حتى أصبح هناك ما ي سمى علم النفس التثاقفي( interculturelle (Psychologie أو باللغة اإلنكليزية.Cross-Cultural Psychology (9) J. W. Berry [et al.], «Acculturation Attitudes in Plural Societies,» Applied Psychology, vol. 38, no. 2 (April 1989), pp (10) Henri Tajfel et John Turner, «The Social Identity Theory of Intergroup Behaviour,» in: Stephen Worchel and William G. Austin, eds., Psychology of Intergroup Relations, Nelson-Hall Series in Psychology, 2 nd ed. (Chicago : Nelson-Hall Publishers, 1986). (11) Jean-Claude Abric, «Les Représentations sociales: Aspects théoriques,» dans: Jean-Claude Abric, dir., Pratiques sociales et représentations, Psychologie sociale (Paris: Presses universitaires de France, 1994), et Serge Moscovici, La Psychanalyse, son image et son public, bibliothèque de psychanalyse, 2ème éd. Refondue (Paris: Presses universitaires de France, 1976).
10 العدد ٤ / ١٤ خريف هل تشكل العالقة العنفية أو»العنف الدفاعي«مع املجتمع الفرنيس أحد أشكال اسرتاتيجيات اهلوية للتعبري عن أزمة انتامء اجتامعي أو»أزمة هوياتية«ورد فعل عىل»العنف البنيوي«الذي يامرسه املجتمع الفرنيس من خالل سياسات التمييز واالقصاء أهمية البحث يعيش يف فرنسا اليوم حواىل ثامنية ماليني مسلم )1)) وبالتايل ي شكل اإلسالم الدين الثاين فيها بعد املسيحية. وجاء معظم هؤالء من بلدان املغرب العريب يف الستينيات والسبعينيات حني كانت فرنسا يف تلك الفرتة تبحث عن اليد العاملة ملصانعها ومزارعها ومرحلة بناء طرقها ومؤسساهتا. ت ع د مسألة تكيف اجلالية العربية مع املجتمع الفرنيس من املسائل األكثر إثارة وأمهية يف فرنسا فهذه اجلالية ت عترب من اجلوايل األكثر عرضة للتمييز بسبب ارتباط صورهتا بشبح اإلرهاب واحلركات اجلهادية التي طرقت أبواب فرنسا وصارت هتدد أمنها واستقرارها. تكتسب هذه الدراسة أمهيتها من حساسية املسألة التي تعاجلها فمن جهة سيكون من شأن فهم أزمة اهلوية واالندماج التي يعانيها بعض الشباب الفرنسيني من أصول إسالمية عربية أن يساعد حتام عىل إجياد حلول علمية وعملية هلا بحيث ال يكونون لقمة سائغة للتطرف. وقد أثبتت البحوث التي أجرهتا يف فرنسا الباحثة األنثروبولوجية دنيا بوزار مؤخر ا أن معظم الشباب الواقعني حتت تأثري اخلطاب اإلسالمي اجلهادي لديه يف األساس بنية نفسية هش ة ويعاين أزمة تكيف اجتامعي وهو ما ي شكل أرضية مناسبة الستقطابه )1)). من جهة ثانية يتمتع تكي ف اجلوايل العربية يف دول أوروبا بشكل عام وطبيعة عالقتها هبذه الدول املضيفة بشكل خاص بتأثري كبري يف عالقة املجتمعات العربية بتلك الدول وباحلضارة الغربية ككل وهذا ما أظهرته أحداث شاريل إيبدو األخرية يف فرنسا. اإلطار النظري ومصطلحات البحث االندماج االجتماعي واستراتيجيات التثاقف بحسب جون بريي )1)) يلجأ املهاجرون وأوالدهم إىل اسرتاتيجيات هوياتية عدة من أجل الوصول إىل التكييف النفيس واالجتامعي مع جمتمعهم اجلديد. ويعتمد اختيار الفرد واحدة من هذه االسرتاتيجيات عىل موقفه من ثقافته األم وثقافة املجتمع امل ضيف. يتحدد هذا املوقف من خالل متغريين: الرغبة يف احلفاظ عىل اهلوية الثقافية األصلية )األم( والرغبة يف االختالط مع املجتمع املضيف وتبن ي ثقافته. ويعرب عن هذين املتغريين سؤاالن يطرحهام كل مهاجر عىل نفسه بشكل مبارش أو غري مبارش: هل جيب احلفاظ عىل اهلوية الثقافية األصلية وهل جيب االختالط مع أفراد املجتمع املستضيف واملشاركة معهم يف احلياة االجتامعية )1)) أو من أصول مسلمة. (13) Dounia Bouzar, Comment sortir de l emprise djihadiste? (Ivry-sur-Seine: les Éditions de l Atelier-les Éditions ouvrières, 2015). (14) J. W. Berry : «Acculturation et identité,» dans : Jacqueline Costa-Lascoux, Marie-Antoinette Hily et Geneviève Vermes, dirs., Pluralité des cultures et dynamiques identitaires: Hommage à Carmel Camilleri, Espaces interculturels (Paris; Montréal: L Harmattan, 2000), and J.W. Berry, «Psychology of acculturation», in: J. Bernan (Eds.), Nerbraska Symposium on motivation: cross-cultural perspectives (Lincoln : University of Nerbraska Press, 1990), pp
11 11 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا يسمح لنا هذان السؤاالن واإلجابة عنهام بتحديد أربعة اجتاهات تثاقفية يوضحها بريي يف اجلدول التايل: اجلدول )1( ((1( اسرتاتيجيات التثاقف بحسب نظرية بريي 1 هل 1- جيب احلفاظ عىل اهلوية الثقافية األصلية نعم ال متاه 2 هل 2- جيب االختالط مع أفراد املجتمع املستضيف واملشاركة معهم يف احلياة االجتامعية نعم ال اندماج انعزال هتميش االندماج (Intégration) أي اإلجابة بنعم عىل كال السؤالني األول والثاين هو حالة املهاجر الذي يرغب يف احلفاظ عىل خصائص هويته وثقافته األصلية كاللغة والديانة والعادات والتقاليد... ويرغب يف الوقت نفسه يف التواصل مع املجتمع املضيف وتبن ي خصائصه الثقافية. وبحسب بريي فإن االندماج يعرب عن حماولة املهاجر التوفيق بني الثقافتني وهو ي مثل اجلانب اإلجيايب يف عملية التثاقف. التامهي (Assimilation) )اإلجابات: ال للسؤال األول/نعم للسؤال الثاين( هو الرغبة يف التخيل عن الثقافة واهلوية األصلية لصالح ثقافة املجتمع املستضيف وهويته ويف هذه احلالة يتشب ع املهاجر بالكثري من قيم ومعايري أفراد جمتمعه اجلديد. االنعزال أو التقوقع الثقايف communautaire) :(Repli هذا اجلانب من التثاقف يعكس رغبة املهاجرين يف عدم االختالط مع أفراد املجتمع املضيف وعدم االرتباط بالثقافة اجلديدة )اجلواب ب )ال( للسؤال الثاين( مع رغبة منهم يف املحافظة عىل ثقافتهم وهويتهم األصلية )اجلواب ب)نعم( للسؤال األول( وهذه االسرتاتيجيا تشكل نوع ا ما عملية مضادة للتثاقف. التهميش :(Marginalisation) هو رد فعل املهاجرين الذين يفقدون خصائص هويتهم وثقافتهم األصلية وال يستطيعون يف الوقت نفسه االندماج يف ثقافة املجتمع املضيف أو بناء عالقات مع أفراده وربام السبب يف الغالب هو التمييز العنرصي الذي يامرسه أبناء هذا املجتمع ضد املهاجرين. إن اختيار الفرد إحدى هذه االسرتاتيجيات يعود بحسب بريي )1)) إىل وجود كثري من العوامل املحددة لكل اسرتاتيجيا منها ما يتعلق بخصائص املجتمع املضيف كتكوينه االجتامعي واالقتصادي واالجتاهات األيديولوجية السائدة ودرجة انفتاح أفراده عىل الثقافات األجنبية وسياسة اهلجرة وقوانينها... ومنها (15) J. W. Berry [et al.], Cross-Cultural Psychology: Research and Applications (Cambridge; New York: Cambridge University Press, 1992). )1)) المصدر نفسه.
12 العدد ٤ / ١٤ خريف عوامل تتعلق باخلصائص الشخصية للفرد املهاجر نفسه كإتقانه لغة املجتمع املضيف وموقفه املبدئي من ثقافته ودرجة انفتاحه interculturelle) (Aptitude ومستواه الثقايف والتعليمي وبنيته النفسية وأسباب هجرته وطموحه... وهنالك أيض ا عوامل تتعلق باملجتمع األصيل الذي أتى منه املهاجر كالبنى االقتصادية والسياسية والديموغرافية... سنعتمد عىل هذه النظرية ملعرفة اجتاهات الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية حيال ثقافة آبائهم األصلية والثقافة الفرنسية وهل يرفضون فعال االندماج االجتامعي أم ال. الهوية االجتماعية وتصنيف الذات على أساس عرقي أسس هذه النظرية املعرفية االجتامعية كل من تاجفل وتورنر (17) من أجل فهم األسس النفسية للسلوك بني األفراد وبني اجلامعات. ويمكن حتديد مبادئها األساسية بثالث نقاط: أوال كل شخص حيتاج إىل صورة إجيابية عن ذاته Self-esteem).(Estime de Soi, ويتألف مفهوم الذات لدى الفرد من مكو نني مها اهلوية الشخصية )خصائص فردية( واهلوية االجتامعية sociale) (Identité )اجلامعات والتصنيفات االجتامعية التي يتوح د هبا الفرد(. وت ع د اهلوية االجتامعية رشط ا أساسي ا لتحقيق مفهوم إجيايب عن الذات. ثاني ا ليحقق األفراد مفهوم ا إجيابي ا عن ذواهتم فإهنم يسعون وضمن ظروف معينة إىل إضفاء صفات إجيابية عىل اجلامعات التي يشعرون باالنتامء إليها ويتم ذلك عن طريق ميكانيزمات نفسية كالتصنيف االجتامعي والتوح د واملقايسة االجتامعية. ثالث ا يف حال أدى التصنيف االجتامعي واملقايسة )نتيجة ظرف موضوعي( إىل الشعور باخلطر وعدم حتقيق الذات يسعى األفراد إىل تغيري هذه احلالة عن طريق جمموعة من االسرتاتيجيات )اسرتاتيجيات اهلوية االجتامعية( التي منها عىل مستوى فردي وآخر عىل مستوى مجاعي حيث تضعف اهلوية الفردية وينتقل األفراد بعالقاهتم من مستوى ما بني األفراد إىل مستوى ما بني اجلامعات. إذ ا اهلوية االجتامعية هي لدى الفرد جزء من مفهوم الذات نابع من إدراكه ومعرفته بعضويته يف مجاعة معينة ومن اكتساب معان قيمية ووجدانية متعلقة هبذه العضوية. انبثقت عن نظرية اهلوية االجتامعية نظرية تصنيف الذات لتورنر )1)). بحسب هذه النظرية فإن إدراك الذات كجزء من جمموعة يعكس الطريقة التي يتم هبا التصنيف الذايت (Auto-catégorisation) ضمن هذه املجموعة. وجتري عملية اختيار هذه اجلامعة أو تلك من خالل إدراك األفراد أوجه التشابه بينهم وبني اآلخرين )»جمموعتهم«(. كام أهنم يشعرون بعضويتهم يف اجلامعة عند إدراك أوجه االختالف بينهم كمجموعة وبني األفراد اآلخرين الذين يشكلون جمموعات أخرى. ترى هذه النظرية أن ميل الناس إىل تصنيف أنفسهم عىل أساس ديني أو عرقي أو ثقايف أو قومي... يظهر يف املجتمعات واأليديولوجيات والثقافات التي حتدد اإلدراك وتشكله بشكل مجاعي. بمعنى آخر هذا امليل هو انعكاس لسياقات ما بني اجلامعات )1)). (17) Tajfel et Turner, «The Social Identity Theory». (18) John C. Turner [et al.], Rediscovering the Social Group: Self-categorization Theory (Oxford, UK; New York, NY: B. Blackwell, 1987). (19) L. Licata, «La théorie de l identité sociale et la théorie de l autocatégorisation: le Soi, le groupe et le changement social», Revue électronique de Psychologie Sociale, 1 (2007), pp
13 13 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا بناء عىل ما سبق فإن تصنيف الذات عىل أساس عرقي»هوية عرقية«ethnique) (Auto-catégorisation لدى الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية هو تعريف الذات املشتق من ثقافة آبائه األصلية أي التعريف الذي يستند إىل أصوله املهاجرة سواء كانت ثقافية أو دينية أو قومية أو عربية... التصور االجتماعي لفرنسا والفرنسيين عند الشباب الفرنسيين من أصول مغاربية ي عترب مفهوم التصور االجتامعي sociale) (Représentation من أكثر املفاهيم تعقيد ا يف علم النفس االجتامعي وذلك الشتامله عىل عنارص متشابكة تساهم يف تكوينه كالعادات واألفكار االجتامعية واآلراء والقيم واالجتاهات. وهذا املفهوم سوسيولوجي يف األصل وأول من استخدمه هو دوركهايم سنة 1895 ونقله إىل علم النفس االجتامعي سج موسكوفييس الذي ي عترب مؤسس هذه النظرية )2)). ي مكننا تعريف التصور االجتامعي بأنه نظام معريف حول موضوع معني )ربام يكون هذا املوضوع شيئ ا ما أو مسألة اجتامعية أو مجاعة طائفية أو عرقية...( ينشأ من قيم وأفكار واجتاهات جمموعة من األفراد )2)). ويكون هذا التصور مشرتك ا بني هؤالء األفراد وينتج من نشاط عقيل يعتمد عىل إعادة بناء الواقع وإعطائه معنى خاص ا )2)) أي نظرة مشرتكة لألشياء تربز من خالل التفاعالت االجتامعية وتؤثر يف هذه التفاعالت )2)). ويرى موسكوفييس أن التصور االجتامعي ملوضوع ما له ثالثة مكو نات )2)) : مكو ن معريف )جمموعة املعارف )2)) واملعلومات املكتسبة حول املوضوع وجزء من هذه املعارف عبارة عن أفكار نمطية( ومكو ن موقفي )جانب معياري من التصور ويعرب عنه من خالل استجابة عاطفية وانفعالية اجتاه املوضوع( ومكو ن بنيوي )اآلراء واملعارف واالجتاهات املتعلقة واملوضوع والتي تنتظم يف ما بينها بحيث ت شك ل انتشار ا وعمق ا ورمزية أكثر مم ا هي نواة للتصور(. للتصورات االجتامعية أمهية خاصة يف دراسة العالقات بني اجلامعات )2)) فهي ت سه ل عملية التواصل االجتامعي بني أفراد اجلامعة وتساهم بالتايل يف احلفاظ عىل هويتهم االجتامعية وتؤدي دور ا يف توجيه سلوكهم جتاه املجموعات األخرى والبيئة االجتامعية وتربره )2)). لذلك ت عترب دراسة التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني عند الشباب من أصول مغاربية دراسة مهمة جد ا ألهنا تعرب عن العالقات التي يقيمها الشباب يف ما بينهم وبمجتمعهم الفرنيس وتسمح لنا باالنتقال من املنحى الوصفي إىل املنحى التفسريي )2)). (20) Moscovici, La Psychanalyse. (21) Serge Moscovici, «Why a Theory of Social Representations?,» in: Kay Deaux and Gina Philogène, eds., Representations of the Social: Bridging Theoretical Traditions (Oxford, UK; Malden, Mass.: Blackwell Publishers, 2001). (22) Abric, «Les Représentations sociales». (23) Willem Doise, «L Ancrage dans les études sur les représentations sociales,» Bulletin de psychologie, vol. 45, fasc. 4-7, no. 405: Nouvelles voies en psychologie sociale (1992), (24) Moscovici, La Psychanalyse. )2)) معارف اجتماعية وليست علمية. (26) Jean-Claude Deschamps et Pascal Moliner, L Identité en psychologie sociale: Des processus identitaires aux représentations sociales, collection Cursus. Psychologie (Paris: A. Colin, DL 2008). (27) Abric, «Les Représentations sociales». (28) Azzam Amin et Élise Vinet, «Auto-catégorisation ethnique, attitudes d acculturation et représentations sociales chez les jeunes Français issus de l immigration maghrébine et turque,» Canadian Journal of Behavioural Science= Revue canadienne des sciences du comportement, vol. 46, no. 2 (April 2014).
14 العدد ٤ / ١٤ خريف بناء عىل ما تقدم يمكننا تعريف التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني بأنه جمموعة األفكار والتصورات الفردية املشرتكة التي حيملها الشباب من أصول مغاربية يف ما يتعلق بفرنسا كدولة والفرنسيني كمجتمع. الدراسات السابقة شكلت اجتاهات التثاقف ومسألة االندماج االجتامعي للمهاجرين وأبنائهم موضوع ا بحثي ا خصب ا يف علم النفس االجتامعي والتثاقفي ليس فقط يف فرنسا وإنام يف كل من أمريكا وكندا وبقية الدول األوروبية أيض ا. وسيكون عرض مجيع الدراسات السابقة وخاصة الدراسات املعنية باملهاجرين املغاربة وأبنائهم يف فرنسا أمر ا عسري ا جد ا ولن تسمح لنا حدود هذه الورقة البحثية القيام به. هلذا السبب سيكتفي الباحث بتقديم موجز خمترص لبعض تلك الدراسات. بشكل عام أشارت البحوث املتعلقة باجتاهات التثاقف إىل أن املهاجرين وأبناءهم يفضلون االحتفاظ بجزء من هويتهم االجتامعية األصلية وثقافتهم األم )2)). ويف دراسة عىل عينة مكونة من 195 تلميذ ا من أصول مهاجرة )إسبانية صينية مغاربية...( تراوح سنهم بني 10 و 13 سنة موزعني يف ثامنية صفوف يف ثامين مدارس ابتدائية يف مدينة مونرتيال الكندية أظهرت كانويت )3)) أن هؤالء التالميذ يرفضون اختيار إحدى الثقافتني فقط )االنعزال أو التامهي( ويفضلون االندماج االجتامعي القائم عىل التعددية الثقافية. يف فرنسا توصلت إىل النتيجة عينها دراسة نيتو ودراسة أوريول املتعلقتان بعينة من الشباب الفرنسيني من أصول برتغالية )3)) ودراسة كامباين وكاتاين املتعلقة بعينة من الشباب الفرنسيني من أصول إيطالية )3)) وهي أن اسرتاتيجية االندماج القائمة عىل التعددية الثقافية هي املفض لة لدى شباب العينتني. وقد أوضحت أيض ا دراسة تيمبل املعنية باجتاهات التثاقف وإشكالية اهلوية )3)) وقد ط بقت عىل عينة مكونة من 85 مهاجر ا من أصول يابانية و 88 مهاجر ا من أصول سنغالية أن 79.8 يف املئة من أفراد العينة يفضلون االندماج واجلمع قدر اإلمكان بني ثقافتهم األصلية والثقافة الفرنسية يف مقابل 3.5 يف املئة فقط من أفراد العينة يفضلون التامهي واالنصهار يف املجتمع الفرنيس وهذه النتائج تنطبق عىل املهاجرين من أصول يابانية ومن أصول سنغالية. (29) Serge Guimond, Psychologie sociale: Perspective multiculturelle, PSY. Individus, groupes, cultures; 4 (Wavre: Mardaga, cop., 2010), and C. Sabatier et J. W. Berry, «Immigration et acculturation,» dans: Richard Y. Bourhis et Jacques-Philippe Leyens, dirs., Stéréotypes, discrimination et relations intergroupes, Psychologie et sciences humaines; 204 (Liège: Mardaga, 1994). (30) Fasal Kanouté, «Profils d acculturation d élèves issus de l immigration récente à Montréal,» Revue des sciences de l éducation, vol. 28, no. 1 (2002). (31) F. Neto, «Quelques contributions de la recherche psychologique à la compréhension du phénomène migratoire portugais,» dans: Psychologie clinique et interrogations culturelles: Le Psychologue, le psychothérapeute face aux enfants, aux jeunes et aux familles de cultures différentes: Colloque international, Genève, 7 et 8 Mars 1991, organisé par le GRAPHIC, Groupe de recherches actions de psychologues pour une éducation interculturelle; sous la dir. de Micheline Rey-von Allmen, recherches universitaires et migrations (Paris: L Harmattan, 1993), et Michel Oriol, «L Ordre des identités,» Revue européenne des migrations internationals, vol. 1, no. 2 (Décembre 1985). (32) Giovanna Campani et Maurizio Catani, «Les Réseaux associatifs italiens en France et les jeunes,» Revue européenne des migrations internationales, vol. 1, no. 2 (Décembre 1985). (33) C. Temple, «Stratégies identitaires, trajectoires migratoires et processus d interculturation : solutions déployées dans le contact culturel par des migrants d origine japonaise et sénégalaise en France,» sous la direction de L. Baugnet et P. Denoux (Thèse de doctorat, Université de Picardie Jules Verne, Amiens, 2006).
15 15 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا يف ما خيص املهاجرين من أصول مغاربية يف فرنسا أشارت بحوث لكرمل كاميلريي يف أواخر الثامنينيات )3)) شملت عينة من املهاجرين املغاربة إىل أن هؤالء املهاجرين وأبناءهم يلجأون إىل ميكانيزمات نفسية دفاعية )اسرتاتيجيات هوياتية )Stratégies identitaire عدة من أجل التوفيق بني ثقافتهم األصلية والثقافة الفرنسية والتخلص من الرصاع بني املعايري والقيم املتناقضة وبالتايل الوصول إىل مرحلة التكييف النفيس. أم ا زهرة اجلرياوي فرفضت يف دراسة هلا شملت عينة مكونة من 127 مراهقة فرنسية من أصول مغاربية فكرة الرصاع بني املعايري )3)) وأكدت أن أبناء املهاجرين ال خيتارون بني الثقافتني وال يعيشون رصاع القيم واملعايري الذي حتدث عنه كاميلريي يف دراساته. وهم ليسوا مضطرين إىل االختيار ألهنم يف األساس يملكون االثنتني مع ا ولدهيم هوية مرك بة. هذه النتيجة توصلت إليها أيض ا فرانيش يف دراسة أجريت عىل عينة من طالب املدارس يف ضواحي مدينة باريس )3)) مكونة من 850 طالب ا تراوح سنهم بني 11 و 20 سنة و 49 يف املئة منهم إناث و 51 يف املئة ذكور موزعني بني ثامين جمموعات عرقية )9 يف املئة فرنسيو األصل و 17 يف املئة مهاجرون )3)) و 26 يف املئة فرنسيون من أصول مغاربية و 12 يف املئة فرنسيون من دول أفريقيا الرشقية و 24 يف املئة فرنسيون من أصول أوروبية وآسيوية و 12 يف املئة من أصول غري حمددة(. وأظهرت هذه الدراسة عدم وجود فروق بني الفرنسيني من أصول مغاربية والفرنسيني من أصول مهاجرة أخرى وأن اهلوية وتقدير الذات لدى أبناء املهاجرين بشكل عام يتشكالن من خالل مرجعية ثقافية هجينة hybride).(identité وأكدت نتائج دراسة مالويسكا بري بخصوص عينة مكونة من 500 شاب فرنيس من أصول مغاربية أن إشكالية تكيفهم ال تكمن يف الثقافة العربية اإلسالمية )3)) وال يف االختالف بني الثقافتني األصلية والفرنسية وإنام يف الصورة السلبية هلؤالء الشباب يف املجتمع الفرنيس ومتاهيهم مع تلك الصورة النمطية. ودرست سيسيل سباتيه الدور الذي يؤديه تعدد الثقافات واللغات يف املدرسة يف بناء اهلوية عند أبناء املهاجرين من أصول مغاربية )3)). وتكونت عينة الدراسة من 11 تلميذ ا روقبوا مدة ثالث سنوات وأشارت النتائج النهائية إىل أن للتعدد الثقايف يف املدرسة تأثري ا إجيابي ا يف التكيف النفيس وصورة الذات لدى التالميذ. يف السياق نفسه أظهرت دراسة كريبي وآخرين )4)) التي أجريت عىل عينة مكونة من 120 شاب ا فرنسي ا من أصول مغاربية تراوح سنهم بني 18 و 25 سنة أن متس ك الشباب من أصول مغاربية ببعض (34) Carmel Camilleri, «Identité et gestion de disparité culturelle: Essai d une typologie,» dans : Carmel Camilleri [et al.], Stratégies identitaires, Psychologie d aujourd hui (Paris : Presses universitaires de France, 1990). (35) Z. Guerraoui, «L adolescence d origine maghrébine en France: quels choix indentificatoires?», Revue de Recherches en Éducation, 20 (1997), pp (36) Vijé Franchi, «Ethnicisation des rapports entre élèves: une approche identitaire,» Ville-Ecole-Intégration Enjeux (hors série), no. 6 (Décembre 2002). )3)) ليس لديهم الجنسية الفرنسية. (38) Hanna Malewska-Peyre, «L Identité négative chez les jeunes immigrés,» Santé mentale au Québec, vol. 18, no. 1 (Printemps 1993). (39) Cécile Sabatier, «Appartenances identitaires de jeunes Français-Maghrébins à l école élémentaire française: Entre maux et pratiques», Child Health and Education, vol. 3, no.1 (2011), pp (40) Adelhak Qribi, Amélie Courtinat et Yves Prêteur, «Socialisation interculturelle et dynamiques identitaires chez les jeunes adultes issus de l immigration maghrébine en France,» International Review of Education, vol. 56, no. 5 (December 2010).
16 العدد ٤ / ١٤ خريف التقاليد الدينية ال يتعارض أبد ا مع اندماجهم يف املجتمع الفرنيس ال بل يشك ل عامل توازن واستقرار نفيس هلم. بخصوص اجتاهات التثاقف لدى الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية وعىل غرار البحوث التي أجريت عىل عينات من أصول تركية وبرتغالية وإيطالية توصلت دراسة بوريس وآخرين التي شملت عينة مكونة من 98 طالب ا مغربي ا يف باريس )4)) إىل أن أبناء املهاجرين من أصول مغاربية يرفضون رفض ا قاطع ا مبدأ التامهي واالنصهار يف املجتمع الفرنيس ويؤكدون متسكهم باالندماج كاسرتاتيجيا تثاقفية مفض لة من أجل تكيفهم االجتامعي. يف دراسة مقارنة بني جمموعتني من الشباب األوىل كندية من أصول يونانية وآسيوية وإيطالية )ن = 323( والثانية فرنسية من أصول جزائرية ومغربية وبرتغالية )ن = 395( أكد بريي وكوليت سباتيه )4)) أن مهام اختلفت األصول الثقافية ألبناء املهاجرين ومهام اختلفت سياسة البلد املضيف يبقى االندماج االجتامعي القائم عىل التمسك بالثقافة األصلية وثقافة البلد املضيف يف آن مع ا هو املفض ل لدى معظم أبناء املهاجرين. وأظهرت الدراسة أيض ا أن الشباب الذيني خيتارون االندماج من أجل التكيف االجتامعي لدهيم تقدير إجيايب لذواهتم أكثر من أولئك الذين خيتارون االنعزال الثقايف أو التامهي واالنصهار يف املجتمع املضيف. تشكل هذه الدراسات التي عرضناها أعاله إطار ا علمي ا مفيد ا جد ا ملا توصل إليه علامء النفس يف ما خيص االندماج االجتامعي ألبناء املهاجرين يف فرنسا. وتأيت دراستنا هذه يف سياق البحوث النفس-اجتامعية التي تتناول هذه املسألة بالبحث والتحليل والوصف ولكنها تتميز بأهنا الدراسة األوىل من نوعها يف جمال علم النفس التثاقفي وهي تقرتح أن يؤخذ بعني االعتبار متغري التصور االجتامعي ودوره يف توجيه السلوك وبناء اهلوية وعالقته بتصنيف الذات عىل أساس عرقي واجتاهات التثاقف إذ مل تتطرق أي من الدراسات السابقة إىل هذا األمر. فرضيات الدراسة تفرتض هذه الدراسة أن التصنيف الذايت عىل أساس عرقي )اهلوية العرقية( ال عالقة له برغبة الشخص يف االندماج االجتامعي وال يعرب عن انطواء هويايت وإنام هو اسرتاتيجيا دفاعية ملواجهة سياسة التامهي يف املجتمع الفرنيس التي تفرضها فرنسا عىل املهاجرين وأبنائهم. كام تفرتض الدراسة أن أفراد الشباب هؤالء ال يرفضون االندماج يف املجتمع الفرنيس وإنام يرفضون التامهي معه ويأيت السلوك العنفي كرد فعل وتعبري عن هذا الرفض وهم بذلك قادرون عىل التمييز بني آلية»االندماج«والتكييف االجتامعي من جهة و»التامهي«يف املجتمع الفرنيس من جهة أخرى. حتاول هذه الدراسة التحقق من صحة هذه الفرضيات بمقارنة جمموعة من الشباب الفرنيس من أصول مغاربية مع جمموعة أ خرى من أصول تركية. وبناء عليه ستكون الفرضيات اإلجرائية هي: (41) R. Y. Bourhis [et al.], «Etude sur les orientations d acculturation de Maghrébins et de Français d origine en région Parisienne,» dans: Colette Sabatier, Hanna Malewska et Fabienne Tanon, dirs., Identités, acculturation et altérité, Espaces interculturels (Paris; Budapest; Torino: L Harmattan, 2002). (42) J. W. Berry et Colette Sabatier, «Acculturation, Discrimination, and Adaptation among Second Generation Immigrant Youth in Montreal and Paris,» International Journal of Intercultural Relations, vol. 34, no. 3 (2009).
17 17 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا - انطالق ا من الدراسات السابقة ستكون اسرتاتيجية االندماج االجتامعي كام عر فها بريي يف نظريته هي اسرتاتيجية التثاقف املفضلة لدى الشباب سواء كانوا من أصول مغاربية أو من أصول تركية. - بأخذنا يف احلسبان ما يتعرض له الشباب الفرنسيون من أصول مغاربية من عنرصية ومتييز نفرتض أن تصورهم االجتامعي لفرنسا والفرنسيني سيكون سلبي ا مقارنة بأقراهنم من أصول تركية. بمعنى آخر هنالك فرق ذو داللة إحصائية بني التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني عند أبناء املهاجرين من أصول مغاربية وبني التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني عند أبناء املهاجرين من أصول تركية. - التصنيف الذايت عىل أساس عرقي سيكون أعىل بداللة إحصائية لدى الشباب من أصول مغاربية مقارنة بأقراهنم من أصول تركية. - توجد عالقة ذات داللة إحصائية بني التصنيف الذايت عىل أساس عرقي والتصور االجتامعي لدى عينة الدراسة: كلام كان التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني سلبي ا ازداد التصنيف الذايت عىل أساس عرقي. - ال توجد عالقة ذات داللة إحصائية بني التصنيف الذايت العرقي واالنعزال الثقايف لدى عينة الدراسة. - ال توجد عالقة ذات داللة إحصائية بني التصنيف الذايت العرقي والرغبة يف االندماج االجتامعي من جهة والتامهي االجتامعي من جهة أخرى. منهج الدراسة وخطواتها منهج الدراسة اعتمد الباحث يف تنفيذ هذه الدراسة املنهج الوصفي التحلييل املقارن من أجل الوصول إىل حتقيق أهدافه والتحقق من صحة فرضياته مت بع ا األسلوب امليداين يف مجع املعلومات واملعطيات حول اسرتاتيجيات التثاقف والتصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني والتصنيف الذايت عىل أساس اهلوية العرقية عند جمموعة من الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية ومقارنتها بمجموعة أ خرى من أصول تركية عن طريق أداة البحث التي ص ممت خصيص ا هلذا الغرض. ي ع د املنهج املقارن من أفضل الطرق لوصف الظواهر ومقارنة املتغريات بعضها ببعض هبدف اكتشاف نقاط التشابه واالختالف ودراسة العالقات السببية بينها وهو ما يسمح بتفسري هذه الظواهر )4)). مجتمع الدراسة وعينتها ي عر ف املجتمع األصيل للبحث بأنه اجلامعة التي هيتم هبا الباحث ويريد أن خيلص هبا إىل نتائج قابلة إىل حد معني للتعميم عليها. هذا املجتمع له خاصية متيزه من غريه من املجتمعات. ويف دراستنا هذه ي شكل الشباب الفرنسيون من أبناء اجلالية املغاربية و اجلالية الرتكية يف فرنسا جمتمع الدراسة. ط بقت الدراسة امليدانية عىل عينة مكونة من 492 من الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية وتركية: 334 من أفراد العينة من أصول مغاربية ومجيعهم من اجليل الثالث وتراوح سنهم بني 14 و 24 سنة )43.7 (43) Dasen, «Intégration, assimilation».
18 العدد ٤ / ١٤ خريف يف املئة ذكور 56.3 يف املئة إناث( و 158 شاب ا فرنسي ا من أصول تركية ومجيعهم من اجليل الثاين وتراوح سنهم بني 14 و 24 سنة أيض ا )44.3 يف املئة ذكور 55.7 يف املئة إناث(. وقد اختريت هذه العينة بالطريقة املقصودة نظر ا إىل استحالة املعاينة العشوائية. واجلدول رقم )2( يوضح التوزيع العددي والنسبي للعينة وفق ا ملتغريات السن واجلنس واألصل. اجلدول )2( توزيع العينة بحسب متغري اجلنس والسن وأصل الوالدين الفئة العمرية سنة العدد النسبة املئوية الفئة العمرية سنة العدد النسبة املئوية ذكر العدد النسبة املئوية أنثى العدد النسبة املئوية مجيع املشاركني العدد = 492 النسبة = 100 يف املئة من أصول مغاربية العدد = 334 النسبة = 67.9 يف املئة من أصول تركية العدد = 158 النسبة = 32.1 يف املئة حدود الدراسة اقترصت حدود البحث عىل مدينة ليون وهي ثاين أكرب مدينة يف فرنسا وضواحيها لألسباب التالية: - معرفة الباحث اجليدة هبذه املدينة وضواحيها وإقامته فيها فضال عن وجود شبكة من األصدقاء واملعارف والزمالء والتسهيالت املقدمة من لدن فريق الباحثني يف جامعة ليون الثانية إذ إن ذلك كله مك ن الباحث من الوصول إىل املدارس واجلامعات واألحياء املختلفة وتطبيق أداة الدراسة. - ت عترب ضواحي مدينة ليون )فون فوالن فينيسيو دوشري فيز...( من الضواحي املعروفة يف فرنسا فهي كانت مرسح ا لكثري من أعامل العنف والشغب. وفيها نشأت فكرة تنظيم املسري من أجل املساواة واملناهضة للعنرصية سنة 1983 بمبادرة من شباب من أصول مغاربية وخاصة جزائرية. وشك ل هذا املسري حركة س لمية نضالية من أجل احلقوق السياسية واملدنية واالجتامعية للمهاجرين املغاربة وأبنائهم منطلق ا من مرسيليا وضم خالل وصوله إىل باريس أكثر من شخص وهو ي عترب حدث ا مميز ا يف التاريخ االجتامعي والسيايس الفرنيس إذ وضع املهاجرين املغاربة وأبناءهم أمام الساحتني السياسية واإلعالمية. أدوات الدراسة من أجل حتقيق أهداف البحث والتحقق من صدق الفرضيات التي طرحها صمم الباحث استبانة اشتملت عىل أربعة أجزاء:
19 19 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا اجلزء األول هو مقياس بريي لدراسة اتاهات التثاقف )4)) : قام برتمجة هذا املقياس من اللغة اإلنكليزية إىل اللغة الفرنسية الباحثة كوليت سباتيه بالتعاون مع بريي يف أحد أبحاثهام املشرتكة يف فرنسا. وهو يتألف من 20 فقرة وجرى ترتيب اإلجابة عن كل فقرة وفق ا لسل م ليكرت (Likert) اخلاميس ) 1 -غري موافق بشدة 2 -غري موافق 3 -حمايد 4 -موافق 5 -موافق بشدة(. ولكي يطب ق الباحث املقياس عىل عينة بحثه قام بتطوير املقياس وتعديله ليتالءم مع البيئة املبحوثة يف ضوء دراسة استطالعية عىل عينة من 29 شاب ا فرنسي ا من أصول مغاربية وتركية. ثم عرض االستبانة عىل عدد من املحكمني )4)) بمن فيهم بريي نفسه من أجل حتديد مدى صدق املقياس الظاهري. وبعد حذف بعض الفقرات وإضافة غريها وتعديل بعضها اآلخر يف ضوء مقرتحات املحكمني تضمن املقياس بصورته النهائية 36 فقرة شملت االجتاهات الثالثة نحو التثاقف )االندماج التامهي االنعزال( )4)) بواقع 12 فقرة لكل اجتاه )اثنتان عن الثقافة واحدة عن التاريخ واحدة عن الصداقة واحدة عن احلب اثنتان عن الثقة واحدة عن اللغة واحدة عن املساعدة واحدة عن النشاط االجتامعي واحدة عن السكن وواحدة عن احلذر(. وتتكرر كل فقرة ثالث مرات كام يف املثال التايل: أ فضل الزواج من شخص فرنيس األصل عىل شخص من أصول مغاربية )1 5( إذا كانت قيم املتوسط احلسايب للفقرات أكرب من 3 ع د االجتاه إجيابي ا نحو التامهي. أ فضل الزواج من شخص أصوله مغاربية عىل شخص فرنيس األصل )1 5( إذا كانت قيم املتوسط احلسايب للفقرات أكرب من 3 ع د االجتاه إجيابي ا نحو االنعزال. ال فرق عندي بالنسبة إىل الزواج من شخص فرنيس األصل أو من أصول مغاربية )1 5( إذا كانت قيم املتوسط احلسايب للفقرات أكرب من 3 ع د االجتاه إجيابي ا نحو االندماج. حلساب معامل ثبات املقياس استخدمت معادلة كرونباخ ألفا حيث بلغت قيمة معامل الثبات 0.79 ملقياس التامهي و 0.68 لالندماج و 0.83 لالنعزال. وهي معامالت ثبات جيدة ودال ة إحصائي ا ويمكن االعتامد عليها ألغراض هذه الدراسة. اجلزء الثاين هو استبانة التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني: للتعرف إىل تصورات الشباب من أصول مغاربية وتركية بشأن فرنسا والفرنسيني قام الباحث بتطوير استبانة تكونت يف صورهتا األولية من 20 فقرة شملت جماالت التسامح والعنرصية واالنفتاح والعدل وحقوق اإلنسان واملساواة واالحرتام... ط ورت االستبانة وفق اخلطوات التالية: - روجعت أدبيات البحث ذات الصلة. (44) J. W. Berry [et al.], «Immigrant Youth: Acculturation, Identity, and Adaptation,» Applied Psychology, vol. 55, no. 3 (July 2006). )4)) جميع المحكمين فرنسيون باستثناء جون بيري وهم من المختصين في البحوث في مجال علم النفس التثاقفي. )4)) لن نتطرق إلى التهميش ألنه بحسب بيري يشك ل نوع ا ما حالة مرضية وهذا ال يدخل في مجال بحثنا. انظر: J. W. Berry and U. Kim, «Acculturation and Mental Health,» in: P. R. Dasen, J. W. Berry and N. Sartorius, eds., Health and Cross-Cultural Psychology: Toward Applications, Cross-Cultural Research and Methodology Series; 10 (Newbury Park: Sage Publications, 1988).
20 العدد ٤ / ١٤ خريف أ جريت مقابالت بحثية استطالعية )29 مقابلة أ جريت مع العينة يف الدراسة االستطالعية( وأ خضعت لتحليل املضمون. - انطالق ا من حتليل املضمون للمقابالت البحثية ص يغت 20 فقرة بتدرج مخايس ) 1 -غري موافق بشدة 2 -غري موافق 3 -حمايد 4 -موافق 5 -موافق بشدة( وع رضت عىل عدد من املحكمني املختصني لتحديد صدقها الظاهري ووضوحها. يف ضوء مقرتحات املحكمني ع د ل بعض الفقرات وح ذف عدد منها لتصبح االستبانة يف صورهتا النهائية مؤلفة من 16 فقرة لقياس التصور االجتامعي بب عديه: التصور االجتامعي لفرنسا والتصور االجتامعي للفرنسيني. وبعد عكس تدريج بعض الفقرات املقلوبة كلام كانت قيم املتوسط احلسايب للفقرات أكرب من 3 ع د التصور إجيابي ا. اجلزء الثالث يتضمن اختبار»من أكون «)4)) الذي ط بق يف كثري من البلدان األوروبية لدراسة التصنيف الذايت وأشكاله كالتصنيف عىل أساس عرقي )اهلوية العرقية( أو ديني أو قومي. كان مصم ام هذ االختبار النفيس يطلبان يف بحوثهم اإلجابة عرشين مرة عن السؤال»من أكون «بحرية وتلقائية ثم خي ضعان إجابات املشاركني للتحليل. هذا االختبار سيسمح للباحث بمعرفة كيف ي صنف أفراد العينة أنفسهم وكيف يعر فوهنا )4)). وقد استخدمه يف فرنسا باحثون عدة وبأشكال متعددة حيث كان ي طلب من املشارك أن جييب عن السؤال مخس أو عرش مرات. ويف دراسة لتابوادا-ليونيتي طلبت اإلجابة عن سؤال عرشين مرة )4)). واكتفينا يف بحثنا هذا بطلب مخس إجابات بعد أن أظهرت الدراسة االستطالعية أن املشاركني من الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية وتركية غالب ا ما كانوا يتوقفون عن اإلجابة بعد املرة اخلامسة. اجلزء الرابع يتضمن املعلومات الشخصية كالسن واجلنس واجلنسية ومستوى الدراسة وأصل الوالدين وتاريخ وصوهلام إىل فرنسا ومهنتيهام ومكان السكن. نتائج الدراسة وتفسيرها بعد مجع البيانات والتأكد من صالحيتها للتحليل )5)) استخدم الباحث من أجل املعاجلة اإلحصائية واستخالص النتائج وتفسريها الربنامج اإلحصائي العاملي SPSS حيث است خرجت )4)) أصل هذا االختبار النفسي أميركي ووضعه بوجونتال وزيلين سنة 1950 وتم تطويره وترجمته إلى كثير من اللغات. انظر: Manford H. Kuhn and Thomas S. McPartland, «An Empirical Investigation of Self-Attitudes,» American Sociological Review, vol. 19, no. 1 (February 1954). (48) Guimond, Psychologie sociale. (49) Vijé Franchi, «Approche clinique et sociocognitive des processus identitaires et de la représentation de soi en interculturel,» sous la direction de Anne Andronikof-Sanglade (Thèse de doctorat en Psychologie, Paris X, Nanterre, 1999); Malewska-Peyre, «L Identité négative»; I. Taboada-Léonetti, «De l aliénation à la prise de conscience : L Itinéraires de l identité des migrants réunionnais en Métropole,» (Thèse de doctorat en psychologie, non publiée, Paris, Université Paris IV, Sorbonne, 1975), et Centre de formation et de recherche de l éducation surveillée (C.F.R.E.S.), Crise d identité et déviance chez les jeunes immigrés: Recherche pluridisciplinaire, recherche effectuée pour le Ministère de la justice, Service de coordination de la recherche; sous la direction de H. Malewska-Peyre (Paris: La Documentation française, 1982). )5)) بواسطة اختبار بونفيروني Bonferroni) (Test de تأكد الباحث من إمكانية اعتبار المشاركين من أصول جزائرية وتونسية ومغربية عينة واحدة فالنتائج أظهرت عدم وجود أي فروق ذات داللة إحصائية بين المتوسطات الحسابية.
21 21 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا املتوسطات احلسابية واالنحرافات املعيارية للتحقق من صدق الفرضية األوىل واستخدم حتليل التباين األحادي للتحقق من صدق الفرضيتني الثانية والثالثة وتم حساب معامل االرتباط بريسون Pravais-Pearson) (Coefficient de corrélation linéaire de للتأكد من الفرضييات الرابعة واخلامسة والسادسة. النتائج المتعلقة باستراتيجيات التثاقف يتضح من اجلدول رقم )3( أن االندماج االجتامعي هو اجتاه التثاقف املفض ل لدى الشباب سواء كانوا من أصول مغربية )م= 4.01 ( أو من أصول تركية )م= 3.83 ( وهذا ما يؤكد صدق الفرضية األوىل. وبالنسبة إىل التامهي واالنعزال هناك رفض واضح هلام عند الشباب من أصول مغاربية )م= 1.82 م= 2.35 ( وأيض ا تركية )م= 2.08 م= 2.64 (. اجلدول )3( املتوسطات احلسابية واالنحرافات املعيارية التاهات التثاقف ونتائج حتليل التباين األحادي للفروق يف املتوسطات احلسابية العينة من أصول مغاربية )ن= 334 ( من أصول تركية )ن= 158 ( االجتاه املتوسط احلساب االنحراف املعياري املتوسط احلساب االنحراف املعياري قيمة )ف( الداللة اإلحصائية * االندماج 4.01 * التامهي 1.82 * االنعزال 2.35 أظهرت نتائج حتليل التباين األحادي (ANOVA) وجود فروق دالة إحصائي ا بني املتوسطات احلسابية للشباب من أصول مغاربية واملتوسطات احلسابية للشباب من أصول تركية )α 0.001( حيث إن الشباب من أصول مغربية يفض لون بدرجة أكرب االندماج االجتامعي ويرفضون بدرجة أكرب التامهي واالنعزال. النتائج المتعلقة بالتصنيف الذاتي العرقي )الهوية العرقية( خضعت نتائج اختبار»من أكون «لتحليل املحتوى وقد ص نفت إجابات العينة وب و بت يف ست فئات عىل الشكل التايل: - اهلوية العرقية: توضع اإلجابات يف هذه الفئة عندما يستخدم املستجيب سامت هلا عالقة باهلوية العرقية يف تعريف نفسه مثال :»أنا عريبأنا جزائريأنا تركيأنا مسلم«... - اهلوية الفرنسية: يف هذه الفئة نجد اإلجابات التي تؤكد االنتامء إىل فرنسا واهلوية الفرنسية مثال :»أنا فرنيسأنا مواطن فرنيسأنا من هذا البلد«...
22 العدد ٤ / ١٤ خريف اهلوية املرك بة: هي عندما حياول املستجيب اجلمع بني هويته الفرنسية وهويته العرقية يف تعريف نفسه مثال :»أنا فرنيس من أصل مغريبأنا تركي وفرنيس مع اأنا من هنا ومن هناك«... - اهلوية املتعلقة باهلجرة: هي حالة الشباب الذين حياولون تعريف أنفسهم بالرجوع إىل رحلة هجرة الوالدين واستقرارمها يف فرنسا مثال :»أنا ابن مهاجرأنا مهاجرأنا منحدر من عائلة مغرتبة«... - اهلوية الفردية: هي اإلجابات التي حياول من خالهلا أفراد العينة استخدام سامت وطبائع فردية من أجل تصنيف أنفسهم مثال :»أنا طويل«أنا مجيلأنا ذكيأنا صادق«... - اهلوية املوصومة: هي التي استخدم مفهومها جوفامن )5)) يف نظرية التسمية التي رشحها يف كتابه الوصمة. يشري هذا املفهوم يف بحثنا هذا إىل مشاعر الشباب من أصول مغاربية وتركية جتاه وصمهم ببعض الصفات )تنميط( واستخدامهم هذه املشاعر يف تعريف أنفسهم مثال :»أنا غاضب بسبب العنرصيةأنا متعب من نظرة الناس اخلاطئة إيل أنا... يف املرحلة األوىل من معاجلة نتائج هذا االختبار قمنا بحساب التكرار النسبي لكل فئة من الفئات الست أعاله يف اإلجابة األوىل من االختبار كام هو واضح يف اجلدول رقم )4( أدناه. اجلدول )4( التكرار النسبي لكل هوية يف اإلجابة األوىل عن اختبار»من أكون «للعي نة من أصول مغاربية والعينة من أصول تركية الفئة اهلوية العرقية اهلوية الفرنسية اهلوية املرك بة هوية باهلجرة اهلوية الفردية اهلوية املوصومة املجموع العينة من أصول مغاربية )ن= 334 ( النسبة املئوية من أصول تركية )ن= 148 ( النسبة املئوية أظهرت النتائج أن اهلوية العرقية احتلت املرتبة األوىل يف تصنيف الذات لدى العينة من أصول مغاربية إذ حصلت عىل 47.3 يف املئة من التكرارات تلتها اهلوية الفردية بنسبة 25.1 يف املئة وجاءت اهلوية (51) E. Goffman, Stigmate: les usages sociaux des handicaps. Trad. Franc., par A. Kihm (Paris : Minuit, 1963).
23 23 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا املرك بة يف املرتبة الثالثة )9 يف املئة( يف حني أن اهلوية الفردية هي التي احتلت املرتبة األوىل لدى العينة من أصول تركية بنسبة 52.7 يف املئة من التكرارات تلتها اهلوية املرك بة )20.3 يف املئة( ثم اهلوية العرقية يف املرتبة الثالثة )17.3 يف املئة(. بحساب قيمة كاي مربع املحسوبة )36.58= 2 χ( نستنتج أهنا أصغر من قيمة كاي مربع املجدولة عند مستوى الداللة )0.001( ودرجة حرية )5( وهو ما يؤكد صحة الفرضية الثالثة التي تنص عىل أن التصنيف الذايت العرقي سيكون أعىل لدى الشباب من أصول مغاربية مقارنة بزمالئهم من أصول تركية. وتضمنت املرحلة الثانية من معاجلة نتائج اختبار»من أكون«حساب تكرار اهلوية العرقية يف اإلجابات اخلمس لكل فرد من العينة. وقمنا بعد ذلك بتدريج اإلجابات وفق سلم رباعي )0 = وال مر ة 1= مرة واحدة = 2 مرتني = 3 ثالث مرات أو أكثر( كام هو واضح يف اجلدول رقم )5( أدناه. وهكذا تم حتويل االستجابات اللفظية إىل استجابات رقمية. اجلدول )5( نتائج حتليل التباين األحادي للفروق بني متوسطات التصنيف الذايت العرقي لدى العينة من أصول مغاربية والعينة من أصول تركية اهلوية العرقية 0 املتوسط احلسايب االنحراف املعياري قيمة ف α %12.3 )ن= 41 ( %2.7 )ن= 4 ( %28.1 )ن= 94 ( %9.5 )ن= 14 ( %41 )ن= 137 ( %36.5 )ن= 54 ( %18.5 )ن= 62 ( %51.3 )ن= 76 ( العينة من أصول مغاربية ن = 334 العينة من أصول تركية ن )52( = 148 أظهرت) 5 )) نتائج حتليل التباين األحادي (ANOVA) عن وجود فروق دالة إحصائي ا بني املتوسطات احلسابية للعينة من أصول مغاربية )م= 1.36 ( واملتوسطات احلسابية للمستجيبني من أصول تركية )م= 0.71 ( عند مستوى الداللة )α 0.001( وهو ما يؤكد أن التصنيف الذايت العرقي أعىل لدى الشباب من أصول مغاربية مقارنة بأقراهنم من أصول تركية حتى لو أخذنا بعني االعتبار إجاباهتم اخلمس عن اختبار»من أكون«. ويمكننا أن نالحظ أن 51.3 يف املئة من أفراد العينة من أصول تركية مل يتطرقوا قط إىل اهلوية العرقية يف تصنيف أنفسهم بينام استخدم 84 يف املئة من العينة املغربية سامت هلا عالقة هبذه اهلوية يف تعريف أنفسهم. النتائج المتعلقة بالتصور االجتماعي لفرنسا والفرنسيين متهيد ا لفحص الصدق العاميل للمقياس املؤلف من 16 فقرة حتقق الباحث من مالءمة بيانات عينة الدراسة إلجراء التحليل العاميل عليها وذلك من خالل اختبار كايرز- ماير- أولكن )5)) عشرة من أفراد هذه العينة لم يجاوبوا على اختبار»من أكون «.
24 العدد ٤ / ١٤ خريف وبارتلت Kaiser-Meyer-Olkin) (Test de الذي دل عىل مالءمة البيانات للتحليل العاميل )84. =.)KMO وقد طبق الباحث طريقة التحليل العاميل االستكشايف باستخدام طريقة املكونات األساسية principales( )Analyse en composantes مع تدوير مائل للمحور.)Rotation de type Varimax( دلت النتائج املتحصل عليها عىل وجود عاملني يفرسان مع ا يف املئة من التباين الكيل: األول مؤلف من 7 فقرات مجيعها عن التصور االجتامعي للفرنسيني ويفرس يف املئة من التباين والثاين مكو ن من 5 فقرات عن التصور االجتامعي لفرنسا ويفرس يف املئة من التباين. وح ذفت 4 فقرات لعدم تشبعها مع أي من تلك العوامل. أظهرت نتائج حتليل التباين األحادي (ANOVA) للفروق بني املتوسطات كام هو مبني يف اجلدول رقم )5( وجود فروق ذات داللة إحصائية عند مستوى الداللة )α 0.001( بني تصور الشباب من أصول مغاربية لفرنسا )م= 2.63 ( وللفرنسيني )م= 2.85 ( وهو سلبي وبني تصور العينة من أصول تركية لفرنسا )م= 3.47 ( وللفرنسيني )م= 3.19 ( وهو إجيايب. وهذا ما يؤكد صدق الفرضية الثالثة التي تنص عىل أن التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني لدى العينة من أصول مغاربية سيكون سلبي ا مقارنة بأقراهنم من أصول تركية بمعنى آخر هنالك فرق ذو داللة إحصائية بني التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني عند أبناء املهاجرين من أصول مغاربية والتصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني عند أبناء املهاجرين من أصول تركية. اجلدول )6( املتوسطات احلسابية للتصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني واالنحرافات املعيارية التاهات التثاقف ونتائج حتليل التباين األحادي للفروق العينة من أصول مغاربية )ن= 334 ( من أصول تركية )ن= 158 ( التصور املتوسط احلساب االنحراف املعياري املتوسط احلساب االنحراف املعياري قيمة )ف( الداللة اإلحصائية * التصور االجتامعي للفرنسيني 2.85 * التصور االجتامعي لفرنسا 2.36 النتائج المتعلقة بمعامالت االرتباط بين المتغيرات من أجل التحقق من صدق الفرضيات الرابعة واخلامسة والسادسة تم حساب معامالت االرتباط بريسون Vravais-Pearson) (Coefficient de corrélation linéaire de بني التصنيف الذايت عىل أساس عرقي من جهة والتصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني واجتاهات التثاقف من جهة ثانية كام هو موضح يف اجلدول رقم )7(.
25 25 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا اجلدول رقم )7( معامالت االرتباط بني اهلوية العرقية وكل من التصور االجتامعي واتاهات التثاقف املتغري - 1- التصنيف الذايت العرقي - 2- التصور االجتامعي لفرنسا -0.34** - ** التصور االجتامعي للفرنسيني -0.19** - **0.12 * االندماج االجتامعي - **0.13 **0.34 **0.34 ** التامهي مع املجتمع - ** **0.19- ** االنعزال الثقايف مالحظات: ** α 0.05 α * ي الحظ من جدول مصفوفات االرتباط أعاله أن متغري التصنيف الذايت العرقي يرتبط سلبي ا بب عد التصور االجتامعي لفرنسا )ر = α 0.001( وأيض ا التصور االجتامعي للفرنسيني )ر = α 0.001( وهذا ما يؤكد صدق الفرضية الرابعة التي تنص عىل أنه كلام كان التصور االجتامعي لفرنسا والفرنسيني سلبي ا ازداد التصنيف الذايت عىل أساس عرقي. ويمكننا أن نالحظ أيض ا أن التصنيف الذايت العرقي مرتبط سلبي ا وبداللة إحصائية بب عد التامهي مع املجتمع )ر = α 0.001( بينام مل تكن معامالت االرتباط ملتغري التصنيف الذايت العرقي مع ب عدي االنعزال الثقايف واالندماج دالة. وهذا ما يؤكد صحة الفرضية الصفرية اخلامسة التي تنص عىل أن ليس ثمة عالقة ذات داللة إحصائية بني التصنيف الذايت العرقي واالنعزال الثقايف ويؤكد بشكل جزئي صحة الفرضية الصفرية السادسة حيث أكدت النتائج عدم وجود عالقة بني متغري التصنيف الذايت العرقي وب عد االندماج وهو ما تنص عليه هذه الفرضية يف اجلزء األول منها بينام ت ظهر النتائج عالقة سلبية ذات داللة إحصائية بني متغري التصنيف الذايت وب عد التامهي )ر = α 0.001( وهو ما يناقض اجلزء الثاين من الفرضية السادسة. مناقشة النتائج أشارت نتائج هذه الدراسة إىل أن االندماج االجتامعي هو اجتاه التثاقف املفض ل لدى الشباب الفرنيس من أصول مغاربية وتركية وأهنم يرفضون االنعزال الثقايف ويرفضون بدرجة أكرب التامهي. إذ ا إن لدى أبناء املهاجرين من اجلاليتني املغربية والرتكية رغبة يف املحافظة عىل ثقافة آبائهم ويف الوقت نفسه رغبة يف امتالك الثقافة الفرنسية والتوفيق بني اهلوية األصلية واهلوية الفرنسية. هذه هي النتائج التي تتعارض مع ما يشيعه خطاب اليمني املتطرف يف فرنسا عن رفض هؤالء الشباب - وخاصة من أصول
26 العدد ٤ / ١٤ خريف مغاربية - لالندماج يف املجتمع الفرنيس وتتوافق مع ما أشار إليه الباحثون يف هذا املجال من أن االندماج االجتامعي وحماولة التوفيق بني اهلوية األم واهلوية الثقافية للمجتمع امل ضيف identitaire) (Bricolage مها من أساليب التكيف التي يسعى إليها مجيع أبناء املهاجرين من مجيع الثقافات مهام كانت ثقافتهم األم ومن دون استثناء )5)). وأظهرت املقارنة بني العينة من أصول مغاربية والعينة من أصول تركية أن الشباب من أصول مغاربية يفض لون االندماج ويرفضون االنعزال الثقايف أكثر من أقراهنم الذين هم من أصول تركية وهو ما يتعارض أيض ا مع الفكرة السائدة التي حياول بعض وسائل اإلعالم نرشها من أهنم األكثر انعزاال ورفض ا للهوية الفرنسية. الشباب من أصول مغاربية هم األكثر رفض ا كام تظهر النتائج للتامهي االجتامعي وليس لالندماج االجتامعي فهم يعيشون سياسة التامهي والصهر الفرنسية كأحد أشكال العنف التي مت ارس عليهم وربام هذا يعود إىل العالقة التارخيية املشرتكة بني اجلالية املغربية وفرنسا وسياستها االستعامرية لصهر هذه اجلالية يف الثقافة الفرنسية. فدرجة قبول التامهي أو رفضه تعود إىل عوامل عدة فردية وأخرى تارخيية منها عالقة البلد املض يف بالبلد األم للمهاجرين ورمزية هذه العالقة كام أشار جون بريي يف بحوثه )5)). كام توصلت الدراسة إىل وجود فروق دالة إحصائي ا يف كل من ب عدي التصور االجتامعي لفرنسا بحسب أصول الشباب الفرنسيني حيث جاءت املتوسطات احلسابية للشباب من أصولة تركية أعىل من متوسطات الشباب من أصول مغاربية. هذا ي شري إىل أن لدى أبناء املهاجرين من أصول تركية تصور ا إجيابي ا بينام لدى أولئك الذين هم من أصول مغاربية تصور اجتامعي سلبي عن فرنسا والفرنسيني. وتأيت هذه الدراسة لتؤكد ما توصل إليه دواز ولورنيزي وهو أنه جيب فهم التصورات االجتامعية بني اجلامعات يف إطار مفهوم اهلوية والعالقة بني هذه اجلامعات )5)) فهي أي التصورات تعكس سياق هذه العالقة. فإذا كان التفاعل االجتامعي بني اجلامعات سلبي ا وناجت ا من عنف بنيوي فإن من الطبيعي أن تعكس التصورات بني هذه اجلامعات طبيعة هذا العالقة وتكون بالتايل سلبية وخاصة عند اجلامعة الضعيفة. أم ا إذا كانت العالقات بني اجلامعات إجيابية وقائمة عىل التبادل والتعاون فإن التصورات االجتامعية بني هذه اجلامعات ستكون إجيابية (56). إذ ا إن عالقة الشباب من أصول مغاربية باملجتمع الفرنيس سلبية مقارنة بعالقة الشباب من أصول تركية باملجتمع الفرنيس وهذا ما يفرس النتائج السابقة. يف الواقع ليس هذا التصور االجتامعي السلبي لفرنسا والفرنسيني لدى الشباب من أصول مغربية إال تأكيد ا ملا أشار إليه عدد كبري من الدراسات والتحقيقات امليدانية من أن هؤالء الشباب هم األكثر عرضة للتمييز واألفكار النمطية السلبية والعنرصية بشكل عام )5)) ففي دراسة لفرانسوا دويب )5)) أشري إىل (53) Dasen, «Intégration, assimilation,» et Guimond, Psychologie sociale. (54) Sabatier et Berry, «Immigration et acculturation». (55) W. Doise & F. Lorenzi-Cioldi, «L identité comme représentation sociale», in: V. Aebischer, J.P. Deconchy, E. M. Lipiiansky (Eds.), Idéologies et représentations sociales (Cousset, Suisse: Delval, 1991), pp (56) Moscovici, La Psychanalyse. (57) Roger Fauroux, La Lutte contre les discriminations ethniques dans le domaine de l emploi (Paris: La documentation française, 2005) ; Laurent Mucchielli, «Délinquance et immigration en France: Un Regard sociologique,» Criminologie, vol. 36, no. 2 (Automne 2003), et Didier Lapeyronnie et Laurent Courtois, Ghetto urbain: Ségrégation, violence, pauvreté en France aujourd hui, le monde comme il va (Paris: R. Laffont, 2008). (58) La Documentation française, Immigrations, qu en savons nous?: Un Bilan des connaissances, réd. par François Dubet avec la collab. de Catherine Flé, notes et études documentaires; 4887 (Paris: La Documentation française, 1989).
27 27 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا أن املهاجرين الفيتناميني واألتراك والصينيني واآلسيويني اآلخرين هم أقل عرضة للتمييز والعنرصية يف املجتمع الفرنيس من املهاجرين املغاربة بينام أشار استطالع ميداين قامت به هيئة حقوق اإلنسان (1990 l Homme, (Commissions des Droits de إىل أن 42 يف املئة من الفرنسيني رصحوا بأن لدهيم مشاعر سلبية جتاه املغاربة وأبنائهم ورصح 40 يف املئة من أفراد العينة بأن من الصعب إدماج الشباب من أصول مغاربية ألهنم خمتلفون جد ا. ويف االستطالع نفسه رصح 48 يف املئة من العينة بأهنم يرون هؤالء الشباب كعرب أوال وليس كفرنسيني بينام رصح 32 يف املئة فقط من العينة بأهنم يروهنم كفرنسيني. ويف دراسة أخرى كشفت الباحثة يف االجتامع دومنيك شنابر سنة 2007 أن الشباب الفرنيس )من 16 إىل 24 سنة( من أصول مهاجرة هم األكثر عرضة للتمييز والعنرصية ونسبة البطالة عندهم هي األعىل )40 يف املئة( وخاصة عند أولئك الذين هم من أصول مغاربية مقارنة بزمالئهم الفرنسيي األصل الذين تصل نسبة البطالة عندهم إىل النصف )20 يف املئة( )5)) وهو ما كان قد نب ه إليه سابق ا املجلس األعىل للتكيف االجتامعي l intégration) (Haut Conseil à يف تقريره السنوي لسنة 1998 مؤكد ا أن أبناء اجلالية املغربية هم األكثر عرضة للتمييز والعنرصية سواء يف جمال العمل أو يف جمال السكن. يف مثل هذه احلالة ت ع د البطالة والتمييز واإلقصاء أحد أشكال العنف البنيوي. ومن الطبيعي أن يكون لدى هؤالء الشباب شعور بالظلم واحلرمان والدونية مقارنة بزمالئهم من اجلامعات األخرى. وهلذا الشعور بحسب نظرية احلرمان النسبي مكون معريف أي إدراك احلرمان ومكون انفعايل- دافعي يتضمن انفعاالت االستياء وعدم الرىض التي حتفز عىل ظهور اجتاهات وسلوكيات معينة )6)) فإذا كان إدراك احلرمان مبني ا عىل أنه موجه إىل الفرد فإن ردود األفعال تكون فردية وأقل انفعالية وربام تدفعه إىل العمل واإلنجاز من أجل جتاوز هذا احلرمان وحتقيق الذات. ولكن إذا كان إدراك احلرمان مجاعي ا )موجه ا إىل مجيع أفراد املجموعة( فغالب ا ما يكون التعبري عن االمتعاض واالستياء مجاعي ا وتكون ردود األفعال عاطفية ال عقالنية ويتم أحيان ا اللجوء إىل العنف لتغيري هذه احلالة )ثورة مترد أعامل شغب وعنف( )6)) وهو ما نصفه بالعنف الدفاعي. وهذا ما يفرس السلوك العنفي يف الضواحي الفرنسية التي يسكنها هؤالء الشباب وغالب ا ما يكون هذه السلوك نوع ا من املقاومة موجه ا إىل النظام الفرنيس )مصدر احلرمان بالنسبة إليهم( وإىل كل ما يرمز إليه )حرق املكتبات وصاالت الرياضة واملدارس...(. فهذا السلوك العنفي بحسب نظرية اهلوية االجتامعية لتاجفل وتورنر )6)) يمكن أن ي فهم كاسرتاتيجيا هوياتية هدفها التغيري االجتامعي وخاصة حني ال يكون هناك بدائل فردية للتغيري كاالنتقال إىل مجاعة أكثر إجيابية أو مكلفة وصعبة جد ا ويعتقد األفراد )وهو حالة الشباب من أصول مغاربية( أن التسلسل اهلرمي بني اجلامعات غري مستقر وسياق العالقات االجتامعية غري رشعي من وجهة نظرهم. (59) Schnapper, Qu est-ce que l intégration?. (60) J. M. Olson and C. L. Hafer, «Affect, Motivation, and Cognition in Relative-Deprivation Research,» in: Richard M. Sorrentino and E. Tory Higgins., eds., Handbook of Motivation and Cognition: Foundations of Social Behavior, 3 vols. (New York: Guilford Press, ), vol. 3: Interpersonal Context. (61) S. Guimond et F. Tougas, «Sentiments d injustice et actions collectives : La Privation relative,» dans: Bourhis et Leyens, dirs., Stéréotypes, (62) Henri Tajfel et John Turner: «The Social Identity Theory,» and «An Integrative Theory of Intergroup Conflict,» in: William G. Austin and Stephen Worchel, eds., The Social Psychology of Intergroup Relations (Monterey, Calif.: Brooks/ Cole Pub. Co., 1979).
28 العدد ٤ / ١٤ خريف إن مشاعر احلرمان والظلم تشكل مصدر ا للعداء ورفض اآلخرين املختلفني وللدخول بعالقة عنفية معهم والتصنيف الذايت عىل أساس عرقي فهذا الشكل من أشكال التصنيف الذايت يعتمد بشكل مبارش عىل املحيط االجتامعي وطبيعة العالقات االجتامعية )السياق االجتامعي( ويكون يف كثري من األحيان جمرد اسرتاتيجيا هوياتية ملواجهة األفكار النمطية والتمييز التي يتعرض هلا الفرد وليس تعبري ا عن مشاعر انتامء )6)). إذ ا وبناء عىل ما سبق فإن اهلوية العرقية لدى الشباب من أصول مغاربية تشكل ملجأ هيربون إليه أمام عدم قبوهلم يف املجتمع الفرنيس وأمام ظروفهم االقتصادية وإحساسهم باحلرمان )6)) وليس كرفض هلوية هذا املجتمع وهذا ما أكدته نتائج هذه الدراسة التي أظهرت أن تصنيف الذات عىل أساس عرقي هو أعىل لدى الشاب من أصول مغاربية وأن لدى هؤالء تصور ا اجتامعي ا سلبي ا عن فرنسا والفرنسيني. ويف الوقت نفسه كشفت معامالت االرتباط أن هناك عالقة ذات داللة إحصائية بني متغري تصنيف الذات العرقي ومتغري التصور االجتامعي وخاصة ب عد»التصور االجتامعي لفرنسا«. يف السياق نفسه كشفت نتائج معامالت االرتباط بني التصنيف الذايت عىل أساس عرقي واجتاهات التثاقف )االندماج واالنعزال والتامهي( عن عالقة سلبية ذات داللة إحصائية بني التصنيف الذايت عىل أساس عرقي والتامهي بينام مل ترش النتائج إىل أي عالقة للتصنيف الذايت مع االنعزال واالندماج االجتامعي وهذا ما يؤكد استنتاجنا الذي أرشنا إليه أعاله من أن إظهار اهلوية العرقية وحماولة إظهارها ليسا إال اسرتاتيجيا مرتبطة بالبحث عن االعرتاف االجتامعي وبحاجة تعريف الذات أكثر من ارتباطها بمشاعر االنتامء )6)) إهنا أحد أشكال طلب االعرتاف ورفض االحتقار واإلقصاء. جيب إذ ا عدم اخللط بني تصنيف الذات عىل أساس عرقي والرغبة يف االندماج أو االنعزال الثقايف )6)) فتصنيف الذات ضمن هذه املجموعة أو تلك وحماولة إظهار تلك اهلوية ال يعنيان أبد ا التوحد معها والشعور باالنتامء إليها وربام مها جزء من عملية معرفية بحتة ال عالقة هلا بالشعور بينام اجتاهات التثاقف كاالندماج والتامهي واالنعزال تعكس إرادة حقيقية لالنتامء )6)). يف دراسات أخرى أكد بعض الباحثني )6)) أن تصنيف الذات كجزء من أقلية عرقية عند املهاجرين يقاوم التغيري ويبقى موجود ا حتى عند أولئك الذين تبن وا ثقافة املجتمع املضيف واندجموا فيه. (63) Maykel Verkuyten and Angela de Wolf, «Ethnic Minority Identity and Group Context: Self-Descriptions, Acculturation Attitudes and Group Evaluations in an Intra- and Intergroup Situation,» European Journal of Social Psychology, vol. 32, no. 6 (November-December 2002). (64) I. Taboada-Léonetti, «Citoyenneté, nationalité et stratégies d appartenance,» dans : Costa-Lascoux, Hily et Vermes, dirs., Pluralité des cultures et dynamiques identitaires. (65) Pierre Tap, «Préface,» in: Altay Manço, Intégration et identités: Stratégies et positions des jeunes issus de l immigration, préf. de Pierre Tap, L homme, l étranger (Bruxelles; [Paris]: De Boeck université, 1999). (66) Nimmi Hutnik: «Patterns of Ethnic Minority Identification and Modes of Social Adaptation,» Ethnic and Racial Studies, vol. 9, no. 2 (April 1986), and N. Hutnik, Ethnic minority identity : A social psychological perspective (Oxford, UK : Clarendon, 1991). (67) Anders Lange, «Identifications, Perceived Cultural Distance and Stereotypes in Yugoslav and Turkish Youth in Stockholm,» in: Karmela Liebkind., ed., New Identities in Europe: Immigrant Ancestry and the Ethnic Identity of Youth (Aldershot, England; Brookfield, Vt.: Gower, 1989). (68) Boris Snauwaert [et al.], «When Integration Does Not Necessarily Imply Integration Different Conceptualizations of Acculturation Orientations Lead to Different Classifications,» Journal of Cross-Cultural Psychology, vol. 34, no. 2 (March 2003).
29 29 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا خاتمة وتوصيات ت ظهر نتائج هذه الدراسة أن الشباب الفرنيس أكانوا من أصول تركية أم من أصول مغاربية يفضلون االندماج االجتامعي ويرفضون االنصهار والتامهي حتى عند أولئك الذين حياولون إظهار هويتهم العرقية. كام أهنا ت ظهر أن التصنيف الذايت عىل أساس عرقي مرتبط بالتصور االجتامعي السلبي لفرنسا. إذ ا ال يعرب رفض اهلوية الفرنسية واإلرصار عىل إظهار اهلوية العرقية آلبائهم عن رفض لالندماج يف املجتمع وإنام عن رفض لسياسة االنصهار يف املجتمع الفرنيس والثقافة الفرنسية التي متارسها فرنسا عىل املهاجرين. يف الواقع تعتمد فرنسا نموذج ما ي سمى سياسة االنصهار d assimilation) (Politique التي هتدف إىل تذويب ثقافات املهاجرين وأبنائهم يف الثقافة الفرنسية وبأقىص سعة فلكي يعرتف املجتمع الفرنيس باملهاجر وأبنائه عليه التخيل عن ثقافته األصلية لصالح الثقافة الفرنسية )6)). هذا النموذج يرفض تعدد الثقافات يف املجتمع (Multiculturalisme) ال بل يعتربه خطر ا عىل فرنسا وهويتها )7)). وهذه السياسة ترتكز عىل الوحدة السياسية والرتابية والثقافية ال عىل الوحدة الدينية أو العرقية. بمعنى آخر إن املجتمع الفرنيس مكو ن من أفراد مواطنني متساوين أمام القانون الفرنيس )7)) وليس من مجاعات عرقية أو دينية أو ثقافية )7)) وهو بالتايل ال يقبل بام ي سمى األقليات ألن األقليات من وجهة نظره تعرقل املواطنة التي ت عترب الوسيلة األساسية لتحقيق التالحم االجتامعي. هذه احلالة من التباين بني رغبة الشباب من أصول مغاربية يف االندماج وسياسة فرنسا القائمة عىل التامهي واالنصهار والعوامل االقتصادية الصعبة ووضعية اإلقصاء التي أرشنا إهلا سابق ا والشعور باإلحباط وفقدان األمل وأهنم مواطنون درجة ثانية تدفع ببعضهم إىل البحث عن هوية بديلة فيجدوهنا يف الدين. اخلطر ليس يف الدين نفسه وإنام يف التدين أي الرغبة يف إظهار االختالف والصدام مع املجتمع من خالل بعض املظاهر اإلسالمية )اللحية لباس طريقة كالم...( والدخول يف مشكلة عالئقية مع غياب الثقافة الدينية الصحيحة وهو ما جيعل بعض الشباب عرضة الستقطاب اخلطاب اإلسالمي الراديكايل والفكر اجلهادي )7)). وقد أشار بريي يف تقرير له إىل احلكومة الفدرالية الكندية سنة 1991 إىل أن سياسة التامهي واالنصهار الثقايف مل تنجح يف أي منطقة يف العامل )7)) وهذا ينطبق عىل فرنسا ليس فقط بالنسبة إىل املهاجرين من أصول مغاربية وأبنائهم وإنام أيض ا بالنسبة إىل كثري من اجلوايل األخرى كاإليطالية والربتغالية (69) Sabatier et Berry, «The Role of Family Acculturation,» and Noiriel, Le Creuset français. (70) Claude Clanet, L Interculturel: Introduction aux approches interculturelles en éducation et en sciences humaines, Interculturels (Toulouse : Presses universitaires du Mirail, 1990), and Guimond, Psychologie sociale. )7)) الواقع يختلف عم ا هو موجود في القوانين. (72) G. Felouzis, «Ethnicité et ségrégation dans les écoles française», in: J. Polard, A-G Gagnon, & B. Gagnon (Eds), Diversité et identité au Québec et dans les régions d Europe (Québec : Presse de l Université Laval, 2006), pp (73) Bouzar, Comment sortir de l emprise djihadiste?. (74) Dasen, «Intégration, assimilation».
30 العدد ٤ / ١٤ خريف والبولونية وحتى بالنسبة إىل األقليات الفرنسية كالباسك والربوتون التي حتافظ عىل بعض من خصوصياهتا الثقافية (75). من خالل النتائج التي توصل إليها البحث احلايل ويف ضوء أمهية العالقة بني تصنيف الذات عىل أساس عرقي والتصور االجتامعي واجتاهات التثاقف لدى الشباب الفرنيس من أصول مغاربية وتركية والعالقة بني»العنف البنيوي«الذي متارسه السلطات الفرنسية من خالل سياسة التامهي والتمييز و»العنف الدفاعي«الذي يلجأ إليه الشباب من أصول مهاجرة يمكن التوصل إىل التوصيات واملقرتحات اآلتية: - عىل الصعيد العلمي النظري تؤكد هذه الدراسة أمهية توجه الباحثني احلديث يف علم النفس االجتامعي للجمع بني نظرية التصنيف االجتامعي ( sociale )Catégorisation ونظرية التصور االجتامعي sociale( )Représentation من أجل فهم العالقات بني املجموعات والكثري من الظواهر االجتامعية كالعنرصية والطائفية واالنغالق الثقايف وظواهر اهلوية واألفكار النمطية والتمييز والعنف املجتمعي )7)) فلطاملا بقيت هاتان النظريتان مرتبطتني بعالقة يغلب عليها الطابع األيديولوجي التنافيس بدال من أن تكون عالقة تكاملية )7)). وتويص هذه الدراسة بمتابعة هذه البحوث وبأن تؤخذ هاتان النظريتان بعني االعتبار يف دراسات اجتاهات التثاقف وعلم النفس التثاقفي بشكل عام. - عىل الصعيد السيايس ال يمكن التعامل مع ظاهرة العنف يف الضواحي بطريقة أمنية واستخباراتية فقط بل إن هذه الظاهرة حتتاج إىل معاجلة شاملة وهيكلة متنح الشباب من أصول مهاجرة الشعور بالعدل واالنتامء. لقد آن األوان لتعيد فرنسا النظر يف سياسة االنصهار واعتبار العرب والثقافة العربية جزء ا أساسي ا من النسيج االجتامعي الفرنيس. - عىل الصعيد اإلعالمي تويص هذه الدراسة اإلعالم يف فرنسا بتصحيح كثري من املفاهيم املتعلقة بالشباب من أصول مغاربية ومواطنتهم وباإلسالم بشكل عام والرتكيز عىل اجلوانب اإلجيابية من الثقافة العربية واإلسالمية فكثري ا ما يكون اإلعالم مصدر األفكار املسبقة بخصوص املهاجرين وأبنائهم وبخصوص اإلسالم )7)). - عىل صعيد العملية الرتبوية يويص الباحث بأمهية تعليم اللغة العربية والثقافة العربية واإلسالمية يف املدارس العمومية فعىل الرغم من أن اللغة العربية هي اللغة الثانية يف فرنسا من حيث عدد املتكلمني (75) Bernard Lorreyte, «Français et immigrés: Des Miroirs ambigus,» dans : Carmel Camilleri et Margalit Cohen- Emerique, dirs., Chocs de cultures: Concepts et enjeux pratiques de l interculturel, Espaces interculturels (Paris: L Harmattan, 1989). (76) Julien Vidal et Anne Brissaud-Le Poizat, «De l exploration des liens entre représentation sociale, catégorisation et stéréotype,» dans: Patrick Rateau et Pascal Moliner, eds., Représentations sociales et processus sociocognitifs, Didact. Psychologie sociale (Rennes: Presses universitaires de Rennes, 2009). (77) Glynis M. Breakwell, «Integrating Paradigms, Methodological Implications,» in: Glynis M. Breakwell and David V. Canter, eds., Empirical Approaches to Social Representations (Oxford: Clarendon Press; New York: Oxford University Press, 1993), and Patrick Rateau et Pascal Moliner, «Introduction: Représentations sociales et processus sociocognitifs,» in : Rateau et Moliner, eds., Représentations sociales. )7)) المسلم ال ي قد م على أنه مواطن وإنما على أنه اآلخر المختلف.
31 31 دراسات التكيف االجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغاربية في فرنسا وعىل الرغم من اعتبارها لغة فرنسا بعد توقيعها امليثاق األورويب للغات األقليات يف سنة 1999 فإن حضورها ال يزال حمدود ا جد ا وعدد الذين يدرسوهنا ال يتجاوز 1 يف املئة من جمموع 5 ماليني تلميذ يف مقابل 98 يف املئة يدرسون اللغة اإلنكليزية و 40 يف املئة يدرسون اللغة اإلسبانية )7)). كام يويص الباحث بتأهيل العاملني يف املؤسسة الرتبوية عىل اعتبار التعدد الثقايف مصدر غنى لفرنسا وثقافتها من خالل دورات يرشف عليها مدرسون يف علم النفس التثاقفي وعلم الرتبية التثاقفية. ورغم الصعوبات كلها حقق عدد كبري من الشباب الفرنسيني من أصول مغاربية وتركية نجاحات عىل الصعد االجتامعي والسيايس واالقتصادي والدرايس بل إن قسام كبري ا منهم ي عترب ناجح ا يف االندماج االجتامعي باملعنى الثقايف التعددي وهو موجود يف مناصب املسؤولية السياسية والثقافية واالقتصادية. هؤالء املواطنون الفرنسيون يعتزون بثقافتهم العربية اإلسالمية وباندماجهم ومواطنتهم يف فرنسا وبالتايل يمكن اعتبارهم سفراء للثقافة العربية وقنوات تواصل بني املجتمع العريب واملجتمع الفرنيس. مراجع إضافية Book Dubet, François et Didier Lapeyronnie. Les Quartiers d exil. Paris: Éd. du Seuil, (l épreuve des faits) Periodicals Barrette, Geneviève [et al.]. «Acculturation Orientations of French and North African Undergraduates in Paris.» International Journal of Intercultural Relations: vol. 28, no. 5 (2004). Boutry-Avezou, V., C. Sabatier et C. Brisset. «Bien-être, adaptation et discrimination. Les adolescents de seconde génération à l école.» Revue Francophone du Stress et du Trauma: vol. 7, no. 3, )7)) انظر: عبد الواحد أكمير»العرب األوروبيون: الهوية والتربية والمواط نة «المستقبل العربي السنة 37 العدد 429 )تشرين الثاني/نوفمبر 2014(.
32 العدد ٤ / ١٤ خريف 2015 صدر حديث ا 32
33 33 نوري دريس * العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية عناصر تحليلية في سياقات تاريخية غير معلمنة أصبح موضوع العنف يف املجتمعات العربية اإلسالمية مادة خصبة لوسائل اإلعالم واملراكز البحثية الغربية. وكثري ا ما ت نتج هذه اهليئات خطاب ا إثنومركزي ا بشأن العنف واملجتمعات العربية اإلسالمية بسبب جهلها بالسياقات التارخيية التي تري فيها هذه األحداث العنيفة. وغالب ا ما يربط رجل الشارع يف الغرب بني اإلسالم والعنف بسبب تراكامت تارخيية وضغط وسائل إعالم ومراكز بحثية ال متتلك األدوات النظرية واملنهجية الرضورية إلنتاج خطاب علمي حول هذه الظاهرة يف هذه املجتمعات. حتاول هذه الورقة البحثية أن تقرتب من موضوع العنف يف عالقته بالسلطة السياسية انطالق ا من مفهوم العلامنية والعلمنة من خالل االستغالل العلمي ملا أتاحته بعض الدراسات والنظريات بشأن العلامنية. يسمح لنا هذا املفهوم ببناء براديغم نظري يتيح لنا قياس مدى سلمية فضاء الرصاع عىل السلطة يف جمتمع ما من خالل معرفة مقدار علمنة أدوات الرصاع عىل السلطة وطبيعة املوارد التي جيندها املتصارعون عليها. من خالل دراسة للحالة اجلزائرية سنتعرف إىل األسباب السياسية التي أنتجت عنف سنوات احلزب الواحد ( ( وعنف ما بعد التعددية احلزبية )بعد سنة.)1990 النتيجة التي توصلنا إليها هي أن دراسة العنف جيب أن تأخذ دائام بعني االعتبار مدى علمنة - أو درجة علمنة - السياق التارخيي الذي حيدث فيها وإال يكون السقوط يف خطاب إثنومركزي يف حماولة صبغه بصفة العلمية. * باحث جزائري يف سوسيولوجيا املجتمعات املدنية والتحول الديمقراطي. أستاذ مساعد يف قسم علم االجتامع جامعة سطيف اجلزائر.
34 العدد ٤ / ١٤ خريف مقدمة بالنسبة إىل غالبية األشخاص يف الغرب ي عترب اإلسالم دين ا حمرض ا عىل العنف وغالب ا ما يفرس عىل خلفيته ما جيري من أحداث عنيفة يف املجتمعات العربية. يتجىل يف اخلطاب اإلعالمي كام يف اخلطاب األكاديمي أن نشهد يومي ا إدانة للدين اإلسالمي عىل أنه اخللفية األيديولوجية املنتجة واملغذية للعنف. إن هذه التصورات بشأن العنف والدين يف العامل العريب هي تصورات مصدرها اإلثنومركزية الغربية التي جتهل السياق التارخيي غري املعلمن ملرسح األحداث العنيفة ويتناسى العقل الغريب أن أوروبا كانت أيض ا مرسح ا للعنف املامر س باسم الدين ))). انطالق ا من األحداث العنيفة التي عرفتها اجلزائر يف تسعينيات القرن املايض حتاول هذه الدراسة أن تناقش فرضية مفادها أن يف املجتمعات التي ال تزال تعيش مرحلة تداخل احلقول االجتامعية ( تداخل احلقل الديني والسيايس واالقتصادي وحتى الثقايف( يلجأ الفاعلون السياسيون إىل جتنيد مجيع املوارد السياسية املتاحة لرشعنة ممارساهتم وتصوراهتم وحتقيق أهدافهم يف البقاء يف السلطة السياسية أو يف الوصول إليها. إن كال من الدين والقبيلة والطائفة عنرص أويل مل ا حي ي د سياسي ا فيشك ل بالتايل موارد غنية إلنتاج العنف السيايس فالشحنة السياسية التي حتملها هذه األبنية ال تزال حارضة بل إهنا تزداد قوة يف حالة األزمات االقتصادية والسياسية وتشكل مورد ا كامن ا لدى اجلامعات االجتامعية األكثر أصولية. ارتكز النظام السيايس اجلزائري حتى ثامنينيات القرن املايض عىل الرشعية الثورية الحتكار السلطة معتمد ا يف ذلك عىل األيديولوجيا الشعبوية لنفي وجود خالفات واختالفات سياسية داخل اجلسم االجتامعي وعىل املوارد الريعية لرشاء»اإلمجاع السيايس«حول النظام القائم. لكن بمجرد اهنيار أسعار املحروقات يف منتصف الثامنينيات اهنار اإلمجاع السيايس وبدأ التذمر يتصاعد يف املجتمع مع مطالب بإعادة توزيع السلطة وفتح املجال أمام التعددية. ولكن يف سياقات األزمة االقتصادية اخلانقة ال تزدهر إال اخلطابات األصولية التي تعرف جيد ا كيف تسو ق مرشوع ي وتويب يستطيع فيه أفراد املجتمع أن يعيشوا حلظات من التضامن توحي لكل واحد منهم بأنه ليس وحيد ا أمام تسلط»الدولة الطاغية«وأن»إ خوته يف الدين«يقاسمونه صعوبات احلياة. وقد وعد اخلطاب اإلسالموي ))) اجلزائريني بتجسيد قيم الثورة التحريرية وحتقيق العدل واملساواة عن طريق بناء الدولة اإلسالمية. واهت م رجال النظام بفساد أخالقهم واعت رب ابتعادهم عن تعاليم اإلسالم الصحيح السبب الذي أدى إىل التوزيع غري العادل للموارد الريعية بني اجلزائريني. ويتجىل من خطاب لإلسالمويني أنه يكفي استبدال رجال النظام برجاهلم حتى يسود العدل واملساواة. يف الوقت الذي كان النظام يرى يف نفسه جتسيد ا للدولة والوطنية كان التيار اإلسالموي يرى يف نفسه جتسيد ا لإلسالم. ولكن النظام مل يعد آنذاك )هناية الثامنينيات( يمتلك موارد ريعية لرشاء اإلمجاع السيايس الوطني ومل يعد اإلسالمويون أيض ا يمتلكون األدوات لتحقيق مرشوعهم اليوتويب. فاستخدم النظام العنف املادي للدفاع عن السلطة وعن االمتيازات الريعية التي حتوزها مجاعاته يف حني استخدمت ))) نستعير فكرة هذه الفقرة التقديمية من مقال عال م االجتماع الجزائري لهواري عدي عنوانه:»العنف واإلسالم في الجزائر«)باللغة الفرنسية(. انظر: Addi, Lahouari, «Violence politique et Islam en Algerie,» in: Addi Lahouari et Mondher Kilani, Islam et changement social (Lausanne, Suisse: Editions Payot (Science humaines), 1998), pp ))) سيرتكز التحليل على خطاب وممارسات الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ باعتبارها الحزب السياسي الذي حصد أغلب مقاعد البرلمان في االنتخابات التي جرت في كانون األول/ ديسمبر 1991 وألغى الجيش نتائجها في 12 كانون الثاني/ يناير 1992.
35 35 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية اجلامعات اإلسالموية العنف )اجلهاد( للقضاء عىل النظام الذي يعيق حتقق»الدولة - اإلسالمية العادلة«ويمنع وصوهلا إىل مصادر الريع لتوزيعه. حينام يصبح الرصاع عىل السلطة ميؤوس ا منه بسبب القمع املنظ م تلجأ اجلامعات السياسية املرشحة للسيطرة عىل السلطة إىل االستثامر يف األبنية العضوية )الطائفة القبيلة العرق الدين املذهب...(. واملخيال االجتامعي اجلزائري متشبع بالدين وحتتفظ ذاكرته بالكثري من األساطري املتعلقة بالفتوحات اإلسالمية واحلروب الصليبية وحروب التحرير الوطنية وبالتايل من السهل جتنيده وراء اخلطاب الراديكايل اإلسالموي لقيادة معارك سياسية مسلحة باسم الدين فتكون املساجد وخطب اجلمعة منابر ومعاقل لتجنيد الشباب الفقراء والعاطلني من العمل ضد»الطغاة«. وأصبح املجتمع بأسه رهني عنفني: عنف النظام للدفاع عن مصاحله وموقعه باملوارد الريعية لتقوية اجلهاز القمعي البولييس وتغذية الشبكات الزبونية املتحالفة معه وعنف اجلامعات اإلسالموية التي حاربت بالسالح من أجل الدفاع عن وجودها أوال وحتقيق مرشوعها ثاني ا. عىل هذه اخللفية النظرية سنحاول العودة إىل سنوات العنف السيايس الدموي يف اجلزائر مع حتليل ما حيدث يف بعض البلدان العربية التي عرفت حراك ا سياسي ا يف السنوات األخرية. حول العلمنة والعلمانية بالنظر إىل الكم اهلائل من األدبيات املهتمة بموضوع العلامنية يف احلقل األكاديمي والفكري العريب وبالنظر إىل االجتاه العام هلذه األدبيات فال شك يف أن ثمة كثريين سيستغربون احلديث عن هذا املوضوع يف سياق مناقشة إشكالية العنف والسلطة يف املجتمعات العربية. هنالك عدد قليل من الكتابات التي ناقشت موضوع العلمنة والعلامنية بطريقة يمكن أن حتوهلا من»النقاش يف أيديولوجيا«إىل نقاش يف براديغم بحثي يمكن أن يساعد عىل حتليل جمموعة من الظواهر السياسية والثقافية واالقتصادية. لكن ما عالقة العنف بأشكاله ومستوياته املتخلفة بالعلمنة والعلامنية يف الواقع وبالنظر إىل االجتاه العام لألدبيات املهتمة بموضوع العلامنية والعلمنة )مع أن هذا األخري قليل االستعامل عند هذا االجتاه( يمكننا القول إن الصيغة التي ق د م هبا هذا املوضوع ونوقش ور و ج له ال تساعد يف يشء عىل فهم موضوع العنف السيايس بل العنف بجميع أشكاله ومستوياته وعىل حتليله يف عالقته بالسلطة. عىل العكس من ذلك فإن كثري ا ما كانت هذه األطروحات مسوغ ا ومربر ا فكريني وأيديولوجيني ملامرسة العنف عىل هذا الطرف أو ذاك. أال نتذكر كيف كانت مجاعات اإلسالم السيايس تندد ب»األنظمة العلامنية«و»املفكرين العلامنيني«وبزحف»العلامنية الكافرة«عىل املجتمعات اإلسالمية العربية أمل يتعرض كثري من الكت اب واألدباء للقتل أو ملحاوالت قتل بسبب هتمة العلامنية التي ر موا هبا من الصعوبة بمكان أن نحرص أنصار هذا التيار ولكن إذا ركزنا عىل املفكرين الذين أث روا يف جيل كامل من الباحثني والطالب يف العامل العريب فإنه يمكننا القول بأن كتابات عبد الوهاب املسريي ومواقف حممد عابد اجلابري وفهمي هويدي شك لت سياقات فكرية لتحويل العلامنية من سريورة تارخيية إىل أيديولوجيا»دخيلة عىل املجتمعات العربية«))). ونحن ال ند عي أن هؤالء هم من قاموا بتحويلها إىل أيديولوجيا ))) انظر: عبد الوهاب المسيري وعزيز العظمة العلمانية تحت المجهر حوارات لقرن جديد ط ( 2 بيروت: دار الفكر المعاصر.)2000
36 العدد ٤ / ١٤ خريف بشكل مبارش وواع ومقصود وإنام طريقة معاجلتهم هلا هي التي يرس ت لتيارات اإلسالم السيايس فرصة حتويلها إىل أيديولوجيا فاجلابري مثال يرى أن العلامنية جزء من التشكيل احلضاري الغريب وتعني فصل الكنيسة عن الدولة ويعترب أن مفهوم العلامنية غريب عىل اإلسالم ألنه يعترب أن اإلسالم ليس كنيسة لكي تفصله عن الدولة ))). أم ا هويدي فيدعو إىل»قبول العلامنيني املعتدلني وحماربة العلامنيني املتطرفني«))). إن قراءة سيعة لكتاب العلامنية حتت املجهر تسمح باستيعاب حجم اهلوة الشاسعة بني املفكرين الذين تناولوا العلامنية والعلمنة يف احلقل األكاديمي العريب. وتبني لنا املناظرة القائمة بني املسريي الذي ي عترب عند البعض أهم مصدر فكري لفهم الظاهرة وعزيز العظمة الذي ال يكاد يذكره التيار األول وجود أزمة فكرية حقيقية يف العامل العريب جتاه املفاهيم املرتبطة باحلداثة عىل نحو خاص. ويكاد العظمة واملسريي ال يلتقيان يف أي نقطة حول العلامنية كام لو أهنام ال يناقشان املوضوع نفسه. ويف نظرنا أن املسريي يقدم مواقف أيديولوجية جتاه ظاهرة تارخيية مل يفصلها ضمني ا عن ظاهرة العوملة والليربالية فهو يبحث عن الظواهر السلبية الناجتة من الرأساملية وحياول وضعها حتت يافطة العلامنية ثم يرسد علينا جمموعة من األمثلة التي يعتقد أهنا تؤكد فكرته بشأن العلامنية باعتبارها اهنيار ا لألخالق يف املجتمعات الغربية ))). ثم يقول بعد أن يرسد لنا أمثلته بخصوص سلبيات احلضارة الغربية )أفالم مفكرين فالسفة(:»ثمة حاجة إىل مصطلح شامل يفرس هذه الظواهر املرتابطة املتشابكة ويبني عالقة جوانبها السلبية بجوانبها اإلجيابية ويبني الوحدة الكامنة خلف هذا التنوع. ونحن نذهب إىل أن تعريف العلامنية بطريقة مرك بة وشاملة قد يفي هبذا الغرض. ولكن العلوم االجتامعية واإلنسانية عند العرب أخفقت يف التوصل إىل مثل هذا التعريف«))). انطالق ا من هذا التصور للعلامنية خيتتم املسريي كالمه بدعوة رصحية إىل حماربة العلامنية باعتبارها أيديولوجيا وليست صريورة تارخيية أو براديغام تفسريي ا يف العلوم االجتامعية ))). ومع أنه يميز بني العلامين املتطرف والعلامين املعتدل فإن ذلك ال يعدو أن يكون - يف نظرنا - جمرد متييز ال داللة له ما دام أن العلامنية ليست صفة ت طل ق عىل هذا أو ذاك ففي هناية األمر هل يف إمكان املسريي أن يميز ميداني ا وواقعي ا بني املتطرف واملعتدل ومن هي اجلهة التي هلا احلق يف إصدار مثل هذا التمييز فلنالحظ ما كتبه يف هناية مداخلته يف الكتاب:»إننا نذهب إىل أن كل تيار سيايس حيرتم عقيدة األمة ويلتزم بنصوص الدستور املعرب ة عن ذلك يصبح من حقه أن يكتسب الرشعية وأن يكون رشيك ا يف احلياة السياسية للمجتمع اإلسالمي. ينسحب ذلك عىل خمتلف فصائل العلامنيني املعتدلني سواء كانوا ))) المصدر نفسه ص 145 ))) المصدر نفسه ص 147. ))) المصدر نفسه ص ))) المصدر نفسه ص 45. ))) يعتقد عزمي بشارة أن دالالت العلمانية والعلمنة ظلت مختلفة من تيار إلى آخر باختالف المواقف األيديولوجية من عالقة الدين بالدولة والمجتمع في حين أنه يفترض أن تكون العلمنة نظرية ال يصطلح عليها بقدر ما تحاسب بموجبه قدرتها على تفسير ما جاء لتفسيره من ظواهر وصيرورات حتى لو كان منطلقها أيديولوجي ا. عزمي بشارة الدين والعلمانية في سياق تاريخي ج 2 مجلد 2 )بيروت والدوحة: المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2015( ص 9. في نظرنا هذا هو الخطأ الذي وقع فيه التيار األكثر تأثير ا في صناعة مفهوم العلمانية في العالم العربي فهو ال ينظر إلى العلمانية على أنها نظرية مفسرة لظواهر بل يقدمها على أنها أيديولوجيا معادية للد ين وهذا الموقف هو في حد ذاته موقف أيديولوجي ال يساعدنا في شيء على فهم ظواهر من مثل العنف. كان في اإلمكان أال نشير إلى الفهوم المختلفة للعلمانية عند المسيري والجابري كونها مواقف أيديولوجية مؤسسة بدورها على أيديولوجيا ولكن شدة تأثيرها ورواجها فرضت علينا مراجعتها نقدي ا لكي يفهم القارئ الدوافع المنهجية والمعرفية التي كانت وراء ذلك فحتى داخل األوساط الجامعية ال تزال الفكرة الرائجة حول العلمانية والعلمنة هي تلك التي يسوقها الخطاب الديني و اإلسالم السياسي حتى و إن تغلف بعضها باألكاديموية على غرار األسماء التي أشرنا إليها.
37 37 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية ليرباليني أو قوميني أو نارصيني أو ماركسيني. أم ا أهل التطرف العلامين املخاصمون للدين فال مكان هلم يف إطار الرشعية إذ إهنم ال هيددون عقيدة املسلمني وحدهم ولكنهم هيددون اإليامن ذاته إسالمي ا كان أم مسيحي ا أم هيودي ا...«))). إن املاركيس الذي رفضه املسريي وكثري من املفكرين الذين ينتمون إىل تياره يقبله هنا لكي يضفي نوع ا من املربر األخالقي عىل رفضه وجود من يسم يهم علامنيني متطرفني. العلامين املتطرف عند املسريي ال يعدو أن يكون نموذج ا مثالي ا حيمل مجيع االنعكاسات السلبية )سلبية هنا بمعنى أخالقي إثنومركزي( لليربالية واحلضارة الغربية وال خيفي املسريي ذلك بدعوته إىل متديد مفهوم العلامنية ليحمل هذه الصفات كلها ضارب ا ع رض احلائط بالسياق التارخيي والفكري الذي أنتج هذه الصريورة. أم ا نظرة عزيز العظمة إىل املوضوع فجاءت نقدية وتارخيانية وقد مها بشكل يسمح باالنتقال هبا من موقف وقرار أيديولوجيني إىل دينامية تارخيية تتحقق يف ظروف موضوعية يف املجتمعات البرشية بشكل ووترية خمتلفني بالطبع. وهناك طروحات مشاهبة للموضوع عىل غرار طروحات هلواري عدي ولكنها تبقى بالرغم من أمهيتها معاجلات جزئية وغري مكتملة ملوضوع العلمنة إذ إهنا مل ت ر د يف مؤلف خاص بالظاهرة بل جاءت يف سياقات تناوله موضوعات سوسيولوجية وسياسية عىل غرار موضوعات العنف واملجتمع املدين و احلداثة... )1)). يقرتح عدي تصور ا للعلمنة بوصفها دينامية خترتق مجيع املجتمعات االنسانية بال استثناء وسعة هذه الدينامية هي التي ختتلف من جمتمع إىل آخر وتبقى مؤرشات حضورها وغياهبا قابلة للمالحظة بسهولة. إن درجة العلمنة يف احلقلني االجتامعي والسيايس يمكن أن تكون مؤرش ا مهام لتحديد مدى س ل مية حقل الرصاع والتنافس عىل السلطة السياسية وبذلك يصبح من الرضوري أن ننتبه هنا إىل أن العلمنة أو العلامنية ال تعني إقصاء الدين عن احلياة العامة وال فرض»دين وضعي«يف جمتمع ما. وتظهر العلمنة كام لو أهنا دينامية سوسيولوجية تارخيية من حتييد واستبعاد لبعض املوارد السياسية الذي سيؤدي إن استعمله املتنافسون يف السلطة إىل حتويل التنافس إىل اقتتال وتناحر دمويني لكن هذين االستبعاد والتحييد ال حيدثان دفعة واحدة وال مها وصفة جاهزة يمليها مفكر عىل جمتمعه. إهنا عملية إرادية وغري إرادية يف الوقت نفسه وتنتج من التجربة واخلربات التي يمر هبا جمتمع ما. هذه املوارد السياسية ختتلف درجة توليدها للعنف يف أثناء استعامهلا باختالف قوة الشحنة العاطفية واحلسية التي حتملها. والدين هو أحد أهم هذه املوارد التي حتمل شحنة عاطفية وحسية وهلذا يتنافس خمتلف الفاعلون االجتامعيون والسياسيون ويتصارعون عىل احتكار تأويله وتفسريه لرشعنة احتكارهم السلطتني السياسية واالجتامعية. إن اهليمنة عىل التأويل والتفسري خطوة مهمة نحو اهليمنة عىل السلطة والرشعيات املرافقة هلا. لكن بسبب مكانة الدين والتدين يف املجتمعات اإلنسانية بغض النظر عن نوع الدين فإن احتكار التأويل أمر صعب وال حيدث بسالسة وتوافق ما دامت خلفيات االحتكار وأهدافه سياسية وأيديولوجية. فكلام فرض طرف ما ف ه ام معين ا للدين تظهر ف هوم وتأويالت مضادة تقوده قوى سياسية تتخفى وراء الدين. والتاريخ اإلسالمي يعج بآالف األمثلة هليمنة التأويل السيايس عىل التأويل الديني الالهويت ألن املجتمعات يف العامل اإلسالمي مل تكن معلمنة بعد لكي يتحرر التأويل من تعسف رجل السياسة وهيمنته. ))) المصدر نفسه ص 148. )1)) نذكر هنا على سبيل المثال: Lahouari Addi: «Espace public, société et Etat en Algérie,» Le Quotidien d Oran, 21-23/4/2004, et «Violence politique et islam en Algérie,» dans: Mondher Kilani, dir., Islam et changement social, avec le concours de Ahmed Benani, Moncef Djaziri et Hilary Kilpatrick (Lausanne: Editions Payot Lausanne, 1998), pp
38 العدد ٤ / ١٤ خريف هذا التحرر حيدث يف إطار دينامية تارخيية من متايز احلقول االجتامعية ومتفصلها بعضها عن بعض حيث يفقد الدين قيمته السياسية )كمورد للتعبئة السياسية( يف سياق معني وحمد د. كيف يفقد الدين هذه القيمة السياسية والقدرة عىل التجييش والتعبئة هذا هو أحد أهم أسئلة النقاش الدائر حول العلمنة والعلامنية ومن دون طرح هذا السؤال ومناقشته يتحول النقاش بشأن العلامنية إىل نقاش أيديولوجي لتحديد موقف من الدين وليس إىل نقاش له رهاناته وأبعاده السياسية واملجتمعية واألكاديمية. يف إطار هذه النقاش الذي ربام هو أداة من أدوات دينامية العلمنة وسريورهتا يف الفضاء العمومي يتم التحييد السيايس )Dépolitisation( لألبنية العضوية )البناء الديني البناء اللغوي البناء العرقي البناء القبيل والطائفي و املذهبي( لعنارص البناء االجتامعي األولية لوقف احللقة املفرغة من التأويل والتأويل املضاد للدين. ويكاد تاريخ اإلسالم أو باألحرى التاريخ السيايس للمجتمعات العربية اإلسالمية يكون تاريخ التأويل والتأويل املضاد للقرآن والسن ة وتاريخ األحداث نفسها. واملكانة املركزية لإلسالم يف املجتمعات العربية حولته إىل مورد سيايس ال غنى عنه يف سياق ما توافر من ثقافة سياسية يف كل مرحلة تارخيية ملن يريد الوصول إىل السلطة»سيع ا«أو البقاء فيها»طويال «. وقد بلغ التأويل املضاد أوجه يف تكفري املسلمني بعضهم لبعض يف إطار اسرتاتيجيات التحييد السيايس عن طريق القتل أو السجن يف إطار عالقات القوة السائدة. وكتابات نارص حامد أبو زيد متدنا بام يكفي من التحليالت األلسنية )نسبة إىل علم اللسانيات( والتارخيية والسوسيولوجية بشأن الرصاع السيايس عىل احتكار التأويل منذ فجر اإلسالم إىل يومنا هذا )1)). لقد تبني - لنا عىل األقل - أن معظم اخلالفات»الدينية«الكربى التي عرفها التاريخ اإلسالمي كانت خالفات سياسية متعلقة بالرصاع عىل السلطة )1)) أو أهنا يف أحسن األحوال خالفات فكرية فقهية سي سها املرشحون للسيطرة عىل السلطة )1)) ألن عملية مأسسة الرصاع عىل السلطة مل ت نجز بعد أي إن عملية بناء الدولة يف حد ذاهتا ال تزال يف خطوات بدائية باعتبار أن الدولة مستوى سيايس قانوين حيل يف إشكالية السلطة بطريقة أكثر سلمية ووفق قواعد مقبولة من طرف أغلب اخلصوم السياسيني. )1)) نذكر بصورة خاصة المؤلفات التالية: نصر حامد أبو زيد: الخطاب والتأويل )بيروت الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي 2000 ( النص السلطة الحقيقة: الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة ط 5 )بيروت الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي 2006( والتجديد والتحريم والتأويل: بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير )بيروت الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.)2010 )1)) يمكن أن نذكر هنا الخالف التاريخي بين الشيعة )الخوارج ) ومن يسم ون السن ة في عصرنا الحالي فهو كان خالف ا سياسي ا بين األمويين وآل هاشم وما التأويالت التي انبثقت عنه الحق ا وهي تأويالت يمكن أن تكون الهوتية فقهية إال لشرعنة سلطة سياسية دنيوية لهذا الطرف أو ذاك. وبالتالي فإن الدماء التي سالت طوال تلك الحقبة وطوال تاريخ امتدادها هي دماء سياسية وليست دينية وإن اختلط األمر الحق ا وصع ب تمييز هذا من ذاك. )1)) نشير هنا أيض ا إلى ما ي عرف في التاريخ اإلسالمي بمحنة خلق القرآن... القضية هي فقهية الهوتية بالدرجة األولى لكن طرحها في سياق غير معلمن ومتمي ز بصراع عنيف على السلطة السياسية )الخالفة( أدى بالمأمون إلى فرض موقف المعتزلة الفقهي بالقوة على المسلمين فسجن من سجن وقتل من قتل بسبب مواقف فقهية قد تؤدي إلى إنتاج مواقف سياسية. كتب نصر حامد أبو زيد ما يلي:»هل كان موقف المأمون في إصراره على فرض عقيدة خلق القرآن على األم ة يجسد موقف ا عقالني ا أم يجسد قوة السلطة الغاشمة في محاولة فرض سلطاتها في جميع المجاالت ومنها مجال الفكر وإلى أي حد كان الهدف غير المعلن هو تأديب بعض الحنابلة الذين تصدوا لمقاومة سيطرة عسكر المأمون على بغداد بينما كان مشغوال بقتال أخيه في مرو«. يقدم أبو زيد هذه األطروحة ليبي ن فيها الخلفيات السياسية النتصار عقيدة دينية معي نة أو االنتصار السياسي لفكرة دينية ألهداف سياسية. وقد كان أبو زيد وبسبب هذه الطروحات النقدية للتاريخ اإلسالمي عرضة لمختلف التهم الدينية التي صاغها ضده رجال السياسة والدين على حد سواء إلى درجة أن ح كم بفصله عن زوجته. انظر: أبو زيد التجديد والتحريم والتأويل ص وبخصوص إجراءات محاكمته انظر: نصر حامد أبو زيد التفكير في زمن التكفير: ضد الجهل والزيف والخرافة )بيروت الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي 2014(.
39 39 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية أي ا يكن التعريف الذي نقدمه للعلامنية وللعلمنة فإنه يبقى عاجز ا عن استيعاب الدينامية التي نريد وصفها به فهي دينامية احلداثة التي تشك ل العلمنة أحد أجزائها يف تفاعل مع أجزاء وعوامل أخرى. ولذلك وجب التنبيه إىل أن عملية إضفاء السلمية عىل حقل الرصاع عىل السلطة السياسية مل جتر فقط بتحييد الدين سياسي ا وحتييد الدولة ديني ا. وال يمكن اختزال احلداثة السياسية )دولة القانون( يف دينامية العلمنة مهام تكن أمهية هذه األخرية يف إنتاجها وحتققها. ويف هذا الصدد يقدم هلواري عدي تصور ا للعلمنة عىل أهنا صريورة تارخيية تتمث ل يف إزالة احلساسيات الدينية والعرقية واللغوية من الفضاء العمومي )فضاء التنافس عىل السلطة وعىل املواد املادية والرمزية يف املجتمع( من أجل السامح بإحالل السلم االجتامعي الرضوري الشتغال االقتصاد واحلياة االجتامعية )1)). النقطة األكثر أمهية يف سياق مناقشة العنف والسلطة يف املجتمعات العربية هي العالقة بني مستوى العلمنة ومستوى العنف املرافق للرصاع عىل السلطة السياسية. وهنا نجد ثالثية عزمي بشارة تقدم لنا أنموذج ا متكامال الستخدام نظرية العلمنة معرفي ا من أجل حتليل سياقات حمددة. يف الواقع يشك ل صدور كتاب عزمي بشارة بشأن العلامنية والعلمنة استكامال للمعاجلة األكاديمية هلذا املوضوع ونقله من موضوع - ظاهرة تتأرجح بني األيديولوجيا والتاريخ عند هذا الطرف ودينامية وصريورة تارخيية عند الطرف اآلخر إىل براديغم معريف لفهم جمتمعات بأسها ودراسة هذه املجتمعات. نحن ال نقول هنا إن بشارة مل يق ل عن العلامنية والعلمنة إهنا سريورة ودينامية تارخيية فحسب بل إنه فتح للباحث يف احلقل العريب أيض ا املجال الستعامل مفهوم العلامنية والعلمنة لدراسة ظواهر متصلة بسياقاهتا بشكل مبارش وغري مبارش. يقرتح بشارة )1)) نسق ا نظري ا يمكن أن يفيدنا يف فهم طبيعة العالقة بني العلمنة كدينامية تارخيية خترتق املجتمع والعنف الذي يساير هذه الدينامية وتتغري مستوياته ودرجاته وأشكاله بتغري مستوى نضجها )تطورها(. العلمنة ليست موقف ا وال هي بقرار وال جمموعة من النواميس التي يمكن أن يمليها احلاكم عىل املجتمع. إهنا عملية تطور املجتمع يف ذاته حيث تنفصل وحدات بعضها عن بعض ثم تتحد من جديد لتشكل وحدة جديدة ختتلف عن الوحدة األوىل قبل انفصاهلا )1)). وهي إذ ا كظاهرة املجتمع املدين واحلداثة ولذلك نفرتض أن بشارة سيقوم يف إطار مرشوعه الفكري وبعد أن ينتهي من كتابه بشأن العلمنة والعلامنية باالنتقال إىل معاجلة معم قة ملفهوم الفضاء العمومي. وهو افرتاض مؤسس عىل مسار تطور بحوثه ذلك أن بمعاجلة مفهوم الفضاء العمومي ستكتمل صورة احلداثة يف الفكر العريب احلديث باعتبار أن احلداثة مؤسسة عىل مرصوفة ثالثية هي املجتمع املدين وسريورة العلمنة والفضاء العمومي. انطالق ا من األعامل املعروضة أعاله يمكن أن نفرتض أن العنف الذي عاشه ويعيشه بعض املجتمعات يف العامل العريب هو عنف سيايس ي نت ج بعملية تسييس للدين والطائفة والقبيلة واهلويات الفرعية... وسبب هذا التسييس ضعف مستوى العلمنة يف هذه املجتمعات وضعفت عملية بناء الدولة كإطار حتل فيه إشكالية السلطة بطريقة سلمية. وفق هذا املنظور فإن املجتمعات العربية ال تشكل استثناء فاملجتمعات األوروبية (14) Addi, «Espace public». )1)) انظر: عزمي بشارة: الدين والعلمانية في سياق تاريخي 2 ج ج 1 : الدين والتدي ن ط 2 منقحة )بيروت: المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2013 ( ج 2 في 2 مج مج 1: العلمانية والعلمنة: الصيرورة الفكرية )بيروت: المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2015( ومج 2: العلمانية ونظريات العلمنة )بيروت: المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2015(. )1)) المصدر نفسه ج 2 مج 2: العلمانية ونظريات العلمنة انظر إلى الخاتمة من ص 409 إلى 431 والمعنونة ب أنموذج نظري في فهم علمنة السياسة والدولة.
40 العدد ٤ / ١٤ خريف مرت هبذه املرحلة حيث كان العنف يف مستوياته املتوحشة حينام كان الديني يف قلب الرابطة االجتامعية واملصدر الرئييس للرشعية السياسية. وقد أنسى التطور يف املجتمعات األوروبية الفرد الغريب بأن الدين ليس م نتج ا للعنف بشكل دوغامئي بل إن تسييس الدين وحتويله إىل مورد سيايس يف سياق التنافس والرصاع عىل السلطة مها اللذان ينتجان العنف من خالل جمموع املسوغات والسياقات التي يتيحها تأويل معني للدين جتاه األنا واآلخر وتقديس األنا وشيطنة اآلخر. وتظهر إشكالية العلمنة كام لو أهنا قابلة لالختزال يف قضية املوارد السياسية التي يتنافس هبا الفاعلون يف السلطة ويرشعنون هبا وجودهم وأحقيتهم يف ممارسة احلكم. أم ا طبيعة املوارد املجندة عند هذا الطرف أو ذاك هي التي حتدد مدى سلمية عملية التغيري السيايس. بل إن االنتقال من موارد إىل موارد أخرى هو يف ذاته انتقال عنيف ألن اجلامعات التي تعيد إنتاج هيمنتها ومكانتها ورؤوس أمواهلا املادية والرمزية عىل املوارد التقليدية ستدافع برشاسة عن استمرار وجودها حتت يافطات أيديولوجية وثقافية ودينية أيض ا. يتجىل هذا بوضوح يف أنامط التعامل الفكري والسيايس مع إشكالية العلامنية ومفهومها. لقد صورها اخلطاب الديني )باعتبارها املترضر الرئييس من عملية حتييد الدين سياسي ا( بأهنا الكفر واإلحلاد )1)) وكثري ا ما كانت هتمة»العلامين«وراء قتل شخصيات فكرية وسياسية باسم»الدفاع عن الدين«ضد»العلامين الكافر«. كام صو رها اخلطاب القومي عىل أهنا احلداثة وأهنم )أي القوميني العلامنيني( هم صامم أمان ضد احلركات األصولية. العلمنة إذ ا هي تغيري للموارد السياسية التقليدية بموارد أخرى حداثية لكن هذا التغيري ال يتم بقرار أو بإرادوية سياسية رغم أنه يمكن أن حيدث بوساطتهام يف بعض احلاالت. حيدث هذا التغيري باعتباره رضورة وحتمية اجتامعية لتجن ب الفناء وجتن ب حتو ل الرصاع السيايس إىل حرب دينية وعرقية وطائفية ومذهبية. إنه رضورة اجتامعية تتسع رقعة حضورها باتساع رقعة العنف الناتج من الرصاع السيايس عىل السلطة السياسية. ال هي بخيار وال هي بقرار وال هي بأيديولوجيا عىل حد تعبري عزمي بشارة وعزيز العظمة. العملية معقدة وتستغرق فرتة طويلة يتفاعل فيها االقتصادي والسيايس والسوسيولوجي والثقايف لينتج ذلك كل ه واقع ا جديد ا مرك ب ا من وحدات متاميزة بعضها عن بعض لكنها منظ مة ومنتظمة وفق ا لقوانني هي حمل اتفاق األغلبية. حتتاج العلمنة إىل فهم لديناميتها التارخيية ال إىل حتديد موقف منها. والفرق بني بشارة والعظمة وعدي من جهة واملسريي واجلابري وهويدي من جهة أخرى هو أن الفريق الثاين أنتج أدبيات حتدد موقف ا أيديولوجي ا من دينامية تارخيية اخت زلت إىل أيديولوجيا يف حني أن الفريق األول قد م حتليال تارخيي ا يساعد عىل فهم كيفية اشتغال دينامية العلمنة يف املجتمعات اإلنسانية. العلمنة إذ ا مرحلة من مراحل تطور املجتمع اإلنساين اجتامعي ا واقتصادي ا وسياسيا حيث حيدد مستوى تطور العلمنة مدى سلمية فضاء الرصاع عىل السلطة السياسية أو بتعبري آخر مدى كون سلمية فضاء الرصاع عىل السلطة السياسية مؤرش قياس درجة العلمنة يف املجتمع. العلمنة هي أحد عنارص احلداثة وبناء دولة القانون. حول العنف قبل الرشوع يف حتليل طبيعة العنف السيايس الذي تعيشه اجلزائر منذ تسعينيات القرن املايض سيكون من األمهية أوال أن نبني الرشوط اإلبستيمولوجية التي يصبح فيها باإلمكان القول بأن العنف مفردة تنتمي إىل النظام السيايس أي إهنا أحد مكونات النظام السيايس التي تفيد يف حتليل طريقة اشتغاله وأسباب إنتاجه )1)) ال يتسع المجال لذكر المئات من الكتب والمقاالت التي تقدم العلمانية على أنها الكفر والغرب لكن على سبيل المثال انظر: محمد رشاد عبد العزيز محمود أثر الفكر العلماني في المجتمع اإلسالمي )القاهر: دار المحدثين للبحث العلمي والترجمة والنشر.)2010
41 41 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية للعنف. ليست أشكال العنف كلها موضوع ا لعلم االجتامع السيايس أو العلوم السياسية بل إن كثري ا منها ال يمكن أن تكون موضوع ا للسوسيولوجيا أصال ما دامت السيكولوجيا تؤكد أن أحد أسباب العنف هو الدوافع السيكولوجية. هيتم عامل االجتامع السيايس بتلك األسباب السياسية التي تؤدي إىل إنتاج العنف واستمراره يف سياق سيايس وجمتمعي ما واألمر الذي هيمنا هو العنف السيايس باعتبار أهدافه أو أسبابه بدء ا بالتساؤل: ماهي السياقات التارخيية والظروف السياسية التي يكون فيها العنف أداة أساسية للوصول إىل السلطة والبقاء فيها ونحن ال ند عي أبد ا أننا قادرون عىل اإلحاطة هبذه السياقات والظروف كلها لكن سنحاول عىل األقل الرتكيز عىل تلك التي هلا عالقة بموضوع الرصاع عىل السلطة والعلمنة. يف احلقيقة ليست هنالك جمتمعات خالية من عنف سيايس ولو بشكله الكامن. يقول عدي هلواري:»يف كل املجتمعات هنالك عنف سيايس بغض النظر عن نوعية الرشعية التي يشتغل هبا النظام السيايس هنالك دائام مجاعات تنحو إىل ممارسة العنف..«)1)) لكن مستويات العنف ودرجاته هي التي ختتلف فهي تبلغ مستويات دنيا ال هتدد وحدة اجلامعة السياسية واحلياة االجتامعية يف املجتمعات التي بلغ فيها مستوى بناء الدولة درجة متقدمة حيث استطاعت العلمنة اخرتاق الفضاء االجتامعي ووصلت إىل التأثري يف وعي األفراد ومتث الهتم للحياة االجتامعية والسياسية. يف هذا السياق ال يكاد يكون للعنف أي تأثري يف دينامية الرصاع والتنافس عىل السلطة ألن مسألة الرشعية السياسية ح سمت والرصاع والتنافس جرت مأسستهام وفق ا لقواعد يتفق عليها أغلب الفرقاء واخلصوم. ويف أغلب األحيان تكون احلركات الفاشية اجلدية والعنرصية هي مصدر العنف املادي والرمزي بغية حماولة الضغط عىل القوة السياسية احلاكمة كي تتبن ى مواقف عنرصية ومتشددة جتاه األجانب أو املهاجرين مثال. لكن تأثري العنف املادي يف عالقات القوة السياسية يكون أشد وأخطر يف املجتمعات التي تعرف عجز ا وضعف ا يف صريورة بناء الدولة واملؤسسات السياسية أي يف املجتمعات التي ال تزال رشعية ممارسة السلطة فيها غري حمسومة بعد. يف هذه املجتمعات ال تتصارع مجاعات سياسية حاملة أيديولوجيات ومصالح متناقضة وخمتلفة فحسب بل تتصارع أيض ا رشعيات متناقضة ومتصادمة يف أغلب األحيان فالرشعية الدينية تتصارع مع الرشعية الثورية والرشعية امللكية والرشعية التارخيية... وكل مجاعة حتاول أن تفرض رشعيتها عن طريق جتنيد ما هو متاح هلا من أدوات منها ممارسة العنف املادي لفرض رشعية ما عىل حساب الرشعيات األخرى وإجبار الطرف اآلخر عىل التخيل عن الرشعية التي ينادي هبا. يف السياقات التي يكون فيها املجتمع املدين حمقق ا تارخيي ا حيث عالقات القوة متوازنة بني املجتمع السيايس واملجتمع االقتصادي يكون االنتصار لرشعية الصندوق واالنتخابات. أم ا يف سياقات أخرى حيث هييمن السيايس عىل االقتصاد وحيث يكون املجتمع حتت رمحة الدولة اقتصادي ا )بسبب وفرة الريوع مثال ( فإن الرصاع حول الرشعيات يظل حمتدم ا نظر ا إىل أن فرض االحتكام إىل الصندوق غري ممكن بسبب اختالل توازن يف عالقات القوة. يف ظل هذه الظروف يصبح العنف من أهم أدوات إجبار اخلصم السيايس عىل قبول الرشعية القائمة أو عىل إعادة النظر فيها. ومن هذا املنطلق اشت ق تعريف للعنف السيايس بأنه»ذلك الرصاع الذي يقوم عىل االعتداء عىل اخلصم السيايس جسدي ا من أجل إجباره عىل قبول رشوط لعبة سياسية ظل يرفضها ما دام يف وضعية تسمح له بذلك )أي برفضها(«)1)). (18) Addi, Violence politique et islam». )1)) المصدر نفسه.
42 العدد ٤ / ١٤ خريف يف ضوء ما سبق نقول إن العنف هو أحد املوارد السياسية التي يستعملها الفاعلون االجتامعيون لفرض رشعية سياسية جديدة أو للحفاظ عىل رشعية قائمة ال حتظى باإلمجاع يف املجتمع. ومن أهم صفات األنظمة الشمولية اهلوس باإلمجاع عىل مجيع التفصيالت املتعلقة باملبادئ والقيم واملرجعيات السياسية. لذلك فإهنا تتأسس عادة عىل أيديولوجيا شعبوية ترفض االعرتاف بوجود تعددية وخالفات داخل اجلسم االجتامعي. لكن فرض هذه األيديولوجيا اليوتوبية يستلزم قمع مجيع اخلالفات واالختالفات بالعنف. والنتيجة هي أن العنف عنرص أسايس يف األنظمة الشمولية وحد ته وخطورته التدمريية تزدادان داخل املجتمعات التي يكون فيها الدين حموري ا يف العالقات االجتامعية والسياسية. سنحاول يف ما يأيت أن نستعرض نموذج ا من املجتمعات العربية التي عرفت تسيري ا للسلطة السياسية باستعامل العنف عىل نحو حاد وكيف أن العنف ظل أداة تسيري السلطة وتوزيعها واحلفاظ عليها يف املجتمع. الجزائر: من التسلط الريعي إلى اليوتوبيا اإلسالموية تركز الدراسات املهتمة بالعنف يف اجلزائر املعارصة عىل ما ي عرف ب»العرشية السوداء«أي الفرتة املمتدة بني سنتي 1990 و 2000 حني عرف فيها العنف مستويات عالية فاقت ضحاياها ال 100 ألف قتيل. والدراسات التي ختتزل العنف وتارخيه يف هذه احلقبة الزمنية تعود عادة إىل استعراض تاريخ احلركات اإلسالمية يف اجلزائر باحثة عن حلظات من تأسيس للعنف يف نشاطها وممارستها كام لو أهنا املصدر الوحيد للعنف )2)). ال يمكن أن خي تزل يف هذه املرحلة العنف يف اجلزائر وال يف احلركات اإلسالموية األصولية فهو كان يف قلب صريورة نشأة الدولة الوطنية يف حد ذاهتا أي كان وسيلة أساسية للعمل السيايس منذ الوجود االستعامري يف اجلزائر. وكانت وحشية االستعامر الفرنيس قد أدت إىل انتصار اجلناح الراديكايل يف حزب الشعب اجلزائري وهو اجلناح الذي رأى يف استعامل السالح الوسيلة الوحيدة لبناء الدولة الوطنية ذات السيادة )2)). منذ تلك الفرتة بقي العنف وسيلة أساسية من وسائل العمل السيايس حتى بعد االستقالل. وخالل سنوات حرب التحرير الوطنية ظهر ما أطلق عليه بعض املحللني اسم»نظام بوصوف«)2)) وهو النظام الذي ارتكز عىل تنفيذ عمليات اغتيال وممارسة العنف ضد اخلصوم السياسيني يف سياق الرصاع )2)) في اإلمكان أن نشير هنا إلى المؤلفات التالية: Liess Boukra, Algérie, la terreur sacrée (Lausanne; Paris: Favre, 2002), et Abderrahmane Moussaoui, De la violence en Algérie: Les Lois du chaos (Alger: Editions Barzakh, 2006). )2)) انقسم حزب الشعب الجزائري )حركة انتصار الحريات الديمقراطية( بقيادة مصالي الحاج إلى جناحين: جناح المصاليين الموالين للزعيم التاريخي وهم الجماعة التي رفضت اللجوء إلى إعالن حرب شاملة ضد االستعمار بسبب عدم تكافؤ عالقات القوة وجناح المركزيين )األعضاء الموالين للجنة المركزية( الذي قرر التمرد على الزعيم الروحي مصالي الحاج وإعالن الثورة ضد االستعمار الفرنسي ليلة 1 تشرين الثاني/نوفمبر منذ تلك الحادثة أ خرج مصالي الحاج من التاريخ الرسمي للثورة الجزائرية بحجة أنه لم ينخرط في الكفاح المسلح الستعادة االستقالل وظل الحديث عنه محل تجاذبات ورهانات سياسية. حول هذا الموضوع انظر: Mohammed Harbi, La Guerre commence en Algérie: 1954, la mémoire du peuple; 36 (Bruxelles: Complexe, 1998). )2)) سم ي نظام بوصوف نسبة إلى مؤسس المخابرات الجزائرية عبد الحفيظ بوصوف الذي هو أحد رفاق بومدين في ما ي عرف بجماعة وجدة )المدينة المغربية التي اتخذوها معقال لبناء جيش خالل سنوات الحرب واست عمل الحق ا ألخذ السلطة بالقوة(. وكانت أولى عمليات القتل السياسي الذي قامت به هذه الجماعة هو اغتيال مهندس الثورة الجزائرية عبان رمضان في مدينة تطوان المغربية بعد أن نادى بمبدأ أولوية السياسي على العسكري في ميثاق الصومام.
43 43 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية عىل السلطة بعد االستقالل. وقد اغتيل عدد كبري من قادة الثورة من طرف زمالئهم بسبب اسرتاتيجيات الرصاع عىل السلطة والقيادة وت وجت تلك االغتياالت بانقالب بومدين وبوصوف عىل احلكومة املؤقتة بعد االستقالل مبارشة. لكنها مل تتوقف هنا بل استمرت باغتيال معارضني يف اخلارج )حممد خيرض وكريم بلقاسم )2)) ) وسجن معارضني يف الداخل )حسني آيت أمحد وحممد بوضياف والعقيد شعباين...(. لكن هل يمكن أن يستمر نظام سيايس يف الوجود باالرتكاز عىل العنف والقمع فقط بالطبع ال فالعنف وحده يؤدي إىل حالة حرب ينغمس فيها الكل ضد الكل. والنظام السيايس حيتاج باإلضافة إىل العنف والوسائل البوليسية إىل رشعية وأيديولوجيا تربراها وأدوات لصيانة هذه األيديولوجيا يف أوقات األزمات. من هنا ارتكز نظام احلزب الواحد يف اجلزائر عىل ثالثية: الرشعية الثورية واأليديولوجيا الشعبوية والتسلط الريعي. قام العقيد هواري بومدين بعد انقالبه عىل احلكومة اجلزائرية املؤقتة يف صيف 1962 ثم عىل بن بله )أول رئيس للجزائر املستقلة( يف 19 حزيران/يونيو 1965 بتعطيل املجلس الوطني التأسييس وأسس ما ي عرف باملجلس الوطني للثورة كأعىل هيئة سياسية إلدارة البالد. ولكن نشاط هذه اهليئة جرى جتميده فلم جتتمع وال مرة واحدة وظل بومدين واجليش مصدري السلطة ومركزهيا الوحيدين. وجد نظام بومدين يف األيديولوجيا الشعبوية مربر ا لرشعنة االنفراد بالسلطة وإقصاء مجيع اخلصوم السياسيني. وهي تقوم عىل تصور املجتمع بأنه كتلة واحدة ال تتخلله خالفات وال رصاعات وال اختالفات من أي طبيعة: اهلوية الواحدة املصالح الواحدة واتفاق اجلميع عىل ممثلهم السيايس الوحيد. وتكرست هذه األيديولوجيا يف امليثاق الوطني لسنة )2)) 1976 إذ ش د د يف ديباجته عىل أن»الشعب اجلزائري شعب واحد ال تتخلله خالفات سياسية وال اقتصادية وال أيديولوجية«)2)). وقد است عملت الشعبوية ملنع مأسسة الرصاع عىل السلطة من خالل نفي وجوده بني اجلزائريني فمثلام كان اجلزائريون متحدين خالل مرحلة الكفاح ضد االستعامر فإهنم اليوم كذلك خالل مرحلة»البناء والتشييد«. وكانت القلة القليلة املنادية بمأسسة اخلالفات عرب حترير احلقل السيايس ت تهم بالعاملة حلساب جهة خارجية حتاول إضعاف وحدة صف اجلزائريني وهبذه الطريقة انفرد بومدين ونظامه بالسلطة ثالثني سنة كاملة. الشعبوية هنا ليست اخرتاع ا مكيافيلياني ا هيدف إىل تربير أخذ السلطة واالستيالء عليها بل هي إنتاج ظروف تارخيية وثقافية وأيديولوجية. وهي تعرب يف جمملها عىل حمدودية الثقافة السياسية لنخب ما بعد االستقالل الوطني. ولكن حتى لو كان األمر كذلك فإن طابعها اليوتويب أدى هبا إىل إنتاج نظام )2)) بالنسبة إلى العقيد شعباني ح كم عليه باإلعدام بعد أن ات هم بمحاولة انقالب عسكري سنة ون فذ الحكم في حقه. أم ا محمد بوضياف فقد نفي إلى المغرب و لم يعد إلى الجزائر إال بعد استقالة الرئيس شاذلي بن جديد حيث استدعي لشغل منصب رئيس المجلس األعلى للدولة بعد إلغاء المسار االنتخابي ودخول الجزائر في مرحلة انتقالية. اغتيل محمد بوضياف خالل إلقائه خطاب ا متلفز ا في 29 حزيران/يونيو ومنذ ذلك التاريخ أصبح العنف جزء ا من المشهد السياسي واالجتماعي في الجزائر ولم تتراجع حدته إال في مطلع األلفية الحالية. )2)) الميثاق الوطني هو عبارة عن وثيقة أيديولوجية ح ددت فيها معالم التوجهات العامة للدولة الجزائرية خالل سنوات األحادية الحزبية. وهو وثيقة ال تمتلك صفة القهرية مثل الدستور لكن وزنها الرمزي واأليديولوجي يضاهي الدستور وتمث ل مصدر ا و إطار ا له. عرفت الجزائر المستقلة أربعة مواثيق أساسية: ميثاق طرابلس 1962 ميثاق الجزائر العاصمة 1964 الميثاق الوطني 1976 الميثاق الوطني يمكن مراجعة نص هذه الوثيقة على اإلنترنت على العنوان التالي: (25) Benjamin Stora, Histoire de l Algérie depuis l indépendance.1, , Repères; 316, nouv. éd. (Paris: Ed. la Découverte, 2001), p. 38.
44 العدد ٤ / ١٤ خريف مكيافيلياين تطور مع مرور الوقت ورأى يف السلطة غاية يف حد ذاهتا وحو ل الشعبوية إىل أيديولوجيا لتربير ذلك. هنا نعتقد أن ثمة حاجة إىل توضيح كيف حدث هذا كله. حينام يؤكد امليثاق الوطني أن اجلزائريني كتلة واحدة فمعنى ذلك عدم اعرتاف القانون بوجود اختالفات وتناقضات داخل اجلسم االجتامعي اجلزائري وبالتايل عدم وجود حاجة إىل وضع قوانني ت نشئ مؤسسات يمكن أن ينتظم فيها هذا االختالف واخلالف ويعرب عن نفسيهام بطريقة قانونية وعلنية وبالتايل غلق املجال أمام التعددية احلزبية والثقافية واجلمعوية واختزال احلياة السياسية إىل تقديم الدعم وإبداء الوالء للحزب الواحد ويف أحسن احلاالت يكون التنافس السيايس حتت قباب مباين احلزب من أجل احتالل مناصب املسؤولية يف هياكله الوطنية واملحلية. وال شك يف أن اجلامعات التي تشعر بأهنا ال تنتمي إىل هذا اجلهاز سياسي ا وثقافي ا وأيديولوجي ا ستحاول أن تعرب عن اختالفاهتا بطرق سية وبمجرد اكتشافها ت قد م إىل املحاكامت الصورية وت رمى بت هم اخليانة والعاملة بسهولة كبرية. تقوم الشعبوية عىل وهم أنثروبولوجي مفاده أن املجتمع يتكون من إخوة وأخوات حيملون القيم واملعايري نفسها وال يتصارعون وال يتنافسون يف ما بينهم حول املوارد ورؤوس األموال املادية والكل مقتنع بفكرة احلزب الواحد اجلامع والضامن للوحدة الوطنية. وفق هذا التصور ال يمكن أن تظهر يف األفق حاجة لدى النظام الشعبوي إىل قضاء مستقل وفصل بني السلطات. هذا الوهم األنثروبولوجي ليس اخرتاع ا مكيافيلياني ا كام أسلفنا بل إن جزء ا كبري ا منه يعود إىل طبيعة التنشئة االجتامعية والسياسية لنخب االستقالل الوطني التي نشأت داخل مناخ األحادية احلزبية حيث يعتقد أغلب قادة اجلزائر التارخييني أن»التعددية احلزبية«)2)) التي عرفتها اجلزائر بني احلربني العامليتني ) ( كانت سبب ا يف تشتت اجلزائريني ولوال القضاء عىل هذه التحزبات واالنصهار يف حزب جبهة التحرير الوطني ملا متكنت اجلزائر من استعادة استقالهلا. لقد تشكلت صورة سلبية عن التعددية وصورة إجيابية عن األحادية ومل يكن لدى النخب وعي بأن الشعبوية هي أيديولوجية حرب ومعركة تصلح فقط لرص الصفوف أمام عدو خارجي وبمجرد زوال هذا العدو تتحول إىل عائق أمام بناء الدولة واملؤسسات السياسية التي يؤطر فيها الرصاع عىل السلطة ما دامت املؤسسات وج دت حلل مشكلة الرصاع والتنافس. إذا كان أغلب اجلزائريني متفقني عىل رضورة قيادة معركة التحرير حتت راية جبهة التحرير الوطني متجاوزين مجيع أنواع اخلالفات التي كانت بينهم فإهنم مل يكونوا كذلك عشية االستقالل الوطني وأزمة صيف 1962 التي ح س مت بقوة السالح تعرب بعمق عن هذا الرفض. واملكونات الثقافية اهلوياتية التي ر فضت باسم وحدة األمة سعان ما تسيست وحتولت إىل مصدر للتوترات االجتامعية والسياسية كام بي نت أحداث منطقة القبائل ذلك وبقوة منذ مطلع الثامنينيات. هذا يف حني نزعت إىل الرسية والعنف تلك اجلامعات احلاملة مشاريع سياسية وأيديولوجية خمتلفة عن مرشوع النظام وأيديولوجيته بل رافضة له. كام أن األحداث العنيفة التي جرت وقائعها بني النظام واجلامعات اإلسالموية منذ امليثاق الوطني لسنة 1976 الذي رفضه اإلسالمويون بحجة شيوعيته واشرتاكيته تبني هي األخرى كم كانت الشعبوية أداة إلنتاج العنف وتسييس اهلويات الفرعية. )2)) نضع عبارة تعددية حزبية بين مزدوجين تعبير ا عن رفضنا استعمال العبارة لوصف تلك الجماعات السياسية التي نشأت خالل فترة ما بين الحربين في الجزائر. والتعددية الحزبية هي نتاج تاريخي داخل الدولة وفي ظل غياب الدولة ال يمكن إطالق اسم الحزب على الجماعات السياسية الناشطة في مناخ االستعمار ويمكن في أحسن األحوال تسميتها حركات سياسية تحررية. تمث لت هذه الحركات في: حزب الشعب ( حركة انتصار الحريات الديمقراطية بعد 1945( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحزب الشيوعي الجزائري حركة أحباب البيان الجزائري.
45 45 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية أم ا الرشعية الوحيدة التي يستمد منها النظام وجوده فهي الرشعية الثورية التي متنع من مل يشارك يف حرب التحرير الوطني من تبو ؤ مناصب املسؤولية يف جهاز الدولة واحلزب. وما كان لأليديولوجيا الشعبوية والرشعية الثورية أن تكونا ذوايت فعالية يف املخيال االجتامعي لوال قيام النظام احلاكم بصيانتها بشكل دوري بأموال ومداخيل الريوع النفطية الضخمة. وقد وعد النظام اجلزائريني بدولة حديثة واقتصاد حديث يف حال التفافهم حول قيادهتم الثورية وحقق بالفعل مؤرشات اقتصادية إجيابية وقىض عىل الكثري من مظاهر البؤس والتخلف التي خلفها االستعامر وبلغت نسب االستثامرات العمومية مستويات قياسية خالل سنوات السبعينيات. لكن ما إن بدأت مداخيل الدولة من صادرات النفط ترتاجع حتى ثارت املشكالت االجتامعية والسياسية التي استطاع النظام كبتها عىل امتداد عقود من الزمن وكانت تعتمل داخل العمق السيايس للحزب الواحد. إن عجز النظام عن تلبية حاجات املجتمع من سلع أساسية وخدمات وصحة وتعليم وشغل )يف وقت احتكرت فيه الدولة مجيع املبادرات االقتصادية( أدى إىل تراجع ثم إىل ضعف فعالية األيديولوجيا الشعبوية والرشعية الثورية يف خميال اجلزائريني االجتامعي بل بدأت عملية إعادة نظر حتى يف ما كان يعتربه النظام مقدسات تارخيية. وبقيت الشعبوية والرشعية الثورية تقاوم عىل مدى ثالثة عقود بفضل املامرسات الريعية للنظام الذي استعمل االقتصاد كأحد املوارد السياسية التي يشرتي هبا السلم االجتامعي ويعوض هبا ضعف الرشعية لديه من خالل نسج الشبكات الزبونية وصناعة اإلمجاع السيايس. فالنظام األحادي قام عىل فكرة اإلمجاع املصطنع من خالل توزيع الريع بني احلقول االجتامعية كافة ولكن بدرجات ونسب ختتلف باختالف القرب والبعد من دوائر صنع القرار. وما إن اهنارت أسعار البرتول حتى طفت إىل السطح تلك الرصاعات التي كانت تعتمل يف العمق االجتامعي وتبني أن املجتمع كان خمرت ق ا برشعيات منافسة للرشعية الثورية التي فرضها النظام قرس ا. يف بداية الثامنينيات بدأت احلركة اإلسالموية تظهر إىل العلن مستغلة جمموعة من الظروف الداخلية واخلارجية فخطاهبا است ثمر يف بداية األمر يف بناء رشعية جديدة منافسة - مناقضة - للرشعية الرسمية للنظام القائم. ويف هذا السياق ظهر كتاب أمحد عبد اللطيف سلطاين الذي زرع الشك ألول مرة يف ما كان يسم ى»شهداء الثورة«. وكان من الرضوري أن حيارب اإلسالمويون الرشعية التي أسس النظام سلطته عليها أوال ثم أسس رشعية جديدة ثاني ا. كتب سلطاين ما ييل:»اإلسالم مل يأمر املسلمني بمحاربة عدوهم من أجل استعادة قطعة أرض وأحجار وأشجار وال من أجل متل ك خريات يف هذه الدنيا... هذه األمور تتعلق بالغرية واحلسد...«)2)). كانت هذه عبارة عن مقدمة دينية لكي ينتقل سلطاين إىل الزحف عىل الرشعية الثورية للنظام واستدراجها لتخدم الرشعية اجلديدة احلاملة للمرشوع اجلديد إنه يعترب الثورة التحريرية امتداد ا جلهود مجعية العلامء املسلمني اجلزائريني )2)) وتم اختطاف هذه اجلهود منها يف حلظة تارخيية ما وقتىل هذه احلرب ليسوا كلهم شهداء الشهيد فقط هو من مات من أجل عقيدته ودينه وليس من مات من أجل األرض والوطن )2)). )2)) أحمد عبد اللطيف سلطاني سهام اإلسالم )الجزائر: المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية 1980( وقد ط بع الكتاب على نفقة المؤلف. )2)) جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حركة اجتماعية ظهرت في ثالثينيات القرن الماضي بزعامة أحمد بن باديس. وكانت في بداياتها األولى ترفض االنخراط في العمل المسلح مفض لة العمل التربوي الدعوي للحفاظ على مقومات الشخصية الجزائرية من إسالم وعروبة. لم تلتحق بالثورة التحريرية إال بعد سنة ((2( انظر: pp..boukra,
46 العدد ٤ / ١٤ خريف إن ثقافة اجلزائريني السياسية ال تزال متشبعة بالدين والتقاليد والرتاث ومن السهل أن جيد خطاب ديني رافض صداه يف العمق االجتامعي يف سياق األزمة االقتصادية اخلانقة التي بدأت معاملها تلوح يف األفق ويف سياق دويل متيز بصعود املد اإلسالموي بعد هزيمة 1967 والثورة اإليرانية 1979 واحلرب العراقية - اإليرانية والغزو السوفيايت ألفغانستان. هي كلها عوامل سامهت بأشكال خمتلفة يف حتويل األيديولوجيا اجلديدة إىل مرشوع رشعية سياسية منافسة للرشعية )أو ربام الرشعيات املشك لة للرشعية القائمة( الثورية واأليديولوجيا الشعبوية. مثلام أرشنا سابق ا ويف سياقات تارخيية غري معلمنة ال يكون الرصاع عىل السلطة بني مشاريع سياسية فحسب بل يمتد إىل رصاع بني رشعيات متناقضة أحيان ا. وكان النظام السيايس اجلزائري الذي أفرزه االستقالل يرى يف السلطة غاية يف حد ذاهتا وجن د لذلك مجيع املوارد املتاحة لبناء رشعية األحادية السياسية. يف احلقيقة متيل مجيع األنظمة السياسية التسلطية إىل فرض صورة إمجاع وطني حول املرشوع األيديولوجي والسيايس واالقتصادي )3)) وال تسمح بظهور خالفات واختالفات إال يف حدود ال رهان هلا عىل صورة النظام. ويستمر اإلمجاع املزعوم ذو الفعالية يف حالة تواف ر موارد صيانته )مالية وعسكرية وأيديولوجية( ولكن زعزعة الرشعية تصبح حتمية يف حالة ترضر أحد هذه املوارد. فأحداث 5 ترشين األول/أكتوبر 1988 تعرب عن وصول األيديولوجيا الشعبوية املصونة باملامرسات الريعية إىل هنايتها وإفالس الرشعية الثورية التي يرتكز عليها النظام يف ممارسته السلطة ولكنها ال تعرب عن تغري عميق يف بنية الثقافة السياسية للمجتمع اجلزائري. وما حدث خالل العرشية املوالية يبني بقوة استمرار فعالية األيديولوجيا الشعبوية ولكن يف ظل خطاب جديد أكثر أخالقية ويوتوبية. هنا يكمن فشل النظام السيايس اجلزائري فهو استمر بعد ميض أكثر من ثالثة عقود عىل االستقالل يف استثامر أيديولوجية ما قبل - االستقالل )أيديولوجية احلرب واملعركة عىل حد تعبري هلواري عدي( وهي نفسها األيديولوجيا التي اختطفتها احلركات اإلسالموية لتستعملها ضد الناظم احلاكم لكن برداء ديني جديد. الشعبوية في حضن التعددية السياسية كانت أحداث ترشين األول/أكتوبر 1988 فرصة للحركات اإلسالموية لتنقض عىل الشارع من خالل استثامر سيايس فعال يف املخيال االجتامعي الديني ويف انعكاسات عقود من ممارسات النظام احلاكم الريعية والشعبوية ضد الوعي والثقافة السياسية. وقد شك ل فشل املرشوع التحديثي الذي وعد به النظام اجلزائريني موضوع ا خصب ا للرتاشق واملزايدة السياسيني بني خمتلف الفاعلني يف احلقل السيايس بعد إقرار التعددية احلزبية يف دستور 23 شباط/فرباير ويف الوقت الذي اجته بعض األحزاب اجلديدة إىل بناء اسرتاتيجيات سياسية حول برامج اقتصادية واجتامعية وسياسية يمكن وصفها باحلديثة عملت احلركات اإلسالموية عىل االستثامر يف اخلطاب الشعبوي نفسه الذي حافظ عىل استمرار حزب جبهة التحرير الوطني ( جهاز السلطة( يف احلكم ثالثني سنة ولكن مع إضفاء نوع من األخالق والدين عىل هذا اخلطاب ليكون الشارع يف أيدي من يتقن استغالل خطاب الشعبوية واجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ كانت األفضل بني اجلميع خاصة أن نشاطها الرسي يرقى إىل سنوات السبعينيات والثامنينيات متغذي ا من الظروف الدولية بصورة خاصة )3)). )3)) لفرض األيديولوجيا الشعبوية واألحادية الحزبية واإلجماع المصطنع كان كل من يرفض االنخراط في الحزب الواحد )جبهة التحرير الوطني( وجمعية الشباب الواحدة )المنظمة الوطنية للشبيبة الجزائرية( واتحاد الطلبة الواحد )االتحاد الوطني للطلبة الجزائريين( ونقابة العمال الواحدة )االتحاد العام للعمال الجزائريين(... ي عتبر خائن ا وضد المصالح العليا للثورة والوطن. )3)) في الواقع بدأت الحركة اإلسالموية في الجزائر نشاطها في سرية وعنف وي عتبر العمل التخريبي الذي قاده محفوظ نحناح )زعيم فرع اإلخوان المسلمين في الجزائر المعروف باسم حماس: حركة المجتمع االسالمي وقد غيرت الحركة تسميتها بعد دستور 1996 إلى حركة مجتمع السلم( ضد منشآت عمومية عقب المصادقة على الميثاق الوطني سنة 1976 أول تحرك لهذه الحركة.
47 47 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية منح دستور 1989 احلركة اإلسالموية فرصة ملامرسة نشاطها عالنية ويف إطار القانون - الذي مل يكن يمنع آنذاك تأسيس أحزاب إسالمية وعرقية وجهوية. واستطاعت بخطاهبا األخالقي الناقد لرجال السلطة والنظام أن حتصد أغلبية مقاعد املجالس االنتخابية البلدية يف انتخابات حزيران/يونيو 1990 ثم أغلبية املقاعد النيابية يف ترشيعيات كانون األول/ديسمرب أم ا إلغاء املسار االنتخايب فال يمكن أن يكون تفسري ا وحيد ا وأساسي ا للعنف الذي دخلت فيه البالد منذ تلك املرحلة بل جيب أن يمتد تساؤلنا البحثي إىل عمق اخلطاب والربنامج واأليديولوجيا التي تأسس عليها التيار اإلسالموي يف اجلزائر. وال يعني هذا أننا نغض الطرف عن عنف النظام فهو إحدى صفات النظم الشمولية بحكم تعريفها. وقد بات اجلميع يعلم أن النظام مل تكن لديه النية واإلرادة للتخيل عن السلطة بمجرد إقراره التعددية احلزبية يف الدستور فهو كان يعتقد - أو عىل األقل ذلك ما يعتقده جزء مهم وفاعل من النظام - أنه سيقوم بالتالعب بالتعددية وأنه سيتحكم فيها وسيستمر برشعية جديدة كونية )الرشعية االنتخابية( ختفف عنه الضغوطات التي متارسها عليه املنظامت الدولية والغرب بصفة عامة ولكن السؤال هو: كيف أدى توقيف املسار االنتخايب إىل إنتاج هذا احلجم اهلائل من العنف الفرضية التي قدمناها يف هذه الدراسة هي أن خطاب اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ذا املرتكزات األيديولوجية ملرشوعها السيايس احلاملة للعنف بسبب طابعها اليوتويب هو خطاب غري قابل للتحقق سواء تم وقف املسار االنتخايب أو مل يتم فاجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ هي يف الواقع نسخة متدينة سلفية عن جبهة التحرير الوطني ومثلام أن التاريخ كان يف صف اجلناح الراديكايل يف حزب الشعب عشية انطالق ثورة التحرير كان التاريخ أيض ا يف صف احلزب األكثر راديكالية عشية إقرار التعددية احلزبية. لقد اعتمدت اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ منذ سنوات النشاط الرسي عىل اخلطاب األخالقي يف املجتمع أوال ثم عىل النقد األخالقي لرجال النظام والسلطة. وكانت تتهم هؤالء بفساد األخالق وتستغل موضوع الفساد ملهامجتهم من زاوية أخالقية دينية. فسبب الفساد يف نظر اجلبهة هو ابتعاد املسؤولني عن أخالق الدين اإلسالمي وبالتايل ال بد من إقامة الدولة اإلسالمية للقضاء عىل مظاهر الفساد واالنحالل األخالقي يف املجتمع والدولة )3)). وسبب الفقر والبطالة والتخلف االقتصادي هو يف نظر اإلسالمويني عدم نزاهة املسؤولني وليس تناقضات االسرتاتيجيا التنموية أو غياب الفصل بني السلطات وعدم استقاللية القضاء. واملجتمع يف تصور خطاب احلركات اإلسالموية كناية عن إخوة وأخوات جيمعهم اإليامن باهلل والدين الواحد... وهو التصور نفسه الذي ترو ج له األيديولوجيا الشعبوية لكن مع تأجيجه يف املخيال االجتامعي بصور من املايض الديني األسطوري ل»املجتمع اإلسالمي«. وتقول اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ إنه يكفي أن يعو ض رجال جبهة التحرير الوطني برجاهلا لكي تعالج مجيع املشكالت االقتصادية واالجتامعية ألن مرشوعها مستمد من اإلسالم واإلسالم هو احلل جلميع مشكالت»املجتمعات العلامنية«لكن رجال النظام ال يريدون لرشع اهلل أن جيد مكانه يف املجتمع اإلسالمي الذي»أفسدته العلامنية واحلداثة«وما وقف املسار االنتخايب إال دليل عىل»معاداهتم للرشيعة واإلسالم«. يف ظل هذه الظروف يصبح اجلهاد فرض عني عىل مجيع املسلمني واجلهاد وحده كفيل بأن يضمن لرشيعة اهلل أن تطب ق وبأن يستعيد املسلمون»جمدهم الغابر«. )3)) يعود مشروع الدولة اإلسالمية إلى سنوات الثمانينيات حيث قامت الحركة اإلسالموية آنذاك الناشطة في الجامعات بوضع ميثاق الدولة اإلسالمية. انظر:.p 199.Boukra,
48 العدد ٤ / ١٤ خريف لقد احتاج هذا اخلطاب األيديولوجي السيايس إىل أدوات لصيانته ومتريره. ويف ظل حالة الفقر والبطالة وندرة السلع األساسية وجد اجلزائري نفسه وحيد ا أمام صعوبة احلياة اليومية التي بسبب اهنيار االقتصاد وتطبيق رشوط البنك الدويل للتصحيح اهليكيل. لكن خطاب اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ أعاد إليه األمل من خالل اخلطب النارية يف املساجد والصلوات اجلامعية يف الشوارع وأيض ا من خالل»أسواق الرمحة«التي تباع فيها السلع الغذائية بأثامن رخيصة جد ا مقارنة بأسعار األسواق العادية )3)). إهنا متام ا املامرسات الشعبوية لنظام احلزب الواحد الذي كان يوظف اجلزائريني يف مصانع ال تنتج ويوزع مواد استهالكية مستوردة بنصف أسعارها... وينفي السيايس politique( )le يف املجتمع ويصوره بأنه كتلة متجانسة. هذه هي اليوتوبيا )3)) وهي بحكم تعريفها غري قابلة للتحقق لكن استعامهلا كمورد سيايس وأيديولوجيا لرشعنة البقاء يف - أو للوصول إىل- السلطة جيعل حامليها مدفوعني عن وعي وغري وعي إىل ممارسة العنف ألجل جتسيدها ألهنم غري واعني بأهنا يوتوبيا بل يبحثون دائام عن كبش فداء لتعيينه عدو ا يريد أن يمنع بالقوة من جتسيد مرشوعهم )3)). ويف اعتقادنا أن العنف الذي عاشته اجلزائر منذ االستقالل إىل اليوم يعرب بقوة عن ضعف مستوى البناء الدولتي من حيث مأسسة الرصاع عىل السلطة وأدواته. استنتاجات - إن األفكار املرتاكمة حول أسباب العنف يف املجتمعات العربية واإلسالمية هي يف معظمها أفكار إثنو - مركزية )غربو- مركزية )occidentalo-centrisme ال تنظر إىل املجتمع من خالل ديناميته التارخيية واملراحل التي متر هبا عملية مأسسة الرصاع عىل السلطة السياسية بقدر ما تنظر إليه بعني مقارباتية تتجاهل - جتهل - السياق التارخيي الذي يدور فيه الرصاع. ومعظم األفكار والتصورات الغربية بشأن املجتمعات العربية واإلسالمية ال تزال متأثرة بالفكر االسترشاقي. )3)) أنشأت الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ حول المدن شبكة واسعة من المصليات والمساجد للتعبئة األيديولوجية ونشر النظام الجديد وهذا ما مك نها عالوة على ممارسات أخرى مثل ما يسم ى»أسواق الرحمة«من حشد اآلالف من األتباع في وقت وجيز. بخصوص الموضوع انظر: Mohamed Madani, «Villes algériennes: Entre panne de projet et urbanisme de fait,» Naqd: revue d études et de critique sociale, no. 16 (2002), pp )3)) نتبن ى هنا تعريف كارل مانهايم لليوتوبيا في: كارل مانهايم األيديولوجيا واليوتوبيا مقدمة في سوسيولوجيا المعرفة ترجمة محمد رجا الديريني )الكويت: شركة المكتبات الكويتية 1980( ص 347. يقول مانهايم:»تكون الحالة الذهنية يتوبية حينما تتعارض مع حالة األمر الواقع الذي تحدث فيه. ويتضح هذا التنافر دائم ا في كون هذه الحالة الذهنية في الخبرة والفكر والممارسة متوجهة نحو أشياء غير موجودة في الوضع الواقعي...إننا سنمنح الصفة اليتوبيا لتلك التوجهات المتسامية على األمر الواقع والتي تميل حين تتحول إلى سلوك إلى تحطيم نظام األشياء السائد حينذاك تحطيم ا كلي ا أو جزئي ا...«. )3)) انقسم الرأي العام في الجزائر إلى مساند لوقف المسار االنتخابي ومعارض له وانسحب هذا حتى على ما يسم ى في وسائل اإلعالم األحزاب الديمقراطية فحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ساند قرار الجيش بإلغاء نتائج االنتخابات في حين وقفت شخصيات أكاديمية وفكرية ضد القرار. في هذا السياق أيض ا ظهرت أطروحة»التراجع الخصب«لصاحبها عال م االجتماع السياسي الجزائري لهواري عدي الذي كتب سلسلة من المقاالت الصحافية التي دعا فيها الجيش إلى عدم وقف المسار االنتخابي ألن المشروع اليوتوبي اإلسالمي سيتخذ ذلك ذريعة لتأجيج العنف والدعوة إلى الجهاد. واعتقد لهواري عدي أن ترك الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ تمارس السلطة سيؤدي إلى»احتراقها سياسي ا«في أعين الجزائريين ألنها ال تمتلك برنامج ا سياسي ا وال اقتصادي ا ما عدا المشروع اليوتوبي غير قابل للتجسيد. ورأى أن ذلك هو الفرصة الوحيدة لكي تنكشف حقيقة اإلسالم السياسي. بخصوص هذا الموضوع انظر: Lahouari Addi, «Retour sur «la régression féconde»,» El Watan, 4/8/2013.
49 49 دراسات العنف السياسي في الجزائر المعاصرة من األيديولوجيا الشعبوية إلى اليوتوبيا اإلسالموية - هلذا السبب غالب ا ما ي فرس العنف السيايس بالدين اإلسالمي بشكل دوغامئي وآيل مكتفي ا بالنتيجة انطالق ا من السبب الثاين أو الثالث يف غالب األحيان غري آبه للسبب األول الذي يقود عملية إنتاج العنف. صحيح أن االنتحاري الذي يفجر نفسه يف سوق يف بغداد أو كراتيش يفعل ذلك مدفوع ا بقناعة االستشهاد لكن السؤالني اللذين جيب اإلجابة عنهام مها: من هي اجلهات التي تنتج النسق الفكري املتعلق باالستشهاد والشهادة االنتحارية من هي اجلهة التي تنتج تأويال كهذا للعنف ما هي أهدافها واسرتاتيجياهتا ال يمكن إرجاع السبب األويل إىل الدين لكون اإلمجاع الديني حول هكذا أعامل غري موجود وغري قابل للوجود يف اللحظات التارخيية كلها ويف األديان كافة. - ال يمكن فهم دينامية العنف بمعزل عن مستوى بناء الدولة يف جمتمع ما فدرجة نضج البناء الدولتي تعرب عن درجة سلمية فضاء الرصاع عىل السلطة السياسية. والفرق بني الدولة احلديثة ودولة يف طريق البناء واحلالة ما قبل دولتية هو فرق يف درجة سلمية الفضاء العمومي وفضاء الرصاع والتنافس عىل السلطة السياسية. - هذه السلمية مرتبطة يف جزء مهم منها بمستوى العلمنة يف املجتمع تسمح لنا باإلجابة عن سؤال:»ما هو مستوى العلمنة يف جمتمع ما «بمعرفة مدى حتييد العنارص املثرية لألحاسيس الدينية والعرقية والطائفية من فضاء الرصاع عىل السلطة السياسية أوال وفضاء إعادة اإلنتاج املادي للمجتمع ثاني ا. - تبني لنا جتربة بناء الدولة الوطنية يف اجلزائر حمدودية األيديولوجيا التي ارتكز عليها اخلطاب الثوري لنظام ما بعد االستقالل. فألسباب تارخيية وأسباب متعلقة باسرتاتيجيات احلفاظ عىل السلطة ارتكز النظام عىل أيديولوجيا تنفي السيايس ومن ثمة املجتمع وتصوره كتلة خالية من أي رصاع أو خالف. وجرت صيانة هذه األيديولوجيا والتصور اليوتوبيني وفرضهام بالقوة وبالريع البرتويل. - لكن هذه األيديولوجيا هي نفسها التي أنتجت حالة العنف ما بعد األحادية احلزبية من خالل سجن التصورات املجتمعية للسيايس داخل حدود الشعبوية. ومل يكن الوعي املجتمعي والثقافة السياسية التي كانت سائدة عشية إقرار التعددية ليسمحا إال بانتصار اخلطاب األكثر استثامر ا للمشاعر واألحاسيس التي حتمل الرابطة االجتامعية )الدين(. من هنا هجرت الشعبوية أحضان السلطة واحلزب الواحد لتسكن يف أحضان املعارضة الدينية الراديكالية. - كانت األيديولوجيا اجلديدة يف مواجهة مع األيديولوجيا القديمة واأليديولوجيات التي نشأت من التحوالت العميقة للمجتمع اجلزائري. وبالرغم من إقرار رشعية سياسية جديدة فإن اخرتاقها الوعي والثقافة السياسية يف أحشاء املجتمع ال يزال ضعيف األثر بل إن مأسسة الرصاع عىل السلطة عرب نظام االنتخابات مل تكن يف حد ذاهتا حمل قبول حتى من طرف اجلبهة اإلسالمية إلنقاذ ويظهر ذلك جلي ا من خالل األيديولوجيا التي بنت عليها خطاهبا )3)). )3)) ال تستعمل الحركات اإلسالموية مفهوم الديمقراطية أو تداول السلطة بل تفضل استعمال مفهوم الشرعية. وقد الحظنا بعد انقالب الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي على الرئيس السابق محمد مرسي كيف أن اإلخوان المسلمين في مصر لم يذكروا ولو مرة واحدة أنهم يريدون استعادة الديمقراطية وتأسيسها بل نادوا فقط بضرورة عودة الشرعية من دون اإلشارة إلى طبيعتها: هل هي انتخابية أم دينية. وفي الحقيقة يوحي المضمر في الخطاب بأنهم كانوا يتحدثون عن شرعية دينية سمحت لهم بكسب معركة االنتخابات.
50 العدد ٤ / ١٤ خريف انتقلت اجلزائر من خالل إقرار التعددية احلزبية يف دستور 1989 من يوتوبيا األيديولوجيا الشعبوية إىل اليوتوبيا اإلسالموية. واليوتوبيا منتجة للعنف ألهنا غري قابلة للتحقق والعنف املنتج ختتلف أشكاله باختالف مرتكزات اليوتوبيا ومصادرها فهو كان بوليسي ا قمعي ا حينام ارتكز عىل نفي السيايس واالختالف يف املجتمع وأصبح دموي ا ومنتظام حني ارتكز عىل الدين وأجماد املايض األسطوري. - هذه هي السياقات املنتجة للعلمنة عىل الرغم من إرادة الفاعلني التارخييني فالعلمنة ليست خيار ا وال موقف ا وال رأي ا بل هي دينامية تتفوق عىل اإلرادات الفردية واجلامعية يف كثري من األحيان. إهنا تيار معاكس ملجرى األحداث واإلرادات نفسها ففي الوقت الذي تكافح اجلامعات املتنافسة عىل السلطة من أجل فرض وصيانة رشعيات سياسية بعينها تزحف العلمنة التي هي أحد رشوط سلمية فضاء الرصاع عىل السلطة والفضاء العمومي يف املجتمع. - ت و جت أحداث العنف الدموية التي عرفتها اجلزائر بخطوة مؤسساتية نحو العلمنة وذلك من خالل منع تأسيس أحزاب دينية وعرقية وجهوية يف دستور )3)) طبع ا هذه اخلطوة غري كافية لكنها رضورية وسيكون وقعها قوي ا يف املستقبل. كام أن التيارات التي تتغذى من اليوتوبيات الثورية والدينية مل يعد هلا املكانة نفسها داخل املجتمع ومل تعد قادرة عىل القيام بتعبئة سياسية لتنظيم مسرية يف الشارع لكن هذا ال يعني أن الشمولية والدكتاتورية تراجعتا قيد أنملة. - إن ما حيدث اليوم يف العامل العريب سيؤدي بدوره إىل ترسيع وترية العلمنة يف احلقل السيايس والوعي املجتمعي. وقد اكتشف املجتمع مقدار الثمن الذي يدفعه كلام كان الديني والطائفي والعرقي يف قلب الرصاع عىل السلطة السياسية. وكانت أوروبا قد مرت هبذه اللحظة التارخيية التي س عت وترية العلمنة. ووفق هذا املنظور تصبح العلمنة حتمية اجتامعية يف ظل رشوط معي نة للتنافس عىل السلطة السياسية. ويمكن أن ي كتشف وبسهولة كبرية مقدار تراجع اخلطاب الديني األصويل وتأثريه يف املجتمع منذ ظهور ما ي عرف ب»داعش«ومقدار السخرية من رجال الدين الذين كانوا باألمس من مقدسات املجتمع. لكن ينبغي يف الوقت نفسه عدم إغفال األسباب السياسية لتمدد»داعش«وإن بعباءة دينية. )3)) تنص المادة 42 :من الدستور الجزائري على ما يلي:»حق إنشاء األحزاب السياسية معترف به ومضمون. وال يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات األساسية والقيم والمكونات األساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية وأمن التراب الوطني وسالمته واستقالل البالد وسيادة الشعب وكذا الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة. وفي ظل احترام أحكام هذا الدستور ال يجوز تأسيس األحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. وال يجوز لألحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة. ي حظ ر على األحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات األجنبية.ال يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو اإلكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما. تحدد التزامات وواجبات أخرى بموجب«. المصدر: الجريدة الرسمية/ الجريدة الرسمية رقم 76 المؤرخة في 8 كانون األول/ديسمبر 1996 معدل ب :القانون رقم المؤرخ في 10 نيسان/أبريل 2002 الجريدة الرسمية رقم 25 المؤرخة في 14 نيسان/أبريل 2002 القانون رقم المؤرخ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 الجريدة الرسمية رقم 63 المؤرخة في 16 تشرين الثاني/نوفمبر يمكن مراجعة النص على اإلنترنت على الموقع التالي:.
51 51 رحمة بن سليمان * القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية قراءة سوسيولوجية في شهادات بعض الضحايا يف هذا البحث قراءة سوسيولوجية لشهادات بعض املساجني السياسيني التونسيني الذين اعتقلهم النظام االستبدادي السابق وسجنهم وعذهبم قبل أن تزحيه الثورة التونسية. وسيأخذ البحث مسافة من املقاربات القانونية واحلقوقية من خالل حتليل آليات التعذيب وطرقه املستعملة خالل االعتقال والسجن وفهم هذه اآلليات والطرق التي ات ضح عدم إمكان فصلها عن القيم واملعايري والرموز الثقافية املشرتكة بني املعذ ب والضحية. ويف البحث أيض ا حماولة لتوضيح كيف أن عمليات التعذيب أليمة ال ألهنا ت لحق الرضر باجلسم فحسب بل ألهنا تشتغل أيض ا عىل املرجعيات واملعتقدات والقيم االجتامعية التي تصنع هوية الضحايا وانتامءاهتم ومتث الهتم لذواهتم وملكانتهم يف املجتمع. وتتجىل املحاولة هذه ضمن قسمني أساسيني: أوهلام خمصص للدراسة النظرية والثاين خمصص للدراسة امليدانية التي تنقسم بدورها اىل ثالثة عنارص كبى هي: أقبية الت عذيب واجلال د وأدواته تعذيب اآلخر وتفاعالته: معركة الرموز والقيم رشف الضحايا: تأثري التعذيب يف السجناء السياسيني داخل السجن وخارجه. مقدمة ظاهرة تعذيب املساجني السياسيني قديمة ومستمر ة ومنترشة يف الزمن واجلغرافيا. وقد عرفتها حضارات وشعوب ودول متقد مة وأخرى فقرية ماضي ا وحارض ا. ويف األدب العريب تعج كتب املؤرخني واإلخباريني باحلديث عن فظائع التعذيب التي مارسها احلكام يف كل وقت ضد خصومهم من * باحثة تونسية حائزة شهادة األستاذية في علم االجتماع وناشطة في جمعية صوت اإلنسان للدفاع عن حقوق المساجين التونسيين.
52 العدد ٤ / ١٤ خريف املعارضني حلكمهم مثلام هي احلال يف خمتلف مراحل تكو ن الدول اإلسالمية سواء يف عهد بني أمية أو يف عهد العباسيني أو مجيع السالطني الذين أتوا من بعدهم. تبقى القصص والروايات عن بعض الشخصيات التارخيية التي تعلق هبا مثل هذه األفعال ماثلة يف الذهن حتى يومنا هذا مثلام هي احلال مع شخصية احلجاج بن يوسف وشخصيات أخرى كثرية. وقد تنو عت أساليب التعذيب من رضب وحبس وترشيد وجتويع إىل سمل العيون وتقطيع أعضاء وحرق وج لد وسلخ وتكسري عظام ونفخ حتى ي تخيل أنه مل يعد هناك وسيلة أو طريقة يف التعذيب مل جت رب. وما يثري االنتباه هو أن هذه املامرسات مستمرة حتى اليوم عىل الرغم من أن الثورات السياسية واحلقوقية العاملية التي قامت من أجل محاية اإلنسان يف جسده وعقله وماله وعرضه بوصفه مواطن ا يعيش ضمن دولة جديدة ال تقوم مبدئي ا عىل االستبداد. وهذه الظاهرة تنترش اليوم بصفة غري متكافئة يف مجيع أنحاء الدنيا وتصيب ضحاياها يف ذواهتم العميقة األمر الذي يدفع كثريين من املدافعني عن احلق باملعنى األخالقي للكلمة إىل التنديد هبا والتصدي هلا ملقاومة آثارها اخلطرية. بيد أن ما زاد اهتاممنا بالظاهرة ليس جانبها القانوين أو السيايس أو حتى احلقوقي بل الب عد الرمزي واألخالقي الذي خيرتقها يف مجيع مستويات تشك لها وممارستها فتعذيب املساجني وخاصة السياسيني منهم ليس جمرد عمليات ميكانيكية تؤمل الضحية من أجل إجبارها عىل التخيل عن أفكارها أو توفري املعلومات األمنية التي يبحث عنها املحقق بل هو يف أبعد أعامقه معركة رمزية وأخالقية بني الضحية واجلالد حيث يقوم كل طرف خالهلا باستخدام مجلة من اآلليات احلسية والذهنية والسيكولوجية تساعده عىل إخضاع اآلخر أو مقاومته. وهذا ما وج ه نا إىل االهتامم هبذا املوضوع ودراسته بأدوات املشاهدة السوسيولوجية. مشكلة البحث يتناول بحثنا كام أرشنا ظاهرة تعذيب املساجني السياسيني يف تونس بعد االستقالل. وكام هو معلوم فإن هلذا املوضوع مداخل عدة اشتغل هبا احلقوقيون والسياسيون بصورة خاصة. فمن وجهة النظر السياسية نرش عدد كبري من املؤرخني والسياسيني بحوث ا وحتليالت تتعلق بتشك ل النظام االستبدادي يف تونس بعد االستقالل وما ترتب عن ذلك من خيارات سياسية آثرت االنغالق واحتكار السلطة فكان أن رست بشكل أتوماتيكي تقريب ا منظومة قانونية وأمنية رش عت إلقصاء املعارضني وممارسة التعذيب ضدهم. وقد ركزت هذه األدبيات عىل التنديد هبذه الظاهرة ودعت إىل التصدي هلا وإبراز خطورهتا عىل مرشوع ترسيخ الديمقراطية يف البالد ))). أم ا الدراسات احلقوقية فتمث لت عىل نحو خاص يف تقارير اجلمعيات احلقوقية التونسية والعاملية التي اهتمت باملوضوع وأشبعته رشح ا وبسط ا من منظور املبادئ العاملية حلقوق اإلنسان معتم دة عىل املدو نات القانونية الوطنية والعاملية لت ثبت أن ممارسات التعذيب داخل السجون التونسية عملية باطلة ))) عبد الجليل بوقرة النظام البورقيبي: الصعود واالنحدار سلسلة آفاق للجميع )تونس: دار آفاق-برسبكتيف للنشر 2013(.
53 53 دراسات القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية وال تستند إىل أي قواعد قانونية أو أخالقية ))). ويف هذه األدبيات كلها ظلت املقاربات وحماور التفكري إم ا أخالقية سياسية وإم ا حقوقية مؤسساتية عامة تغيب عنها مضامني فعل ممارسة التعذيب يف حد ذاته ال بوصفه جمموعة أفعال مادية - فهذا تم رصده بإسهاب - ولكن بوصفه عمال يعتمد آليات ورموز ا اجتامعية كثيفة الدالالت واملعاين بالنسبة إىل اجلالد والضحية عىل حد سواء ويمكن من خالل دراستها التوغل عميق ا يف األوجه االجتامعية والقيمية والسيكولوجية لظاهرة التعذيب. تلك هي يف رأينا احللقة املفقودة يف البحوث التونسية التي سبقتنا حول هذا املوضوع وارتأينا يف هذا البحث أن هنتم هبا. أهداف الدراسة هندف من وراء إنجاز هذا البحث العلمي إىل الكشف عن آليات التعذيب وطرقه ومرجعياته الثقافية املتعد دة وانعكاساته عىل الضحايا من وجهة نظر سوسيولوجية هتتم باملدلول االجتامعي ملجمل عنارص الظاهرة وبالكيفية التي كان يتعامل هبا اجلال دون مع ضحاياهم يف إطار هيمنة الدولة وممارسة سياسة العنف عىل املعارضني لنظام السلطة. أهمية الدراسة تكمن أمهية هذه الدراسة يف أن ظاهرة التعذيب ليست ظاهرة قانونية أو طبية فحسب بل هي ظاهرة سيكولوجية - اجتامعية - ثقافية أيض ا تشمل بأبعادها املرك بة وبآثارها السلبية مايض الضحية وحارضها ومستقبلها وهذا يعني أنه لكي نعالج الظاهرة يف بالدنا ويف كل مكان متارس فيه السلطة أسلوب العنف علينا أن نعيد بناء مفهوم التعذيب يف املعتقالت والسجون. المراجع النقدية لما سبق أن ك تب عن الموضوع مل يكن اإلنتاج العلمي عامة واإلنتاج السوسيولوجي خاصة يف هذا احلقل حقل تعذيب املساجني السياسيني وفري ا ومعم ق ا. وربام يعود ذلك إىل الضغوط السياسية التي كانت متار س عىل الباحثني يف تلك الفرتة حتى أن الدراسات التونسية الصادرة بشأن ظاهرة التعذيب تكاد تكون منعدمة قبل تاريخ 14 كانون الثاين/يناير وقد حاولنا يف بحثنا هذا االطالع عىل جممل الدراسات األجنبية والدراسات املحلية الصادرة بعد هذا التاريخ وهو ما مك ننا من فهم الظاهرة يف بعض تفصيالهتا. اخرتنا من بني هذه الدراسات ستة بحوث: - بحث جليل دورونسورو حتت عنوان»التعذيب الرسي«))). ارتكز هذا البحث عىل مجلة من الفرضيات التي اخت ربت انطالق ا من معطيات مج عت يف إطار بحث عام تناول حالة املناضلني الوطنيني األكراد. ومن أهم الفرضيات التي اشتغل عليها الباحث فرضية أن التعذيب الرسي يقوم بتحطيم رأس املال االجتامعي لألفراد من خالل مجلة من التقنيات والوسائل القمعية التي تساعد عىل ممارسة التعذيب الوحيش. وهناك (2) Amnesty international, Rapport sur la torture, rédigé par James Becket, Elise Smith et Henry Oakeley; traduit de l anglais par Monique Triomphe; traduction revue par Amnesty international, l air du temps (Paris: Gallimard, 1974). (3) Gilles Derronsoro, «La torture discréte, capitale sociale, radicalisation et désengagement militant dans régime sécuritaire,» European Journal of Turkish Studies, no. 8,
54 العدد ٤ / ١٤ خريف أيض ا الفرضية التي تعزو قل ة اهتامم الباحثني هبذا املوضوع إىل ضعف اجلامعات وعدم قدرهتا عىل التحك م يف ذواهتا أمام السلطة احلاكمة. - بحث هلواري عد ي هو عبارة عن نص حمارضة قدمها يف آذار/مارس 2004 يف معهد الدراسات السياسية يف ليون الفرنسية وبتنظيم من طلبة أعضاء منظمة العفو الدولية ))). حاول عد ي يف هذا البحث فهم وحتليل ظاهرة التعذيب يف تونس واملغرب واجلزائر بدافع من انتشار هذه املامرسات بكثرة عىل الرغم من أن الدول هذه متنع ممارستها رسمي ا وبحكم القانون فقد م هذه الظاهرة عىل أهنا إشكالية سياسية تبنيها العالقة بني النظام ومعارضيه وبني أن التعذيب ليس جمر د ممارسات بوليسية هامشية ال متس سوى أقلية من املعارضني بقدر ما هي متثيل لطبيعة النظام القمعي. ويف حتليله هذا أوضح أن درجات الرصاع السيايس ودرجات القمع ختتلف بني بلد وآخر من هذه البلدان الثالثة ولكن جيمع بينها االخرتاق الفادح يف مادة حقوق اإلنسان وخصوص ا ممارسة التعذيب باعتباره وسيلة حكومية. - بحث صادر عن منظمة العفو الدولية بعنوان»استباحة حقوق اإلنسان يف تونس باسم األمن«))). وقد تناول موضوع التعذيب واملامرسات غري اإلنسانية التي تعمد إىل مزاولتها أجهزة األمن يف أثناء التحقيق وداخل املعتقالت. كام أنه بحث يف أسباب انتشار هذه الظاهرة يف تونس واملرب رات التي تستعملها احلكومة مع تقديم حتليل للجهاز األمني يف تونس وأهم الطرق واألساليب املعتمدة يف التعذيب. - بحث صادر عن منظمة العفو الدولية يف كتاب بعنوان.Rapport sur la Torture وهو يعالج ظاهرة التعذيب من الناحيتني االجتامعية والقانونية. كام خ ص ص جزء مهم منه لفهم املوقف الطب ي والسيكولوجي للتعذيب. ويوضح البحث أن حتليل آثار التعذيب مرتبط بتحليل مدى قدرة اإلنسان عىل حتم ل درجة األمل املسل ط عليه وهذا من شأنه بحسب البحث أن يثري مشكلة نظرية تتمث ل يف أن األمل والتوتر النفيس حيدثان يف اإلنسان ردود أفعال بيولوجية يقتيض فهمها جيد ا النظر إليها من خالل ترشيح جسدي وعقيل. - بحث صادر عن ملتقى دويل نظمته املجموعة الطبية ملنظمة العفو الدولية )فرع فرنسا( يف كانون الثاين/ يناير 1989 يف باريس حتت عنوان»طب حتدو به املخاطر مساعدة القمع أو السقوط ضحية له«))). وصدر هذا البحث يف كتاب بعنوان األطب اء والتعذيب بني املشاركة والصمود وتناول تور ط األطباء وبعض العاملني يف القطاع الصحي يف تعذيب السجناء وانتهاك حقوق اإلنسان من ناحية وإنصاف األطباء الذين يعارضون هذه الظاهرة ويند دون هبا من ناحية أخرى. - بحث لرفائيل برانش حتت عنوان»مقابالت مع جنود سابقني: مصدر من تاريخ التعذيب إثر حرب اجلزائر«))). وقد تناولت كاتبة البحث خصوصية التعذيب الذي مارسته القوات املسلحة الفرنسية يف اجلزائر موضحة فهم رهانات احلرب باعتبارها عنف ا يشكل جوهر احلرب فطرحت مجلة من األسئلة (4) Addi Lahouarie, «La torture comme pratique d etat dans les pays du maghreb,» Confluence Méditerranée, no 51, automne 2004, pp halshs.archives_ouvertes.fr/docs/00/39/88/73/html (5) Amnesty International, Rapport sur la torture (Londres: Edition Gallimard, 1973). < >. ))) منظمة العفو الدولية اللجنة الطبية التابعة للفرع الفرنسي األطب اء والتعذيب بين المشاركة والصمود ترجمة منصف بالحاج يحي وآمنة بالحاج يحي )تونس: المنظمة 1992(. (7) Raphaëlle Branche, «La Torture et l armée pendant la guerre d Algérie, ,» Revue d histoire critique, no. 85 (2001), p. 474.
55 55 دراسات القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية منها: من أين تتأت ى األوامر وكيف ت عطى هذه األوامر هل ت عطى شفوي ا أم كتابي ا من يواكب التعذيب أو من يستطيع مواكبته من يعذ ب يف ماذا يفك ر القادة اجلزائريون فيام اجلزائريون يعذ بون االعتداءات هي نفسها أم ال هل تستجيب ملنطق ما ماهي الكلامت التي تقال وبأي لغة هل النساء يعام لن مثل الرجال يتمحور ذلك كله حول حتليل سلوك القائمني بفعل التعذيب ودراسة الظروف التي يامرس القادة الفرنسيون من خالهلا هذا العنف اخلاص واملسل ط عىل الفرد من أن يتسنى له إمكان الدفاع عن النفس ويف ظل عالقة ختتل فيها موازين القوى بحيث يامرس فريق التعذيب مهمته بطريقة مطلقة. فرضية البحث سمح لنا عرض اإلشكالية وبعض نتائج الدراسات التي أ نجزت حول املوضوع بصفة عامة بتحديد زاوية النظر السوسيولوجية التي سنعتمدها يف دراسة املوضوع. وقد وجهتنا زاوية النظر هذه إىل ما هو رمزي وقيمي يف الظاهرة ولكن ليس من وجهة نظر وصفية بل من باب أن ظاهرة تعذيب السياسيني ليست خالية من رصاع اإلرادات بني اجلال د والضحية وهي اإلرادات التي ال حتركها وحتد دها الغايات فحسب وإنام حتركها وحتددها القيم واملعايري أيض ا وبالتايل ليس التعذيب مسألة مادية أو تقنية فقط بل هو أيض ا اشتغال عىل املعايري والقيم التي تدخل يف بناء شخصية الفرد ووعيه وسيكولوجيته. وانطالق ا من ذلك سيعمل بحثنا عىل مناقشة املقرتحات التالية التي سنعتربها فرضيات عمل: - التعذيب املسل ط عىل الضحايا ليس مادي ا فحسب بل يتضم ن أيض ا ب عد ا أخالقي ا ورمزي ا ذا قوة رضر عىل الضحايا ال تقل عن قوة الرضر املادي. - تنشأ خالل التعذيب مواجهة رمزية بني الضحية واجلال د موضوعها وأداهتا املرجعيات األخالقية املشرت كة بينهام. - بصفة عامة وبسبب القيمة الرمزية اإلجيابية للفعل السيايس املعارض عند عامة الناس فإن السجناء السياسيني يندجمون بسهولة يف املجتمع بعد خروجهم من السجن. التصور المفاهيمي منهجية البحث سنحاول يف هذا البحث قراءة ظاهرة التعذيب داخل السجون التونسية وفهمها يف ضوء مقاربة التفاعلية الرمزية حيث سندرس العالقة بني السجني واجلال د لنستخرج جممل التقاطعات بينها من خالل احلركات والسلوكات واللغة املتداولة يف عملية التعذيب وذلك كي نتمك ن من حرص املعاين والدالالت الرمزية هلذه الطرق والوسائل يف إطار مرجعياهتا القيمية والثقافية لكل من اجلال د والضحية من خالل عملية التفاعل الرمزي. وقد ارتأينا توظيف براديغم التفاعلية الرمزية باعتبارها وفق جوفامن إرف نغ»ترفض أن تفرض واقع ا اجتامعي ا ما بمعزل عن الوضعيات الفعلية املتداولة والتي يتفاعل داخلها األشخاص حتى يعطوا معنى لتلك الوضعيات«))). كام أن هذا الرباديغم يتخذ من الفرد الفاعل حمور اهتاممه باعتباره (8) Erving Goffman, Les Rites d interaction, traduit par Alain Kihm, le sens commun (Paris: Editions de Minuit, 1974), p. 15.
56 العدد ٤ / ١٤ خريف يتفاعل مع العنارص االجتامعية وليس عون ا سلبي ا يستجيب للبنى االجتامعية بسبب»اهلابيتوس«أو بسبب االنتامء الثقايف ))). لعل داف عنا لتناول الظاهرة وفق هذا املنظور السوسيولوجي هو تلك اجلدلية القائمة بني اجلال د والضحية والتي تتوس طها رموز معرب ة فعملية التخزين واالستبطان وتوق ع الفرد ما يفعله به اآلخرون هي بحسب دومينيك بيكارد ما يدفعه إىل تعديل سلوكه اخلاص وهذا ما حيدث لآلخر. وعن طريق احلوار الداخيل جيعل كل واحد لآلخرين حضور ا يف سري أفكاره وأخذ قراراته وهبذه الطريقة يمكن الفرد أن يقر ر االمثتال للجامعة أو عدم االمتثال هلا )1)). بتوظيفنا هذه املقاربة سنتمك ن من فهم الظاهرة وتقديم رؤية واضحة بشأن نوعية التفاعل بني األفراد الذين يكونون منظومة التعذيب داخل السجون التونسية بصفة خاصة. هذا ونلفت النظر هنا إىل أن مادة البحث التي سنشتغل عليها ليست متولدة عن حضور عمليات التعذيب كام تأمل نظرية التفاعل الرمزي وذلك ألسباب أخالقية غري خافية أوال ولتعذ ر ذلك من الناحية العملية ثاني ا. لذا فإن مادة بحثنا مكو نة من شهادات مطو لة استقيناها بأنفسنا مبارشة من عي نة من الضحايا فقط ويف إطار مقابالت مسجلة وموث قة مع اإلشارة إىل أن هذه العي نة تضم حاالت متنو عة وجتارب تيارات حزبية خمتلفة وقد تم حتليلها وفق خطة البحث التي رشحناها أي وفق املقاربة العمودية واملقاربة األفقية. التحليل حاولنا من خالل هذا البحث ويف مرحلة أوىل حتديد خصائص املساجني السياسيني يف تونس بعد االستقالل باعتباره جتربة نموذجية للتيارات السياسية املعارضة للحزب احلاكم وبذلك نكون قد مه دنا للظاهرة لنتمك ن من اخلوض يف تفصيالهتا والبحث يف خمتلف جوانبها وذلك من خالل تلك الصورة التي يمكن اعتبارها نموذجية يف تناول عمليات التعذيب التي مارستها أجهزة النظام عىل املساجني السياسيني داخل السجون التونسية. يف ضوء ما تقد م حاولنا تنزيل ظاهرة التعذيب يف السياق السيايس للبالد التونسية ألن هذه الظاهرة تكر رت وبصفة خاصة داخل السجون التونسية مع مساجني الرأي واملعارضني السياسيني. في أقبية التعذيب: الجل اد وأدواته محاولة في تحديد خصائص الجل اد األخالقية يف هذا اجلزء عرض مفص ل للجال د وأدوات عمله وحتديد خلصائصه األخالقية بحسب شهادات الضحايا. وقد توص لنا إىل أن التعذيب ممارسات ال يمكن أي شخص أن يقوم هبا بنجاح من دون أن تتوافر فيه مجلة من الرشوط الذاتية واملوضوعية كي ي كل ف بمهمة التعذيب فعىل الرغم من أن التفاعل بني األفراد يقوم يف األساس عىل تفاعل لفظي متبادل فإنه يأخذ يف االعتبار رمزية اجلسد فبحسب إرف نغ»إذا متك ن الفرد من التوقف عن الكالم فهو ال يستطيع أن يتوقف عن التواصل عرب لغة اجلسد«)1)). (9) David Le Breton, L Interactionnisme symbolique, Quadrige. Manuels (Paris: Presses universitaires de France, 2004). (10) Edmond Marc et Dominique Picard, L Interaction sociale, Psychologue; 104 (Paris: Presses Universitaires de France, 1989). (11) Le Breton, L Interactionnisme symbolique.
57 57 دراسات القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية أدوات التعذيب المادية والنفسية المسل طة على السجناء السياسيين تت خذ أدوات التعذيب املادية والنفسية أشكاال خمتلفة وتتمث ل يف إنزال اجلال د الكثري من املامرسات املبارشة عىل جسد الضحية ليسب ب له آالم ا وتشو هات بصورة إرادية والقصد من ذلك جعل الضحية يسلك سلوكيات ال إرادية. ويمكن أن نذكر من هذه املامرسات التعليق والرضب املربح واملكبح والفلقة واحلرق والقارورة املكرس ة والصعق الكهربائي والبانو أو البالنكو والرضب مع كتم األنفاس واحلقنة وإدخال أشياء صلبة يف الدبر وتكسري العظام وقلع األظفار واإليقاف ساعات طويلة جد ا والقيد ونزع الشعر واحلرمان من الغذاء. وي ستكمل التعذيب كفعل ممنهج بتوظيف أدوات التعذيب النفسية املسل طة عىل السجني السيايس وهذا ال يمكن اعتباره سوى استهداف اجلال د لنفسية السجني مبارشة حتى جيعله حمب ط ا ومنهار ا وبالتايل يقيض عليه عصبي ا ومعنوي ا. وقد متظهر لنا ذلك يف مجلة من املامرسات التي استقيناها من املقابالت ونخص بالذكر العنف اللفظي والشتائم واحلرمان من النوم واحلرمان من الزيارة والتعرية اجلسدية واحلرمان من ممارسة الشعائر الدينية واملساس باملقد سات واحلرمان من بطاقة هوية والتحر ش واالستفزازات اجلنسية والتهديد بجلب فرد من العائلة واحلرمان من العالج. وقد أد ى اختالف هذه املامرسات وتعد دها إىل متيز كل منها بجملة من اخلصائص التي هتدف وبدق ة إىل تأدية دورها يف عملية التعذيب كتجميد إرادة اإلنسان وحتويله من كائن فاعل إىل كائن عاجز. فضاءات التعذيب للظرفية املكانية دور مهم يف تأثيث منظومة التعذيب إذ إن هنالك هتيئة مسبقة للمكان لي در ج ضمن أحد أهم مناهج التعذيب وأحد أبرز مقو ماته. ويف هذه الفضاءات التي يتحر ك فيها اجلسد املعذ ب واجلال د يتجىل لنا مدى تأثري املكان يف اجلسد من ناحية وتفاعل اجلسد مع املكان من ناحية أخرى. وهلذا مدلوالت رمزية ودور يف عملية اإلهانة فعىل سبيل املثال ينعدم يف جل األمكنة عىل اختالفها وجود مرحاض وإن وج د ال تتوافر فيه الرشوط اإلنسانية كأن يكون مكشوف ا. وغالب ا ما يضطر السجني السيايس إىل قضاء حاجته يف وعاء صغري مثل علبة طامطم صغرية أو يف يده لري غ م بعد ذلك عىل رميها إىل أعىل باجتاه سقف الزنزانة وهذا ما حيدث مع املساجني يف ما ي عرف ببيت السلسلة حيث ي قي د السجني بسلسلة مثبتة يف احلائط لتجريده من كيانه وحتويله رمزي ا من ناشط أو قائد يف حركة سياسية إىل حيوان مكب ل بسلسلة. أوقات التعذيب ت عترب أوقات التعذيب داخل السجون التونسية أحد مكم الت عملية التعذيب. وقد حاولنا حتليل هذه األوقات وخاصياهتا التي تكم ل بدورها خاصية فضاءات التعذيب. فاملد ة الزمنية التي يستغرقها السج ان يف تعذيب السجني أو اختيار العون الفرتة املناسبة من اليوم للتحقيق مع املعتقل تأخذنا إىل أن الزمن يؤدي دوره بامتياز يف معادلة حتطيم اإلنسان وجتريده من مجيع مقو مات الكائن البرشي إذ الحظنا أنه يصعب عىل املستجو بني حتديد الزمن يف أثناء التحقيق بسبب العتمة املسيطرة عىل مجيع األمكنة وهذا ما يساهم يف احلرمان احليس الذي يشمل بدوره عدم قدرة السجني عىل إدراك الزمن وحتديد املد ة الزمنية التي تم فيها الفعل أي ممارسة التعذيب. كام يبدو جلي ا أن اختيار توقيت التوقيف أو االعتقال ليس عشوائي ا أو اعتباطي ا وإنام هو ممنهج ومدروس بحيث يكون جهاز األمن متأكد ا من وجود املت هم يف منزله خالل الليل من جهة ومتعمد ا من جهة أخرى إرباك عائلته بام لليل من رمزية وسكون فيسعى األعوان
58 العدد ٤ / ١٤ خريف إىل اخرتاق هذا السكون وإحداث الفوىض وإثارة الرعب يف قلب الناشط الفعيل لتبدأ عملية االنتهاك والتعذيب النفيس قبل الوصول إىل مركز التحقيق ويف هذا دليل عىل أن مثل هذه املامرسات تتم وفق دراسة كاملة ومنهج منظ م. تعذيب اآلخر وتفاعالته: معركة الرموز والقيم تفاعل الضحية والجل اد - كرس الشوكة واإلذالل ومرجعيات فعل اإلهانة: نوضح هنا عملية التفاعل الرمزي بني الضحية واجلال د من خالل كرس الشوكة واإلذالل واملرجعيات الرمزية لفعل اإلهانة فنقول إن عملية التعذيب املامر سة عىل السجني السيايس من أجل كرس شوكته وإذالله تشتغل عىل املرجعيات واملعتقدات والقيم االجتامعية التي تصنع هويات الضحايا وانتامءاهتم ومتث الهتم لذواهتم ومكانتهم يف املجتمع ويكون ذلك يف إطار عملية التفاعل بني السجان والضحية. ورب ام يعود بنا هذا إىل الباحث األنثروبولوجي غريتز )Geertz) الذي حاول أن يدمج األنساق الثقافية )الدين واأليديولوجيا واحلس املشرتك( للجامعات التي يدرسها ليفهم املعنى الذي يضفيه األفراد عىل الرموز والعالمات املالحظة يف احلياة املعيشة من خالل التحليل الدقيق واملفص ل لسوق مدينة صفرو املغربية )1)). وقد الحظنا من خالل حتليل حمتوى املقابالت التي أجريناها مع املساجني السياسيني أن هناك طرق تعذيب يراهن عليها اجلال د لتهشيم الضحية معنوي ا وكرس شوكتها وإذالهلا ألن هذه الطرق حتمل معاين رمزية ذات مرجعيات خمتلفة منها: مرجعية ثقافية أخالقية: جرى تعريض أغلب الضحايا لطريقة التعليق عىل شكل»الدجاجة املصلية«. وعند النظر يف هذه التسمية نالحظ أهنا ترجع بنا إىل ذلك الطري الداجن الضعيف والرسيع االهنزام. ففي ثقافتنا الشعبية والعامية نقول»فالن كالدجاجة«ملا يت صف به من خوف وجبن وضعف يف الشخصية. ويعمد اجلهاز األمني وحتديد ا اجلال د إىل تقزيم الضحية وإذالهلا وإهانتها ووضعها يف مقام الدجاجة»املريشة«أي يف حالة الضحية»العريانة«التي تعد لالستهالك. ومن جهة أخرى يسعى اجلال د إىل زرع الشعور باالحتقار الذايت يف نفس الضحية لتقل ل من شأن ذاهتا وتستصغر قدرهتا عىل مواصلة النشاط احلزيب املعارض بعد إذ حو هلا السج ان من فاعل داخل احلركة إىل مفعول هبا داخل السجن. ويتعر ض السجني السيايس أيض ا ملامرسات غري أخالقية تتعارض مع املبادئ واألخالق التي نشأ عليها الفرد. ولعل هذا ما يرب ر يف وسائل التعذيب املعتمدة»التعرية«و»االستفزازات اجلنسية«كأن جتري تعرية املرأة أمام الرجال فتتحو ل رمزي ا إىل مومس وعندما جي رب الرجل عىل وضع عضو زميله يف فمه يتحو ل رمزي ا إىل شاذ جنسي ا وحينام يتم إدخال أشياء صلبة يف مؤخ رته يتحو ل رمزي ا إىل شاذ جنيس سلبي أي إىل امرأة مغتص بة باملفهوم الذكوري للثقافة اجلنسية. واألمر ذاته عندما ت ستدعى زوجة السجني وهيد د باغتصاهبا أمامه إذا رفض االعرتاف وهذا يعود بنا إىل داللة الرشف يف الثقافة العربية. (12) Manuscrit auteur, publiè dans: Lahouari Addi, ed., «Les Enjeux théoriques de l anthropologie du Maghreb. Lecture de Bourdieu, Geertz, Gellner et Berque,» dans: Lahouari Addi, dir., L Anthropologie du Maghreb les apports de Berque, Bourdieu, Geertz et Gellner: Actes du colloque organisé à l IEP de Lyon, Septembre 2001 (Paris: Ibis Press, 2003), pp
59 59 دراسات القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية إذن االنتهاكات اجلنسية تبلور الكثري من القيم التي متث ل حمر مات متنو عة تكون إم ا ذاتية وإم ا اجتامعية فهذه املقاربة الذكورية واجلنسية التي يعتمدها السج ان تعود إىل القيم واملعايري االجتامعية الراسخة يف السجني والتي يدرك السج ان قيمتها الرمزية يف استهداف تلك األبعاد. ولو أخذنا مثل هذا املثال وطب قناه عىل شخص آخر حيمل ثقافة مغايرة ومتث الت قيمية خمتلفة فإنه لن حي دث يف نفسه يشء ولن يكون له تأثري فيه. مرجعية سياسية: تتبلور املرجعية السياسية للتعذيب داخل املعتقالت التونسية يف الرتكيز عىل حتطيم العالقة التي تنشأ بني الضحية وقائده السيايس وتكون عادة عالقة سيكولوجية تتغذ ى من جمموعة القيم املشرتكة التي يعمل القائد عىل جتسيدها. وكام هو معروف فإن هذه العالقة معق دة وتتشابك فيها صورة القائد اإلجيابية بالرموز واملرجعيات املشرتكة بني الناس. هنا يبادر اجلال د إىل شتم قائد احلركة التي ينتمي إليها السجني وتصويره عميال وخائن ا لوطنه وكذلك عقد مقارنة بني وضعه كسجني ق بض عليه وأ هني ووضع القائد الذي يتمت ع باحلرية والن عيم خارج السجن وجيعل منه وسيلة رخيصة إلحداث فوىض يف البالد ومواجهة السلطة. واهلدف بطبيعة احلال هو حتطيم تلك العالقة اإلجيابية ثم خلق فراغ سيكولوجي مكان هذه العالقة جلعل الضحية ضعيفة وفاقدة مرجعيات موج هة ذات قيمة إجيابية عنده وهذا حيدث عادة مع مساجني التيارات اليسارية. مرجعية عقائدية: يسعى السج ان أيض ا إىل توظيف أساليب تستهدف يف أغلب األحيان مساجني الرأي الذين ينتمون إىل تيارات إسالمية كأن يعمد إىل تدنيس املصحف أمامه أو إىل نزع حجاب املرأة ورميه يف املرحاض أو إىل سب الذات اإلهلية أو التندر باألحاديث عن اهلل والرسول ويف هذا كله سعي إىل هتميش وحتقري هذه الرموز التي يعتربها السجني مقد سة بالنسبة إليه ومتث ل أحد املبادئ التي يدافع عنها فيعمل السج ان عىل تدمريها يف داخل السجني وإفراغها من قيمتها لتصبح بال معنى رمزي وحت دث فيه نوع ا من االرتباك والتساؤل عن قيمة اليشء الذي يؤمن به. نستنتج إذن أن أثر تدنيس املصحف أمام السجني الذي يعتنق اإلسالم سيكون خمتلف ا متام ا عن أثره يف سجني من الديانة املسيحية أو سجني ذي انتامء شيوعي. مرجعية اجتامعية: ومن أساليب تعذيب السجني السيايس تعذيب ا غري مبارش حرمانه من بطاقة هوية ألن من شأن هذا أن حي دث فيه أمل ا نفسي ا عميق ا بسبب توجسه من العقبات االجتامعية التي ستعرتضه خارج السجن مثل إغالق أبواب العمل يف وجهه سواء يف القطاع العام أو يف اخلاص ومنعه من السفر إىل خارج البالد عالوة عىل سلبه من الناحية القانونية القدرة عىل إثبات هويته. ومن هذا املنطلق يمكننا تأويل هذا الفعل الذي من شأنه أن يطمس هوية الفرد وجيعل منه كائن ا غري اجتامعي ليصبح جمر د ا من إنسانيته مثله مثل أي كائن آخر غري معر ف به. وهنا يقع إنزاله إىل منزلة احليوان واملهم ش وغري القادر عىل التحر ك والفعل داخل التنظيم الذي ينتمي إليه وبالتايل داخل املجتمع. - املقاومة السلبية: مرجعيات فعل الصمود: تبني عمليات التعذيب داخل السجون التونسية عالقة تفاعلية بني اجلال د والضحية يكون من خالهلا الطرف األول يف وضعية الفاعل والطرف الثاين يف وضعية املفعول به أي إن األول يراهن عىل فعل كرس شوكة الضحية وحتطيمها بينام حياول الثاين أن يقاوم وإن بصورة سلبية. ويتفقان كالمها يف مرجعيات الفعل لدهيام رغم اختالف الدالالت واملعاين.
60 العدد ٤ / ١٤ خريف مرجعية دينية: هناك بني مساجني احلركات اإلسالمية من كان يت خذ من الثقافة العربية اإلسالمية مثاال ليتمك ن من مقاومة ما يتعرض له من تعذيب فمنهم من اقتدى بالصحابة إبان الفتوحات اإلسالمية وبداية الدعوة كام أشار قول إحدى املستجو بات:»كان املثال متاعنا بالل وصرب بالل وعام ر ابن ياس واسامء وصهيب الرومي وسلامن الفاريس كانوا قدوة وكان الواحد حيب يعيش ما عاشوه فلامذا ال يستمتع«)1)). ومنهم من توسل املوروث الديني بالتكبري كرد ة فعل:»اهلل أكرب. اهلل موالنا وال موىل لكم«)1)) ومنهم من كان يرى أن وضعية اعتقاله وتعذيبه ليست سوى ابتالء من اهلل تستوجب الصرب والتضحية فجاء عىل لسانه»احلمد اهلل ريب كي حيب عبدو يبتليه«)1)) ومنهم من قاوم فعل اجلال د بإرجاع ما يقوم به إىل اجلهاد يف سبيل اهلل حتى أن سجينة قالت يف شهادهتا أهنا متنت املوت عىل يد اجلال د لتكون عند اهلل شهيدة. مرجعية سياسية: يستعني السجني السيايس يف أثناء مواجهة التعذيب بالتوجيهات التي تلق اها يف أثناء نشاطه داخل التنظيم فترص الضحية مثال عىل التزام الصمت لتتب ع سري األحداث ومعرفة ماذا يراد من توقيفه والتحقيق معه كام جاء عىل لسان سجني:»ونقعد نتب ع جمرى البحث«)1)) وذلك خيفي فطنة السجني واسرتاتيجيته يف التعامل مع أساليب التحقيق فيبدو الصمت رمز احلذر عنده. كام يقتدي السجني السيايس بالزعامء السياسيني الذين سبقوه إىل السجن فيستمد من جتربتهم القدرة عىل مقاومة التعذيب والصمود أمام اجلال د يف فرتات سجنهم وحياكي نضاهلم ليزيد يف قدرته عىل التصد ي وعدم الرضوخ:»كن ا إناضلو كيام ناضلو إيل سبقون ماناش خري منهم النضال هذا رشف لينا رشف إنا وصلنا ليل وصلولو هوما«)1)) مع مالحظة أن هذا األسلوب ي عتمد غالب ا مع مساجني من التيارات احلزبية اليسارية. مرجعية أخالقية: حياول السجني هنا التامهي من حيث السلوك مع أخالقيات جال ده فتكون رد ة الفعل قائمة عىل مبدأ املعاملة باملثل وتكون النتيجة يف بعض األحيان لصالح الضحية إذ تنقلب األدوار ليصبح السجني هو املؤث ر يف السج ان بنعته بأبشع النعوت وجتريده من إنسانيته وتصويره حيوان ا مفرتس ا أو آلة مربجمة لتنفيذ أوامر وصوال إىل إعادته من حالة هذه اآللة إىل حالة اإلنسان:»مر ة قتلو تو إنت برش إنت برش واهلل تكذب قتلو سفيه واللهي ال جتي برش إنت برش فيك الدم وفيك العاطفة وفيك الشعرة متاع حمم د وأنا عريان بدون مالبس صفر مالبس قتلو أنا يف الوضعية هذي وإنت رجل عىل رجل قتلو تتكيف وشاخيتلك ومتغذ ي ربع دجاج... قتلو واللهي تكذب ماجتيش برش إنت شمعناها برش قتلو نا جيعان )1)) اعت قلت الناشطة السياسية م. م. في عهد نظام حكم الرئيس الحبيب بورقيبة وفترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي وهي تنتمي إلى حركة االت جاه اإلسالمي. )1)) شهادة السجين السياسي ع. ب. ي. ع. عن حركة االت جاه اإلسالمي. اعت قل في فترة النظام السابق لزين العابدين بن علي. )1)) اعت قلت السجينة السياسية م. م. في عهد نظام حكم الرئيس الحبيب بورقيبة وفترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي. وهي تنتمي إلى حركة االت جاه االسالمي. )1)) اعت قل السجين السياسي ب. خ. في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وعهد زين العابدين بن علي. وهو ينتمي إلى حركة االت جاه اإلسالمي. )1)) اعت قل السجين السياسي في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وعهد زين العابدين بن علي. وهو ينتمي إلى حركة االت جاه اإلسالمي.
61 61 دراسات القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية ورحيتي ناتنة ورايس مكرس وبدين الكل بالدم ورجيل زرقة ومعل ق وجد أم ي طالع وبديت نعيط واهلل الك بشاااااار وبديت نعيط خرج جيري من احلبس«)1)). التفاعل الكالمي بين الضحية والجل اد حاولنا من خالل التفاعل الكالمي بني الضحية واجلال د البحث يف مدلوالت ومعاين اللغة أو الكالم املتداول بني اجلال د والضحية باعتبار أن اللغة هي أحد أهم الرموز التي تعتمد عىل كلامت وألفاظ يتم من خالهلا التعبري عن املقصود الكامن يف النفس. وقد نستند يف حتليلنا هذا إىل رؤية أحد منارصي التفاعلية الرمزية جورج هالربت ميد Mead(.G(.H التي تقول إن مجيع القيود املفروضة عىل التفاعل االجتامعي واإلبداع فيه ترجع إىل حتليله للغة وهو أحد املالمح املحورية للتفاعلية الرمزية. واللغة هي املحرك الرئييس لالتصال االجتامعي وهدفها هو التعبري عن املعنى... واهلدف من اللغة توفري الرمزية الد الة عىل املعنى وإظهار رموز لفظية جديدة عند احلاجة إليها )1)). بناء عىل هذا حاولنا فهم سلوك اجلال د وسلوك الضحية يف عالقتهام املتبادلة ويف التفاعل بينهام من خالل اللغة. شرف الضحايا: تأثيرات التعذيب في السجناء السياسيين داخل السجن وخارجه حاولنا الرتكيز هنا عىل التأثريات اجلسدية النفسية واالجتامعية التي خيلفها التعذيب يف السجناء السياسيني داخل السجن وخارجه. فبعد أن قمنا بالتحليل السوسيولوجي لالسرتاتيجيات املعتمدة يف تعذيب املساجني السياسيني يف أثناء التحقيق واستخرجنا من خالل ذلك األبعاد الرمزية والقيمية ملثل هذه املامرسات التي تركت تأثرياهتا اجلسدية النفسية واالجتامعية يف املساجني السياسيني الذين تعر ضوا للتعذيب نحاول عرض وحتليل خمتلف هذه التأثريات وأعراضها وكيف تعايش معها السجني داخل السجن وخارجه. التأثيرات الجسدية تناولنا بالبحث والتحليل كعنرص أول التأثريات اجلسدية أي خمل فات التعذيب املادية واآلثار التي ت ركت عىل أجساد املساجني السياسيني الذين است جوبوا واألمراض التي أصابتهم فتحص لنا عىل النتائج التالية: - التأثريات اجلسدية قبل اخلروج من السجن: يف البدء ال بد من اإلشارة إىل أن يف جسد السجني تأثريات جسدية قصرية املدى وأخرى بعيدة املدى تغدو مزمنة ويعاين السجني بسببها طوال حياته. وقد اتضح لنا أن معاناة أغلب املساجني تتفاقم بعد وقف التعذيب مبارشة إذ تتكاثر حاالت النزيف احلاد الذي يكون إم ا من اجلروح الناجتة من الرضب وإم ا من األذن أو األنف أو الفم نتيجة شد ة الرضب والركل. كام يصاب السجني داخل السجن باهلزال واالهنيار البدين حتى يصبح غري قادر عىل احلركة متام ا وهذا حييلنا إىل إن اجلهاز األمني يفرغ التحقيق من مهمته األساسية وهي االستجواب واحلصول عىل اعرتافات بطرق قانونية موج هة ويعتمد أساليب عنيفة تدم ر الفرد وجتعل منه مغيب ا متام ا عن الوعي وغري قادر حتى عىل استيعاب ما حيدث له. )1)) اعت قل السجين السياسي ف. خ. في الفترة األخيرة لحكم الحبيب بورقيبة سنة 1987 وبدايات حكم زين العابدين بن علي سنة.1990 )1)) مصطفى خلف عبد الجواد نظرية علم االجتماع المعاصر )عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة 2009( ص 71.
62 العدد ٤ / ١٤ خريف كام تتعر ض أرضاس السجني للسقوط بسبب اللكامت القاسية عىل الوجه وهذا ما جيعل السجني غري قادر عىل األكل ومضغ الطعام. يضاف إىل ذلك تور م رجليه بسبب تعريضهام للفلقة إىل درجة أنه يصبح غري قادر عىل السري فيلجأ إىل الزحف عىل ركبتيه وراحتي يديه ويف هذا الوضع أبعاد نفسية سنتطر ق إليها بعد قليل. كام أن السجني السيايس يصاب داخل السجن بتعف نات وتقر حات يف مناطق حس اسة من جسمه كمؤخرته جر اء إدخال آالت حادة فيها. وهناك أيض ا التقر حات اجللدية نتيجة اجلروح التي خيل فها الرضب وهو ما جيعل اآلالم واملعاناة متواصلة حتى بعد مرحلة التعذيب. ومن خالل ذلك نالحظ وجود عالقة بني الوسائل املعتمدة ملامرسة التعذيب واآلثار البارزة عىل أجساد الضحية فكل وسيلة تتميز بأثرها اخلاص يف الضحية. - التأثريات اجلسدية بعد اخلروج من السجن: سج لنا من خالل خمتلف املقابالت مع املساجني السياسيني أن أغلبهم ما زالوا يعانون آثار التعذيب فمنهم من فقد برصه بسبب الرضبات الشديدة عىل الرأس ومنهم من فقد إحدى رجليه بسبب تعفنها يف السجن وعدم مداواهتا حتى بعد اخلروج من السجن بسبب عدم حصول السجني عىل بطاقة معاجلة صحية. ونستخلص من ذلك أن التعذيب ممنهج داخل منظومة نسقية تتفاعل فيها مجيع العنارص لتساهم يف تدمري الفرد وحتطيمه وجعله كائن ا عاجز ا جسدي ا وغري قادر ليس عىل ممارسة النشاط احلزيب فحسب بل حتى عىل البحث عن عمل لتأمني قوت يومه. كام أك د لنا أغلب املستجوبني أهنم يعانون اآلن أمراض ا مزمنة مثل الروماتيزم جر اء النوم عىل اجلليز أيام الشتاء البارد وتكرار سكب املاء البارد عليهم يف أثناء التعذيب وإطعامهم مأكوالت أحدثت تقرحات يف املعدة وترشيبهم مياه ا ملوثة سببت هلم التهابات يف الكبد وأمراض سطان الدم. التأثيرات النفسية ربام من املفيد أن نشري إىل أننا وجدنا صعوبة يف الفصل بني ما هو مادي أي جسدي وما هو معنوي أي نفيس فمجمل الوسائل املستعملة يف تعذيب الضحية ومجيع العنارص املحد دة اآلنفة الذكر كان هلا األثر الكبري يف نفسيات الضحايا أي السجناء السياسيني سواء خالل وجودهم يف السجن أو بعد خروجهم منه. - التأثريات النفسية داخل السجن: جتاوز التعذيب املفهوم السائد واملتداول والقائل إن اجلهاز األمني يعتمد هذه املامرسات كعقوبة مسل طة عىل السجني السيايس أو من أجل سحب اعرتافات ومعلومات إىل مفهوم آخر يتعد ى هذه الدائرة الضيقة. وقد الحظنا من خالل حتليل املقابالت التي أجريناها مع املعنيني هبذا األمر أن التعذيب أصبح موظ ف ا لغايات أخرى تستهدف إرادة األفراد املنتمني إىل حركة أو تنظيم سيايس وذلك لتحطيم عزائمهم وقدرهتم عىل التحر ك والنشاط وجعلهم مثقلني بآالم التعذيب اجلسدية عموم ا والنفسية خصوص ا. سنحاول هنا حتديد جتليات هذه املامرسات وتأثريها يف السجناء السياسيني. لقد الحظنا أن ملجمل الدالالت واملعاين الرمزية ذات املرجعيات القيمية وق عها عىل نفسية األفراد حلظة التعذيب داخل املعتقل ويستمر هذا الوق ع بعد اخلروج منه نظر ا إىل أن هذه الرموز املستعملة ختاطب قناعات األفراد ومعتقداهتم
63 63 دراسات القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية ومبادئهم القيمية مبارشة. وبالتايل فإم ا يقاوم السجني السيايس تأثرياهتا يف نفسيته بسالح اهلجوم -القيم- نفسه وإم ا يستسلم ويضعف وينهار نفسي ا وذلك حيدث يف إطار التفاعل الرمزي بينهام. هذا فضال عن أن التعذيب ليس جمر د ممارسات تسبب أمل ا للضحايا سعان ما يزول بمرور الوقت بل إنه ي عترب ممارسات ممنهجة تقتحم األفراد من الد اخل لت ضعف كياهنم وإرادهتم وبالتايل يصبح للجهاز األمني القدرة عىل امتالك ذواهتم والتحك م فيها. - التأثريات النفسية بعد اخلروج من السجن: إن أغلب املعتقلني حيملون يف داخلهم أمل ا نفسي ا عميق ا مل يتسن ى هلم الشفاء منه وجتاوز ما حدث هلم. وكنا سج لنا يف هذا الصدد مجلة من العبارات واجلمل التي تدل عىل شد ة الت أث ر منها»التعذيب الن فيس هو اليل بقا خاتر األمل واألثار تنح ات معادش تتحس إيل يف البدن أم ا بقات مأثرة يف نفسيتك«)2)) وهذا فيه داللة عىل شد ة وطأة التعذيب النفيس مقارنة بالتعذيب اجلسدي. ولعل األوضح تعبري ا عن ذلك قول أحد السجناء:»لداخل نحس بغيض كبري واحتقان داخيل خاتر تشوف بعينك ومتنج م تعمل يشء حرسة كبرية ياس«)2)). وقد يسعى اجلهاز األمني املتمث ل يف شخص املختص بالتعذيب إىل نزع الصبغة اإلنسانية من داخل األفراد وبالتايل يعمل عىل تغيري تركيبة الفرد ليجعل منه كائن ا مفرتس ا كام عرب ت سجينة عن هذا األمر بقوهلا:»حتس روحك حتب ي تنتقمي أنا نحب ننتقم منهم األشخاص هاذوكم موش خاتر رضبوين أما خاتر التعذيب من نوع آخر كان وأنا إيل يشفييل غلييل جيبييل هالس يد هذا قد امي ونبدا ننزع فيه حلمة حلمة إنت ش فيه باللحمة وما نشفيش غلييل«)2)). فهذه الرغبة الشديدة يف االنتقام مم ن قاموا بتعذيبها تعكس قدرة اجلهاز األمني عىل تشكيل البنية النفسية للفرد من خالل املامرسات العنيفة التي سامهت يف شحنه وقلب املوازين يف داخله من فرد حيمل جمموعة من القيم واملبادئ التي يدافع عنها إىل فرد مه ه الوحيد يف احلياة االنتقام والتنكيل بمن أساء إليه وبالتايل هناك تغييب غري مبارش للضحية عن هدفها األسايس إىل هدف آخر شخيص وذايت ال يمت إىل احلركة السياسية بصلة مثل الرغبة يف التجاوز أو أن يكون مه ه الوحيد هو االنتقام. لكن سج لنا يف املقابل حاالت من الصمود والثبات أمام ممارسات العنرص األمني املختص بأعامل التعذيب وهي مستمدة من قناعة املساجني بأن السجن والتعذيب جزء من النضال ال بد منه وبالتايل هناك قبول نفيس وقدرة عىل حتم ل هذه املامرسات. التأثيرات االجتماعية نشري هنا إىل أن دراسة التأثريات االجتامعية تستوجب جماال شاسع ا للدراسة لكن نظر ا إىل طبيعة البحث اكتفينا بدرس العالقات التي حد دناها من خالل املقابالت التي قمنا بتحليلها وحاولنا فهم وتأويل عالقات السجني السيايس باملحيطني به داخل املعتقالت وبعد اخلروج منها. فعىل املستوى العالئقي داخل السجن حاولنا من خالل املقابالت فهم طبيعة العالقات التي يبنيها السجني السيايس داخل السجن فالحظنا أهنا تنقسم إىل ثالثة أصناف وهي: عالقة السجني باملختص )2)) عن سجينة سياسية ع.س.ل. اعتقلت خالل بداية حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. )2)) عن سجينة سياسية ع.س.ل. اعتقلت خالل بداية حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. )2)) عن سجينة سياسية ع. س.ل اعتقلت خالل بداية حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
64 العدد ٤ / ١٤ خريف بالتعذيب وعالقة السجني بسجناء أو بموقويف قضايا احلق العام وعالقة السجني بأبناء القضية الواحدة. فبالنسبة إىل الصنف األول الحظنا لدى اعتامدنا طريقة التحليل األفقية للمقابالت أن العالقة بني السجني وعون التعذيب عالقة قائمة عىل القطيعة مع املساجني كلهم وهذه القطيعة مبنية عىل الرصاع الدائم واجلدال املتواصل باعتبار أن املختص بالتعذيب يمث ل القوة الفاعلة يف هذا املشهد يف حني أن السجناء السياسيني عنارص مفعول هبا. نستنتج إذ ا أن هذه العالقة القائمة عىل الرصاع بني اجلال د والضحية عالقة جدلية مبارشة الغاية منها تبيان تأثري األفعال واملامرسات التي يقوم هبا العون وفق منهج ومتطل بات العمل القائم به ومدى تأث ر املوقوف وتفاعله مع هذه املامرسات بحسب درجة التحم ل والصمود. هذا الشكل من الرصاع يذهب بنا إىل القول إن هذه العالقة القائمة بني االثنني عالقة تبادلية مبنية عىل اهلجوم والدفاع حيث يكون اهلجوم بحسب اسرتاتيجيات تستهدف الفرد يف كيانه الداخيل من أجل حتطيمه وجعله يف تبعية كاملة للجهاز األمني وبحسب اسرتاتيجيات املوقوف وأساليبه املعتمدة - والتي سبق ذكرها يف عنارص سابقة- من أجل محاية نفسه من االهنيار واالنقياد ملا يريده العون وبالتايل ملا يريده اجلهاز األمني. وبالنسبة إىل الصنف الثاين أي عالقة السجني باحلق العام غالب ا ما يكون السجني السيايس ممنوع ا منع ا بات ا من التواصل وبناء عالقات مع احلق العام أو جيري تكليف بعض مساجني احلق العام بمضايقة السجني السيايس وإزعاجه وبالتايل يتقم ص سجني احلق العام دور السج ان ليواصل عملية تعذيب السجني وتدمري معنوياته ويف هذه احلال يميل السجني إىل تفضيل العزلة عىل االحتكاك باحلق العام. إال أن ذلك ال ينفي وجود شهادات تسج ل نجاح ا يف بناء عالقات مع معتقلني من قضايا احلق العام ففي بعض األحيان جيد سجني الرأي مساعدة من سجناء قضايا حق عام نظر ا إىل الضغوط واملضايقات التي يامرسها األعوان عىل السجني السيايس. كام يمكن اإلقرار بوجود مساعدة من املساجني من أجل خلق شبكة تواصل بني أبناء القضية الواحدة. يوجد شكل آخر من أشكال تواصل معتقيل احلق العام مع السجناء السياسيني وهو عالقة التأثري والتأث ر فمن خالل التواصل يمكن السجني السيايس الذي حيمل فكر ا معين ا أو أيديولوجيا معينة أن يواصل نرش هذا الفكر أو هذه األيديولوجيا داخل السجن والتعريف هبام وهو ما جيعل سجني احلق العام يتأث ر بذلك ويتبن ى الفكرة أو العقيدة نفسها أو التوج ه السيايس نفسه فأجرب هذا التواصل اجلهاز األمني عىل فصل املساجني السياسيني عن مساجني احلق العام من أجل حتطيم هذا الصنف من العالقات الذي يؤس س لبناء شبكة تساهم يف تواصل نشاط السجني السيايس حتى بعد اعتقاله. لكن يف عالقة السجني السيايس بأبناء القضية وهي الصنف الثالث سج لنا ثالث عرشة حالة كانت يف تواصل دائم مع أبناء القضية الواحدة لكن البقية املتمث لة يف سبع حاالت كانت ممنوعة من التواصل بل ممنوعة حتى التحادث يف ما بينها أو تبادل التحية ويكون ذلك لفرتات طويلة جد ا وهو ما جيعل السجني يعيش حالة نفسية صعبة نظر ا إىل منعه من ممارسة أبسط حقوقه.
65 65 دراسات القيمي والرمزي في عمليات تعذيب المساجين السياسيين داخل السجون التونسية وعىل املستوى العالئقي خارج السجن يواصل النظام حتديد عالقات السجني السيايس بعد اخلروج من السجن بصورة غري مبارشة نظر ا إىل املضايقات التي يفرضها عىل مجيع من له صلة بالسجني السابق. ولذلك حتدث قطيعة ت فرض بطريقة غري مبارشة فيؤ ثر السجني جتن ب أي احتكاك باألصدقاء وبالعائلة واألقارب خوف ا عليهم من املضايقات األمنية. ويصبح السجني السيايس غري مرغوب فيه من اجلميع في قىص وهي م ش ويعترب ذلك صريورة وتواصال لعملية التعذيب النفيس واملعنوي من خالل حتطيم مجيع العالقات اإلنسانية التي يتعايش هبا الفرد وبالتايل هناك تواصل لتجريده من إنسانيته وإفراغه من قيمته كمناضل أو كناشط سيايس. أم ا عىل املستوى املهني واملعييش فعند خروج السجني السيايس من املعتقل أو من السجن أو من مركز التوقيف يصبح جمر د ا من مجيع الوثائق التي ت ثبت هويته وبذلك يصبح غري قادر عىل السفر وال عىل العمل. وحتى لو حاول العمل يف القطاع اخلاص فإنه يتعرض ملضايقات صاحب العمل له أو حتى للطرد من العمل فيلفي نفسه عاجز ا عن توفري أدنى متطل بات احلياة املعيشية. وقد الحظنا أن الذين أجرينا معهم مقابالت يعملون كلهم تقريب ا باعة متجولني أي غري مستقرين يف أماكن حمددة خشية أن يصاد ر أو أن ي تلف اجلهاز األمني السلع التي يبيعوهنا كالعسل أو الفواكه املجففة أو الغالل أو ما شابه ذلك. يضاف إىل ذلك أن املضايقات واحتامالت الطرد من العمل تشمل حتى أقارب الضحية كاألب أو األخ أو األخت. استنتاجات لعل من أهم مميزات البحوث العلمية عموم ا والدراسات السوسيولوجية خصوص ا أهنا تتناول الظاهرة االجتامعية بالبحث من زوايا خمتلفة ومن وجهات نظر متعد دة ويكون ذلك وفق ا لرباديغامت خمتلفة إال أن هذا االختالف ال يعني تضارب األفكار وتناقضها بل يعني تكامال وانسجام ا من أجل تأثيث مكتبة علم االجتامع بدراسات علمية وموضوعية دقيقة. نستخلص من هذا البحث نتائج متكن ا من خالهلا فهم كيف يتم التعامل مع املساجني السياسيني داخل السجون التونسية من خالل عملية التعذيب املسل طة عىل الضحية وبالتايل فهم وحتليل املراجع القيمية والثقافية التي يعتمدها اجلال د يف السيطرة عىل الضحية وكذلك التي تعتمدها الضحية يف مقاومة اآلالم املادية واملعنوية. كام متكن ا من فهم تأثريات ذلك يف الفرد اجتامعي ا ونفسي ا وجسدي ا. تتلخص النتائج يف ما ييل: - التعذيب املسل ط عىل الضحية تعذيب مادي ومعنوي: وجدنا وفق املنهج الذي ات بعناه يف حتليل ظاهرة التعذيب أن الضحية داخل السجن ال تتعر ض لطرق مادية تستهدف اجلسد وإحلاق األذى هبا فحسب بل تتعر ض أيض ا ألساليب معنوية تستهدف ذات الفرد لتسبب هلا آالم ا وضغوط ا نفسية لكن اعرتضتنا صعوبة يف الفصل بني ما هو مادي أي جسدي وما هو معنوي أي نفيس وكالمها حي دث آثار ا اجتامعية خطرية تعرقل مسار الفرد يف مجيع املجاالت بعد خروجه من السجن.
66 العدد ٤ / ١٤ خريف املواجهة الرمزية التي تنشأ بني الضحية واجلال د: من خالل قراءتنا ظاهرة التعذيب داخل السجون التونسية يمكننا القول إن فعل التعذيب يقوم عىل مجلة من الرموز منها رمزية املعتقد ورمزية اجلنس ورمزية القائد وهذه الرموز تقوم عىل مجلة من القيم واملرجعيات التي تعطي معنى للكرامة والرشف وللوجود بصفة عامة وهي التي يستهدفها اجلال د عندما يستعمل هذه الطريقة أو تلك يف عمليات التعذيب ضد ضحاياه. كام توصلنا إىل أن املرجعيات التي يوظفها اجلال د هي نفسها املرجعيات التي تستبطنها الضحية للتصد ي لعملية التعذيب لكن بشكل مغاير يسمح هلا بأن تتصد ى لوطأة التعذيب ويتم ذلك وفق عملية التفاعل الرمزي القائمة بينهم. ومن االستنتاجات أيض ا أن العالقة القائمة عىل الرصاع بني اجلال د والضحية هي عالقة جدلية مبارشة الغاية منها تبيان تأثري األفعال واملامرسات التي يقوم هبا العون وفق منهج ومتطل بات العمل القائم به ومدى تأث ر السجني وتفاعله مع هذه املامرسات بحسب درجة التحم ل والصمود. ثم إن عملية التعذيب ال تؤمل الضحية فحسب وإنام يمكن أن تؤمل يف بعض املواقف اجلال د أيض ا فتجعله يستحرض ذاته كإنسان وينهار أمام الضحية لشد ة ما يقوم به. - االندماج يف املجتمع بعد اخلروج من السجن: إن تأثريات التعذيب املادي واملعنوي ال تزول يف املعتقل أو السجن بل تستمر بعد اخلروج من السجن وتبقى مالزمة للضحية التي تكون يف أمس احلاجة إىل التواصل للحصول عىل الدعم املعنوي من األهل واالصدقاء واملقر بني. إال أن مغادر السجن يعيش يف قطيعة تامة بعيد ا عن املجتمع فالكل يتجن به ويتحاشى االختالط به خوف ا من األمن باعتبار أنه حمل شبهة ويمكن أن ي لحق األذى بكل من يقرتب منه فتلك العيون التي ال تنام كام تقول إحدى الضحايا تسهر عىل مراقبة كل من حيتك بالسجني السابق واستدعائه إىل مراكز األمن عند الرضورة. نستخلص هنا أن القيمة الرمزية اإلجيابية للفعل السيايس املعارض أصبحت عند عامة الناس قيمة سلبية مفرغة من معانيها السابقة يوم كان السجناء السياسيون قبل العهدين املذكورين يعام لون كمناضلني فال جيدون بعد خروجهم من السجن صعوبة يف االندماج جمدد ا يف املجتمع.
67 67 عبد الحميد بنخطاب * إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب منذ اندالع ما ي صطل ح عليه بالربيع العريب يف املنطقة العربية ت طرح مسألة اهلوية واملطالب املتعلقة هبا إشكاالت متعددة األبعاد ففي دول هذه املنطقة ت فرتض االستجابة الفورية للمطالب السياسية املتعلقة باالعرتاف باهلويات اجلامعية والفردية املتصلة باحرتام احلقوق األساسية الفردية واجلامعية من جهة وتدبري املخاطر األمنية والسياسية النامجة عن ذلك من جهة أخرى. حيدث ذلك يف سياق اجتامعي وسيايس عريب يقوم أساس ا عىل منطق التدبري الشخصاين للتوحد بدال من التدبري املؤسيس لالختالف وهو ما يعق د صريورة االنتقال نحو الديمقراطية وبناء دولة القانون واملؤسسات. ويزداد التعقيد يف غياب نقاش نظري سيايس وثقايف عمومي يسمح بتحديد دقيق لسقف السياسات اهلواتية املمكنة والواجبة وملضموهنا يف املنطقة يف أفق حتقيق دولة القانون الديمقراطية. لفهم املخاطر والفرص املرتتبة عن هذا السياق السيايس جيب الوقوف عند الزوايا التالية: الزاوية النظرية واملنهجية التي تساعد عىل مقاربة إشكالية اهلوية مفهوم ا علمي ا كثري ا ما يساء فهمه أو شحنه بعدد كبري من الرؤى والتصورات األيديولوجية واإلقصائية بل وحتى العنرصية يف بعض احلاالت زاوية العنف واملخاطر األمنية اللذين تنتجهام جدلية السلطوية واملطالب اهلوياتية زاوية السيناريوهات املحتملة لتدبري املخاطر املتعلقة باالعرتاف باهلوية يف ضوء التجارب السياسية الدولية يف هذا املجال مثل النامذج اإلسباين واإليطايل والفرنيس. * أستاذ التعليم العايل جامعة حممد اخلامس أكدال الرباط.
68 العدد ٤ / ١٤ خريف مقدمة منذ اندالع ما يصطل ح عليه بالربيع العريب يف املنطقة العربية تطرح مسألة العنف اهلويايت واملطالب السياسية املرتبطة هبا إشكاالت متعددة األبعاد ففي دول هذه املنطقة ت فرتض االستجابة الفورية لزخم هائل ومتصاعد من املطالب املادية واالجتامعية للمواطنني باإلضافة إىل املطالب السياسية والرمزية املتعلقة باالعرتاف باهلويات اجلامعية والفردية املتصلة باحرتام احلقوق األساسية الفردية واجلامعية بام يرتتب عن ذلك من خماطر أمنية وسياسية تقو ض بصورة حتمية استقرار األنظمة وتوازهنا. حيدث هذا يف سياق اجتامعي وسيايس إقليمي يتأرجح بني ثنائية السلطوية واألنوقراطية ))) ويقوم أساس ا ولو بشكل متفاوت عىل منطق التدبري الشخصاين املبسط لوحدة الدولة والعقيدة والشعب واملجال بدال من التدبري املؤسيس الختالف مجيع هذه األبعاد املتشعبة واملعقدة وتعددها يف املجتمعات املعارصة وهو ما يعق د صريورة االنتقال نحو الديمقراطية ودولة القانون واملؤسسات ويزيد من خماطر العودة إىل السلطوية كلام عجزت املؤسسات الرسمية عن تلبية املطالب االجتامعية واهلوياتية ))) ويضاعف احتامالت اللجوء إىل العنف اهلويايت كلام استحال عىل احلركات االجتامعية حتقيق مطالبها االجتامعية والثقافية عن طريق القنوات املؤسساتية التقليدية وكلام زاد إحباطها النسبي جتاه إمكانية حتقيق انتظاراهتا ))) فالعنف والعنف املضاد يف هذا السياق يظالن آلية تقليدية للتبادل االجتامعي ))) يلجأ إليها الفاعلون السياسيون واالجتامعيون لتحقيق مطالبهم اهلوياتية وأهدافهم السياسية املرتبطة هبا كلام تصوروا أن بنية الفرص التي تتيحها تفوق بشكل جيل تلك التي يمكن حتقيقها عرب القنوات الرسمية وعرب االحتجاج السلمي واملفاوضات ))). يف هذا السياق ي ع د تعريف العنف والعنف اجلامعي عملية صعبة بالنظر إىل أن تعريف ماهية املفهوم ي سفر يف النهاية عن موقف قيمي سلبي جتاهه ))) موقف ال يسمح مطلق ا بفهم مجيع جتلياته املتحولة التي يمكن وصفها بالسائلة ))) ذلك أن تعريف العنف انطالق ا من ماهيته املجردة حيجب كل إمكانية لفهم املعنى الذي ))) األنقراطية )Anocratié( نظام حكم هجين أو انتقالي ال هو أوتوقراطي وال هو ديمقراطي بالمعنى الدقيق للمفهوم بالنظر إلى كونه ال يملك مقومات القمع كما في األنظمة الدكتاتورية وال المؤسسات السياسية الديمقراطية التي تمتص التعدد السياسي والهوياتي. انظر التقرير السنوي لمركز السلم الشامل لسنة 2014 حيث صنف األنظمة العربية الى أوتوقراطية وأنقراطية في خارطة توزيع أنظمة الحكامة في النظام الدولي. انظر أيض ا: Monty G. Marshall and Benjamin R. Cole, Global Report, 2014: Conflict, Governance, and State Fragility (Vienna, VA: Center for Systemic Peace, 2014), p. 23. ))) باستثناء تصنيف تونس ضمن الدول الحرة والمغرب ضمن الدول الحرة نسبي ا صنفت منظمة Freedom House جميع الدول العربية ضمن الدول غير الحرة أو ضمن أسوأها سنة 2015 انظر:.>freedomhouse.Org< (3) Ted Robert Gurr, Why Men Rebel (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1970), p. 13. ))) انظر: Raymond Jamous, Honneur et baraka: Les Structures sociales traditionnelles dans le Rif, Atelier d anthropologie sociale (Cambridge ; New York ; Melbourne : Cambridge University Press; Paris: Éditions de la Maison des sciences de l Homme, 1981), pp ))) انظر: Sidney Tarrow and Charles Tilly, Contentious Politics and Social Movements, in: Carles Boix and Susan C. Stokes, eds., The Oxford Handbook of Comparative Politics, Oxford handbooks of political science (Oxford ; New York : Oxford University Press, 2007), p (6) Philippe Braud, Violences politiques, Points. Essais (Paris: Ed. du Seuil, 2004), p. 14. (7) Zygmunt Bauman, Le Présent liquide: Peurs sociales et obsession sécuritaire, traduit de l anglais par Laurent Bury (Paris: Seuil, 2007), p. 5.
69 69 دراسات إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب يسبغه الفاعلون السياسيون عليه كام لو أن وجوده مستقل عنهم وعن تصوراهتم لذواهتم وللعامل املحيط هبم. لكن ذلك ال يمنع اعتباره فعال ذا طبيعة سياسية يف ظاهره لكونه يدخل يف صميم مجيع مراحل العملية السياسية القائمة أساس ا عىل الرصاع ألجل الوصول إىل السلطة أو املحافظة عليها ))). كام يمكن التشديد عىل أن العنف اجلامعي يتضمن بالرضورة ب عد ا هوياتي ا يرتبط بتمث الت الفاعلني املؤس سة هلويتهم املشرتكة وللمخاطر التي هتددها يف حميطها السيايس واملؤسيس والثقايف ))) حيث حتدد هذه التمث الت للهوية اجلامعية يف الغالب مضمون وحجم سجل العمل اجلامعي للحركات االجتامعية وحجم هذا العمل )1)). انطالق ا من هذه الزاوية يمكن تأكيد أن العنف السيايس عنف هويايت بالرضورة ويرتبط بتصور الفاعلني لذواهتم وللعامل. غري أن العنف اهلويايت ليس كله بالرضورة عنف ا سياسي ا بالنظر إىل كونه ال يستهدف دوم ا الوصول إىل السلطة السياسية أو املحافظة عليها بل قد يكون جتلي ا للرصاع من أجل الربوز visibilité( )la االجتامعي والثقايف جلامعة ما يف حال افرتاضها وجود خطر عليها صادر عن الدولة أو عن مجاعة أخرى إذ يصبح العنف يف هذه احلالة أداة إلثبات وجود اجلامعة االجتامعي )1)) ال أداة لولوج السلطة السياسية عىل الرغم من عدم استبعاد هذه الفرضية متى نجحت املجموعة يف فرض هيمنة هويتها عىل اجلامعات األخرى )1)). من هذا املنطلق يمكن تأكيد أن العنف اهلويايت أشمل وأوسع من العنف السيايس باعتبار أنه قد يشمل مجيع أشكال العنف اجلامعي )بام فيها العنف السيايس( الذي ينتجه النظام االجتامعي ضمن صريورة تشك له التارخيية. يف هذا السياق ت ع د صريورة بناء اهلوية والتمث الت املتعلقة هبا آلية إدراكية أساسية تسمح للمناضلني املعبئني ضمن احلركات االحتجاجية بتحديد ذواهتم واحلركات التي ينتمون إليها وتعريفها من جهة )1)) وبتحديد اآلخرين كأصدقاء أو كأعداء من جهة أخرى أي ت ع د بعبارة أقل جتريد ا آلية إدراكية لفهم العامل وفك رموزه. غري أن إسقاط هذا النوع من التحليل عىل احلركات االحتجاجية يف املنطقة العربية يواجه مشكالت كثرية بالنظر إىل صعوبة حتقق فرضية عقالنية اخليارات والفرص املتاحة أمام املناضلني واملقاولني السياسيني Entrepreuneurs( )Political )1)) والتي حتيل إىل فرضية تعظيم الربح املشرتك الذي يتوجب عىل اجلامعة (8) Charles Tilly, «La Violence collective dans une perspective européenne,» Tracés: Revue de Sciences Humaines, no. 19 (2010), p. 206, sur le site: < traces.revues.org/4919>. ))) انظر: تشارلز تلي الحركات االجتماعية ترجمة وتقديم ربيع وهبه المشروع القومي للترجمة 957 )القاهرة: المجلس األعلى للثقافة 2005( ص 52. )1)) ارتأينا ترجمة Social Movement Repertoir بسجل الحركات االجتماعية لكون السجل يحيل إلى أرشيف وذاكرة الحركة التي تحدد طبيعة العمل الجماعي وحجمه بدال من ذخيرة الحركات االجتماعية التي اعتمدها مترجم كتاب الحركات االجتماعية والتي توحي بمخزون مادي للعمل الجماعي. )1)) انظر: Philippe Braud: Violences politiques, pp , et «La Violence politique : Repères et problèmes,» Cultures et Conflits, nos (Printemps-Eté 1993), mis en ligne le 13 Mars 2006: < (consulté le 15 Juillet 2015). (12) Pierre Bourdieu, «L Identité et la représentation: Eléments pour une réflexion critique sur l idée de région,» Actes de la recherche en sciences sociales, no. 35 (1980), p. 65. (13) Rogers Brubaker, «Ethnicity, Race, and Nationalism,» in: Annual Review of Sociology (Palo Alto, Calif.: Annual Reviews Inc., 2009), p. 34. )1)) ارتأينا أن نترجم مصطلح Political Entrepreneurs بالمقاولين السياسيين عوض المدبرين السياسيين كما وردت في الترجمة لكون المقاول يحيل إلى عملية خلق الفرص بينما يحيل التدبير إلى عملية تنظيمية روتينية. انظر: تلي ص
70 العدد ٤ / ١٤ خريف املنظمة أن حتققه يف مقابل تقليص التكلفة الواجب حتم لها يف حني أن فكرة تعظيم الفائدة )1)) التي ينبني عليها الفعل السيايس مبدئي ا ختتلف جذري ا يف جوهرها وأبعادها عن الربح املادي حتى وإن تضمنته بمستويات متفاوتة ألهنا قد تكون رمزية أو نفسية ال تقد ر بثمن إذ ما الفائدة التي يمكن أن جينيها مناضل يعر ض حياته للخطر بصورة يومية وما هو نوع العقالنية التي قد تدفعه إىل ذلك غري حتقيق رضا املجموعة ورضا الذات الرمزية يف املقام األول ثم حتقيق املكاسب املادية يف املقام الثاين لتجاوز هذه الثغرات النظرية يتعني جتاوز مقاربات تعبئة املوارد )1)) والفعل اجلامعي كفعل عقالين حمدد لتفسري ظاهرة العنف اهلويايت يف املنطقة العربية لكوهنا ال تسمح بإدراج األبعاد النفسية والقيمية املتعلقة بالرصاع ألجل االعرتاف )1)) كلام نحت املؤسسات السياسية منحى اإلقصاء أو اهليمنة جتاه اهلويات االجتامعية والثقافية والسياسية لفئات اجتامعية معي نة باعتبارها إم ا أقلية وإم ا مهم شة. من هذا املنطلق يمكن مقاربة العنف اهلويايت لدى احلركات االحتجاجية ولدى الدولة يف السياق السيايس املغريب الذي طاملا ن عت بالنموذج االستثنائي مقارنة بالنامذج الق طرية األخرى يف املنطقة. طبيعة المطالب الهوياتية للحركات االحتجاجية المغربية يمكن تقسيم احلركات االحتجاجية يف املغرب إىل صنفني أساسيني يتفاوت فيهام سجل اللجوء اىل العنف بحسب طبيعة مرجعيتهام النضالية وبنائهام اهلويايت وأهدافهام السياسية ثم درجة حتم لهام من طرف السلطات العمومية ومها احلركات االحتجاجية ذات اخللفية السياسية واحلركات املدنية. الحركات االحتجاجية ذات الخلفية السياسية هي احلركات التي تنتمي من الناحية التنظيمية إىل املجتمع املدين وإن تكن مستقلة إذ ربام ترتبط مذهبي ا أو برشي ا باألحزاب السياسية ذات اهلوية السياسية املعارضة للنظام السيايس أو للسياسات العمومية الرسمية مثل األذرع النقابية لبعض األحزاب وبعض هيئات الدفاع عن حقوق اإلنسان وبعض احلركات النسائية والشبابية... وهي يف الغالب تنظيامت تنتمي مذهبي ا إىل عائلة احلركة الوطنية واألحزاب اليسارية واإلسالمية كحزب االستقالل واالحتاد االشرتاكي للقوات الشعبية والتقدم واالشرتاكية واالشرتاكي املوحد والطليعة الديمقراطي االشرتاكي والعدالة والتنمية... أو إىل املركزيات النقابية الكبرية كاالحتاد املغريب للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل واالحتاد العام للشغالني واالحتاد الوطني للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل... )1)). لعل ما يمي ز الفعل االحتجاجي هلذا الصنف من احلركات االحتجاجية هو طابعه السيايس الواضح أو املسترت واملرتبط بمطلب املشاركة يف السلطة السياسية أو التأثري فيها من جهة ثم طابعه السلمي الذي )1)) انظر: Mancur Olson, Logique de l action collective, préface de Raymond Boudon ; traduit de l américain par Mario Levi, Sociologies (Paris: Presses universitaires de France, 1966), pp (16) Anthony Oberschall, Social Conflict and Social Movements, Prentice-Hall Series in Sociology (Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, [1973]), and Charles Tilly, From Mobilization to Revolution (Reading, Mass.: Addison-Wesley Pub. Co., 1978). (17) Axel Honneth, La Lutte pour la reconnaissance, trad. de l allemand par Pierre Rusch, Passages (Paris: Éd. du Cerf, 2010). )1)) ينص الفصل 11 من القانون المنظ م للتجمعات العمومية الصادر في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1958 على:»ال ي سمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إال لألحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية...«.
71 71 دراسات إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب اكتسبه بفعل صريورة طويلة من االحتجاج والقمع واملفاوضات والرصاعات الداخلية التي أحدثت حتوال عميق ا يف عالقتها بالنظام السيايس نحو جتاوز العنف والعنف املضاد واالرتكاز عىل ثالثية املطالب السلمية واملفاوضات والتظاهر السلمي كآليات لتدبري األزمات والرصاعات وبناء هوياهتا السياسية من جهة أخرى. ولعل هذا ما يفرس بشكل جيل احلذر االسرتاتيجي الذي تعاملت به هذه احلركات )شبيبة حزب االحتاد االشرتاكي واالستقالل والتقدم واالشرتاكية...( مع حركة 20 شباط/فرباير 2011 إذ عرب بعض األحزاب الكبرية منذ البداية عن حتفظه جتاه هذه احلركة خصوص ا أن دعوهتا ت ع د شكال جديد ا لالحتجاج ال يدخل ضمن السجل االحتجاجي التقليدي هلذه األحزاب ومن ثم فهي حتمل يف طياهتا خماطر حقيقية عىل السل م االجتامعي واالستقرار السيايس يف ظل الغموض الذي يلف هوية منظميها وأهدافهم السياسية )1)) وهي التحفظات التي تأكدت بعد انزالق بعض التظاهرات يف كثري من املدن املغربية نحو العنف مثل العرائش وطنجة واحلسيمة ومراكش فيام عرب جل األحزاب الصغرية ذات املرجعية االشرتاكية والشيوعية والفوضوية عن دعم احلركة وتبن ي شعاراهتا مثل أحزاب الطليعة الديمقراطي االشرتاكي واالشرتاكي املوحد والنهج الديمقراطي واملؤمتر االحتادي... التي انخرط شباهبا ومناضلوها فيها بشكل كيل خصوص ا أن هذه األخرية مل ترجتع مرجعياهتا السياسية واأليديولوجية لتخليصها من املنطق الرصاعي جتاه املؤسسات الرسمية الذي حتكم فيها خالل سنوات الرصاص والعمل الرسي )2)). يف هذا السياق يمكن تأكيد أن احلركات االحتجاجية ذات اخللفية السياسية تنهل يف فعلها االحتجاجي من سجل ممارستها االحتجاجية الذي تعزز بكثري من األشكال االحتجاجية التقليدية واملحدثة منذ االستقالل. غري أن أهم األشكال االحتجاجية املعتمدة ظلت تقترص بشكل واضح عىل التظاهرات واملسريات والوقفات واإلرضابات القطاعية أو الوطنية التي ت ع د مناسبات للتعبري عن املطالب السياسية ومعارضة توجهات السياسات العمومية. وهي أشكال تروم يف األصل الضغط عىل السلطات العمومية إلدخال إشكالية سياسة قطاعية أو وطنية ضمن األولويات املسطرة يف أجندات السياسات العمومية )2)) وبالتايل فهي أشكال سلمية ومرشوعة يف األصل تتعامل معها السلطات العمومية بشكل سلمي )2)) )1)) أعلن حزب التقدم واالشتراكية أنه لن ينخرط إال في الحركات السياسية واالجتماعية المنظمة والمسؤولة... فيما أكد قياديو حزب العدالة والتنمية أن حزبهم غير معني بمسيرة 20 فبراير. أم ا االتحاد االشتراكي فتخوف من المخاطر التي قد تعصف بأشكالها الثالثة بمسلسل اإلصالح في المغرب وهي االنفصال واإلرهاب والفساد تارك ا الخيار لشبيبته باالنخراط في النقاش والتظاهرات بشكل منفصل عن الحزب وهو ما اعتبرته حركة 20 فبراير نوع ا من االنتهازية. انظر شهادة وداد الملحاف في: وداد الملحاف»حركة 20 فبراير... خلود العزيمة وتحطيم جدار الخوف «في: حركة أنفاس الديمقراطية ]وآخرون[ إعداد 20 فبراير: مسار ومآل لحراك مغربي من أجل الحرية والكرامة )الدار البيضاء: حركة أنفاس الديمقراطية 2015( ص 6. فيما أكد امحمد الهاللي النائب الثاني لرئيس حركة التوحيد واإلصالح أن موقف الحركة لم يكن»ضد مبادرة 20 فبراير لكن من حق الحركة أن تقرر مع من تتجاوب ومتى تتفاعل مع هذه الدعوة أو تلك. هذا من ناحية لكن في العمق وبعد استعراض المعطيات في سياقها العربي والمغربي وقفنا على حجم الهوة بيننا وبين األطراف األساسية الداعية أو الداعمة لهذه المبادرة في بداياتها فضال عن توجسنا من المآالت التي قد تفضي لها المبادرة«. انظر: امحمد الهاللي:»التوحيد واإلصالح و 20 فبراير «)منظمة التجديد الطالبي 6 آذار/ مارس 2011( على الموقع اإللكتروني:.> )2)) يصطلح في المغرب على المرحلة الممتدة من سنة 1965 إلى سنة 1992 بسنوات الرصاص وهي الفترة التي اتسمت فيها عالقة الدولة بالحركات االحتجاجية بقمع شديد. )2)) للمزيد من المعلومات انظر: Patrick Hassenteufel, «Les Processus de mise sur agenda: Sélection et construction des problèmes publics,» Informations sociales, no. 157 (2010), pp )2)) ينص الفصل 11 من القانون المنظ م للتجمعات العمومية الصادر في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1958 على وجوب االستحصال على تصريح مسبق لكل المواكب واالستعراضات و... جميع التظاهرات بالطرق العمومية.
72 العدد ٤ / ١٤ خريف خصوص ا أهنا أشكال تعتمد عىل تعبئة الفاعلني االجتامعيني وعىل التشهري اإلعالمي بالقضية ثم تسييسها قصد دفع السلطات العمومية إىل اختاذ القرار حللها كام تعتمد عىل مساطر الرتخيص اإلداري املسبق بام يسمح بتأطريها ودراسة تأثريها والتفاوض بشأن توقيتها بشكل استباقي )2)). عموم ا تتقاطع اهلوية السياسية هلذه احلركات يف مرجعيتها وغاياهتا مع املرجعية اهلوياتية للنخب املتحكمة يف القرار السيايس يف املغرب حتى وإن تباينت املواقف واختلفت التصورات بينها يف ما يتعلق ببعض القضايا السياسية واالجتامعية. الحركات المدنية هي مجيع احلركات والتنظيامت املنظ مة أو العفوية املستقلة عن املجتمع السيايس وعن املجال االقتصادي أي تلك التنظيامت الطوعية املنتمية إىل املجتمع املدين والتي ال تضع ضمن أهدافها الوصول إىل السلطة السياسية أو حتقيق الربح املادي. وبالرغم من تعدد تعريفات املجتمع املدين فإنه يمكن تعريفه بأنه الفضاء االجتامعي املنظ م ذاتي ا واملستقل نسبي ا )2)) عن الدولة واألحزاب السياسية وعن السوق االقتصادية )2)). ويتكو ن هذا الفضاء من نسيج متشابك ومتعدد األطياف يضم املنظامت غري احلكومية واملنظامت غري الربحية الفاعلة يف احلياة العامة والتي ترافع وتعرب وتدافع بشكل حر عن اهتاممات أعضائها وقيمهم وفق ا ملرجعيات وهويات أخالقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خريية مشرتكة مثل: اجلمعيات املحلية والرتابية واملنظامت اخلريية واملنظامت الثقافية والرياضية واملنظامت احلقوقية والنسائية واهليئات املهنية واملنظامت غري احلكومية. ورغم التشابه الكبري بينها - يف ما يتعلق باألهداف والغايات واملبادئ فإنه يتعني التمييز بني صنف املنظامت غري احلكومية وصنف هيئات املجتمع املدين انطالق ا من طبيعة هيكلتها وعالقاهتا القانونية بالدولة إذ حييل الصنف األول إىل ذلك النوع من التنظيامت املدنية املستقلة عن الدولة واملتمتعة هبياكل تنظيمية مؤسسة ومسجلة رسمي ا لدى السلطات العمومية فيام حييل الصنف الثاين إىل مجيع املنظامت واهليئات املدنية واالجتامعية واملهنية والثقافية والرتابية التي تدافع عن مصالح أعضائها سواء عرب أشكال تنظيمية رسمية مهيكلة من الناحية القانونية أو عرب أشكال أخرى غري خاضعة للتأطري القانوين مثل احلركات االجتامعية واحلركات االحتجاجية العفوية أو املنظمة )2)). ومن ثم يمكن القول إن الصنف األول من التنظيامت ي ع د أكثر من الصنف الثاين شمولية واتساع ا. وتشمل هذه اهليئات أزيد من مئة ألف منظمة تشتغل يف مجيع القطاعات وعىل مجيع املستويات الرتابية )2)). وتعمل هذه املنظامت )2)) ينص الفصل الثالث من القانون المنظم للتجمعات العمومية الصادر في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1958 على وجوب أن»يكون كل اجتماع عمومي مسبوق ا بتصريح يبي ن فيه اليوم والساعة والمكان الذي ينعقد فيه االجتماع ويوضح في التصريح موضوع االجتماع...«وهو الشرط نفسه الذي تضمنه الفصل 11 من القانون إياه في ما يتعلق بالتظاهرات بالطرق العمومية. )2)) على الرغم من كون االستقاللية عن الدولة واألحزاب والتنظيمات االقتصادية ت ع د معيار ا أساسي ا لتعريف المجتمع المدني فإنها تظل نسبية بالنظر إلى استحالة وجودها في غياب اعتراف قانوني وسياسي من جانب الدولة من جهة وغياب دعم مادي من جانب الفاعلين االقتصاديين من جهة أخرى. )2)) انظر: عزمي بشارة المجتمع المدني: دراسة نقدية ط 6 )بيروت الدوحة: المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات 2012( ص و Azeddine Akesbi, Etude de l Indice de la Société Civile, Maroc, (Projet Indice de la société civile, Espace.>associatif, Avril 2011), pp , sur le site: < )2)) انظر: «Comprendre la société civile: Enjeux pour l OMS, Initiative société civile, Relations extérieures et organes directeurs,» (Document de synthèse; no. 2, Organisation mondiale de la Santé, Février 2002), p. 4. )2)) أ حصي حوالى عشرة أصناف من منظمات المجتمع المدني مثل: منظمات حقوق اإلنسان منظمات التنمية والخدمات المنظمات التربوية و الثقافية المنظمات العقائدية والدينية المنظمات المهنية الحركات االجتماعية النقابات المؤسسات المدنية وسائل اإلعالم الخصوصية الزوايا. انظر:.p 19.Akesbi,
73 73 دراسات إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب انطالق ا من وضعيتها االعتبارية املستقلة عن الدولة ومؤسساهتا وفق ا ملبدأ الرتافع والتشاور واحلوار مع السلطات العمومية قصد الضغط عليها لتلبية متطلبات زبائنها بام جيعلها يف كثري من األحيان فاعال أساسي ا مؤثر ا يف بلورة جممل السياسيات العمومية وتنفيذها وتقييمها سواء عىل الصعيد املحيل أو عىل الصعيد الوطني خصوص ا بعد أن م نحت أدوار ا وصالحيات جديدة وفق ا ملقتضيات الدستور اجلديد الذي نص يف فصله 12 عىل مسامهتها الفعلية:»... يف إعداد قرارات ومشاريع لدى املؤسسات املنتخبة والسلطات العمومية وكذا يف تفعيلها وتقييمها. وعىل هذه املؤسسات والسلطات تنظيم هذه املشاركة طبق رشوط وكيفيات حيددها القانون«. كام أن آليات قانونية أخرى تسمح هلذه املنظامت بالتأثري يف عمليات صوغ السياسات العمومية من قبيل: إجبار السلطات العمومية عىل»إحداث هيئات للتشاور قصد إرشاك خمتلف الفاعلني االجتامعيني يف إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها«وفق ا للفصل 13 واحلق يف تقديم ملتمسات ومبادرات يف جمال الترشيع عىل جانب الربملان طبق ا للفصل 14 واحلق يف تقديم العرائض إىل السلطات العمومية قصد محلها عىل اختاذ قرارات هتم املواطنني وفق ا للفصل 15. هذا باإلضافة إىل حقها اجلديد يف الدفع بعدم دستورية القوانني كلام تبني خالل حماكمة ما أن القانون املطب ق يف النزاع يمس باحلقوق واحلريات األساسية للمواطن طبق ا ملنطوق الفصل 133. غري أن الضامنات القانونية واإلدارية املقدمة من طرف السلطات العمومية مل متنع كلها ظهور احتقانات وشحنات رصاعية مع السلطات العمومية بشأن التطبيق الديمقراطي للمقتضيات الدستورية نفسها وبشأن عدد كبري من القضايا االجتامعية واالقتصادية الوطنية والرتابية واملرجعيات املحددة هلا )إشكالية املرأة اجلهوية األمازيغية اإلرهاب األمن مكانة اإلسالم يف الشأن العمومي...( )2)) األمر الذي دفع بجزء مهم منها نحو االحتجاج أو نحو اعتامد مقاربة ثنائية جتمع بني املرافعة والضغط املنظم عرب االحتجاج والنزول إىل الشارع كتعبري عن نيتها املشاركة يف بناء املعنى السيايس للحقوق واحلريات املضمونة يف الوثيقة الدستورية. يأيت نزوع كثري من منظامت املجتمع املدين نحو االحتجاج عموم ا انطالق ا من ثالثة عوامل حمددة أساسية: - طبيعة املرجعية اهلوياتية للمنظامت املعنية )جهادية ماركسية انفصالية...( إذ كلام كانت هوياهتا اجلامعية واأليديولوجية قوية ومتامسكة انعكس ذلك عىل قوة تنظيمها وقيادهتا وتشبعت بمنطق االستقالل التنظيمي واملادي عن الدولة واملجتمع السيايس بام يتيح هلا إمكانية الرصاع واملواجهة وحتى اإلقصاء مع مؤسسات الدولة ومع املنظامت واحلركات احلاملة هلويات خمتلفة كلام كانت لدهيا حاجة يف عرض قوهتا وفرض مطالبها وخلق فرص للظهور يف املجال العمومي واستقطاب املناضلني. - نوعية العالقة بالسلطة السياسية فكلام كانت هذه العالقة متوترة ورصاعية ازداد القمع املوجه ضدها وضد قادهتا حيث إن التوتر يف العالقة بني السلطة والتنظيامت املدنية يأيت يف الغالب انطالق ا من إرادة هذه األخرية املعلنة )العدل واإلحسان والفصائل الطالبية اليسارية انفصاليو الداخل( أو املبطنة )اجلمعية املغربية حلقوق اإلنسان فصيل النهج الديمقراطي القاعدي بعض فصائل وتيارات حركة 20 فرباير...( )2)) لوحظ بعد مرور سنة 2011 أن الرهان السياسي للحركات االحتجاجية تحو ل بشكل الفت من المطالب اإلصالحية للدولة ولمؤسساتها إلى إشكالية التنزيل الديمقراطي التشاركي للمقتضيات الدستورية في ما يتعلق بسقف الحريات األساسية وتمثيلية النساء والمناصفة والجهوية والتقسيم الترابي للمملكة ومكانة األمازيغية كلغة رسمية في المجال العمومي والديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني ومفهوم الهوية الوطنية وجدليتها مع الدين اإلسالمي والحريات األساسية...
74 العدد ٤ / ١٤ خريف يف حتقيق تغيري جذري يف الدولة ومؤسساهتا قد يكون سلمي ا كام قد يكون عنيف ا إذا ما اقتضت الرضورة السياسية ذلك أن املرجعية الدينية اجلهادية واملاركسية-اللينينية ال تستثني العنف السيايس لتغيري األوضاع بشكل مطلق بل قد ترشعنه وجتد له سند ا من حيث كونه عنف ا مرشوع ا وعادال ضد الكفر واالستبداد )2)). من هنا تبدأ دائرة املواجهة بني املجموعة والدولة بحيث إهنا يمكن أن تتطور من جمرد عنف خطايب حترييض إىل عنف مادي متبادل حيث ترب ر املجموعة التصعيد كرد فعل مؤسس جتاه القمع والتهميش التي يطاوهلا بام يقلص لدهيا اخليارات املطروحة ويوجهها تدرجيي ا نحو العنف بجميع أشكاله باعتباره خيار ا نضالي ا مالئام بانتظار فرص سياسية أقل تكلفة. كام أن الغاية من النزوع غري املعلن هلذه املنظامت نحو الرصاع مع مؤسسات الدولة قد ترب ر بشكل ضمني كفعل سيايس ثوري )التنظيامت ذات املرجعية املاركسية( أو جهادي )التنظيامت الدينية والدعوية( أو وطني )التنظيامت االنفصالية( إلضعاف الدولة ومؤسساهتا يف أفق حتقيق هدف سيايس أسمى كأن يكون إرساء اخلالفة أو قلب نظام احلكم أو االنفصال عن الدولة أو إحداث تغريات جذرية يف هندستها وشكلها. لكن باستثناء التنظيامت االنفصالية واجلهادية ذات النزوع األيديولوجي الطبيعي نحو الرصاع والعنف مع الدولة واملجتمع )3)) ال تدعو التنظيامت األخرى بالرضورة إىل العنف يف فعلها االحتجاجي )3)) بل قد تدينه وتشجبه وتتربأ منه مسبق ا )3)). بيد أن ذلك ال يمنعها من أن ت نتجه بشكل عفوي من خالل )2)) يرى عبد السالم ياسين إمام جماعة العدل واإلحسان أن»لو قدرنا أن نتجنب استعمال السالح ضد األنظمة الفاسدة ونقاطعها حتى تشل حركتها ويسقط سلطانها وترذل كلمتها كما فعل إخواننا في إيران لكان ذلك أشبه بروح اإلسالم الذي يوصي أال تسفك دماء المسلمين بينهم... على أن المقاطعة والمقاومة الصابرة متعانقتين قد ال تتأتى ظروفهما في كل قطر من أقطار اإلسالم. وقد ال يناسب هذا األسلوب حاالت يكون فيها الحاكم الباطش متمثال في شرذمة ثعلبية مستأسدة...«. انظر: عبد السالم ياسين رجال القومة واإلصالح )بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر 2001( ص 36. هذا فيما يرى النهج الديمقراطي أن»... مسألة بناء األداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة والكادحين هي في نظرنا مسألة صحيحة وحاسمة في التغيير بأفق اشتراكي وال يجب التراجع عنها تحت ذريعة أن الحزب البلشفي قد تحول من حزب ثوري بروليتاري طليعي إلى حزب ديمقراطي... إن النهج الديمقراطي يعتبر أن للطبقة العاملة دور ا قيادي ا في عملية التغيير بأفق اشتراكي بل إن دورها أساسي في التغيير الديمقراطي الجذري أيض ا وأن بناء األداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة والكادحين مسألة حاسمة«. انظر: عبد الله الحريف من»إلى األمام«إلى»النهج الديمقراطي««)شبيبة النهج الديمقراطي )موقع إعالمي(( على الموقع اإللكتروني: < أم ا فصيل التوجه القاعدي )الماركسي( الذي ينشط في النقابة الوطنية لطلبة المغرب فإنه يتبنى العنف الثوري»... أي العنف الذي تمارسه الجماهير ومناضلوها ضد أعدائهم الطبقيين«. من أدبيات التوجه القاعدي:»توضيحات حول مقال»مواقف الفصائل الطالبية اليسارية من العنف والتنظيم والعمل الوحدوي«المنشور بجريدة النهج الديمقراطي«)التوجه القاعدي االتحاد الوطني لطلبة المغرب 16 آذار/ مارس 2014( على الموقع اإللكتروني:.> )3)) ت ع د التنظيمات الجهادية مجموعة متناثرة وغير منسجمة من الشخصيات الدعوية )حسن الكتاني عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبو حفص عمر الحدوشي محمد الفيزازي...( والتنظيمات مثل الصراط المستقيم الهجرة والتكفير الدعوة والتبليغ السن ة والجماعة... أم ا التنظيمات االنفصالية مثل بوليساريو الداخل فتنشط خصوص ا في بعض الجمعيات المدنية والحقوقية في جنوب المغرب أو في النقابة الوطنية لطلبة المغرب وحركة االستقالل الذاتي للريف. )3)) انظر: المملكة المغربية والمجلس الوطني لحقوق اإلنسان»تقرير رئيس المجلس الوطني لحقوق اإلنسان أمام مجلسي البرلمان االثنين 16 يونيو 2014 «ص 30 على الموقع اإللكتروني: and Tilly, «La Violence collective,» p. 206 )3))»إن حركة 20 فبراير تريد ثورة جذرية إال أنها تريدها بشكل سلمي... هذا يطرح المسألة الجوهرية كيف يمكن تسليح المواطنين بالوعي الضروري الذي يحصنهم لالستمرار في طريق المطالبة بالدولة الجديدة أي الدستور الجديد بدون أن تخمد شوكة المقاومة ومن دون اعتماد العنف كوسيلة لمواجهة عنف السلطة المخزنية المتنفذة «انظر: محمد المباركي»حركة 20 فبراير: من المساندة والتنديد إلى العصيان المدني «)مامفاكينش )موقع إلكتروني( 18 آذار/ مارس 2012(: <
75 75 دراسات إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب تصوراهتا ومطالبها الراديكالية وعالقاهتا املتوترة مع السلطات العمومية )3)) إذ إهنا غالب ا ما تكون هي نفسها ضحية عنف السلطات العمومية الذي ي رب ر كدفاع عن األمن العام يف غياب رشعية االحتجاج فيام هو يف األصل نوع من القمع الذي متارسه الدولة عىل هذه احلركات كمؤرش عىل قو هتا من جهة وكتحذير موجه إىل املقاولني السياسيني واملناضلني من جهة أخرى )3)). عموم ا تظل هذه املجموعات والتنظيامت هامشية مقارنة بتلك التي تنبذ العنف والرصاع مع مؤسسات الدولة بالنظر إىل استحالة وجودها القانوين إذا ما ثبت أن مرجعيتها متجد العنف أو تدعو إليه من جهة )3)) وإىل صعوبة تعبئة املناضلني يف بيئة اجتامعية هجينة ال تساعد عىل توطني العصبيات التنظيمية واأليديولوجية احلديثة من جهة أخرى )3)). التدبير السياسي للمخاطر المتعلقة بالعنف الهوياتي إذا كانت احلركات االحتجاجية يف املغرب تبقى حركات سلمية املنحى عموم ا فإن السلطات العمومية تظل حمتكرة للعنف بشكل كبري حيث إن هذه األخرية تلجأ إليه بشكل طبيعي لتفريق مسريات االحتجاج من جهة ولضامن احتكارها املجال العمومي باعتباره جماال لتمظهر السلطة السياسية وقو هتا من جهة أخرى. كام أن اللجوء إىل العنف يظل آلية سياسية يتحكم فيها متغريان أساسيان مها: السجل التارخيي للعنف الرسمي الذي كلام كان غني ا و كثيف ا انعكس بشكل جديل عىل خربة الدولة بتفكيك احلركات االحتجاجية وقمعها بشكل استباقي وتفاعيل )3)) وعىل هذه األخرية التي تستعيص عليها املأسسة واالستمرار ضمن سياق قمعي )3)) ثم التبعية للمسار الذي يأيت من تعو د الدولة ومؤسساهتا عىل تتب ع مساطر وسلوكات أمنية روتينية )3)) يصعب )3)) انظر العرض الذي ألقاه عبد الحميد أمين يوم 2011/08/25 في مقر االتحاد المغربي للشغل بفاس:»إن الهدف األساسي للحركة هو تخليص المغرب والشعب المغربي من السيطرة المخزنية التي دامت قرون ا طويلة معرقلة إمكانية تطور البالد نحو الديمقراطية والتنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والقيمية«. انظر الموقع اإللكتروني: < )3)) يقر تقرير رئيس المجلس الوطني لحقوق اإلنسان أمام مجلسي البرلمان أن المجلس قام ب»... عمليات رصد وتقص ووساطة في عدد من حاالت التوتر الذي ترتبت عنها انتهاكات لحقوق اإلنسان... ]في[ خريبكة... بوعرفة... آسفي... الداخلة... الحسيمة... طنجة... سال... العيون...«. انظر: المملكة المغربية والمجلس الوطني لحقوق اإلنسان ص. 30 )3)) ينص الفصل 23 من دستور 2011 على:»ي حظ ر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف«. كما تنص المادة 3 من قانون الجمعييات الصادر في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1958:»كل جمعية تؤس س لغاية أو لهدف غير مشروع ويتنافى مع القوانين أو اآلداب العامة أو قد تهدف إلى المس بالدين اإلسالمي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة«. كما تنص المادة 29 من القانون نفسه على حل السلطات العمومية لجميع الجمعيات التي»...1. قد تحرض على قيام مظاهرات مسلحة في الشارع... قد تهدف على المس بوحدة التراب الوطني أو االستيالء على مقاليد الحكم بالقوة أو االعتداء على النظام الملكي للدولة«. )3)) تشير دراسة قياس مستوى التماسك االجتماعي في المغرب التي قام بها المعهد الملكي للدراسات االستراتيجية في 12 آذار/ مارس 2012 بعنوان sociaux? Lien social au Maroc: quel rôle pour l État et l ensemble des acteurs إلى أن أزيد من 70 في المئة من المغاربة ال يعتبرون العصبية السياسية مهمة في حياتهم مفض لين عليها الروابط العائلية )43.1 في المئة( والصداقة )31.1 في المئة( وأن أقل من 10 في المئة فقط منهم شاركوا فعال خالل السنة الماضية في تظاهرة أو إضراب أو اعتصام. كما أن حوالى 87.8 في المئة ال يحبذون اللجوء إلى العنف ألجل الحصول على حقوقهم. انظر الموقع اإللكتروني: < (37) Charles Tilly, Regimes and repertoires (Chicago: University of Chicago Press, 2006), p. 74. (38) Tilly, «La Violence collective,» p (39) Hélène Combes et Olivier Fillieule, «De la répression considérée dans ses rapports à l activité protestataire: Modèles structuraux et interactions stratégiques,» Revue française de science politique, vol.61, no. 6 (Décembre 2011), p
76 العدد ٤ / ١٤ خريف التخيل عنها الرتفاع مردوديتها من جهة ولعدم التحقق من مردودية البدائل املطروحة من جهة أخرى ((4(. من هذا املنطلق يبدو أن ما يميز السياق السيايس املغريب من السياقات السياسية لدول املنطقة ليس انعدام العنف اهلويايت يف ذاته ما دامت الرشوط االجتامعية والثقافية املنتجة هلذا األخري هي نفسها- ولو بدرجات متفاوتة- يف الدول كلها بل نوعية وكمية الفرص السياسية التي يتيحها النظام السيايس للحركات االحتجاجية وللعنف السيايس حيث تظل هزيلة مقارنة بالفرص التي يتيحها التفاوض واالحتجاج السلمي وإال ما الذي يفرس أن املغرب ي ع د من الدول األكثر تصدير ا للجهاديني يف العامل )4)) من دون أن ينعكس ذلك بشكل مبارش عىل السلوك االحتجاجي للتنظيامت االجتامعية والسياسية الوطنية الذي ظل يف عمومه سلمي ا هل هو ضعف إنتاج املجتمع املغريب للعنف اجلامعي مقارنة باملجتمعات العربية أم أن األمر يتعلق أساس ا باخلربة العالية التي اكتسبها النظام السيايس املغريب يف استباق احلركات االحتجاجية العنيفة ومكافحتها وقمعها إضافة إىل خربته بتقليص قدرهتا عىل تعبئة املوارد وتوزيعها بني مناضليها بام حيقق والءهم وانخراطهم املستديم )4)) و يبدو هذا جلي ا يف حالة احلركات اجلهادية املغربية وحركة 20 فرباير التي مل تستطع الثبات يف تقدمها ونموها جر اء املضايقات األمنية ومالحقة قيادييها ونشطائها. غري أن تعامل السلطة مع هذه احلركات مل يقترص عىل العنف والقمع بل اعتمد أيض ا عىل منطق التضييق النفيس عليها من خالل إذكاء بعض الرصاعات والتناقضات الداخلية فيها من جهة ومن خالل حتييد القيادات والنشطاء من جهة أخرى بآليتني ثبتت فاعليتهام مثل القمع متام ا كاالستقطاب السيايس أو املهني )التوسط للناشط لالنخراط يف حزب سيايس نافذ كام حدث لبعض نشطاء 20 فرباير وبعض اجلهاديني التائبني أو إجياد وظيفة لدى مؤسسات الدولة كعربون ثقة كام جرى يف حاالت بعض احلقوقيني املعطلني واملعتقلني السابقني الذين كوفئوا بوظائف مهمة...(. غري أن االستقطاب السيايس واملهني للنشطاء قد ال جيدي يف بعض احلاالت وهو ما يستوجب تفعيل آلية حتييدهم أو تعطيل قدراهتم عن طريق استغالل سوابقهم العدلية نرشها عرب وسائل اإلعالم أو عن طريق نرش شائعات مغرضة بشأهنم بام قد يفقدهم أتبعاهم ويرضب مصداقيتهم )كام هي احلال يف احلركة الطالبية وحركة املعطلني وحركة 20 فرباير حيث ينفجر بني حني وآخر النقاش حول استقامة ووالء بعض النشطاء وينتهي يف الغالب إم ا إىل طردهم وإم ا إىل جتريدهم من املسؤوليات الداخلية أو الوظائف يف الدولة(. بيد أن سجل تعامل الدولة مع احلركات االحتجاجية ربام يشمل أيض ا جتريد هذه األخرية من املوارد التي قد تسمح هلا بالديمومة والتوسع إذ يمكن اعتبار الدعم التنظيمي وقدرة احلركة عىل الدخول يف حتالفات ((4( انظر : Bruno Palier, «Path Dependence (dépendance au chemin emprunté,» dans: Laurie Boussaguet, Sophie Jacquot et Pauline Ravinet, dirs., Dictionnaire des politiques publiques, préface de Pierre Muller, 3ème éd. actualisée et augmentée, Références: gouvernances (Paris: Presses de Sciences po, 2010), pp )4)) بحسب تقرير مجموعة Soufan Group لالستعالمات يوجد في سورية أزيد من 1500 مقاتل مغربي وهو ما يجعل المغرب ثالث دولة تصد ر جهاديين إلى سورية بعد تونس والسعودية سنة 2014 انظر الموقع اإللكتروني: < وهي تقديرات تقترب من التقديرات الرسمية التي قدمها المكتب الوطني للتحقيقات القضائية التي تشير الى وجود أزيد من 1355 جهادي ا في كل من سورية والعراق و 500 مقاتل في صفوف الدولة اإلسالمية في العراق والشام انظر: الموقع اإللكتروني: < )4)) بحسب الموقع اإللكتروني نفسه استطاعت المصالح األمنية المغربية أن تفكك أزيد من 132 خلية إرهابية وأن تحبط نحو 119 تفجير ا و 109 اغتياالت بين سنتي 2002 و 2015.
77 77 دراسات إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب وشبكات احتجاجية أوسع واالنسجام اهلويايت والوقت املستثمر من املتغريات األساسية يف تاريخ احلركة باعتبارها موارد حيوية لوجود ونمو احلركات االحتجاجية التي قد حتدد حتو هلا نحو حركات اجتامعية مؤسسة ذات هوية مجاعية قوية تسمح هلا بالدخول يف رصاع مع الدولة ي لحق هبا أرضار ا بنيوية. يف هذا السياق يمكن تأكيد أن السلطات العمومية استطاعت أن تعرقل اجلهود التي بذلتها حركة 20 فرباير وحركة املعطلني واملجموعات اجلهادية والفصائل الطالبية الراديكالية لتوحيد صفوفها وبناء تنظيامت مستديمة وذلك عرب منعها قانوني ا وبشكل ممنهج من التأسيس والتجمهر والتظاهر من دون ترخيص ومن مجع أموال وتربعات عمومية أو خصوصية وهو ما انعكس بشكل أو بآخر عىل فعاليتها التنظيمية والتأطريية لالحتجاج واستمراريته كام أنه شل ج ل قدراهتا التوزيعية للموارد بني املناضلني والنشطاء. غري أن هذا الشلل ال ينسحب عىل مجاعة العدل واإلحسان التي استطاعت إىل حد كبري جتاوزه نظر ا إىل اهلوية العقدية )الصوفية والسياسية( القوية التي تؤسس لفعلها االحتجاجي من جهة وإىل الدور الريادي الكبري الذي قام به إمامها الشيخ ياسني يف التنظري وتوحيد اآلراء والتعبئة السياسية للمناضلني بام انعكس إجيابي ا عىل الفعالية التنظيمية والتوزيعية للموارد لدى اجلامعة من جهة أخرى. كام أن الدولة عرقلت بشكل حازم مجيع حماوالت التشبيك وبناء التحالفات بني احلركات االحتجاجية حيث عمدت يف كثري من األحيان إىل التشويش عىل حماوالهتا لبناء حتالفات مذهبية ومصلحية دائمة تسمح هلا بتجاوز هشاشتها التنظيمية. وسعت الدولة أيض ا إىل اللعب عىل التناقضات السياسية واملجالية والقطاعية واللغوية والثقافية البنيوية هلذه التنظيامت كي تعزهلا عن حميطها وإجبارها عىل االكتفاء بمجاهلا الرتايب والقطاعي الضيق فالتناقضات القائمة داخل هذه احلركات است غلت إلضعافها ومنعها من بناء حتالفات وتوافقات قد تفيض إىل زعزعة االستقرار السيايس يف البالد إذا ما ك تب هلا النجاح واالستمرار فالرصاع األيديولوجي بني الفصائل الطالبية ومكونات حركة 20 فرباير واحلركات اجلهادية والنسائية واألمازيغية واالنشقاقات واملراجعات النظرية والتحالفات الظرفية كل ذلك يدخل يف صميم السياسات األمنية للدولة التي تدخلت بشكل الفت يف عزل احلركة الطالبية عن حميطها االجتامعي واملجايل عرب قمع أي تظاهرة خترج عن نطاق أسوار اجلامعة وعن طريق هتيئة عمرانية للجامعات تعزهلا عن جماهلا اجلغرايف. كام أهنا تدخلت عرب املنع والقمع لدفع حركة 20 فرباير إىل التظاهر يف األحياء اهلامشية للمدن بدال من األحياء الرئيسية )يعقوب املنصور يف الرباط بدال من شارع حممد اخلامس بني مكادة يف طنجة بدال من شارع حممد اخلامس بني بوعياش وإيمزورن بدال من شارع حممد اخلامس يف احلسيمة...(. كان تدخ ل السلطات العمومية حاسام أيض ا يف عرقلة سيان املعلومات واملعطيات السياسية بشأن هذه احلركات وذلك عرب التضييق عىل مجيع وسائل اإلعالم التي تتعاطف أو تتفاعل معها األمر الذي ساهم إىل حد بعيد يف تدهور حالة حرية الصحافة يف املغرب بالنظر إىل أعامل االعتقال واملنع التي طاولت عدد ا كبري ا من الصحافيني واملنابر اإلعالمية )4)). إن أكثر ما تدخلت فيه الدولة لكسب رهاهنا ضد احلركات االحتجاجية كان وال يزال متغري الزمن عىل اعتبار أن الفرص السياسية التي أتاحها النظام السيايس حتت ضغط احلراك السيايس العريب انطالق ا من سنة 2011 مل تكن لتستمر طويال إذ إن اندالع احلراك االجتامعي يف كل من مرص وتونس واليمن )4)) من المواقع اإلعالمية التي تعرضت للتضييق ثم المنع هناك موقع»لكم«الذي اعت قل مديرها على خلفية نشره شريط ا منسوب ا إلى تنظيم القاعدة في بالد المغرب اإلسالمي في 17 أيلول/سبتمبر 2013.
78 العدد ٤ / ١٤ خريف وليبيا وآثاره السياسية الرسيعة التي عصفت باستقرار األنظمة السياسية فيها أدى يف حينه إىل زعزعة الثقة يف قدرة النسق السيايس املغريب عىل حتم ل احتجاج سيايس ممتد زمني ا وجمالي ا كاالحتجاجات التي جرت يف الدول املجاورة وهو ما ساعد بشكل جديل عىل رفع سقف مطالب احلركة االحتجاجية من جهة وإن مل تصل حينها اىل درجة رفع شعار إرحل وعىل جاهزية الدولة لتقديم تنازالت مهمة يف جمال إعادة توزيع السلطات وحماربة الفساد ومراعاة حقوق اإلنسان من جهة أخرى. ورغم ذلك يبدو أن احلركات االحتجاجية بأطيافها السياسية كلها مل تستطع أن جتعل من عامل الزمن مورد ا سياسي ا يف صريورهتا النضالية خصوص ا أن التكلفة الزمنية للفعل االحتجاجي تظل مرتفعة جد ا سواء بالنسبة إىل احلركة برم تها أو بالنسبة إىل املناضلني يف سياق سيايس تتقلص فيه الفرص بشكل متسارع )4)) ذلك أن هدر الزمن االحتجاجي تم بشكل سيع عىل مستويني: مستوى التنظيم الداخيل للحركة حيث ساد النقاش الدائر حول طبيعة التنظيم الذايت للحركة وحول مرجعيتها الفكرية والسياسية وطبيعة القيادة ثم مستوى التفاعل مع السلطات العمومية من جهة ومع باقي الفاعلني السياسيني من جهة أخرى. فمنذ البداية ط رحت إشكالية التنظيم والتحالفات الداخلية واهلوية السياسية للحركة: هل هي يسارية أم أسالمية أم مجاهريية مستقلة لكن احلركة مل حتسم يف هذه القضايا اجلوهرية معتربة نفسها جمرد حركة مجاهريية تتسع للجميع )4)) وهو ما طرح إشكالية وحدهتا وهويتها التنظيمية ما دامت التنظيامت كلها تتامهى معها بام حو هلا يف هناية األمر إىل جمرد حركة قابضة عىل كل يشء all( )catch )4)) ففي غياب هوية سياسية وتنظيمية موحدة وم لزمة تعاملت التنظيامت يف جمملها مع احلركة بنوع من الرباغامتية إن مل يكن بنوع من االنتهازية فتبن ت مطالبها باجلملة من دون أن تستثمر فيها تنظيمي ا وبرشي ا )4)). من هذا املنطلق تبن ت األحزاب السياسية اليسارية والنقابات جممل مطالب احلركة مع التحفظ عىل احلركة نفسها فيام تبن ت أحزاب اليسار الراديكايل مطالب حركة 20 فرباير برم تها واستثمرت فيها سياسي ا ألهنا سمحت هلا بأن تكون موجودة وبأن تظهر بقوة يف الفضاء العمومي وتستقطب رشائح اجتامعية جديدة ما كانت لتصل إليها يف غياب احلراك. أم ا احلركات األمازيغية فإهنا انخرطت يف احلركة وتبن ت مطالبها غري أن سعان ما خفت حضورها بعد تلبية متطلباهتا بتبن ي الطابع الرسمي للغة األمازيغية يف الدستور اجلديد. هذا التعامل الرباغاميت نفسه ينسحب عىل احلركات النسائية التي أعابت عىل احلركة وجود مجاعة العدل واإلحسان التي ال تتبن ى القضايا النسائية وحركة املعطلني التي اعتربت أن مطالبها ال تدخل يف سياق املطالب السياسية ما دامت تقترص حرصي ا عىل التشغيل فور ا يف أسالك الوظيفة العمومية )4)). يف هذا السياق تظل قدرة النظام السيايس يف املغرب عىل كسب رهان الوقت أمام احلركات االحتجاجية من أهم اآلليات السياسية املعتمدة خصوص ا أن هذه األخرية توجد موضوعي ا يف الطرف األضعف ملوازين )4)) هناك شعور عام في المغرب بأن حركة 20 فبراير انتهت من دون أن تحقق المكاسب السياسية التي ناضلت من أجلها في حين يطرح النقاش العمومي التساؤل حول ما تبقى اليوم من هذه الحركة ولماذا لم تستمر بالزخم نفسه الذي بدأت به... )4)) انظر: أسامة الخليفي»مكاسب حركة 20 فبراير واآلفاق «في: حركة أنفاس الديمقراطية ]وآخرون[ ص 16. )4)) هذا المفهوم مقتبس من مفهوم catch all parties الذي استخدمه أوتو كيرشهايمر Kirchheimer(.O( ابتداء من سنة 1966 للتعبير عن نهاية أحزاب الجماهير وبداية عصر األحزاب التي تبحث عن تجميع أكبر قدر من الناخبين مهما تشعبت رؤاهم السياسية حول برنامج سياسي واحد. انظر: Steven B. Wolinetz, «Beyond the Catch-all Party: Approaches to the Study of Parties and Party Organization in Contemporary Democracies,» in: Gunther, José Ramo n Montéro and Juan J. Linz, eds., Political Parties: Old Concepts and New challenges (Oxford; New York: Oxford University Press, 2002), p (47) Olson, p. 22. )4)) انظر شهادة: الملحاف ص 7.
79 79 دراسات إشكالية العنف الهوياتي في ضوء الحراك االجتماعي بالمنطقة العربية نموذج المغرب القوى السياسية )4)) وهي من ثم األقل قدرة عىل حتم ل هدر الزمن السيايس. بناء عىل ذلك تلجأ السلطات العمومية إىل سجلها التدبريي لألزمات السياسية السجل الذي يتمحور عىل ثنائية القمع والتفاوض مع املحتجني. فإذا كان القمع يرمي إىل اجتثاث االحتجاج عن طريق إضعاف التنظيامت االحتجاجية وكرسها من جهة ثم معاقبة املناضلني وقياداهتم جسدي ا ونفسي ا ورمزي ا عن طريق رضهبم ثم سجنهم وعزهلم عن تنظيامهتم من جهة أخرى فإن التفاوض يرمي أساس ا إىل إضعاف احلركة عن طريق إبقائها فاعلة بال فع الية يف حميطها السيايس بالنقاش معها حول سقف املطالب املمكنة وحجمها. غري أن التفاوض بني احلركات االحتجاجية والدولة ال يتم دائام بشكل مبارش كام أنه ال يتم يف إطار مؤسيس موجود سلف ا قد حيدد مداه بل هو صريورة سياسية تفاعلية ممتدة يف الزمن بني الدولة واحلركات االحتجاجية تكون تارة مبارشة وتكون يف كثري من األحيان غري مبارشة وتتم عرب البيانات واخلطب وعرب فاعلني سياسيني خارجيني قد يؤدون دور الوساطة ذلك أن خطاب امللك يف 9 آذار/مارس 2011 شك ل يف حينه منعطف ا سياسي ا مهام نظر ا إىل استجابة القرص ملجموعة كبرية من املطالب والشعارات السياسية التي جرى تداوهلا يف احلراك من دون تفاوض مبارش مع قياداته. كام شكلت حلظة االستشارة السياسية مع اهليئات السياسية واملدنية التي قامت هبا اللجنة االستشارية ملراجعة الدستور حول املطالب السياسية القابلة للدسرتة حلظة تفاوضية بني الدولة واملجتمع السيايس واملدين استطاعت الدولة من خالهلا استباق جمموعة من مطالب هذا املجتمع وتبن يها ثم حتويرها وتقييدها بمجموعة من الرشوط واملساطر التي أفرغتها من حمتواها يف النهاية بالنظر إىل صعوبة أو استحالة حتقيقها عىل أرض الواقع إذ إن مطلب امللكية الربملانية الذي يرمي إىل تقليص سلطات امللك جلعله يسود وال حيكم جرى التعاطي معه يف حدوده الدنيا أي يف حدود امللكية الدستورية التي حيكم فيها امللك ويسود وفق ا ألحكام الدستور. كام أن دسرتة األمازيغية واجلهوية والتمثيلية السياسية العادلة للنساء والديمقراطية التشاركية واحلكامة وشفافية الدولة ومؤسساهتا وسمو القوانني الدولية عىل القوانني الوطنية... أصبحت أيض ا أحكام ا دستورية يصعب حتقيقها بالنظر إىل الرشوط املسطرية والقانونية التي قيدت هبا. من هذه الزاوية يبدو أن احلركات االحتجاجية خرست رهاهنا من حيث ظنت أهنا ربحته خصوص ا أن الدولة يف املغرب تتوف ر عىل سجل تارخيي من املفاوضات مع احلركات االحتجاجية والسياسية التي استطاعت من خالهلا ربح الوقت واجلهد وااللتفاف عىل مطالبها أو عرب تبن يها وحتويرها أو عرب استغالل تناقضاهتا الداخلية بام يسمح يف هناية األمر بتحقيق اهلدف األسايس املتعلق باستقرار الدولة ومؤسساهتا واستمرارها يف الزمن. ولعل ما يفرس استقرار النظام السيايس يف املغرب عىل الرغم من األزمات الدورية التي عاشها يظل يف األساس قدرة هذا األخري عىل مواصلة التفاوض مع املعارضني واملحتجني من جهة وعىل تعدد القنوات والوسائط التواصلية بني املتفاوضني حتى يف اللحظات السياسية احلاسمة التي تكون فيها األزمة عىل أشدها. خاتمة إن فشل احلركات االحتجاجية املغربية يف صريورة حتو هلا نحو حركات اجتامعية مؤسسة ممتدة يف الزمن يظل رهني تداخل وتفاعل كثري من املتغريات الذاتية واملوضوعية التي حددت مسارها وهويتها اجلامعية ومن ثم قدرهتا عىل احلركة وتعبئة املوارد وتوزيعها بني زبائنها فعىل املستوى املوضوعي ت ع د نوعية الفرص السياسية التي يتيحها النظام السيايس للعنف اهلويايت لدى احلركات االحتجاجية ضعيفة بالنظر (49) Érik Neveu, Sociologie des mouvements sociaux, Repères; 207, 4ème éd. (Paris: La Découverte, 2005), p. 19.
80 العدد ٤ / ١٤ خريف إىل تكلفتها العالية مقارنة باالحتجاج السلمي. كام أن األحزاب السياسية والنقابات وهيئات املجتمع املدين واحلركات اإلسالمية املعتدلة بمختلف أطيافها أدت دور ا مهام يف الوساطة بني السلطات العمومية واحلركات االحتجاجية بالنظر إىل أهنا كانت املتلقي املبارش ملطالبها حيث عملت عىل جتميعها ثم صوغها يف شكل مطالب سياسية ممكنة التحقق من قبيل امللكية الربملانية وفصل السلطات واحلكامة السياسية واجلهوية... لكن يظل أهم ما قام به هؤالء الفاعلون لتليني املواقف االحتجاجية وتقويض النزوع نحو العنف اهلويايت هو الوظيفة املسترتة املنربية التي سمحت ألعداد مهمة من املحتجني والغاضبني واملتمردين باحلصول عىل منرب للتعبري والتنفيس عن غضبهم بشكل حر ومن دون خشية من القمع )5)) إذ متكنت مجاعة العدل واإلحسان وبعض األحزاب اليسارية الراديكالية وحزب العدالة والتنمية إضافة إىل منظامت املجتمع املدين مثل اجلمعيات احلقوقية والنسائية واجلهوية من القيام بدور مهم يف هذا املجال عرب الوساطة واملرافعات املستمرة جتاه الدولة بام يسمح يف كثري من األحيان بالتنفيس عن االحتقان وتقليص احلاجة إىل استعامل العنف كوسيلة أساسية للتفاوض السيايس. كام استطاعت بعض املنظامت املدنية القطاعية مثل حركة املعطلني الشباب والنسائية والثقافية أن تؤدي دور ا مهام يف عملية المركزة االحتجاج ونقله من العاصمة إىل املدن والقرى اهلامشية بام ساهم إىل حد بعيد يف ابتذاله من جهة وجعله من جهة أخرى جمرد آلية تفاعل روتيني بني خمتلف الفاعلني السياسيني واملدنيني ومؤسسات الدولة تشبه اآلليات التقليدية مثل التظلم وتقديم العرائض واالعتصام واإلرضاب. أم ا عىل املستوى الذايت فإن احلركات االحتجاجية الوطنية فشلت يف صريورة بنائها هلويات سياسية وتنظيمية منسجمة وقوية وقادرة عىل القيام بدور اندماجي ملختلف مكوناهتا يف مواجهة القمع ومقاومة السلطات العمومية )5)). كام إهنا فشلت يف بناء تنظيم مؤسس يسمح بتعظيم املوارد السياسية والرمزية اجلامعية والفردية للمناضلني من جهة وتوزيعها بشكل يضمن استمرار والئهم ونضاهلم من جهة ثانية. ولعل ذلك يرجع أيض ا إىل الطبيعة التعادلية للمجتمع املغريب الذي ال يسمح يف كثري من األحيان بربوز الزعامات السياسية والتنظيمية التي قد تستطيع تعبئة املناضلني حول هوية مشرتكة وهلدف مركزي موحد إذ يبدو أن ذلك قد انعكس عىل قدرة هذه احلركات عىل تطعيم صفوفها بمناضلني جدد من بني األغلبية الصامتة التي ظلت كذلك حتى بعد احلراك. بيد أن هذا الفشل التنظيمي جيب أال حيجب الطفرة النوعية التي أحدثتها هذه احلركات عىل مفهوم االحتجاج يف املغرب إذ استطاعت أن حت دث تغري ا جذري ا يف براديغم اهلويات السياسية اجلامعية عىل مستويني أساسيني: مستوى الفرد كجسد وكفكر حيث إنه أصبح - أكثر من أي وقت مىض- املتغري األسايس لكل فعل سيايس واجتامعي ثم مستوى الفضاء العمومي الذي مل تعد السلطة العمومية حتتكره بل أصبح فضاء مشرتك ا للرصاع والتفاوض وأصبح احتالله رمز ا لالعرتاف باهلويات السياسية واجلامعية والفردية يف املغرب بعد احلراك. (50) Georges Lavau, «À la recherche d un cadre théorique pour l étude du Parti communiste français,» Revue française de science politique, vol. 18, no. 3 (1968), pp (51) Combes et Fillieule, p
81 81 آالء محمد فارس حماد * التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية دراسة مقارنة عىل الرغم من إعالن دولة فلسطني احرتامها حقوق اإلنسان وسيادة القانون واحلقوق واحلريات العامة لإلنسان الفلسطيني وعىل رأسها احلق يف احلامية من التعرض للتعذيب وتضمني تلك احلقوق يف القانون األسايس والترشيعات ذات العالقة فإن الواقع العميل يعكس صورة خمالفة متام ا ملا أ علن وخاصة يف املدة األخرية التي شهدت االنقسام الداخيل يف الساحة الفلسطينية األمر الذي ترتب عليه تعر ض املواطن للتعذيب يف أماكن االحتجاز سواء النتزاع اعرتاف منه أو لكونه فقط ينتمي إىل حزب سيايس ما أو لغري ذلك من أسباب. وهذا ما يستتبع رضورة دراسة واقع التعذيب يف أماكن االحتجاز الفلسطينية منذ حدوث االنقسام السيايس ولغاية كتابة سطور هذه الدراسة وبيان حجم االنتهاكات ونوعها والوقوف عىل األسباب والدوافع الكامنة خلفها وتقديم االقرتاحات الالزمة للتخلص منها. يضاف إىل ذلك أن حتى الترشيعات التي كفلت احلق يف عدم التعرض للتعذيب مل تكن موفقة يف صوغ النصوص ذات العالقة األمر الذي يقتيض دراسة هذه الترشيعات ملعرفة مواطن الضعف واخللل فيها وحماولة تعديلها عىل النحو الذي يتفق مع املواثيق الدولية التي تكفل هذه احلقوق. وعليه تتحدد مشكلة الدراسة يف التعرف إىل واقع احلق يف عدم التعرض للتعذيب يف أماكن االحتجاز الفلسطينية من سنة 2007 وحتى هناية آذار/مارس 2015 من خالل حتليل الواقع القانوين الذي ينظم هذا احلق نظري ا واملامرسة التطبيقية له للكشف عن مدى االلتزام من الناحية الواقعية بنصوص القانون والكشف عن االنتهاكات التي يتعرض هلا وتقديم املقرتحات الكفيلة بحاميتها وحتسني أدائها. * باحثة فلسطينية قانونية يف معهد احلقوق وحدة املساندة الترشيعية. ت ع د ألطروحة دكتوراه يف القانون اجلنائي يف جامعة املنار - تونس.
82 العدد ٤ / ١٤ خريف مقدمة تشك ل ممارسة التعذيب انتهاك ا خطري ا حلقوق اإلنسان فهي يف حد ها األدنى تنال من كرامته ويف حد ها األقىص حترمه حقه يف احلياة وهو أهم احلقوق عىل اإلطالق. أم ا الظروف واحلاالت التي يامر س فيها التعذيب فتختلف بني ظروف أمنية داخلية متار س فيها السلطة احلاكمة ذاهتا التعذيب ضد شعبها هبدف إسكات صوت املعارضة حلامية النظام. وقد يامر س التعذيب يف اإلطار نفسه من أجل محاية األمن الداخيل يف حالة وصول حكومة أو سلطة جديدة إىل احلكم كام قد يامر س يف ظروف وحاالت احلروب الدولية واألهلية بقصد إزهاق أرواح أناس للتأثري يف نتائج احلرب أو يف ظروف عنرصية وعقائدية أو يف حاالت إدارة العدالة اجلنائية وخاصة حالة التعذيب واملعاملة غري اإلنسانية أو املهينة يف أثناء إجراءات التحقيق أو االستجواب. يرتدي موضوع التعذيب يف القانون الدويل حلقوق اإلنسان والترشيعات املحلية الفلسطينية أمهية خاصة عىل الصعيدين الدويل والوطني فهو يمس أحد أهم احلقوق التي أقرهتا املواثيق ومبادئ القانون الدويل وهو حق اإلنسان يف احلياة والسالمة اجلسدية والكرامة اإلنسانية وي عترب التعدي عليه انتهاك ا واعتداء خطريين. إشكالية الدراسة وتساؤالتها تتحدد مشكلة الدراسة يف التعرف إىل واقع احلق يف عدم التعرض للتعذيب يف أماكن االحتجاز الفلسطينية منذ بداية سنة 2007 وحتى هناية نيسان/أبريل 2015 من خالل حتليل الواقع القانوين الذي ينظم هذا احلق نظري ا واملامرسة التطبيقية له للكشف عن مدى االلتزام - من الناحية الواقعية - بنصوص القانون والكشف عن االنتهاكات التي يتعرض هلا وتقديم املقرتحات الكفيلة بحاميته وحتسني أدائه. يف ضوء ما سبق ستقدم هذه الدراسة إجابة عن التساؤالت اآلتية: - ما املقصود بالتعذيب وما هي أساليب التعذيب وأنواعه - ما القواعد القانونية الدولية واملحلية التي تضمن عدم التعرض للتعذيب يف أماكن االحتجاز وتؤطره - ما مدى فعالية املنظومة القانونية الفلسطينية يف محاية األفراد من التعرض للتعذيب يف أماكن االحتجاز وما مدى تواؤمها مع املواثيق الدولية حلقوق اإلنسان حلامية الفرد من التعذيب - كيف يكاف ح التعذيب وما هي أهم الضامنات التي نصت عليها املواثيق الدولية حلقوق اإلنسان حلامية الفرد من التعذيب وإىل أي مدى أ خذ هبذه الضامنات يف الترشيعات الفلسطينية - إىل أي مدى ت طب ق النصوص الوطنية التي جتر م التعذيب عىل أرض الواقع أي ما مدى فعاليتها عىل أرض الواقع وهل تأخذ هذه النصوص الدستورية أو القانونية مكاهنا عند التنفيذ الفعيل هلا أم يتم جتاهلها بام حتمله من قيمة قانونية وإنسانية يف سبيل انتزاع اعرتاف أو إقرار حول جريمة قام هبا أو يشتبه يف أنه ارتكبها هو أو شخص ثالث أهمية الدارسة تنبع أمهية هذه الدراسة من كوهنا تسلط الضوء عىل املواثيق الدولية واإلقليمية والترشيعات الفلسطينية الناظمة حلق عدم التعرض للتعذيب من خالل بيان طريقة تنظيمها هلذا احلق واالستثناءات الواردة بشأنه باإلضافة إىل بيان مدى انسجام الترشيعات الفلسطينية مع هذه املواثيق الدولية.
83 83 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية كام تكمن أمهيتها يف كوهنا تسلط الضوء عىل واقع ممارسة التعذيب يف أماكن االحتجاز الفلسطينية منذ بدء االنقسام السيايس سنة 2007 ولغاية تاريخ كتابة هذه الدراسة )أي حتى هناية نيسان/أبريل 2015( وذلك بدراسة االنتهاكات التي تعر ض هلا املواطنون من حيث عددها ونوعيتها والدوافع واألسباب الكامنة خلفها وتقديم االقرتاحات الالزمة للتخلص منها. أهداف الدراسة هتدف الدراسة بشكل أسايس إىل: - تشخيص الواقع القانوين والعميل حلق احلامية من التعرض للتعذيب يف الواقع الفلسطيني وحماولة تقييم مستوى املامرسة الفعلية هلذا احلق وفق ا للواقع العميل وذلك للخروج بحلول ترشيعية لتنظيمه. - تقديم توصيات إىل املرش ع الفلسطيني ملعاجلة النظام القانوين اخلاص بالتعذيب يف فلسطني وتطوير هذا النظام ودراسة مشاريع القوانني املعد ة هبذا اخلصوص هبدف معرفة اجلهود املبذولة يف سبيل محاية املواطنني من التعرض للعذيب وتقديم التوصيات لتاليف أي نقص أو قصور يف هذه املشاريع. - إلقاء الضوء عىل واقع جريمة التعذيب املامرسة يف أماكن االحتجاز الفلسطينية يف كل من الضفة الغربية وقطاع غزة حلث أصحاب القرار والعاملني يف هذا املجال عىل اخت اذ ما يلزم من إجراءات وتدابري فعلية وقابلة للتنفيذ عىل طريق الدفاع عن هذا احلق وغريه من احلقوق املتصلة به. نطاق الدراسة تقترص هذه الدراسة عىل بيان االنتهاكات التي تسببها السلطات العامة يف الدولة ضمن املنظومة القانونية الفلسطينية وبذلك نستبعد احلديث عن االنتهاكات التي يسببها االحتالل اإلسائييل. ويف ما يتعلق بالنطاق املكاين تقترص هذه الدراسة عىل بيان واقع التعذيب يف الضفة الغربية وقطاع غزة. أم ا النطاق الزماين فهو املدة الزمنية الواقعة بني كانون الثاين/يناير 2007 وحتى هناية نيسان/أبريل 2015 حيث شهدت هذه املدة أحداثا كثرية أبرزها االنقسام السيايس الفلسطيني وتوقيع اتفاق املصاحلة الفلسطينية وانضامم دولة فلسطني إىل عدد من املواثيق الدولية. منهجية الدراسة بغية حتقيق أكرب قدر من الفائدة ق د مت اإلجابات عن هذه األسئلة من خالل اعتامد املنهج الوصفي التحلييل املقارن يف إعداد هذا البحث يف مجيع أجزائه وذلك بتحليل نصوص املواثيق الدولية التي ت عنى بحظر التعذيب ونصوص الترشيعات الفلسطينية وعىل رأسها القانون األسايس املعدل لسنة 2003 وغريه من القوانني األخرى الناظمة ملوضوع الدراسة. كام است ند إىل منهج البحث امليداين وذلك إلغناء هذه الدراسة من الناحية العملية فأ جري عدد من املقابالت مع أشخاص ذوي عالقة باملوضوع للبحث يف مدى فعالية النصوص القانونية يف توفري محاية للمواطنني تقيهم التعرض للتعذيب ومعرفة طبيعة االنتهاكات التي يتعرضون هلا وأسباهبا. خطة الدراسة إيفاء هلذه الغاية قسمنا الدراسة إىل مبحثني تتلومها خامتة جت مل النتائج والتوصيات. تفرد الدراسة مبحثها األول لتناول اإلطار النظري الذي تتطرق فيه إىل ماهية احلق يف احلامية من التعذيب من حيث بيان مفهومه
84 العدد ٤ / ١٤ خريف وأنواعه واإلطار القانوين الناظم هلذا احلق يف ضوء املواثيق الدولية والترشيعات الفلسطينية. ويعرض املبحث الثاين واقع محاية احلق من التعذيب منذ بداية سنة 2007 وحتى تاريخ كتابة هذه الدراسة وذلك بإبراز أهم الضامنات املت بعة ملكافحة التعذيب يف االتفاقيات الدولية حلقوق اإلنسان والترشيعات الفلسطينية وتوضيح اإلجراءات الوقائية والعالجية ملكافحة التعذيب وتسليط الضوء عىل الواقع العميل حلق احلامية من التعذيب يف أماكن االحتجاز الفلسطينية وبيان مدى تطبيق النصوص القانونية فعلي ا يف هذه املراكز. ماهية الحق في الحماية من التعذيب ي عترب التعذيب بجميع أشكاله اجلسدية واملعنوية وغريه من رضوب املعاملة القاسية أو غري اإلنسانية أو املهينة للمتهمني أو للمحرومني من حرياهتم من أخطر اخلروق حلقوق اإلنسان ملا فيه من انتهاك رصيح للمواثيق الدولية التي تقيض باحرتام حق اإلنسان يف احلياة وسالمة جسده وبمعاملته باحرتام صون ا للكرامة اإلنسانية املتأصلة فيه. ال تقترص املصلحة املقصودة من محاية الفرد من التعرض للتعذيب عىل املصلحة الفردية أي تلك التي تتعلق بالكيان اجلسدي بل متتد إىل مصلحة املجتمع أي حق املجتمع يف سالمة جسم الفرد فاملصلحة التي يقرها املرش ع هي للمجتمع والفرد مع ا. ولتوضيح ماهية احلق يف احلامية من التعذيب سنتناول يف املطلب األول مفهوم التعذيب ويف املطلب الثاين اإلطار القانون الناظم هلذا احلق يف املواثيق الدولية والترشيعات الوطنية. مفهوم التعذيب لتوضيح مفهوم التعذيب ال بد من التطرق بداية إىل تطوره التارخيي ومن ثم توضيح املقصود به يف املواثيق الدولية والترشيعات الفلسطينية مع بيان أنواعه وأهم صوره. - التطور التارخيي للتعذيب: است عمل التعذيب عىل جمرى التاريخ أسلوب ا من أجل حتقيق التحول الديني أو السيايس يف ما ع رف بإعادة التثقيف فعىل مدار التاريخ تم اللجوء إىل أشد ممارسات التعذيب يف مالحقة ما اعت رب هت ام بتهديد البنية األيديولوجية والعقائدية للدولة واملجتمع وهي الت هم التي ن ظر فيها إىل املتهمني عىل أهنم هيد دون القواعد اإليامنية للمجتمع. وقد است عمل التعذيب تارخيي ا يف كثري من الدول واألنظمة السياسية بشكل رسمي وجلأت السلطات احلاكمة إىل ممارسته من أجل احلصول عىل معلومات أو من أجل إنزال عقاب أو حتقيق غرض الرتهيب والقسوة منع ا للتمرد ضد السلطة احلاكمة وللتجمع أو إبداء الرأي بام يمس السلطة احلاكمة أو رمزها ))). ومن أقدم األزمنة مورس التعذيب من أجل إخضاع العبيد لسلطة أسيادهم كام كان جيري يف أثينا القديمة ثم يف روما الحق ا حيث كانت شهادات العبيد يف عهد اإلمرباطورية الرومانية ال ت قبل أمام املحاكم إال إذا كانت نتيجة تعذيبهم عىل اعتبار أنه ال يمكن الوثوق بام يقولونه طوع ا ))). ويف القرون الوسطى استقر التعذيب يف أوروبا وسيلة للتحقيق واعت رب من النظم اإلنسانية يف اإلجراءات اجلنائية. وبلغ به احلد إىل قوننته ففي فرنسا صدر يف سنة 1593 أمر ملكي قىض بأن يلجأ املحقق إىل ممارسة التعذيب للحصول عىل االعرتاف وأ طلق عىل هذه الطريقة من طرق التحقيق اصطالح»االستجواب ))) وليم نصار مفهوم الجرائم ضد اإلنسانية في القانون الدولي )بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 2008( ص 135. ))) المصدر نفسه ص 135.
85 85 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية القضائي«. وكان لكل إقليم وسائله وفنونه يف إجراء التعذيب وسبل ممارسته وأصبح التعذيب بعد ذلك إجراء قضائي ا يتعني اللجوء إليه بل حكام متهيدي ا تلجأ إليه املحكمة قبل أن ي نط ق احلكم يف النزاع ))). أم ا الرشيعة اإلسالمية فجر مت التعذيب واإليذاء وحر مت ارتكابه. ويف ذلك جاء يف القرآن الكريم: والذين يؤذون املؤمنني واملؤمنات بغري ما اكتسبوا فقد احتملوا هبتان ا وإثام مبينا ))) ويف احلديث الرشيف:»ال حيل المرئ أن يؤذي امرأ يف بدنه أو ماله أو ولده أو حريته إال قصاص ا أو حد ا... وال تزر وزارة وزر أخرى«باإلضافة إىل ورد يف كثري من األحاديث واآليات القرآنية التي حر مت إيذاء النفس البرشية إال باحلق ))). لكن رغم ذلك شهد التاريخ اإلسالمي عدد ا من الوقائع التي أجازت التعذيب ))) حيث اجته بعض الفقهاء إىل إجازته حلمله املته م عىل االعرتاف بذنبه ))) غري أن الغرض من التعذيب مل يقترص عىل ذلك بل شمل أغراض ا سياسية وأخرى تتعلق باجلباية والعقوبة واملقابلة باملثل ))). ويتضح من استقراء التاريخ أن التعذيب كان موجود ا عرب مجيع املراحل التارخيية ومل يقترص عىل نظام سيايس أو موقع جغرايف معني أو فئة حمددة من البرش أو مستوى اجتامعي أو ثقايف حمدد. كام أنه است خدم يف ظروف ومالبسات كثرية منها احلرب وإدارة العدالة اجلنائية وذلك يف مرحلتي االستجواب وتنفيذ العقوبة ويف الظروف السياسية كام است خدم بدوافع عنرصية. است خدمت يف مجيع هذه الظروف أساليب التعذيب الوحيش كافة من رضب وحرق وصلب إىل أن وصلت إىل حد التشويه وتقطيع األعضاء وترك الضحية فريسة حية للحرشات واحليوانات تنهش جسده حتى املوت. ومع أنه مل يعد للتعذيب حالي ا أي اعرتاف رشعي به يف أي ظرف من الظروف ومل يعد ينص عليه أي نظام قانوين فإنه ال يزال من الناحية الواقعية قيد املامرسة بصورة منترشة ومتزايدة. - تعريف التعذيب وأنواعه: من الصعوبة بمكان أن يوضع للتعذيب تعريف جامع مانع بحيث حيدد كل سلوك ي عترب تعذيب ا والسبب يف ذلك يعود إىل تطور وسائل ممارسة التعذيب وطرقها بشكل مستمر إضافة إىل اختالفها من مكان إىل آخر ومن وقت إىل آخر. كام أن هناك تطور ا دائام ومستمر ا يف مفهوم التعذيب ذاته. مع ذلك استطاع املجتمع الدويل أن يتخطى هذه الصعوبة من خالل وضع تعريف عام جتاوز ذكر األساليب أو حرصها فاإلعالن بشأن محاية مجيع األشخاص من التعرض للتعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو غري اإلنسانية أو املهينة يعر ف التعذيب بأنه:»أي عمل ينتج عنه أمل أو عناء شديد جسدي ا كان أو عقلي ا يتم إحلاقه عمد ا إم ا بفعل أحد املوظفني العموميني أو بتحريض منه ))) محمد سالمة جريمة التعذيب في القانون الدولي الجنائي والقانون الداخلي: دراسة تأصيلية تحليلية )اإلسكندرية مصر: المكتب العربي الحديث 2006( ص 12. ))) القرآن الكريم»سورة األحزاب «اآلية 58. ))) هادي العلوي من تاريخ التعذيب في اإلسالم )دمشق: مركز األبحاث والدراسات االشتراكية في العالم العربي 1987( ص 35. ))) للمزيد حول هذه الوقائع انظر: عالء عبد الحسن السيالوي تعذيب المتهم في المنظورين القانوني والشرعي )بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية 2014( ص 34. ))) ذهب المتأخرون من فقهاء المذاهب الحنفي والحنبلي والمالكي إلى إجازة تعذيب المتهم المعروف بالفجور كما أجاز بعض فقهاء المذهب الشافعي صحة إقرار المكره. للمزيد حول مبررات الفقهاء الذين أجازوا تعذيب المتهم لحمله على االعتراف انظر: المصدر نفسه ص ))) للمزيد حول ممارسات التعذيب في التاريخ اإلسالمي انظر: هادي العلوي من تاريخ التعذيب في اإلسالم األعمال الكاملة 3 ط 4 )دمشق: دار المدى للثقافة والنشر 2004(.
86 العدد ٤ / ١٤ خريف ألغراض: مثل احلصول من هذا الشخص أو من شخص آخر عىل معلومات أو اعرتاف أو معاقبته عىل عمل ارتكبه أو ختويف أشخاص آخرين وال يشمل التعذيب األمل والعناء الذي يكون ناشئ ا عن جمرد جزاءات مرشوعة أو مالزم ا هلا ومرتتب ا عليها ويف حدود مت يش ذلك مع القواعد النموذجية الدنيا للمعاملة السجناء ويمثل التعذيب شكال متفاقام من أشكال املعاملة القاسية أو الالإنسانية أو احلاطة بالكرامة«))). ع د ل هذا التعريف بشكل طفيف يف اتفاقية مناهضة التعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو غري اإلنسانية أو املهنية )1)) فورد يف املادة األوىل منها أنه:»أي عمل ينتج عنه أمل أو عذاب شديد جسدي ا كان أم عقلي ا ي لحق عمد ا بشخص ما بقصد احلصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث عىل معلومات أو عىل اعرتاف أو معاقبته عىل عمل ارتكبه أو يشتبه يف أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو ختويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا العذاب أو األمل ألي سبب من األسباب يقوم عىل التمييز أي ا كان نوعه أو حير ض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يترص ف بصفته الرسمية وال يشمل هذا التعريف األمل أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو املالزم هلذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية هلا«)1)). وثمة تعريفات عدة للتعذيب وردت يف كثري من املواثيق الدولية والترشيعات الوطنية لكنها تشرتك مجيعها يف أن التعذيب اعتداء عىل الشخص بإيذاء مادي أو نفيس له )1)). وبمقارنة التعريفات السابقة نجد أن التعريف الوارد يف اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984 هو أكملها وأكثرها ضبط ا هلذا االصطالح - رغم بعض املآخذ عليه. ووفق ا هلذا التعريف نجد أن التعذيب يتضمن العنارص التالية: األمل أو العذاب النامجان عن التعذيب: يشمل التعذيب مجيع األفعال التي من شأهنا أن ت سبب لإلنسان أمل ا شديد ا جسدي ا أكان أم عقلي ا أو نفسي ا أي إنه يشمل التعذيب املادي والتعذيب النفيس. وهذا التوسع يف مفهوم التعذيب ليشمل األمل النفيس أو املعاناة النفسية يتضمن إدانة لألساليب النفسية احلديثة التي ت ستخدم النتزاع املعلومات أو االعرتاف من ضحايا التعذيب وهي من نتائج التطور العلمي يف اآلونة األخرية. وبحسب االتفاقية ال ي عترب كل أمل نامج ا عن التعذيب إال إذا كان عىل درجة من اجلسامة )1)). وجتدر اإلشارة إىل أن االتفاقية مل تأخذ باألمل أو العذاب الناشئ من العقوبات القانونية أو املالزم هلذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية هلا إذ ال ي عترب تعذيب ا كل عقاب يلحق بمجرم عىل النحو القانوين املقرر وهذا ي عترب من املآخذ عىل هذه االتفاقية )1)). وكام سبق أن بي نا فإن املادة األوىل من إعالن األمم املتحدة حلامية مجيع األشخاص من التعذيب نصت عىل رضورة أن تتامشى هذه اجلزاءات املرشوعة مع القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء )1)) وكان من ))) المادة األولى من إعالن حماية جميع األشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو المهينة تبن ته الجمعية العامة لألمم المتحدة بتاريخ 1975/12/9. )1)) اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير اإلنسانية أو المهنية تبن تها الجمعية العامة لألمم المتحدة بتاريخ 1984/12/10. )1)) أمينة سلطان تقرير حول ممارسة التعذيب في التحقيق ترجمة قيس جبارين سلسلة تقارير قانونية 14 )رام الله فلسطين: الهيئة المستقلة لحقوق المواطن 2000( ص 5. )1)) براين آينز تاريخ التعذيب ترجمة مركز التعريب والبرمجة )بيروت: الدار العربية للعلوم 2000( ص 8. )1)) محمد علوان»حظر التعذيب في القانون الدولي لحقوق اإلنسان في ضوء اتفاقية األمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984 «مجلة الحقوق السنة 11 العدد )1987( 4 ص 74. )1)) المصدر نفسه ص 76. )1)) القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء لعام 1977.
87 87 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية األجدر ذكر هذه اجلزئية يف هذه االتفاقية فالقواعد النموذجية حظرت عىل إدارة أماكن االحتجاز فرض عقوبات انضباطية ماسة بالكرامة اإلنسانية ضد أي حمتجز وألي سبب كان. فعىل سبيل املثال نصت املادة )31( عىل أن»العقوبة اجلسدية والعقوبة بالوضع يف زنزانة مظلمة وأية عقوبة قاسية أو الإنسانية أو مهينة حمظورة كلي ا كعقوبات تأديبية«باإلضافة إىل نص املادة )33(:»ال جيوز أبد ا أن ت ستخدم أدوات تقييد احلرية كاألغالل والسالسل واألصفاد وثياب التكبيل كوسائل للعقاب وباإلضافة إىل ذلك ال جيوز استخدام ((1( السالسل أو األصفاد كأدوات لتقييد احلرية«. كام نصت مبادئ األمم املتحدة األساسية ملعاملة السجناء عىل:»يضطلع بجهود إللغاء عقوبة احلبس االنفرادي أو احلد من استخدامها وتشجيع تلك اجلهود«)1)). ويالح ظ أن اتفاقية مناهضة التعذيب ال تعامل التعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو غري اإلنسانية أو املهينة بالطريقة ذاهتا فهي ميزت بينها بأن جر مت أفعال التعذيب يف حني أهنا مل جتر م املعاملة أو العقوبة القاسية أو غري اإلنسانية. ويكمن معيار التفرقة بينها يف درجة املعاناة أو األمل الذي يلحق باملجني عليه فإذا كانت هذه الدرجة يف أقصاها يكون احلاصل تعذيب ا وإال فإن األمر ال يتجاوز جمرد املعاملة القاسية أو غري اإلنسانية أو املهينة )1)). لكن ال االتفاقية وال املعاهدات األخرى تستثني إمكانية أن يطلب القانون الدويل العريف العام جتريم بعض أشكال املعاملة السيئة التي ال تصل إىل حد التعذيب فقد نصت عىل ذلك املادة )2/16( من االتفاقية:»ال خت ل أحكام هذه االتفاقية بأحكام أي صك دويل آخر أو قانون وطني حيظر املعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة...«)1)). اهلدف من وراء التعذيب: إن جريمة التعذيب هي من اجلرائم العمدية التي يتعني أن يتوافر فيها القصد اجلنائي لدى اجلاين. والقصد املستهد ف من التعذيب ليس هو القصد العام املتمث ل يف إحداث األمل وإنام جيب أن يكون إحداث األمل من أجل احلصول من الشخص املعذب أو من أي شخص آخر عىل معلومات أو اعرتاف أو من أجل معاقبة الشخص املعذ ب عىل عمل ارتكبه هو أو شخص آخر أو عندما يوقع هذا األمل ألي سبب يقوم عىل التمييز بأشكال خمتلفة )2)) وهو ما يؤخذ عىل االتفاقية يف كوهنا ال تأخذ بالتعذيب حني يكون مقصودا لذاته أي حني ي رتكب بنية التعذيب فقط كأن يكون لدى املعذ ب نزعة التلذذ بتعذيب اآلخرين. الصفة الرسمية ملرتكب جريمة التعذيب أو من يقوم من وراء هذه اجلريمة بالتحريض أو املوافقة عليها أو السكوت عنها: تعني هذه الصفة أن من يامرس إحداث األمل أو يوافق عليه أو حيرض عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يترصف بصفة رسمية إذ ال ي شرتط أن يكون القائم بعملية التعذيب موظف ا عام ا بل يمكن أن يقع التعذيب من طرف أي شخص يترصف بتخويل رصيح أو ضمني من الدولة فاملهم يف التعذيب هو عنرص استغالل الدولة للسلطة يف مواجهة رعاياها لتخويفهم أو النتزاع معلومات منهم )2)). )1)) مبادئ األمم المتحدة األساسية لمعاملة السجناء لعام )1)) سهيل الفتالوي اإلرهاب الدولي وشرعية المقاومة )عمان: دار الثقافة 2009( ص 160. )1)) هبة المدور الحماية من التعذيب في إطار االتفاقيات الدولية واإلقليمية )بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية 2009( ص 28. )1)) معن ادعيس مراجعة قانونية ألحكام التعذيب في النظام القانوني الفلسطيني سلسلة تقارير قانونية 69 )رام الله فلسطين: الهيئة المستقلة لحقوق اإلنسان 2009( ص 51. )2)) علوان»حظر التعذيب «ص 74. )2)) سلطان ص 5.
88 العدد ٤ / ١٤ خريف نخلص مم ا سبق إىل أن هذا التعريف يوفر محاية من التعرض للتعذيب الواقع من طرف السلطة العامة عىل األشخاص املحتجزين لكنه ال حيدد بشكل قاطع أي ا من صنوف التعذيب واملعاملة القاسية التي ت عترب حمظورة إذ ليس ثمة الئحة تشمل هذه األصناف والسبب هو الطبيعة اخلاصة للتعذيب فأساليب التعذيب خمتلفة وتتغري بتغري الزمان واملكان ولذلك كان اجتاه االتفاقية إىل التوسع يف تعريف التعذيب اجتاه ا صائب ا حتى يستوعب أي تطور علمي وأيض ا من أجل أن يطاول احلظر مجيع مقرتيف التعذيب. أم ا يف ما يتعلق باملقصود بالتعذيب يف املنظومة القانونية الفلسطينية فقد تضمنت هذه املنظومة بعض األحكام اإلجرائية أو احلقوقية العامة املتعلقة بالتعذيب لكنها مل جتر م التعذيب كجريمة مستقلة قائمة بذاهتا ومستقلة عن غريها من األفعال املاسة بسالمة اجلسد فقانون العقوبات رقم )16( لسنة 1960 الساري يف الضفة الغربية )2)) وقانون العقوبات رقم )74( لسنة 1936 الساري يف قطاع غزة )2)) جاءا خاليني من مصطلح»التعذيب«للداللة عىل جريمة التعذيب الذي يامرسه موظف عام يف حق من حيتجزه هذا املوظف من أشخاص )2)). فبمراجعة املواد ) ( من قانون العقوبات الساري يف قطاع غزة واملواد ) ( من قانون العقوبات الساري يف الضفة الغربية نجد أهنا استخدمت مصطلحات مثل»اجلرح وأفعال الطيش واإلمهال وأفعال األذى أو اإليذاء واالعتداء والعنف والشدة«لكنها مل تتحدث عن صفة خاصة يف من تقع منه أفعال اإليذاء اجلسدي فهي مل تضع أساس ا قانوني ا جير م فعل التعذيب باعتباره جريمة مستقلة عن اجلرائم األخرى التي قد متس اجلسد البرشي بل اكتفت باستخدام التعذيب كإجراء غري قانوين بحيث تكون اإلجراءات التي تصدر نتيجة هلا هي إجراءات غري قانونية أيض ا )2)). بعد ما تناولنا املقصود بالتعذيب يف املواثيق الدولية والترشيعات الفلسطينية تبني لنا من خالل التعريف أنه يتكون من أنواع كثرية يمكن تقسيمها بشكل عام إىل نوعني رئيسيني: النوع األول هو التعذيب اجلسدي )املادي( الذي ي قصد به مجيع أنواع وأشكال االعتداء عىل جسد الضحية وتشمل - عىل سبيل املثال ال احلرص - الرضب بمختلف أشكاله واألدوات التي تستعمل فيه وما يسم ى الشبح واالعتداءات اجلنسية والصدمات الكهربائية والتعريض لضوء مبهر أو لضوضاء صارخة أو اإلجبار عىل تناول عقاقري معينة واحلرمان من النوم لفرتات طويلة وحرمان الشخص املصاب من التطبيب )التعذيب السلبي( وغريها... )2)). والنوع الثاين هو التعذيب النفيس )املعنوي( ويقص د به األساليب التي هتدف إىل النيل من الروح املعنوية واملشاعر النفسية وذلك بقصد اإليالم الذي من شأنه النيل من قيم أو عقائد أو أحاسيس غري منظورة. ونذكر من هذه الوسائل عىل سبيل املثال: التهديد بقتل األقارب أو تعذيبهم إخفاء األقارب اإلخضاع للعزلة التامة التعريض لعمليات اإلعدام الومهية التهديد بإطالق حيوانات ملهامجته اإلرغام عىل رؤية أفعال تعذيب وغريها... )2)). )2)) قانون العقوبات رقم )16( لسنة 1960 المنشور في: الجريدة الرسمية )األردن( العدد )1960/5/1( 1487 ص 374. )2)) قانون العقوبات رقم )74( لسنة 1936 المنشور في: الوقائع الفلسطينية )االنتداب البريطاني( العدد )1936/12/14( 652 ص 399. )2)) ادعيس ص 52. )2)) المصدر نفسه ص 52. وتجدر اإلشارة إلى أن للسلطة الفلسطينية توجه ا تشريعي ا جديد ا لألخذ بجريمة التعذيب فقد عر ف مشروع قانون العقوبات المقر بقراءة األولى بتاريخ 2003/4/14 التعذيب وذلك في الفصل الثالث عشر منه تحت عنوان»سوء معاملة الموظفين ألفراد الناس«ويالح ظ من هذا التعريف أنه التعريف ذاته الذي جاءت به اتفاقية مناهضة التعذيب. )2)) الهيئة المستقلة لحقوق المواطن التعذيب )رام الله فلسطين: الهيئة المستقلة لحقوق المواطن 2001( ص 2. )2)) ميلود المهذبي التعذيب وأحكام القانون الدولي )طرابلس: دار الرواد 2006( ص 60.
89 89 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية اجلدير بالذكر أن هنالك أساليب تعذيب أخرى كاستخدام أجهزة كشف الكذب والتنويم املغناطييس واالستجواب حتت تأثري املخدر واالستجواب املطول )2)). وقد ثار خالف كبري حول اعتبار هذه الطرق وسائل تعذيب ومعاملة غري إنسانية أو قاسية أو مهينة أم ال إال أن الرأي الراجح هو أن األساليب الفنية لالستجواب بغض النظر عن مدى فاعليتها يف إظهار احلقيقة جيب النظر إليها بمعيار موضوعي فهي ليست وسائل تعذيب إال إذا نتج من استخدامها أمل أو عذاب وفق الوصف الذي حددته املادة األوىل من اتفاقية مناهضة التعذيب لكنها توصف بأهنا وسائل حاطه بكرامة اإلنسان إذا انطوت عىل اإلذالل واإلهانة ويف هذه احلالة جيب النظر إىل مجيع الظروف واملالبسات التي تصاحب استعامل هذه الوسائل ((2(. الحق في الحماية من التعذيب في ضوء المواثيق الدولية والتشريعات الفلسطينية حظي حق الفرد يف عدم تعرضه للتعذيب باهتامم دويل واسع النطاق وكان لألمم املتحدة الدور األكرب يف إرساء املبادئ ووضع املعايري الدولية التي ينبغي للدول أن تسري عليها. كام حظي هذا احلق باهتامم إقليمي ووطني أيض ا فتضمنت دساتري دول العامل كلها تقريب ا النص عىل محاية الفرد من التعرض للتعذيب. فميثاق األمم املتحدة دعا يف املادة )55( منه إىل تعزيز احرتام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية ومراعاهتا عىل مستوى العامل. وورد يف ديباجته اصطالح الكرامة كمدخل لتنظيم املجتمع الدويل حيث جاء فيها:»نحن شعوب األمم املتحدة وقد آلينا عىل أنفسنا... أن نؤكد من جديد إيامننا باحلقوق األساسية لإلنسان وبكرامة الفرد وقدره وبام للرجال والنساء واألمم كبريها وصغريها من حقوق متساوية...«)3)). كام جاءت وثائق حقوق اإلنسان التي تلت امليثاق لتؤكد املحافظة عىل كرامة اإلنسان ومحايته من التعذيب فاإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان )3)) نص يف املادة )5( منه عىل أن»ال يعر ض أي إنسان للتعذيب وال للعقوبات أو املعامالت القاسية أو الوحشية أو احلاطة بالكرامة«. وكذلك تعززت قاعدة حظر التعذيب بفضل العهد الدويل اخلاص باحلقوق املدنية والسياسية )3)) حيث أكدت املادة )7( منه أنه»ال جيوز إخضاع أحد للتعذيب وال للمعاملة القاسية أو الالإنسانية أو احلاطة بالكرامة... إلخ«كام أوجب يف املادة )10( منه معاملة مجيع املحرومني من حرياهتم معاملة إنسانية حترتم كرامتهم اإلنسانية األصلية باإلضافة إىل املادة )4( التي نصت عىل عدم جواز حتلل الدولة من التزامها يف عدم اللجوء إىل التعذيب حتى يف أقىص حاالت الطوارئ خطورة باإلضافة إىل أنه مل يغفل التشديد عىل أن يراعي نظام السجون معاملة املسجونني معاملة هدفها إصالحهم وإعادة تأهيلهم ((3(. )2)) سالمة ص 6. )2)) المدور ص 181. )3)) الشافعي بشير»التعذيب في المعتقالت والسجون ووسائل مقاومته «في: محمود بسيوني محمد الدقاق وعبد العظيم وزير محررون حقوق اإلنسان: دراسات حول الوثائق العالمية واإلقليمية المجلد الثاني )بيروت: دار العلم للماليين 1989( ص 283. )3)) اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان اعتمد ونشر بقرار الجمعية العامة 217 ألف )د- 3 ( المؤرخ في 1948/12/10. )3)) العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق واالنضمام بقرار الجمعية العامة 2200 )ألف( المؤرخ في 1966/12/16. )3))»التعذيب والمعاملة الالإنسانية أو المهينة «)2015/4/19( على الموقع اإللكتروني: <
90 العدد ٤ / ١٤ خريف كام أوجبت االتفاقية التكميلية إلبطال الرق وجتارة الرقيق واألعراف واملامرسات الشبيهة بالرق لسنة 1956 عىل الدول األطراف فيها أن تتخذ مجيع التدابري الترشيعية وبالرسعة املمكنة إلبطال الرق واملامرسات املشاهبة كلي ا أو هجرها حيثام وج دت. كام اعتربت هذه االتفاقية أن كل تشويه أو كي جلسم شخص ما مستضعف املنزلة أو االشرتاك يف مثل هذه األفعال هو جرم جنائي يف نظر قوانني الدول األطراف فيها )3)). وركزت القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء أيض ا عىل الكيفية التي جيب أن تكون عليها أماكن االحتجاز وكيفية معاملة السجناء حيث نصت يف املادة )31( عىل أن:»العقوبة اجلسدية والعقوبة بالوضع يف زنزانة مظلمة ومجيع رضوب العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة حمظورة كلي ا كعقوبة تأديبية«((3(. سارت عىل النهج نفسه يف تكريس كرامة اإلنسان ومحايته من التعذيب مدونة قواعد السلوك للموظفني املكلفني بإنفاذ القوانني )3)) إذ جعلت من واجب املوظفني املكلفني بإنفاذ القوانني محاية الكرامة اإلنسانية واملحافظة عىل حقوق اإلنسان كام حظرت استعامل املوظفني القوة إال يف الظروف القصوى ويف احلدود الالزمة ((3(. ونص املبدأ الثاين من مبادئ آداب مهنة الطب املتصلة بدور املوظفني الصحيني وال سيام األطباء يف محاية املسجونني واملحتجزين من التعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو غري اإلنسانية أو املهينة لسنة 1982 عىل ما ييل:»يمثل خمالفة جسيمة آلداب مهنة الطب وجريمة بموجب الصكوك الدولية املنطبقة أن يقوم املوظفون الصحيون وال سيام األطباء بطريقة إجيابية أو سلبية بأعامل تشك ل مشاركة يف التعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو احلاطة بالكرامة أو تواطؤ ا أو حتريض ا عىل هذه األفعال أو حماوالت الرتكاهبا«)3)). أم ا عىل صعيد املنظومة القانونية الفلسطينية فإن دولة فلسطني تلتزم محاية حقوق اإلنسان وحرياته استناد ا إىل نص املادة )10( من القانون األسايس املعد ل لسنة 2003 وفيه:»1. حقوق اإلنسان ملزمة وواجبة االحرتام. 2. تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء عىل االنضامم إىل اإلعالنات واملواثيق اإلقليمية والدولية التي حتمي حقوق اإلنسان«)3)). وبالفعل قامت باالنضامم إىل اتفاقية مناهضة التعذيب يف 2014/4/1. كام نص القانون األسايس يف املادة )13( منه عىل أنه:»1. ال جيوز إخضاع أحد ألي إكراه أو تعذيب ويعام ل املته مون وسائر املحرومني من حرياهتم معاملة الئقة. 2. يقع باطال كل قول أو اعرتاف صدر باملخالفة ألحكام الفقرة األوىل من هذه املادة«. )3)) ماهر الطراونة حق الفرد في الحماية من التعرض للتعذيب بكافة أشكاله في القانون الدولي )عمان: الجامعة األردنية 1995( ص 25. )3)) محمود بسيوني محمد الدقاق وعبد العظيم وزير حقوق اإلنسان: الوثائق العالمية واإلقليمية المجلد األول )بيروت: دار العلم للماليين 1989( ص 162. )3)) مدونة األمم المتحدة المتعلقة بقواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين لعام )3)) أكدت ذلك في نص المادة )5(:»ال يجوز ألي موظف من الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو المهينة أو أن يحرض عليه أو يتغاضى عنه«. للمزيد انظر: طراونة ص 35. )3)) بسيوني الدقاق ووزير المجلد األول ص 220. )3)) ادعيس ص 21.
91 91 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية ((4( وجر مت القوانني العقابية الفلسطينية التعذيب أيض ا )4)) ونص قانون اإلصالح والتأهيل»السجون«عىل منع إدارة مراكز االحتجاز من ممارسة أي أفعال تعذيب أو استعامل أفعال الشدة عىل النزيل )4)). واشرتط قانون اإلجراءات اجلزائية )4)) يف ما يتعلق باعتبار االعرتاف قانوني ا أن يصدر طواعية وباالختيار ومن دون ضغط أو إكراه مادي أو معنوي )4)). نخلص من النصوص القانونية السابقة أهنا جاءت منسجمة مع ما جاءت به االتفاقيات واملواثيق الدولية التي حتر م التعذيب وغريه من رضوب املعاملة القاسية. لكن يالح ظ من هذه النصوص أن فعل التعذيب مل جي ر م بشكل كاف إذ ال يوجد نصوص رصحية تعاقب عىل هذا الفعل بشكل مستقل عن اجلرائم األخرى املاسة بسالمة اجلسد عىل خالف االتفاقيات واملواثيق الدولية التي بي نت املقصود بجريمة التعذيب وحددت أركاهنا واعتربهتا جريمة مستقلة عن اجلرائم األخرى. الحق في الحماية من التعذيب: الضمانات والواقع يشك ل احلق يف عدم اخلضوع للتعذيب قيمة اجتامعية كربى يتعني معها أن حياط اإلنسان أكان متهام بارتكاب جريمة أم مل يكن بجدار من الضامنات التي حتول دون تعرضه للتعذيب. وعليه نخصص املطلب األول من هذا املبحثلتوضيحضامناتمكافحة التعذيبيف االتفاقيات الدوليةحلقوق اإلنسان والترشيعات الفلسطينية وسيتم الرتكيز يف ذلك عىل اتفاقية مناهضة التعذيب والترشيعات الفلسطينية. أم ا املطلب الثاين فنخصصه لتشخيص الواقع العميل حلق احلامية من التعذيب يف فلسطني ومدى تطبيق هذه الضامنات عىل أرض الواقع. ضمانات مكافحة التعذيب في االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطيني تتمث ل ضامنات مكافحة التعذيب يف إجراءات عدة حتول دون تعر ض الفرد للتعذيب وسيتم توضيح ذلك من خالل فرعني: الفرع األول هو اإلجراءات الوقائية السابقة عىل وقوع أفعال التعذيب أو إساءة املعاملة والفرع الثاين هو اإلجراءات العالجية الالحقة لوقوع أفعال التعذيب أو إساءة املعاملة. - اإلجراءات الوقائية من التعذيب: هنالك إجراءات وقائية هتدف إىل الوقاية من التعذيب قبل حدوثه ويف ما ييل توضيح ألمهها: زيارة أماكن االحتجاز: ت عترب زيارة أماكن االحتجاز من الضامنات املهمة إلعامل حقوق اإلنسان بشأن )4)) تنص المادة )208( من قانون العقوبات األردني الساري في الضفة الغربية على أن:»كل من سام شخص ا أي نوع من أنواع العنف والشدة التي ال يجيزها القانون بقصد الحصول على إقرار بجريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى ثالث سنوات. وإذا أفضت أعمال العنف والشدة هذه إلى مرض أو جرح كانت العقوبة من ستة أشهر إلى ثالث سنوات ما لم تستلزم تلك األعمال عقوبة أشد«. ونصت المادة )109( من قانون العقوبات الساري في قطاع غزة على أن:»كل موظف عمومي أخضع أو أمر بإخضاع أي شخص للقوة أو للعنف بغية أن ينتزع منه أو من شخص يهمه أمره اعتراف ا بجرم أو أي ة معلومات تتعلق بجرم أو هدد أي شخص أو أمر بتهديد بإلحاق أذى به أو بأمواله أو بأي شخص أو أموال أي شخص يهمه أمره بغية أن ينتزع منه اعتراف ا بجرم أو أية معلومات تتعلق بجرم يعتبر أنه ارتكب جنحة«. )4)) قانون اإلصالح والتأهيل»السجون«رقم )6( لسنة 1998 المنشور في: الوقائع الفلسطينية العدد )1998/7/1( 24 ص 87. )4)) المادة )37( من قانون اإلصالح والتأهيل»السجون«. )4)) قانون اإلجراءات الجزائية رقم )3( لسنة 2001 المنشور في: الوقائع الفلسطينية: العدد )2001/9/5( 38 ص 94. )4)) يالح ظ أن قانون اإلجراءات الجزائية لم يستخدم مصطلح التعذيب على غرار القوانين األخرى فقد نصت المادة )214( منه على أنه:»يشترط لصحة االعتراف... أن يصدر طواعية واختيار ا ودون ضغط أو إكراه مادي أو معنوي أو وعد أو وعيد«.
92 العدد ٤ / ١٤ خريف املحتجزين كام أهنا ت عترب وسيلة للحد من وقوع حاالت تعذيب أو أفعال قد متس باحلقوق األساسية للمحتجزين. وقد أخذت اتفاقية مناهضة التعذيب هبذه الضامنة فنصت عىل ذلك يف املادة )1/2(:»تتخذ كل دولة طرف إجراءات ترشيعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى ملنع أعامل التعذيب يف أي إقليم خيضع الختصاص القضائي«. يتضح من هذه املادة أن االتفاقية تضع حكام عام ا تفرض بموجبه عىل الدول واجب القيام بإجراءات إدارية ملناهضة التعذيب وقمعه ومن هذه اإلجراءات زيارة أماكن املحتجزين. كام نص عىل هذا اإلجراء الوقائي الربوتوكول االختياري التفاقية مناهضة التعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو غري اإلنسانية أو املهينة )4)) فقد كان اهلدف من هذا الربوتوكول إنشاء نظام قوامه زيارات منتظمة تضطلع هبا هيئات دولية ووطنية مستقلة لألماكن التي حي رم فيها األشخاص من حرياهتم وذلك هبدف منع وقمع أعامل التعذيب التي حتدث يف هذه األماكن )4)). أم ا عىل صعيد الترشيعات الفلسطينية فنصت املادة )126( من قانون اإلجراءات اجلزائية عىل أن:»للنيابة العامة ورؤساء حماكم البداية واالستئناف تفق د مراكز اإلصالح والتأهيل )السجون( وأماكن التوقيف املوجودة يف دوائرهم للتأكد من عدم وجود نزيل أو موقوف بصفة غري قانونية وهلم أن يطلعوا عىل سجالت املركز وعىل أوامر التوقيف واحلبس وأن يأخذوا صور ا منها وأن يتصلوا بأي موقوف أو نزيل ويسمعوا منه أي شكوى يبدهيا هلم وعىل مديري ومأموري املراكز أن يقدموا هلم كل مساعدة للحصول عىل املعلومات التي يطلبوهنا«. يتضح من هذا أن قانون اإلجراءات اجلزائية أخذ هبذا اإلجراء الوقائي عندما سمح جلميع أفراد النيابة العامة ورؤساء حماكم البداية واالستئناف بتفق د مراكز اإلصالح والتأهيل )السجون( وأماكن التوقيف املوجودة يف دوائرهم كام أكد ذلك قانون السلطة القضائية رقم )1( لسنة 2002 ولكنه مل حيدد لقضاة حمكمة ما بالقيام هبذا اإلجراء وإنام سمح جلميع القضاة بتفقد السجون )4)). يضاف إىل ذلك قانون مراكز اإلصالح والتأهيل»السجون«الذي منح وزيري الداخلية والعدل أو من ينتدباهنم حق دخول أي مركز بقصد تفق ده وإبداء املالحظات أو املقرتحات التي يروهنا وذلك عىل أن يدو نوها يف سجل خاص )4)). كام منح هذا احلق للنائب العام أو وكالئه وللمحافظني وقضاة املحكمة العليا واملركزية كل يف دائرة اختصاصه دخول مجيع أماكن املراكز يف أي وقت لتفق دها بقصد التحقق من صحة وسالمة اإلجراءات القانونية التي ت ت خذ يف هذه املراكز )4)). )4)) البروتوكول االختياري التفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو المهينة لعام.2002 )4)) ادعيس ص 31. كما أجازت االتفاقية األوروبية لمناهضة التعذيب للجنة األوروبية لمناهضة التعذيب المنشأة بموجب االتفاقية القيام بزيارات لمراكز االحتجاز في الدول األطراف في االتفاقية من دون إخطار سابق ووضع تقارير عن هذه الزيارات. انظر: علوان»حظر التعذيب «ص 82. )4)) انظر: المادة )70( من قانون السلطة القضائية لسنة )4)) انظر: المادة )10( من قانون مراكز اإلصالح والتأهيل»السجون«. )4)) المادة )11( من قانون مراكز اإلصالح والتأهيل»السجون«. أم ا في ما يتعلق بالقانون الخاص بجهاز المخابرات العامة والقانون الخاص بجهاز األمن الوقائي فإنهما جاءا بنصوص عامة توجب على هذه األجهزة مراعاة الحقوق والحريات والضمانات المنصوص عليها في القوانين الفلسطينية وفي المواثيق والمعاهدات الدولية في المجاالت كافة بما في ذلك الحق في سالمة الجسد وال سي ما من التعذيب. انظر: ادعيس ص 36.
93 93 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية يتضح مم ا سبق خلو الترشيعات الفلسطينية من نص قانوين واضح ورصيح يمنح احلق يف زيارة األماكن التي يتم احتجاز األفراد فيها )سواء أكان معرتف ا هبذه األماكن قانون ا أم ال(. كام يالح ظ عدم وجود نص قانوين واضح ينص عىل تشكيل آلية وطنية واضحة يناط هبا صالحية القيام هبذه الزيارات أو نص رصيح يسمح بزيارة هذه األماكن من قبل اآللية الدولية املعنية بقضايا التعذيب يف األمم املتحدة والتي جاءت هبا االتفاقية أو الربوتوكول االختياري امللحق هبا. إعالن أماكن االحتجاز: نصت املواثيق الدولية حلقوق اإلنسان وكذلك الترشيعات الوطنية عىل هذه الضامنة التي تكفل بموجبها للمحتجز أن يكون احتجازه يف أماكن معروفة ومعلنة رسمي ا بأهنا أماكن جيوز احتجاز األفراد فيها فبموجب هذا اإلجراء توف ر للمحتج زين محاية من التعرض للتعذيب وإساءة املعاملة. وقد أوجب الربوتوكول االختياري لالتفاقية عىل الدول األعضاء بأن توف ر مجيع املعلومات التي تطلبها اللجنة الفرعية أو اآللية الوطنية ملناهضة التعذيب يف مجيع األمور املتعلقة باملحتجزين وال سيام املعلومات املتعلقة بأماكن االحتجاز. وكذلك اشرتط إعالن محاية مجيع األشخاص من االختفاء القرسي وجوب أن يكون كل شخص حمروم من حريته موجود ا يف مكان احتجاز معرتف به رسمي ا وأن توضع معلومات دقيقة عن احتجاز األشخاص وأمكنة احتجازهم يف متناول أفراد أ سهم أو حماميهم أو أي شخص آخر له مصلحة مرشوعة يف احلصول عىل هذه املعلومات )5)). وكام بي نا سابق ا فإن اتفاقية مناهضة التعذيب وضعت حكام عام ا ت وجب عىل الدول القيام بجميع اإلجراءات اإلدارية والترشيعية والقضائية الفع الة ملنع أعامل التعذيب ومن هذه اإلجراءات إعالن أماكن االحتجاز وهو من اإلجراءات املهمة للمحافظة عىل سالمة الفرد من التعرض للتعذيب. وقد أكدت الترشيعات الفلسطينية هذا اإلجراء أيض ا حيث نص قانون اإلجراءات اجلزائية يف املادة )125( منه عىل أنه:»ال جيوز توقيف أو حبس أي إنسان إال يف مراكز اإلصالح والتأهيل )السجون( وأماكن التوقيف املخصصة لذلك بموجب القانون...«. كام جاء يف املادة )11( من القانون األسايس عىل عدم جواز احلجز أو احلبس يف غري األماكن اخلاضعة للقوانني بتنظيم السجون وكذلك قانون مراكز اإلصالح والتأهيل )السجون( الذي نص يف املواد )3-1( منه عىل إنشاء مراكز اإلصالح والتأهيل وحتديد أماكنها بموجب قرار من وزير الداخلية وتتوىل املديرية العامة هلذه املراكز يف جهاز الرشطة إدارهتا واإلرشاف عليها )5)). حق املحتجز يف تقديم الشكاوى: أي حق املحتجزين يف تقديم شكاوى إىل السلطات املختصة يرشحون فيها أوضاعهم واالنتهاكات التي حلقت بسالمتهم الشخصية. وهبذا اإلجراء يراق ب العاملون يف مراكز االحتجاز. وقد نصت اتفاقية مناهضة التعذيب عىل رضورة أن تضمن كل دولة طرف ألي فرد يدعي أنه قد تعرض للتعذيب يف أي إقليم خيضع لواليتها القضائية احلق يف أن يرفع الشكوى إىل سلطاهتا املختصة )5)) انظر: المادة )10( من إعالن حماية جميع األشخاص من االختفاء القسري وادعيس ص 42. )5)) ويضاف إلى ذلك القرار بقانون الخاص بجهاز األمن الوقائي رقم )11( لسنة 2007 الذي أعطى وزير الداخلية صالحية إنشاء مركز توقيف ثابتة خاصة باإلدارة العامة لجهاز األمن الوقائي مستقلة عن مركز اإلصالح والتأهيل التابعة لجهاز الشرطة على أن يعلم وزير العدل والنائب العام بحالتها وبأي تغيير يطرأ بشأنها. كما نص على اعتبار هذه المراكز مراكز قانونية للتوقيفات التي تجري من طرف جهاز األمن الوقائي. انظر: ادعيس ص 44.
94 العدد ٤ / ١٤ خريف ويف أن تنظر هذه السلطات يف حالته عىل وجه الرسعة وبنزاهة. كام ينبغي هلا اختاذ اخلطوات الالزمة لضامن محاية مقدم الشكوى والشهود من مجيع أنواع املعاملة السيئة أو التخويف نتيجة شكواه أو أي أدلة تقد م. وقد جاءت الترشيعات الفلسطينية منسجمة مع ما سبق إذ نص قانون اإلجراءات اجلزائية عىل حق املحتجز يف تقديم شكوى كتابية أو شفهية إىل النيابة العامة عن طريق مدير مركز اإلصالح والتأهيل )السجون( الذي جيب عليه قبوهلا وإبالغها للنيابة العامة بعد إثباهتا يف سجل خاص يعد هلذا الغرض يف املركز )5)) وكذلك احلال يف ما يتعلق بقانون مراكز اإلصالح والتأهيل )السجون( الذي أعطى النزيل احلق يف تقديم أي شكوى أو أي طلب إىل أي جهة )5)). لكن ينقص هذه النصوص عدم اإلشارة إىل أي ضامنات حلامية مقد م الشكوى من املعاملة السيئة أو التخويف نتيجة تقديمه هذه الشكوى إذ كان جيدر باملرش ع الفلسطيني ات باع ما نصت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب ملا وفرته من آليات وضامنات مناسبة لذلك. حظر التذرع بأي ظروف استثنائية كمبر للتعذيب: ت ع د قاعدة حظر التعذيب من أهم التدابري الوقائية التي تتوخى احليلولة دون وقوع التعذيب إذ هتدف هذه القاعدة إىل محاية سالمة اإلنسان يف مجيع الظروف بحيث ال جيوز اخلروج عنها حتى يف أحوال الطوارئ أو احلرب أو اخلطر العام الذي هيدد حياة األمة فالتعذيب اعتداء عىل الكرامة اإلنسانية ومساس خطري باحلريات العامة ولذلك جيب إدانته إدانة مطلقة بغض النظر عن االعتبارات األمنية أو الظروف الداخلية أو الدولية التي متر هبا الدولة )5)). وقد أكدت ذلك املواثيق الدولية كاتفاقية مناهضة التعذيب التي نصت عىل ذلك يف الفقرتني الثانية والثالثة من املادة الثانية ونصت أيض ا عىل عدم جواز التذرع باألوامر الصادرة عن موظفني أعىل مرتبة أو عن سلطة عامة كمربر للتعذيب. كام نص العهد الدويل للحقوق املدنية والسياسية عىل ذلك يف املادة الرابعة منه )5)). أم ا الترشيعات الفلسطينية فال يوجد نص رصيح عىل ذلك وإنام نجد نص املادة )111( من القانون األسايس الذي ي فهم منه ضمن ا أنه ال جيوز املساس بسالمة اجلسدية بام يف ذلك تعذيب املحتجزين يف حاالت الطوارئ )5)). - اإلجراءات العالجية للتعذيب: عىل الرغم من أمهية اإلجراءات الوقائية التي ت ت خذ بشكل سابق عىل وقوع أفعال التعذيب فإهنا ال تكفي وحدها لتأمني محاية الفرد من التعذيب بل ال بد من إجراءات وتدابري كفيلة بردع مرتكب التعذيب عن هذه املامرسات ويف ما ييل أهم هذه اإلجراءات: تريم أعامل التعذيب: تضمنت دساتري عدد كبري من الدول نصوص ا حتظر تعريض أي إنسان للتعذيب أو املعاملة احلاطة بالكرامة. كام أن دوال كثرية تقرر يف قوانينها اجلزائية إنزال العقوبة باملوظف الذي يستعمل القسوة مع الناس اعتامد ا عىل سلطة وظيفته بحيث خيل برشفهم أو حي دث آالم ا يف أبداهنم باإلضافة إىل معاقبة املوظف الذي يأمر بالتعذيب أو يفعل ذلك بنفسه من أجل محله عىل االعرتاف. كام )5)) المادة )1/27( من قانون اإلجراءات الجزائية. )5)) المادتين )5/11( )18( من قانون التأهيل واإلصالح»السجون«. )5)) محمد علوان حقوق اإلنسان في ضوء القوانين الوطنية والمواثيق الدولية )]د.م: د.ن[ 1989( ص 339. )5)) علوان»حظر التعذيب «ص 84. )5)) تنص المادة )111( من القانون األساسي المعدل على أنه:»ال يجوز فرض قيود على الحقوق والحريات األساسية إال بالقدر الضروري لتحقيق الهدف المعلن من مرسوم إعالن حالة الطوارئ«.
95 95 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية أن هذه القوانني اجلزائية جتر م األفعال التي متس بسالمة جسم اإلنسان أو بالوظائف الطبيعية ألعضائه وتشدد العقوبة يف حال ارتكاب القتل عن طريق أعامل التعذيب والوحشية )5)). وضعت اتفاقية مناهضة التعذيب يف املادة الرابعة منها التزام ا عىل عاتق الدول األطراف بجعل»مجيع أعامل التعذيب جرائم بموجب قانوهنا اجلزائي وينطبق األمر ذاته عىل قيام أي شخص بأي حماولة ملامرسة التعذيب وعىل قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤ ا أو مشاركة يف التعذيب«وتوسعت يف فرض عقوبة مشددة عىل فعل التعذيب نظر ا إىل خطورة هذا الفعل إذ يتعني عىل الدول األطراف بموجب املادة ذاهتا جعل جريمة التعذيب مستوج بة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ يف االعتبار طبيعتها اخلطرية ((5(. يقرتب هذا النص مم ا جاء يف املادة )7( من إعالن األمم املتحدة حلامية مجيع األشخاص من التعذيب واملادة )5( من االتفاقية األمريكية الالتينية ملناهضة التعذيب. ويتضح من النصوص السالفة الذكر أن االتفاقيات واملواثيق الدولية واإلقليمية استهدفت جتريم فعل التعذيب ال عىل مستوى الدولة فحسب وإنام عىل املستوى الدويل أيض ا وهذا ما أكدته جلنة مناهضة التعذيب يف ردها عىل تقرير الدنامرك املقد م إىل جلنة مناهضة التعذيب إذ اعتربت جريمة التعذيب جريمة دولية يمكن مقارنتها بجريمة إبادة الشعوب وباجلرائم املرتكبة ضد اإلنسانية )5)). هذا يف حني أن الترشيعات الفلسطينية مل جترم التعذيب كجريمة مستقلة كام سبقت اإلشارة بل جرى التطرق إليها من خالل اجلرائم املاسة بسالمة اجلسد. كام أن نصوص قانون العقوبات الساري يف الضفة الغربية مل حتدد صفة معينة يف الفاعل أو تشرتط فيه صفة معينة ومل حتدد صفة معينة يف املجني عليه أيض ا فاملادة )207( منه عاقبت كل موظف مكلف بالبحث عن اجلرائم أو مالحقتها وأمهل أو أرجأ اإلخبار عن جريمة اتصلت بعلمه وكذلك معاقبة كل موظف أمهل أو أرجأ إعالم السلطة ذات الصالحية عن جناية أو جنحة عرف هبا يف أثناء قيامه بالوظيفة أو يف معرض قيامه هبا باإلضافة إىل كل من قام حال مزاولته إحدى املهن الصحية بإسعاف شخص يبدو أنه وقعت عليه جناية أو جنحة ومل خيرب هبا السلطة ذات الصالحية وت ستثنى من ذلك كله اجلرائم التي تتوقف مالحقتها عىل الشكوى )6)). وبمقارنة نص املادة )208( من قانون العقوبات الساري يف الضفة الغربية مع نص املادة )109( من قانون العقوبات الساري يف قطاع غزة نجد أن النص الوارد يف القانون األخري أكثر قرب ا من النص الوارد يف االتفاقية فقد جر مت املادة )109( أفعال استعامل القوة أو العنف الذي يامرسه موظف يف اخلدمة املدنية عىل عكس املادة )208( التي جاءت بنص عام جتر م فيه أفعال اإليذاء اجلسدي التي يامرسها الشخص العادي. كام نص عىل أن تكون الغاية من العنف هو احلصول عىل إقرار عكس النص العقايب الساري يف قطاع غزة الذي حتدث عن نوع حمدد من العنف الذي يامرسه املوظف العام وهو العنف الذي يامرسه بقصد احلصول عىل اعرتاف من اجلاين أو من أحد أفراد عائلته. )5)) علوان»حظر التعذيب «ص 86. )5)) علوان حقوق اإلنسان ص 400. )5)) الطراونة ص 93. )6)) باإلضافة إلى نصوص المواد ) ( التي تناولت األحكام العامة المتعلقة بالتحريض أو السكوت أو االشتراك السلبي واإليجابي والشروع والتحريض والمادة )208( التي حظرت وجر مت القيام بأي نوع من أنواع العنف والشدة التي ت رتكب بقصد الحصول على إقرار بجريمة أو على معلومات بشأنها. كما جر مت المواد ) ( كل شخص يقدم عن قصد - وحتى لو يكن له قصد خاص- بضرب شخص آخر أو جرحه أو إيذائه.
96 العدد ٤ / ١٤ خريف يتبني من كال القانونني أهنام تضمنا نص ا عام ا - املادة )61( من قانون العقوبات لسنة 1960 واملادة )19( من قانون العقوبات لسنة يشار فيه إىل اعتبار أي إنسان مسؤوال جزائي ا عن أفعاله املخالفة للقانون حتى وإن كان تنفيذه هلا تم بناء عىل أمر ممن جتب عليه طاعته )6)). نخلص من ذلك إىل أن القوانني العقابية الفلسطينية مل تعر ف جريمة التعذيب كجريمة مستقلة بذاهتا وبالتايل مل جتر مها وإنام عرفت أفعاال أخرى ماسة بسالمة اجلسد اإلنساين تندرج يف جمملها يف املفهوم العام للتعذيب الذي قصدته االتفاقية لكنها ال تغطي مجيع األفعال التي تندرج ضمن املعنى الواسع املقصود بالتعذيب يف االتفاقية. أخري ا جتدر اإلشارة إىل أن اتفاقية مناهضة التعذيب مل تنص عىل مسألة تقادم الدعوى اجلزائية واملدنية الناشئة من جريمة التعذيب رصاحة إال أن البعض يرى أنه ي فهم ضمن ا أهنا ال تتقادم استناد ا إىل خطورة هذه اجلريمة وجسامتها )6)) خالف ا للترشيعات الفلسطينية التي نجد فيها نص ا رصحي ا حيث تنص املادة )32( من القانون األسايس عىل أن:»كل اعتداء عىل أي من احلريات أو حرمة احلياة اخلاصة لإلنسان... ال تسقط الدعوى اجلنائية وال املدنية الناشئة عنها بالتقادم...«. بناء عليه فإن اجلرائم املاسة بسالمة اجلسد بام فيها التعذيب ال ختضع للتقادم )6)). عدم صحة االعرتاف املأخوذ بعد تعذيب املحتجز: نصت اتفاقية مناهضة التعذيب عىل عدم االستشهاد بأي أقوال يثبت أنه أ ديل هبا نتيجة تعذيب كدليل يف أي إجراءات إال إذا است خدمت هذه األقوال املدىل هبا نتيجة التعذيب كدليل ضد الشخص املتهم بارتكاب التعذيب )يف الواقعة ذاهتا(. كام نص العهد الدويل للحقوق املدنية والسياسية عىل حق كل متهم بجريمة يف أال ي كره عىل الشهادة ضد نفسه أو عىل االعرتاف بذنب )6)). وقد جاءت الترشيعات الفلسطينية منسجمة مع املواثيق الدولية فهي أخذت بعدم صحة االعرتاف الذي يؤخذ من األشخاص باإلكراه سواء اإلكراه املادي أو املعنوي وقد نص عىل ذلك القانون األسايس )6)) وقانون اإلجراءات اجلزائية )6)). ومن القرارات القضائية التي صدرت عن القضاء الفلسطيني تأييد ا ملا سبق احلكم الشهري الذي صدر سنة 1998 ببطالن االعرتافات التي أخذهتا النيابة العامة من متهمني بعد أن ثبت هلا حصول )6)) الجدير بالذكر في هذا الصدد أنه ال يوجد أحكام خاصة تتعلق بمساءلة المكلفين بإنفاذ القانون إذا وقع منهم تعذيب أو سوء معاملة لمن يحتجزونهم تحديد ا وإنما يحاس بون وفق ا لألحكام العامة للمسألة اإلدارية والجنائية التي نص عليها القانون في حال وقوع أفعال غير قانونية منهم. للمزيد انظر: ادعيس ص )6)) علوان»حظر التعذيب «ص 87. )6)) باإلضافة إلى أن قانون اإلجراءات الجزائية لم ينص على استثناء جريمة التعذيب أو الجرائم الماسة بسالمة الجسد من سريان العفو العام عليها وكذلك األمر في ما يتعلق بوقف تنفيذ العقوبة. انظر المواد: ) ( من قانون االجراءات الجزائية. )6)) المادة )14( من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. واإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الذي نص على حق كل متهم في محاكمة عادلة تراعى فيها جميع الضمانات األساسية. ويمكن أن ي ستخل ص من هذه الضمانات حق المتهم في أن ال يتم تعريضه للتعذيب أو سوء المعاملة من أجل انتزاع اعتراف منه. انظر: ادعيس ص 61. )6)) نص القانون األساسي الفلسطيني في المادة )2/13( على ما يلي:»يقع باطال كل قول أو اعتراف صدر بالمخالفة ألحكام الفقرة األولى من هذه المادة«وأتت الفقرة األولى إلى عدم إخضاع أحد ألي إكراه أو تعذيب. )6)) اشترط قانون اإلجراءات الجزائية في صحة االعتراف أن يصدر طواعية واختيار ا ومن دون ضغط أو إكراه مادي أو معنوي أو وعد أو وعيد. كما أ شير في القانون ذاته إلى أن اإلفادة التي يقدمها المتهم أمام مأموري الضبط القضائي ويعترف فيها بارتكابه الجريمة ال ت قبل إال إذا قدمت النيابة العامة بي نة على الظروف التي ق دمت فيها اإلفادة واقتنعت المحكمة بأنها أ خذت طوع ا واختيار ا. كما جاء القانون إلى ضرورة أن ي بنى الحكم القضائي على قناعة المحكمة التي يجب أن تهدر أي أقوال يثبت أنها صدرت من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة اإلكراه أو التهديد. انظر المواد ) ( 227 من قانون اإلجراءات الجزائية.
97 97 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية النيابة عىل هذه االعرتافات يف إثر تعرض املتهمني ألفعال تعذيب عىل أيدي أفراد جهاز املخابرات العسكرية ((6(. حق ضحايا التعذيب يف املطالبة بتعويض من الدولة: ترتتب عن التعذيب باإلضافة إىل املسؤولية اجلنائية املسؤولية املدنية باعتباره عمال غري مرشوع فقد نصت اتفاقية مناهضة التعذيب عىل رضورة أن تضمن الدولة يف نظامها القانوين إنصاف من يتعرض لعمل من أعامل التعذيب ومتتعه بحق قابل للتنفيذ يف تعويض عادل ومناسب وحيث إن رضر اجلريمة ال يقترص عىل املجني عليه وحده فإن حق املرضور يف االدعاء مدني ا ينتقل إىل اخل ل ف )6)). وحيق للمجني عليه مقاضاة املوظفني الرسميني املنسوبة إليهم أعامل التعذيب وإدخال الدولة يف الدعوى ومطالبتها يف دفع التعويض )باعتبارها مسؤولة مدني ا عن هذه األفعال( وجرب الرضر الذي يلحق باملعذ ب ال ينرصف فقط إىل التعويض بدفع مبلغ من املال وإنام يمكن أن يتضمن أيض ا إعادة التأهيل بام يف ذلك العالج الطبي أو النفيس الذي حيتاج ضحايا التعذيب إليه بعد اإلفراج عنهم )6)). وقد أوجب القانون األسايس )7)) السلطة الوطنية منح تعويض للمترضر من هذه االعتداءات. وبمراجعة الترشيعات الفلسطينية ال نجد أحكام ا خاصة باملطالبة بالتعويض عن أرضار ناجتة من أفعال التعذيب وإنام يتم الرجوع يف ذلك إىل قانون املخالفات املدنية رقم )36( لسنة 1944 وهو قانون يتضمن أحكام ا عامة تتعلق باملسؤولية املدنية بصورة عامة. االختصاص العاملي أو عاملية العقاب: إن قاعدة إقليمية القوانني اجلنائية هي القاعدة املعتادة عىل اعتبار أن األصل يف هذه القوانني أهنا ال تطب ق إال يف داخل إقليم الدولة وعىل ما يقع فيه من اجلرائم - سواء أكان الفاعل وطني ا أم أجنبي ا- إال أنه يذهب إىل األخذ باالختصاص العاملي وذلك بالنسبة إىل اجلرائم التي متث ل خطورة خاصة تستدعي تعقب مرتكبيها وعدم إفالهتم من املساءلة اجلنائية يف أي مكان يوجدون فيه وبغض النظر عن جنسية اجلاين أو املجني عليه أو حمل وقوع اجلريمة وهذا ما أكدته اتفاقية مناهضة التعذيب يف املادة اخلامسة )7)). وبعد قراءة القوانني العقابية نجد أن قانون العقوبات الساري يف قطاع غزة مل يعط املحاكم الفلسطينية هذا االختصاص جلريمة التعذيب أو حتى غريها من اجلرائم )7)). أم ا قانون العقوبات الساري يف الضفة الغربية فكان أفضل منه إذ إنه منح املحاكم هذه الصالحية )للجرائم التي تقع خارج فلسطني بام فيها اجلرائم التي متس بالسالمة اجلسدية( إال أنه قيدها عندما اشرتط: 1. أن يكون هذا األجنبي مقيام يف )6)) الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق اإلنسان والبيئة تحريم التعذيب في القضاء الفلسطيني: قضية الخضر نموذج ا )القدس: الجمعية 1998( ص 5. وهنالك الكثير من القرارات القضائية المتعلقة باالعتراف وشروط صحته والتي يتم االعتماد عليها في المحاكم الفلسطينية نذكر أهمها قرار محكمة التمييز األردنية رقم )93/269( المنشور على الصفحة 1365 من مجلة نقابة المحامين لسنة 1994:»إن كان االعتراف أمام المدعي العام دليال صالح ا لإلثبات في المواد الجزائية إال أن اعتماده يستلزم الحيطة والحذر والوقوف على جميع الظروف والمالبسات التي أحاطت به بما ال يدع مجاال للشك في صحته وأنه تم اإلدالء به عن إرادة حرة دون إكراه وضغط«. )6)) علوان حقوق اإلنسان ص 402. )6)) علوان»حظر التعذيب «ص 96. )7)) المادة )32( من القانون األساسي المعدل. )7)) علوان حقوق اإلنسان ص 401. )7)) المادتان )6( و )7( من قانون العقوبات االنتدابي علم ا أن المحاكم النظامية تختص وفق قانون السلطة القضائية وقانون العقوبات األردني لسنة 1960 بالنظر في المنازعات والجرائم كافة بما فيها الجرائم التي تمس بالسالمة الجسدية.
98 العدد ٤ / ١٤ خريف األرايض الفلسطينية 2. أن ال تكون دولته قد طلبت اسرتداده وق بل طلبها 3. أن تكون األفعال املراد حماكمته بشأهنا جمر مة يف القانون الفلسطيني )7)). بناء عىل ما سبق نرى أنه ي شرتط للوقاية من التعذيب توافر تدابري وإجراءات وقائية وأيض ا عالجية بام يكفل حق الفرد يف احلامية من التعذيب إذ إن غياب هذه الضامنات سيؤدي إىل إفالت مرتكب التعذيب من العقاب وبالتايل إىل ازدياد ممارسة التعذيب واستمراره. الواقع العملي لحق الحماية من التعذيب بعد هذا العرض للجانب النظري ننتقل إىل احلديث عن املامرسة الفعلية والواقعية للتعذيب يف السجون الفلسطينية فقضيةمحايةحقوق اإلنسانالتكونأبد ابوجودنصوصدستوريةأوقانونيةحتميهذهاحلقوق وإنام تأيت هذه احلامية ممارسة هذه احلقوق والسؤال الذي يثور يف هذا الصدد هو: هل تأخذ هذه النصوص الدستورية أو القانونية مكاهنا عند التنفيذ الفعيل هلا أم يتم جتاهلها بام حتمله من قيمة قانونية وإنسانية يف سبيل انتزاع اعرتاف أو إقرار من شخص بشأن جريمة ارتكبها أو يشتبه يف أنه ارتكبها هو أو شخص ثالث بادئ ذي بدء نشري إىل أن عىل الرغم من وجود هذه املواثيق الدولية التي جتر م اللجوء إىل التعذيب فإن جريمة التعذيب ما زالت ت رتكب وبشكل متزايد عىل صعيد املجتمع الدويل فتقارير األمم املتحدة الصادرة عن اللجنة الدولية حلقوق اإلنسان وتقارير منظمة العفو الدولية والتقارير اإلقليمية تشري إىل أن التعذيب ال يزال يامر س يف أكثر من مئة دولة يف العامل وأن مجيع دول منطقة الرشق األوسط متارسه بقسوة بالغة وبأشكال كثرية. كام أن التعذيب ال يقترص عىل سجناء الرأي والعقيدة واملذهب والدين بل يشمل أيض ا املته مني بجرائم احلق العام كالقتل والرسقة وقضايا االعتداء... إلخ )7)). أم ا عىل صعيد الواقع الفلسطيني فقد برزت ظاهرة التعذيب يف السجون ومراكز التوقيف واالعتقال يف السلطة الفلسطينية منذ إنشائها إال أن هذه الظاهرة تزايدت وتصاعدت وتريهتا بعد االنقسام السيايس الفلسطيني يف منتصف حزيران/يونيو )7)) ويظهر ذلك من خالل التقارير الدورية التي تصدر عن اهليئة املستقلة حلقوق اإلنسان )7)) إذ وفق هذه التقارير يظهر أن سنة 2007 هي األسوأ عىل هذا الصعيد فقد شهدت رضوب ا شتى من التعذيب واملعاملة احلاطة بالكرامة حيث بلغ عدد الشكاوى املقدمة إىل اهليئة الوطنية 274 شكوى وهو ما يشك ل ارتفاع ا يف عدد حاالت التعذيب وسوء املعاملة مقارنة بالسنوات املاضية إذ ي ع د من أعىل أعداد الشكاوى التي تلق تها اهليئة منذ سنة 1996 والسبب يعود يف ذلك إىل حالة االنقسام السيايس الفلسطيني بني الضفة الغربية وقطاع غزة )7)). )7)) المواد )13-7( من قانون العقوبات األردني. )7)) حامد فضل الله»التعذيب وضحاياه «)دهشة )موقع إلكتروني( 2015/4/19(: < )7)) الجدير بالذكر أن الهيئة تلق ت في سنة 2005 ما مجموعه 92 شكوى وارتفع عدد الشكاوى سنة 2006 إلى 126 شكوى. انظر: الهيئة المستقلة لحقوق اإلنسان وضع حقوق اإلنسان في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية )رام الله فلسطين: الهيئة 2006( ص 89. )7)) الهيئة المستقلة لحقوق اإلنسان: هيئة وطنية مستقلة تقوم بمتابعة وضمان توافر متطلبات صون حقوق اإلنسان ودراسة االنتهاكات وذلك عن طريق تقديم تقارير شهرية وأيض ا سنوية تبي ن فيها أهم االنتهاكات التي تتعرض لها حقوق اإلنسان وخاصة التعذيب باإلضافة إلى قيامها بزيارات دورية لمراكز االحتجاز وتقديم التوصيات إلى الجهات المعنية من أجل منع ارتكاب التعذيب في هذه المراكز. )7)) الهيئة المستقلة لحقوق اإلنسان وضع حقوق اإلنسان في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية )رام الله فلسطين: الهيئة 2007( ص 77.
99 99 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية تواص ل انتهاك احلق يف احلامية من التعذيب يف الفرتة بوترية عالية وفق ما هو موضح يف اجلدول رقم )1( الذي يبني حجم االنتهاكات التي تعر ض هلا هذا احلق من خالل بيان عدد الشكاوى املقد مة من املواطنني يف الضفة الغربية وقطاع غزة إىل اهليئة الوطنية حيث استمر عدد الشكاوى يف االرتفاع إىل أن وصل يف سنة 2014 إىل 750 شكوى. اجلدول )1( ((7( عدد الشكاوى املقدمة للهيئة الوطنية يف الفرتة الواقعة بني 2007 و 2014 السنة عدد الشكاوى املقدمة يف الضفة الغربية عدد الشكاوى املقدمة يف قطاع غزة املجموع )٧٩( كام استمرت حاالت التعذيب لغاية تاريخ كتابة هذه الدراسة فسجلت التقارير الشهرية الصادرة عن اهليئة بشأن الضفة) 7 )) الغربية وغزة 230 شكوى ألشهر كانون الثاين/يناير وشباط/فرباير وآذار/مارس ونيسان/أبريل من سنة )8)) ويالح ظ يف اجلدول )2( انخفاض عدد الشكاوى التي تضمنت ادعاءات بوقوع اعتداء منذ بداية السنة اجلارية. اجلدول )2( عدد الشكاوى املقدمة إىل اهليئة الوطنية يف الفرتة الواقعة بني كانون الثاين/يناير ونيسان/أبريل 2015 الشهر كانون الثاين/يناير شباط/فرباير آذار/مارس نيسان/أبريل املجموع عدد الشكاوى )7)) تجدر اإلشارة إلى أن عدد الشكاوى المقدمة إلى الهيئة مؤشر على حجم ممارسات التعذيب في مراكز االحتجاز الفلسطينية. وقد تم رصدها بناء على ما ورد في التقارير السنوية والشهرية الصادرة عن الهيئة المستقلة لحقوق االنسان. )7)) لم تتمكن الباحثة من الحصول على المعلومات التفصيلية المتعلقة بسنة لذا ذ كر الرقم اإلجمالي لعدد الشكاوى في تلك السنة. )8)) الهيئة المستقلة لحقوق اإلنسان»التقرير الشهري حول االنتهاكات الواقعة على حقوق اإلنسان والحريات في مناطق فلسطين «)رام الله فلسطين كانون الثاني/يناير- نيسان/ أبريل 2015(.
100 العدد ٤ / ١٤ خريف وقد تعددت صور التعذيب وأنامطه أو صور سوء املعاملة يف مراكز االحتجاز الفلسطينية إذ يتبني من خالل شكاوى املواطنني أن هنالك الكثري من وسائل التعذيب التي متار س يف حقهم نذكر أبرزها: الشبح بطرق متنوعة الرضب املربح عىل مجيع أنحاء اجلسد باأليدي واألحذية والعيص واألسالك املجلدة الفلقة إطفاء السجائر يف جسد املحتجز التهديد بالقتل والنيل من األقارب الصعق الكهربائي الشتم والتحقري وحلق الشعر لألذى النفيس والنيل من الكرامة العزل االنفرادي مدة طويلة وبظروف قاسية التحقيق اللييل املتواصل واحلرمان من النوم... وغري ذلك من أساليب التعذيب واملعاملة احلاطة بالكرامة ((8(. أدت ممارسات التعذيب خالل فرتة الدراسة إىل كثري من حاالت الوفاة يف السجون ومراكز االحتجاز يف الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة التعذيب أو دالالت قوية تشري إىل ارتكابه )8)). ونخلص إىل أن هذا العدد من الوفيات يف مراكز االحتجاز الفلسطينية وال سي ام يف قطاع غزة يشري إىل أن عنارص األجهزة املكلفة بإنفاذ القانون يف الضفة الغربية وأجهزة األمن التابعة للحكومة املقالة يف قطاع غزة ال حيرتمون القوانني املرعية بشأن احتجاز األفراد وهو ما يتطلب رضورة قيام النيابة العامة بإجراءات التحقيق اجلادة بشأن هذه احلاالت باإلضافة إىل وجود رقابة فاعلة من اجلهات الرسمية كافة التي خيوهلا القانون الرقابة عىل أماكن االحتجاز. وبمراجعة التقارير الصادرة عن مراكز حقوق اإلنسان )8)) واهليئة الوطنية يتضح أن ممارسة التعذيب يف مراكز االحتجاز يف كل من الضفة الغربية وقطاع غزة هي ممارسة منهجية ومنظمة وليست حاالت فردية بحيث تفيد الدالئل واملؤرشات كافة أن ممارسة التعذيب أداة من أدوات اخلصومة السياسية بني حركتي فتح ومحاس وأن التعذيب مرتبط إىل حد كبري باألوضاع السياسية يف مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية باإلضافة إىل وقوع جرائم تعذيب بعيد ا عن التجاذبات السياسية بني حركتي فتح ومحاس )8)). اجلدير بالذكر أن عىل الرغم من توقيع اتفاق املصاحلة الفلسطينية بني حركتي فتح ومحاس يف 2014/4/23 وانضامم دولة فلسطني إىل اتفاقية مناهضة التعذيب فإن انتهاك هذا احلق مستمر بسبب عدم إدماج أحكام هذه االتفاقية يف الترشيعات الوطنية باإلضافة إىل أن الضامنات التي نصت عليها املواثيق والترشيعات الفلسطينية ال تطب ق عىل أرض الواقع فعىل الرغم من النص عىل معاقبة مرتكب من قام بفعل التعذيب فليس ثمة أي معاقبة وحماسبة فعلية للمتورط فيه ذلك أن اإلجراءات الفلسطينية اخلاصة بمتابعة املسؤولني عن انتهاكات التعذيب واملعاملة السيئة كانت غري فعالة سواء عرب توفري )8)) عصام عابدين ورقة قانونية حول مناهضة التعذيب في المواثيق الدولية والواقع الفلسطيني )رام الله: فلسطين: مؤسسة الحق )2012 ص.42 )8)) فعلى سبيل المثال توفي في سنة 2009 ثالثة أشخاص في مراكز اإلصالح والتأهيل»السجون«الخاضعة إلدارة جهاز الشرطة ومراكز االحتجاز الفلسطينية الخاضعة إلدارة األجهزة األمنية في الضفة الغربية وذلك مقارنة ب 5 أشخاص في هذه األماكن سنة أم ا في قطاع غزة فقد توفي في سنة 2009 تسعة أشخاص في أماكن االحتجاز التابعة للحكومة المقالة مقارنة بسنة 2008 التي وث قت الهيئة فيها وفاة شخصين. )8)) للمزيد انظر: التقارير السنوية الصادرة عن المركز الفلسطيني لحقوق االنسان لسنوات ) ( المتوافرة على الموقع اإللكتروني: < )8)) املركز الفلسطيني حلقوق اإلنسان تقرير حول ممارسات التعذيب يف سجون ومراكز التوقيف التابعة للسلطة الفلسطينية خالل الفرتة بني مايو يونيو 2014 )غزة فلسطني: املركز 2014( ص 5.
101 101 دراسات التعذيب ما بين المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان والتشريعات الفلسطينية االنتصاف للضحايا أو عرب ردع املنتهكني كام ال يزال نظام العدالة احلايل غري قادر بشكل كاف عىل حتميل املتسببني يف تلك االنتهاكات مسؤولية ما تم من تعذيب أو إساءة معاملة وهو ما يؤدي إىل نشوء ثقافة اإلفالت من العقاب. عىل الرغم من إن إمكانية رفع مثل هذه القضايا أمام املحاكم الفلسطينية ملحاسبة مرتكبي هذه اجلريمة أمر بغاية الصعوبة فثمة عدد كبري من مؤسسات حقوق اإلنسان ومنها مؤسسة احلق )8)) تبدي استعدادها لدعم أي مواطن يرغب يف أن يرفع قضية جزائية وحقوقية يف مواجهة أجهزة األمن وخصوص ا أفراد األمن الذين مارسوا التعذيب يف حق املحتجزين. لكن مل يستطع أي مواطن القيام هبذه اخلطوة بسبب خشيته من التعرض للتعذيب مره أخرى )8)) ولذا ال يوجد لدى املحاكم الفلسطينية حتى اآلن دعاوى مرفوعة ضد أجهزة األمن. نخلص مم ا سبق إىل أن السبب يف وجود حاالت التعذيب واستمراره يعود إىل عدم وجود نصوص قانونية جتر م التعذيب بشكل واضح باإلضافة إىل ختو ف املواطنني الذين تعرضوا للتعذيب من تقديم الشكاوى وأيض ا عدم تعاون السلطات املحلية بشأن الشكاوى بشكل جدي حيث إن الردود كانت بشكل نمطي دائام عالوة عىل غياب األدلة اجلنائية وغياب الرقابة الفع الة عىل مراكز االحتجاز وعدم معاقبة وحماسبة كل من ي ثبت تورطه يف تعذيب أي شخص. خاتمة بعد هذا العرض ملوضوع التعذيب وفق ا للمواثيق الدولية حلقوق اإلنسان والترشيعات الفلسطينية يتضح أن ظاهرة التعذيب قديمة ق دم املجتمع اإلنساين وأهنا ال تقترص عىل نظام سيايس معني أو موقع جغرايف معني أو فئة معينة من البرش وأن أساليب التعذيب تعددت وتنوعت وتطورت بتطور العلوم احلديثة وتفرعت إىل أساليب تعذيب جسدية وأساليب تعذيب نفسية. وتوصلنا من خالل هذه الدارسة إىل عدد من النتائج والتوصيات نسوقها عىل النحو اآليت: - ي ع د تعريف التعذيب الوارد يف اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984 أكمل التعريفات وأكثرها ضبط ا هلذا االصطالح - عىل الرغم من بعض املآخذ عليه - مقارنة بالتعريفات األخرى الواردة يف كثري من املواثيق الدولية والترشيعات الفلسطينية ويمكن تعريفه بأنه أي عمل ينتج منه أمل أو عذاب شديد جسدي ا كان أم عقلي ا أم نفسي ا ي لح ق عمد ا بشخص ما بقصد احلصول من هذا عىل معلومات أو عىل اعرتاف منه أو من شخص ثالث أو معاقبته عىل عمل ارتكبه أو يشتبه يف أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو ختويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما ي لح ق مثل هذا العذاب أو األمل ألي سبب من األسباب التي تقوم عىل التمييز أي ا يكن نوعه أو حير ض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يترص ف بصفته الرسمية. - ي شرتط لوقوع جريمة التعذيب أن يكون هناك ممارسة للتعذيب من خالل سلوك مادي إرادي لدى املعذ ب يكون له مظهر خارجي حمسوس ويؤدي هذا السلوك إىل حدوث أمل مادي أو أمل نفيس أو االثنني )8)) مؤسسة الحق: جمعية حقوق اإلنسان فلسطينية غير حكومية ومستقلة ينصب عملها على رصد وتوثيق انتهاكات حقوق اإلنسان الفردية والجماعية في األراضي الفلسطينية ومتابعتها بهدف وضع حد لها. )8)) شعوان جبارين )المدير العام لمؤسسة»الحق«الفلسطينية المعنية بحقوق اإلنسان( مقابلة شخصية رام الله- فلسطين.2015/5/13
102 العدد ٤ / ١٤ خريف مع ا وأن يصل التعذيب إىل درجة من اجلسامة. كام ي شرتط أن يصدر سلوك التعذيب عن املوظف الرسمي ويكون هدفه من ذلك احلصول عىل اعرتافات أو معلومات حول جريمة ما. - إن القوانني العقابية الفلسطينية مل تعر ف التعذيب كجريمة مستقلة بذاهتا وبالتايل مل جتر مه وإنام عرفت أفعاال أخرى ماسة بسالمة اجلسد اإلنساين تندرج يف جمملها يف املفهوم العام للتعذيب الذي قصدته االتفاقية لكنها ال تغطي مجيع األفعال التي تندرج ضمن املعنى الواسع املقصود بالتعذيب يف االتفاقية. - للتعذيب أنواع وأساليب كثرية وال يمكن حرصها الختالفها وتغريها وتطورها بشكل مستمر لكن يمكن تقسيمها إىل نوعني رئيسيني ومها: التعذيب اجلسدي )املادي( والتعذيب املعنوي )النفيس(. - حظي حق الفرد يف عدم تعرضه للتعذيب باهتامم دويل وإقليمي واسع النطاق فقد وض عت االتفاقيات الدولية واإلقليمية املعنية بحامية الفرد من عدم تعرضه للتعذيب وكان أهم ما ورد يف وثائقها إعالن محاية األشخاص من التعرض للتعذيب ولغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة واتفاقية مناهضة التعذيب. - أصبحت قاعدة حظر التعذيب قاعدة عرفية أو بمثابة مبدأ عام من مبادئ القانون الدويل املعرتف هبا من جانب أعضاء املجتمع الدويل. كام أهنا أصبحت قاعدة آمرة من قواعد القانون الدويل املقبولة واملعرتف هبا من طرف املجتمع الدويل ككل عىل أهنا القاعدة التي ال جيوز اإلخالل هبا وال يمكن تعديلها إال بقاعدة الحقة من القواعد العامة للقانون الدويل هلا الطابع ذاته. - تتمث ل ضامنات مكافحة التعذيب وفق املواثيق الدولية والترشيعات الفلسطينية بإجراءات عدة حتول دون تعر ض الفرد للتعذيب. وقد تكون هذه اإلجراءات وقائية أي سابقة عىل وقوع أفعال التعذيب أو إساءة املعاملة أو إجراءات عالجية الحقة لوقوع أفعال التعذيب أو إساءة املعاملة. - إن حاالت ممارسة التعذيب يف مراكز االحتجاز الفلسطينية يف الضفة الغربية وقطاع غزة ما زالت متار س وبشكل مستمر. ويظهر من تقارير الصادرة عن اهليئة تزايد حاالت ادعاءات وقوع التعذيب باإلضافة إىل توثيق عدد من الوفيات لكن يالح ظ منذ بداية السنة احلالية انخفاض يف عدد الشكاوى التي تضمنت ادعاءات بوقوع اعتداء. - يعود سبب استمرار التعذيب يف داخل السجون الفلسطينية إىل عدم وجود نصوص قانونية جتر م التعذيب بشكل واضح ودقيق باإلضافة إىل عدم مساءلة وحماسبة األجهزة األمنية واألفراد الذين يرتكبون هذه اجلريمة وعدم وجود رقابة فاعلة من مجيع اجلهات الرسمية التي خيوهلا القانون الرقابة عىل أماكن االحتجاز وهو ما أوجد ثقافة اإلفالت من العقاب.
103 103 محمد البغدادي * حسن الحجامي ** تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس ظلت مدينة فاس القديمة وهي واحدة من أبرز املدن الرتاثية اإلسالمية وأكبها يف العامل العريب حمافظة ولقرون كثرية عىل طابعها التقليدي خاصة ما تعلق بشكلها املورفولوجي وبشبكة طرقها التي تتميز بتخطيط خاص جعلها متفردة ومغايرة ملا يمكن مالحظته يف املدن التي أ نشئت إبان املرحلة االستعامرية أو يف فرتة االستقالل. وقد شكلت هذه الشبكة الطرقية وحدة عضوية متجانسة عىل الرغم من التباين يف وظيفة كل صنف من أصنافها املختلفة وإليها يعود الفضل يف جعل مدينة فاس القديمة أكب جمال للراجلني يف العامل. إال أن ذلك ال يعني أن املدينة بقيت بمعزل عن التحديات التي بات الواقع احلايل يطرحها خاصة عىل مستوى التنقل وحركة املرور فمع ظهور وسائل النقل العرصية وازدياد احلاجة إىل خدماهتا هذا باإلضافة إىل تزايد تدفق املارة والسياح وأيض ا األنشطة واخلدمات أصبحت املدينة القديمة تواجه حتدي ا كبري ا يتعلق بمسألة الولوجية وهي حتد بات ي طرح بحدة وال سيام يف ظل احلديث عن مدينة فاس القديمة كمدينة هلا محولة تراثية ذائعة الصيت. إن رفع التحدي املتعلق بالولوجية ي ع د من األسس الكفيلة بإنقاذ نسيج فاس احلرضي القديم ودفعه نحو املسامهة يف حتريك عجلة التنمية املحلية. ويف هذا الصدد حظيت مدينة فاس القديمة بنصيبها من االسرتاتيجيات التي تروم إنقاذ املدينة ورد االعتبار إليها حيث استهدفت هذه االسرتاتيجيات البنية التحتية للمدينة القديمة مركزة عىل شبكة طرق الراجلني واملداخل اخلمسة املخصصة للنقل العرصي إىل جانب ما تتوفر عليه من مواقف لركن السيارات. * أستاذ التعليم العالي في المدرسة العليا لألساتذة شعبة الجغرافيا وأستاذ في مختبر الدراسات الحضرية كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ظهر المهراز فاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله المغرب. ** باحث في سلك الدكتوراه مختبر الدراسات الحضرية شعبة الجغرافيا كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ظهر المهراز فاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله المغرب.
104 العدد ٤ / ١٤ خريف مقدمة تتميز شبكة الطرق يف األنسجة احلرضية القديمة يف املغرب بجملة من اخلصائص واملحددات التي جتعلها متفردة عن مثيلتها يف املدن احلديثة النشأة وهو اليشء الذي يبقيها بعيدة نسبي ا عن وسائل النقل العرصية التي بات ي عتمد عليها بشكل كبري يف الوقت احلارض من أجل تقريب اخلدمات وتلبية احلاجات الرضورية. وت عترب إكراهات النقل وضعف مستوى الولوجية من أبرز التحديات التي تتقاسمها املدن املغربية القديمة وخصوص ا مدينة فاس القديمة وهو حتد هيدد كياهنا التارخيي باعتبارها مصدر ا مهام للرتاث احلرضي الذي ي ع د بمثابة عامل جذب للسياح عىل اختالف انتامءاهتم اجلغرافية والثقافية. يعود تاريخ تأسيس مدينة فاس القديمة إىل فرتة حكم األدارسة ))) وحتديد ا إىل سنة 193 ه/ 809 م. وقد استطاعت هذه املدينة - املمتدة عىل مساحة 300 هكتار والبالغ عدد سكاهنا حواىل نسمة )إحصاء 2004(- أن حتافظ نسبي ا عىل إرثها احلرضي والثقايف ألزيد من 12 قرن ا مقارنة بمدن عربية إسالمية أخرى مل تسلم من تدخالت غري مالئمة غريت مالحمها ومشاهدها وبيئتها احلرضية إىل األبد كام هو الشأن بالنسبة إىل مدينة دمشق السورية التي س مح لوسائل النقل باخرتاق بلدهتا القديمة بعد بقرها وتوسيع بعض طرقاهتا بموجب املخطط الذي صاغه املهندسان إيكوشار وبانشويا. عىل الرغم من هيمنة املحاور املخصصة للراجلني فإن بعض املناطق يف نسيج فاس احلرضي القديم تتيح لوسائل النقل العرصية إمكانية ولوج املدينة إال أن ذلك مل يشفع لألخرية يف أن تكون بمنأى عن مشكالت مرتبطة بالنقل والتنقل فمع ظهور وسائل النقل العرصية وازدياد احلاجة إىل خدماهتا إىل جانب تزايد تدفق املارة والسياح وأيض ا ارتفاع وترية األنشطة واخلدمات أصبحت املدينة القديمة تواجه حتدي ا كبري ا يتعلق بمسألة الولوجية. ووعي ا بثقل هذا التحدي أ درج مرشوع حتسني الولوجية ضمن أولويات سياسات اإلنقاذ ورد االعتبار التي شهدهتا مدينة فاس القديمة يف مطلع تسعينيات القرن املايض. ((( عىل الرغم من احلمولة التارخيية والرتاثية التي حتظى هبا مدينة فاس القديمة فإن حتسني الولوجية يظل العامل اجلوهري للتعريف هبذه املدينة ووصلها بباقي التجمعات احلرضية حتى ال حيكم عليها طابعها التقليدي بأن تبقى سجينة املايض يف ظل احلداثة ذلك أن إنقاذ املدينة وبث الدينامية داخل أحيائها رهينا النهوض بمستوى الولوجية فيها ومتكينها من االستفادة من خدمات النقل العرصي الذي يمكنه أن يشكل عامل هنوض وتنمية للمدينة ككل. تعمل هذه الدراسة عىل تبيان اإلكراهات التي تشهدها مدينة فاس القديمة عىل مستوى النقل والتنقل وحتليل االسرتاتيجيات التي جرى تبن يها لرفع هذه اإلكراهات وتنظيم حركة املواصالت والراجلني ))) أول ساللة أرست أركان الدولة اإلسالمية في المغرب سنة 170 ه/ 786 م وس م يت األدارسة نسبة إلى المولى إدريس األول بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وبعد وفاة المولى إدريس األول خلفه ابنه المولى إدريس الثاني مؤسس مدينة فاس. ))) مصطلح الولوجية مشتق في اللغة العربية من فعل ولج وفي لسان العرب البن منظور نجد ولج البيت أي دخله والم ولج هو المدخل أم ا الو لج فتعني األزقة. وفي اللغة الفرنسية ت ترجم الولوجية بكلمة Accessibilité التي ي قصد بها كما ورد في معجم الروس حق شخص ما في الوصول إلى مكان معي ن وإمكانية الوصول. ولإلشارة يعود أصل الكلمتين كلتيهما إلى الكلمة الالتينية Accessibilis وي قصد بها القرب. وهناك كثير من الكلمات العربية التي تستخدمها مختلف المنظمات واألفراد للداللة على كلمة Accessibilité منها على سبيل المثال ال الحصر الكلمات التالية: اإلتاحة تسهيل الوصول إلى تسهيل الحصول على التيسير والميسورية ثم اإليصالية وغيرها من الكلمات.
105 105 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس وإبراز مدى مسامهة املشاريع املتعلقة بالبنية التحتية وحتسني الولوجية يف التخفيف من»عزلة«مدينة فاس القديمة. وتشدد الدراسة عىل أن املجال هو جمال خاص بالراجلني بامتياز مع رضورة احلفاظ عليه. املقاربة التي اعت مدت يف إنجاز هذه الدراسة هي مقاربة جغرافية قوامها اجلمع بني التشخيص والتحليل هبدف الوصول إىل ضبط العالقات والتفاعالت بني خمتلف العنارص املشك لة للظاهرة املدروسة. وقد تم ذلك باالعتامد عىل كثري من أدوات البحث الكمية والكيفية مع ضبط حمكم لكل عناوينه هذا إىل جانب االنفتاح عىل مقاربات وأدوات بحث أخرى وأخص بالذكر املقاربتني التارخيية والسوسيولوجية وعىل مستوى العمل امليداين اعت مد عىل عدد كبري من الدراسات التقنية وامليدانية املتعلقة بتحسني البنية التحتية يف املدينة القديمة. أم ا بخصوص العمل اخلرائطي فاعت مد عىل نظام املعلومات اجلغرايف إلعداد اخلرائط التي تستلزمها هذه الدراسة. شبكة الطرق واألزقة: شبكة للراجلين بامتياز الخصائص المميزة للشبكة الطرقية بقيت مدينة فاس القديمة بمأمن من التدخالت»العشوائية«التي ال تقيم وزن ا لكل ما له قيمة تارخيية. ومن ضمن املكونات األساسية هلذا النسيج احلرضي وهي مكونات ظلت عىل حاهلا قرون ا طويلة نجد شبكة الطرق واألزقة والدروب التي متث ل نسيج ا حرضي ا خاص ا بالراجلني بامتياز. لذلك فإن هذه املدينة تشكل النسيج احلرضي التقليدي األكثر اكتامال واألكثر تعبري ا عن أشكال التمدن اإلسالمي وأنامطه وهو بذلك النسيج األوحد تقريب ا املتميز هبذه الصفات وال يزال قائام ومسكون ا يف عاملنا املعارص ))). تنفرد شبكة الطرق التقليدية بخصائص متميزة تضفي عليها قيمة تراثية تسرتعي اهتامم زوار املدينة عىل اختالف انتامءاهتم اجلغرافية واالجتامعية. وتتجىل هذه اخلصائص يف االنحدار واالنعراج ثم خاصية ضيق األزقة من دون أن ننسى خاصيتها اجلاملية. - خاصية االنحدار: نشأت مدينة فاس القديمة وتطورت عىل سفحي وادي فاس وتركت اخلصائص غري املنتظمة للموضع بصامهتا عىل شكل األزقة خاصة يف ما يتعلق بانحدارها ))) حيث تتجه كل من الضفة الرشقية ملدينة فاس القديمة وضفتها الغربية )ع د وة األندلس وع د وة القرويني( نحو سافلة الواد وهنا تظهر خاصية االنحدار بشكل جيل يرتاوح بني 7 و 15 يف املئة خصوص ا يف حماور املرور الرئيسية مثل الط العة الكبرية والط العة الصغرية مرور ا بز قاق حل ج ر. وتتقلص حدة االنحدار كلام اجتهنا نحو مركز املدينة القديمة الديني واالقتصادي الذي أقيم عىل املكان الوحيد املنبسط لع د وة القرويني. ويساعد االنعراج وهو أحد أبرز اخلصائص التي تسم شبكة الطرق عىل التخفيف من حدة االنحدار. (3) Mohamed Naciri, «La Médina de Fès: Trame urbaine en impasses et impasse de la planification urbaine,» dans: Présent et avenir des médinas: Marrakech à Alep, présentation de J. Bisson et Jean-François Troin, Urbanisation du monde arabe; (Tours: Institut de géographie, 1982), p (4) Mohammed Baghdadi, «La Médina de Fès: Flux d'hommes et de produits,» (Thèse de Doctorat en Géographie, Université de Tours, 1990), p. 34.
106 العدد ٤ / ١٤ خريف املصدر: وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس )بترصف(. - ضيق األزقة: هي خاصية تطغى بشكل واضح وجيل عىل جمال فاس احلرضي القديم وجتعله بمثابة»متاهة«معقدة يستحيل ولوجها بواسطة وسيلة نقل عرصية. وجيد ضيق أزقة املدينة القديمة ودروهبا تفسريه يف تفاعل جمموعة من العوامل ترتاوح بني ما هو حرضي واجتامعي وطبوغرايف ومناخي. من ضمن العوامل احلرضية املسامهة يف ضيق األزقة يمكن ذكر األسوار املحيطة باملدينة القديمة فقد كان هلا دور كبري يف تضييق الشوارع فبتحديدها املسبق ملساحة املدينة دفعت السكان إىل استغالهلا استغالال مكثف ا... وقد أعيد توسيع مساحة املدينة املسو رة بعد أن ه دمت أسوار املدينة وأعيد بناؤها مرتني استجابة للحاجة امللحة إىل مزيد من املساحات واألرايض الفارغة التي تتطلبها االمتدادات العمرانية ))). أم ا املحددات املناخية املفرس ة لضيق األزقة فتتمثل بالتحديد يف اجتاه الرياح وأشعة الشمس ففي الدروب املغطاة املظلمة الطويلة يف غالب األحيان والتي تذك ر باألنفاق يصطدم الظل والنور يف األيام املشمسة ))). ومدينة فاس القديمة تتألف من»متاهة«من األزقة والدروب الضيقة وامللتوية التي تقوم عىل طوهلا بنايات منخفضة االرتفاع وتوفر التظليل الطبيعي والصحي وترسخ القيم االجتامعية ))). بالنسبة إىل العوامل االجتامعية فإهنا تركت هي األخرى بصمتها عىل ختطيط شبكة الطرق. لذلك عمل ضيق األزقة من الناحية االجتامعية عىل ترسيخ وجتسيد نمط من التعايش االجتامعي القائم عىل أساس كثري من شبكات التآزر والتضامن مع غياب ملنطق التفاوت الطبقي. كام أن وجود أحياء اتسمت بانسجامها سواء عىل مستوى املكونات السكانية االجتامعية أو عىل مستوى االنتامء القبيل أو اجلغرايف مثل حي فندق اليهودي وقصبة ف يال ل ة وق ص ب ة ارش اك ة وامل ال ح... إلخ يستدعي إعادة النظر يف الصورة الباعثة عىل»احلنني«ملجتمع فاس القديم حيث ال وجود لتمييز أساسه الفروق السوسيو- اقتصادية وال عالقة للسكن بالرخاء املادي ))). )5( رشيد أعفيرات وعمر اإلدريسي»مقاربة الشكل في العمارة األصيلة نموذج مدينة فاس «)بحث لنيل دبلوم مهندس معماري المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية الرباط 1992( ص 79. ))) روجي لوطورنو فاس قبل الحماية ترجمه إلى العربية محمد حجي ومحمد األخضر )بيروت: دار الغرب اإلسالمي 1992( ص 188. (7) Michal Kubis, "Masdar City - A Fez of the future?: Using the Traditional Urban Design Features and City's Social Patterns as a Base for the Design of a Sustainable City in the 21st Century," (EAU, 2012), p. 3. ))) اليزيد حمدوني علمي»التمدين والبيئة الحضرية بمدينة فاس «)أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في اآلداب والعلوم اإلنسانية تخصص جغرافية المدن كلية اآلداب ظهر المهراز فاس 2004( ص 174.
107 107 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس - الب عد اجلاميل للطرقات واألزقة: حتظى واجهات الطرقات واألزقة والدروب بس امت معامرية مجالية ال تقل أمهية عن باقي املعامل التارخيية باملدينة القديمة فالتواءات طرق مدينة فاس القديمة وانعراجاهتا تشكل قيمة مجالية يف حد ذاهتا ذلك أن السري فيها يتم عرب مسافات قصرية متصلة متك ن من التأمل اهلادئ وتعطي فرصة للتجول البرصي يف االجتاهات املختلفة ))). ووجود ما يسم ى»السابات«)1)) وهي تغطي دروب ا وأزقة عدة يف مدينة فاس ال ي فرس فقط الرغبة يف الوقاية من حر أشعة الشمس بل يضفي أيض ا ب عد ا مجالي ا عىل املشهد احلرضي هذا إىل جانب النوافذ التي تتوسط واجهتها واملزينة بنقوش جتلب األنظار. تصنيف األزقة والطرقات تصن ف أزقة مدينة فاس القديمة وطرقاهتا وفق ا لوظيفتها املجالية. ورغم اختالف أصنافها فإهنا تبقى مرتبطة بعضها ببعض مشك لة وحدة جمالية متكاملة. ويمكن تصنيف طرقات جمال فاس احلرضي القديم وأزقته عىل النحو اآليت: - األزقة الرئيسية: لألزقة الرئيسية أو ما ي طل ق عليها اسم»الز ن ق ة«دور حموري ضمن منظومة السري بنسيج فاس احلرضي القديم فبفضلها ترتبط أطراف املدينة بمركزها الديني واالقتصادي حيث يوجد جامع القرويني ورضيح مؤسس املدينة املوىل إدريس واملحاور التجارية كمحور الطالعة الكبرية الذي يربط باب امل ح روق وباب ب وج ل ود غرب املدينة القديمة بسوق الع ط ارين التجارية يف مركز املدينة. وتتميز احلركة يف األزقة الرئيسية بكوهنا مستمرة دوم ا. تؤدي هذه األزقة إىل عدد من املعامل الرتاثية )الفنادق املدارس املساجد...( وأيض ا الرياض ودور الضيافة التي تقدم خدمات متنوعة للسياح. ويرتاوح عرض هذه األزقة بني ثالثة ومخسة أمتار وهو ما يسمح نسبي ا باستيعاب تدف ق السلع واملارة بام يف ذلك الوفود السياحية حيث تشهد هذه األزقة عىل طول السنة تدفق ا مهام للسياح األجانب من خمتلف اجلنسيات. - األزقة الثانوية: ت عرف األزقة الثانوية ب»الز ق اق«وهي ال تقل أمهية ضمن منظومة شبكة الطرق التقليدية إذ تشكل حلقة وصل بني املجال العام املتمثل يف حماور املرور الرئيسية حيث تقع أهم األنشطة التجارية واملجال املخصص للوحدات السكنية. ويمكن أن نذكر عىل سبيل املثال زقاق الر و اح الذي يربط ساكنيه بزنقة الطالعة الصغرية حيث تتمركز األنشطة التجارية واحلرفية. - األزقة غري النافذة: تشكل األزقة أو الدروب غري النافذة أصغر وحدة يف نظام الطرق. وهي تربط التجمعات السكنية باألزقة الثانوية ومن ثم باألزقة الرئيسية. وما يميزها هو كوهنا جماال غري نافذ يسمح بالولوج وال يسمح باملرور. وي عرف الدرب بكونه وحدة سكنية جوارية وهو عنرص عمراين انترش استعامله يف املدن اإلسالمية منذ عرص مبكر وكان بناؤه حيقق األمن والسكينة )1)). من هنا يتضح أن الدرب يبقى جماال خاص ا بالسكان القاطنني فيه وبالتايل يمكن اعتباره امتداد ا للوحدات السكنية. وت ع د دروب مدينة فاس القديمة األكثر ضيق ا مشك لة بذلك»عنق زجاجة«ويرتاوح عرض كل منها بني 0.50 و 0.80 سم ونادر ا ما يتجاوز املرت الواحد )1)). ))) أعفيرات واإلدريسي ص. 84 )1)) السابات هي أزقة مغطاة تعلوها بناية صغيرة تتوسطها نافذة. وتبدو هذه السابات كأنفاق فوق األرض. )1)) أعفيرات واإلدريسي ص (12) Said Ennahid, «Access Regulation in Islamic Urbanism: The Case of Medieval Fès,» Journal of North African Studies, vol. 7, no. 3, (This Article Was Downloaded by Al Akhawayn University, 2 September 2010), p. 132, on the Web: <
108 العدد ٤ / ١٤ خريف درب مل ق و ص يف زنقة العيون من أزقة الضفة اليرسى ملدينة فاس القديمة. وكام يالحظ يف الصورة ال يتجاوز عرضه 0.50 سم )شباط/فباير 2013 صورة شخصية ) القناطر: موروث حضاري وعنصر اتصال شكلت القناطر يف مدينة فاس القديمة أحد أبرز عنارص شبكة الطرق التي توحدت املدينة بفضلها وكونت اللحمة بني الضفتني اليمنى واليرسى. وبالرجوع إىل تاريخ نشأهتا يمكن اكتشاف الدور الذي أدته عىل مستوى تيسري حركة السري والتنقل داخل املدينة القديمة مسامه ة يف اختصار املسافات وربح الوقت. يعود تاريخ القناطر يف نسيج فاس احلرضي القديم إىل عهد األمراء الز ن ات يني يف القرن احلادي عرش حني زادت شهرة مدينة فاس مع األمراء الزناتيني املغراويني وقصدها الناس والتجار من مجيع األقطار واألمصار فأضحت حارضة املغرب ومتدنت وعظم شأهنا وازدادت فيها العامرة وكثرت أرباضها وح ص نت أبواهبا وم دت بني ع د وتيها القناطر )1)) وهو ما كان له بالغ األثر يف تطور املدينة العمراين ويف توحيد ع د وتيها القرويني واألندلس من خالل إنشاء القناطر التي بلغ عددها آنذاك ست قناطر وهي: قنطرة أيب طوبة وكانت تسم ى أيض ا قنطرة ب وع ج ارة قنطرة أيب برقوقة وكانت ت عرف بقنطرة الر ص يف قنطرة باب السلسلة ويطلق عليها حالي ا اسم قنطرة الطر افني قنطرة الصب اغني التي ما زالت ين وتسم ى حالي ا قنطرة بني حتمل االسم نفسه وت عرف أيض ا بقنطرة اخل ر اش ف ي ني قنطرة كهف الو ق اد املدن قنطرة الر م يل ة )1)). هذه القناطر سامهت بشكل كبري يف تنظيم املرور نحو املركز الروحي واالقتصادي ملدينة فاس القديمة ومنها ني. ثالث قناطر ما زالت يف مأمن من عمليات اهلدم وهي: قنطرة ب ني امل دن وقنطرة الط ر اف ني وقنطرة الص ب اغ )1)) محمد مزين ]وآخرون[ تاريخ مدينة فاس من التأسيس إلى آواخر القرن العشرين: الثوابت والمتغيرات )فاس : مطبعة سيباما )2010 ص. 51 )1)) المصدر نفسه ص 52
109 109 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس األبواب: منافذ ومعالم تاريخية ال يستقيم احلديث عن السري يف مدينة فاس القديمة والتجول فيها من دون احلديث عن األبواب التي جتمعها بشبكة الطرق واألزقة عالقة عضوية وطيدة. وقد شك ل ختطيط األبواب منذ قيام مدينة فاس القديمة آلية لضامن استقرار هذه األخرية وتأمني حياة سكاهنا وقاصدهيا وهي ما زالت إىل اليوم املنافذ التي بفضلها تنفتح املدينة عىل حميطها اخلارجي ويتدفق عربها املارة والسلع نحو املدينة القديمة وخارجها. ت ع د هذه األبواب يف الوقت احلايل نقطة االتصال بني شبكة الطرق السيارة )1)) املوجودة خارج األسوار وشبكة الطرق املخصصة للراجلني داخل أسوار املدينة كام ت ع د منافذ لولوج وسائل النقل العرصي. ويف ظل مشاريع الرتميم ورد االعتبار التي شهدهتا مدينة فاس القديمة يف مطلع سنة 2000 استفادت األبواب من مشاريع واسعة ر مم ت فيها جنباهتا املتأكلة وجرى تبليط واجهاهتا وذلك وفق ا للمعايري التي يقتضيها البناء التقليدي. ويقد ر عدد األبواب حالي ا ب 11 باب ا يف كل من فاس البايل وفاس اجلديد. وسنقترص يف هذا الصدد عىل ذكر أبرز األبواب التي حتيط بفاس البايل من جهاته األربع. - باب بوجلود: دش ن الفرنسيون هذا الباب بحلته اجلديدة املستحدثة سنة 1913 وهو ذو ثالث فتحات مزخرفة بالزليج األزرق الفايس من الواجهة اخلارجية وباألخرض من الواجهة الداخلية. وإذا كان هذا اإلنجاز قد طمس الباب التارخيي القديم لقصبة بوجلود املرابطية فإنه أضاف معلام جديد ا إىل املجال العمراين الفايس لتنشيط حركة املرور والتجارة والستقطاب السياح األجانب الذين عادة ما يقد م هلم عىل أنه من صلب الرتاث الفايس األصيل )1)). ي عترب باب بوجلود من الناحية السياحية معلام سياحي ا حيظى باهتامم كبري من جانب السياح كام ي ع د منفذ ا رئيسي ا يؤدي إىل قلب املدينة القديمة عرب الرشيانني الرئيسيني للمرور: الطالعة الكبرية والطالعة الصغرية. وبعد إقامة املسارات السياحية سنة 2004 أصبح باب بوجلود من أول املعامل الرتاثية التي يتعرف إليها السياح الوافدون إىل مدينة فاس خاصة زوار مسار»املعامل واألسواق«الذي يمتاز بخصائص معامرية فنية متميزة تتمث ل أساس ا يف الفسيفساء ذات اللون األزرق من اخلارج واللون األخرض من الداخل. - باب الفتوح: يقع جنوب رشق املدينة القديمة وولوجه سهل ألنه يسمح بمرور خمتلف وسائل النقل العرصية )سيارات خاصة سيارات أجرة وشاحنات...(. كام أنه يتميز باحتضانه حمطات طرقية ختص حافالت وسيارات األجرة الصغرية والكبرية داخل األسوار وخارجها وهو يربط املدينة القديمة بباقي األبواب وأيض ا بالتجمعات احلرضية املجاورة. تتفرع من باب الف توح ثالث طرق داخل النسيج احلرضي القديم وهي سهلة الولوج بالنسبة إىل خمتلف وسائل النقل العرصية كالشاحنات املخصصة حلمل السلع والبضائع خاصة أن املنطقة تعرف متركز ا مهام لألنشطة االقتصادية. ويمكن عرب هذه الطرق الثالث الوصول إىل نواة الضفة اليمنى للمدينة املتمثلة يف جامع األندلس. وي عترب هذا الباب منذ سنة 2004 معلام سياحي ا ضمن مسار األسوار واحلصون. وعىل الرغم من افتقاره إىل اخلصائص اجلاملية كالزليج املتعدد األلوان أو ما شابه ذلك من أشكال الفن التي تزين املعامر األصيل فإن له قيمة تارخيية مهمة تعود إىل القرن احلادي عرش. )1)) الطرق السيارة هي التي تسمح بولوج المركبات إلى أقرب نقطة من نواة المدينة القديمة. )1)) مزين ]وآخرون[ ص 263.
110 العدد ٤ / ١٤ خريف ((1( - باب الكيسة: تتميز منطقة هذا الباب وهي يف شامل املدينة القديمة بوجود منطقتني لتقط ع السري األوىل خارج األسوار وهي ذات مساحة شاسعة حتتضن حمطة لسيارات األجرة الكبرية وموقف ا لركن السيارات ترتاوح طاقته االستيعابية بني 200 و 250 سيارة )1)) وهو األكرب من نوعه يف املدينة القديمة. أم ا منطقة تقط ع السري الثانية فهي داخل األسوار وراء باب الكيسة حيث تتمكن السيارات اخلاصة وسيارات نقل البضائع من ولوجها. وتشتهر هذه املنطقة بتمركز األنشطة التجارية واإلنتاجية التي هييمن عليها نشاط نجارة اخلشب ومعارص الزيتون. وترتبط منطقة باب الكيسة باألبواب األخرى املحيطة بمدينة فاس القديمة وباقي الرتاب احلرضي بفضل الطريق الرئيسية التي حتدها شامال وتربطها أيض ا باملناطق القروية املجاورة. - باب اجلديد: خترتق منطقة هذا الباب طريق ملرور املركبات جرى شقها بعد تغطية واد اجلواهر يف بداية السبعينيات من القرن املايض ومتتد من باب اجلديد إىل باب سوق الر صيف األقرب إىل مركز املدينة القديمة. ويمر عرب هذه الطريق خمتلف وسائل النقل العرصية سواء اخلاصة أو العمومية. وت وفر املجاالت الفارغة املجاورة لباب اجلديد أماكن لوقوف وسائل النقل العرصية وهي كفيلة بتخفيف ضغط حركة املرور ومحاية الراجلني يف مدخل»الر ص يف «يف حال قيام اجلميع بركن سياراهتم فيها غري أن حافالت النقل السياحي هي فقط وسيلة النقل التي تستفيد حالي ا من أماكن الوقوف تلك لتعذ ر إمكان متابعة سريها إىل هناية مدخل»الرصيف«تفادي ا ملشكلة االختناقات املرورية التي تفاقمت بحدة بعد انطالق مرشوع إعادة هتيئة ساحة س يد الع و اد مؤخر ا. املصدر: مالحظة ميدانية-عمل شخيص )2013(. )1)) يشير مفهوم منطقة تقطع السير إلى المناطق التي تتوقف عندها وسائل النقل العصرية نظر ا إلى عدم استطاعتها متابعة السير في مجال ال تسمح طبيعة شبكته الطرقية بذلك. وغالب ا ما تشكل منطقة تقطع السير الحد الفاصل بين الطرق السيارة والمناطق المخصصة للراجلين. )1)) مقابالت متفرقة مع األشخاص الذين يحرسون موقف السيارات في باب الكيسة تاريخ. 2013/4/20
111 111 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس النقل بواسطة الحمير والعربات المجرورة: وسيلة النقل المهيمنة في أحياء مدينة فاس القديمة انعكست خصوصية شبكة الطرق واألزقة عىل نوع وسائل النقل املسخ رة لنقل البضائع فإىل عهد قريب كانت هنالك مجاعة من األفراد ي سم ون»ز ر ز اي ة«كان هلا دور حموري يف حياة السري والتنقل يف مدينة فاس القديمة إذ كان أفراد تلك اجلامعة يسخ رون لنقل األمتعة والسلع بكل حرص وأمانة معتمدين فقط عىل قوهتم العضلية. وقد بطل هذا النمط من النقل التقليدي بسبب كثري من املتغريات االجتامعية منها هجرة الفئات امليسورة التي كانت تعتمد عىل ال»زرزاية«بشكل كبري يف خمتلف أنشطتها اليومية بام كان يعنيه ذلك من أشكال التباهي وتعزيز املكانة االجتامعية. ويضاف إىل ذلك ظهور وسائل نقل بديلة تتالءم مع طبيعة أزقة املدينة القديمة ودروهبا وتتميز برسعتها ومحولتها الكبرية. من هذه الوسائل احلمري التي كانت ت ستعمل حلمل السلع ومجع النفايات من األزقة والدروب الضيقة. وكانت مصدر إزعاج لكنها كانت يف الوقت نفسه جزء ا مهام من املحيط احلرضي ومن خميلة السياح الذين كانت تثري محاستهم )1)). وهناك أيض ا النقل بواسطة عربات اجلر»الكراريس«املهيمنة عىل النقل التقليدي يف مدينة فاس القديمة واألقل تلويث ا من احلمري. تستمد مدينة فاس القديمة خاصيتها احليوية من كوهنا يف معزل عن التلوث والضوضاء الذي حتدثه السيارات وهذا ما يستهوي السياح األجانب. وقد طبق املصممون الفكرة نفسها بالنسبة إىل مدينة مصدر )مدينة ناشئة يف شامل إمارة أبوظبي( وهي أن تبقى السيارة يف األطراف بعيد ا عن املدينة لضامن بيئة حرضية سليمة ويعكس ذلك األولوية التي بدأ يوليها مصممو املدن للوسط البرشي. إذ ا فاس مدينة مرحية بفعل غياب النقل العرصي داخل فضائها القديم )2)). مشكالت النقل والولوجية وتأثيرهما في الحياة اليومية للساكنة في مدينة فاس القديمة تصدرت إشكالية النقل قائمة أولويات إنقاذ مدينة فاس القديمة يف مطلع تسعينيات القرن املايض حني متت دراستها وتشخيصها من خمتلف اجلوانب يف أفق الوصول إىل حلول كفيلة بإخراج املدينة من دائرة»العزلة«والتهميش. شملت الدراسات التشخصية الدقيقة - التي قام بإعدادها فريق من التقنيني األجانب Huit( )Group سنة 1992 بتعاون مع وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس - شبكة الطرق داخل األسوار وخارجها إضافة إىل خدمات النقل العرصي بام فيها النقل العمومي لتتطرق بعد ذلك إىل أهم التحديات التي تواجهها مدينة فاس القديمة يف عالقتها بخدمات النقل العرصي. وقد خل صت الدراسات آنذاك إىل مجلة من النتائج هي كالتايل: الطرق السيارة يف املدينة القديمة تبقى غري كافية وحتديد ا يف األحياء ذات القيمة التارخيية (19) Muriel Girard, «Imaginaire touristique et émotion patrimoniale dans la médina de Fès (Maroc),» Culture et Musées, no. 8 (2006), p. 70. (20) Kubis, p. 4.
112 العدد ٤ / ١٤ خريف مدخل الرصيف هو املدخل الوحيد الذي خيرتق املركز التارخيي وبالتايل فهو يشهد ضغط ا كبري ا بسبب النقل العرصي غياب سياسة تدبري أماكن الوقوف وتنظيم حركة املرور انعدام سالمة الراجلني وبالتايل يبقى توفري احلامية هلم أمر ا رضوري ا ضعف خدمات النقل العمومي بسبب غياب االتصاالت املباشرة بني أبواب املدينة القديمة وانعدام الربط املبارش بني هذه األخرية ومناطق األنشطة االقتصادية مثل األحياء الصناعية الد ك ار ات وب ن س ود ة )2)). يمكن القول إن مدينة فاس القديمة ما زالت تتخبط نسبي ا يف معظم هذه املشكالت التي ح د دت يف مطلع تسعينيات القرن املايض فعىل الرغم من إضافة مداخل وطرق سيارة أخرى سري ا عىل نموذج مدخل الرصيف فإن غياب التنظيم والتدبري املحكم يزيد من حدة مشكالت السري واملواصالت واالستفادة من اخلدمات األساسية يف املدينة القديمة. مشكالت الولوجية والتنقل في المداخل الرئيسية ومحاور المرور نال من دروب مدينة فاس القديمة وأزقتها من التدهور اليشء الكثري فعىل الرغم من كوهنا استطاعت أن حتافظ عىل خصوصياهتا وصفاهتا املعامرية فإن شبكة الطرق احلرضية التقليدية مل تعد قادرة عىل تقديم الولوجية املطلوبة لتمكني الساكنة من الوصول إىل اخلدمات األساسية )خدمات اإلغاثة واألمن والنظافة...( إىل جانب الوصول إىل خمتلف التجهيزات وبكيفية خاصة التجهيزات السياحية )د ور ضيافة ومطاعم وبازارات...( وأيض ا إمكانية الوصول إىل أهم املعامل التارخيية التي ختتزل تاريخ وثقافة املدينة ككل. أدى ظهور وسائل النقل العرصية إىل تطور مظاهر احلياة احلرضية وخمتلف املامرسات املجالية املرتبطة هبا لكنه جعل املدن القديمة كمدينة فاس مثال تواجه حتديات كربى إذ أظهر عدد كبري من الدراسات والتحليالت أن قضايا الولوجية ت ع د جوهر التحديات التي تواجهها املدينة القديمة )2)). وقد أسفرت اخلدمات التي تقدمها وسائل النقل العرصية عن تيسري الوصول اىل اخلدمات األساسية وتقريبها بشكل أفضل من السكان احلرضيني لكن عندما يتعلق األمر يف جمال حرضي بخصوصيات معامرية قديمة حيدث تعث ر يف الوصول إىل هذه اخلدمات واالستفادة منها وهذا ما يالح ظ يف مدينة فاس القديمة التي تواجهها مشكالت عدة عىل مستويي النقل والولوجية. مشكلة االختناقات المرورية تظهر مشكلة االختناقات املرورية بشكل جيل عند املداخل السيارة للمدينة القديمة وتنضاف إليها مشكلة االستغالل الفوضوي للمناطق اخلاصة بالراجلني سواء من طرف الباعة املتجولني أو من طرف (21) Groupe Huit, et autres ; Sauvegarde de la ville de Fès (Paris; Fes: Programme Des Nations Unies pour Le développement; Ministère de l Interieur, Maroc 1992), p. 37. هذا االسم ي طل ق على مجموعة من المهندسين المعماريين والمدنيين من فرنسا أ وكلت لهم -مطلع التسعينيات من القرن الماضي- مهمة إعداد دراسات ميدانية ومعمارية حول المدينة القديمة لفاس بتعاون مع الفاعلين المحليين وذلك بغرض بلورة المشاريع الكفيلة بإنقاذ البنية التحتية بالمدينة خاصة الشبكة الطرقية. (22) Centre de Marseille pour l Intégration en Méditerranée (CMI) [et al.], Accessibilité des medinas: Guide d orientation à l intention des décideurs (Lyon, France: Association de Coopération pour le Développement et l Amélioration des Transport Urbains (CODATU), 2012), p. 7.
113 113 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس مستعميل السيارات. وت فرس هذه املشكلة بغياب أماكن خاصة كافية لوقوف السيارات اليشء الذي يدفع السائقني إىل اجتياح األرصفة واملجاالت الفارغة من دون مراعاة حقوق الراجلني من سكان املدينة القديمة وزوارها يف هذه املجاالت. هلذا جيب أال يغيب عن الذهن رضورة إعطاء األولوية للراجلني داخل املدينة حيث جيب محايتهم خصوص ا يف مناطق تقطع السري التي ختتلط فيها وسائل النقل العرصية مع وسائل النقل التقليدية )2)). ي ع د متركز الباعة املتجولني عىل طول حماور املرور الرئيسية إضافة إىل عرض بعض املحالت التجارية سلعها خارج الدكاكني عىل حساب الطرق واملمرات والساحات العمومية من املشكالت التي تؤثر سلب ا يف تدفق البضائع وأيض ا املارة وبكيفية خاصة وفود السياح الذين يمرون بأزقة املدينة القديمة عرب جمموعات متتالية. وهنا تبقى رضورة التفكري يف توفري جمال خاص هبؤالء الباعة املتجولني إذ سينعكس ذلك إجياب ا عىل وضعيتهم السوسيو- اقتصادية كام سيساهم يف ختفيف الضغط عن أهم املحاور الطرقية يف املدينة القديمة. ويمكن أن نشري يف هذا اإلطار إىل حالة سوق الس ال ل ني النموذجي الذي ب ني حديث ا يف حماذاة باب املحروق شامل غرب املدينة لفائدة الباعة املتجولني من بائعي اخلرض الذين حيتلون جنبات طريق سوق الساللني املؤدية إىل الطالعة الكبرية. إال أن الباعة رفضوا االنتقال إىل هذا الفضاء املحدث بدعوى أنه ال يالئمهم وال يالئم أيض ا زبائنهم الذين اعتادوا التبضع منهم يف سوق الساللني املكشوفة وبحجة أنه بعيد عن تيارات الرواج التي تعرفها السوق العشوائية املكشوفة ((2(. قلة أماكن وقوف وسائل النقل العصري من ضمن األسباب املفرس ة للفوىض التي تشهدها أماكن تقطع السري واملتمث لة يف اجتياح األماكن املخصصة للراجلني واختالط النقل التقليدي بالنقل العرصي نجد قلة األماكن املخصصة لوقوف وسائل النقل العرصية كام هو الشأن بالنسبة إىل مدخل»الرصيف«الذي يفتقر حالي ا إىل أماكن وقوف خمصصة للسيارات اخلاصة التي ت رك ن يف مناطق الراجلني. ومن مظاهر الفوىض يف أماكن تقطع السري هناك أيض ا التداخل احلاصل بني وسائل النقل العرصية وعدم احرتام كل واحدة منها املكان املخصص لألخرى كإقدام البعض من سائقي سيارات األجرة أو السيارات اخلاصة عىل الوقوف يف املكان املخصص حلافالت النقل العمومي وهو ما يمس أيض ا النقل السياحي الذي مل خت ص ص له أماكن وقوف عند املداخل الرئيسية من أجل ضامن سالمة السياح وراحتهم وتشجيع زيارهتم للمدينة القديمة ومن شأن ذلك أن جيعل من مدينة فاس وجهة م ن فرة للسياح عوض أن تكون جاذبة هلم. ضعف خدمات النقل العمومي ي عترب ضعف خدمات النقل العمومي من ضمن التحديات البارزة التي تصطدم هبا املدينة القديمة اليشء الذي ي بقيها يف شبه عزلة عن باقي الوحدات احلرضية املشك لة ملدينة فاس الكربى والتي تتوسع يوم ا بعد )2)) محمد البغدادي»إنقاذ مدينة فاس إشكالية النقل بالمدينة األصيلة كنموذج: ارتسامات أولية «الجواهر )فاس( السنة 6 العدد 23 )أيلول/ سبتمبر-تشرين األول/ أكتوبر 1991( ص 23. )2)) مقابلة مع أحد الباعة المتجولين في سوق الساللين تاريخ 2013/4/15.
114 العدد ٤ / ١٤ خريف يوم. فغالب ا ما تشهد املدن القديمة عىل مستوى النقل العمومي بصورة خاصة نوع ا من التهميش وجلها يعاين ضعف الربط واالتصال بباقي أطراف املدينة )2)). تعاين مدينة فاس القديمة ضعف االتصال باملجاالت احلرضية املحيطة هبا وحتديد ا بشامل املدينة وجنوهبا وطول مدة انتظار وسائل النقل العمومي. أضف إىل ذلك النقص احلاد يف عدد احلافالت املسخ رة لذلك ورداءة حالتها امليكانيكية وهو ما يؤدي إىل حاالت من االزدحام خاصة يف أوقات الذروة وجيعل مستوى اخلدمة املقدمة متدني ا جد ا وغري الئق. مشاريع تحسين خدمات النقل والتنقل وتأهيل شبكة الطرق التقليدية إن التحدي الذي يواجهه نسيج فاس احلرضي القديم عىل مستوى الولوجية يمس بقيمته الرتاثية وهيدد بالتايل جاذبيته السياحية فأمام الفوىض التي تشهدها مواقف السيارات واجتياح وسائل النقل العرصية للمناطق املخصصة للراجلني يف أماكن تقطع السري إضافة إىل االختناقات املرورية يف الطرق السيارة... إلخ كان لزام ا عىل الفاعلني واملتدخلني يف جمال فاس احلرضي )وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس اجلامعة احلرضية لفاس...( التدخل إلعادة النظر يف مشكلة السري والنقل يف املدينة القديمة ذلك أن اإلنقاذ الشامل للمدينة القديمة وخلق نوع من االنفتاح لصاحلها من طريق حتسني أحوال النقل مها أمران مرتابطان )2)). أخذت مشاريع حتسني مستوى الولوجية داخل املدينة القديمة طابع ا»شمولي ا«وامتداد ا جمالي ا حيث شملت خمتلف أحياء النسيج احلرضي القديم وطاولت األزقة والطرق واملداخل السيارة )2)) وأماكن تقطع السري. وتتوزع هذه املشاريع عىل النحو التايل: مشروع الطرق االستعجالية تفتقر املدينة القديمة كام أ شري آنف ا إىل اخلدمات األساسية املتمث لة يف خدمات اإلغاثة واألمن والنظافة. ويعود ذلك إىل اخلصائص املميزة لألزقة والطرق التي تعيق التدخالت االستعجالية يف حالة اهنيار الد ور املهددة بالسقوط أو يف حالة نشوب حرائق أو ما خيص اخلدمات املتصلة بجمع النفايات املنزلية واملواد الصلبة املتبقية من اهلدم أو البناء. ويف داخل املدينة القديمة أحياء كثرية ال يمكن الوصول إليها بواسطة وسائل النقل العرصية وال تستطيع سيارات التدخل الرسيع )الرشطة رجال املطافئ سيارات اإلسعاف...( من ولوجها )2)). وملواجهة هذا التحدي قامت وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس بإرساء مرشوع الطرق االستعجالية بتمويل من الدولة وقرض من البنك الدويل بلغ قدرمها مليون درهم. ويندرج هذا املرشوع يف إطار رد االعتبار إىل البنية التحتية الطرقية لنسيج فاس احلرضي القديم. وتكمن أهداف مرشوع إحداث الطرق االستعجالية يف: ضامن ولوجية سيارات اإلسعاف ومعدات الوقاية املدنية حتسني عملية مجع النفايات الصلبة حتسني ظروف تزويد الورش بمواد البناء. (25) CMI [et al.], p. 11. )2)) البغدادي»إنقاذ مدينة فاس «ص 23. )2)) المدخل السيار هو المدخل الذي يسمح بمرور وسائل النقل العصرية ويمكنها من اختراق المجال. (28) Banque Mondial, Evaluation de Document (Fès: Royaume du Maroc, Ministère de l Intérieur, 1998), p. 17.
115 115 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس املصدر: وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس القديمة )بترصف( وعىل طول 91 كلم من طرق مدينة فاس القديمة حتتل شبكة الطرق االستعجالية 14 كلم. وقد ح دد العرض األدنى هلذا النوع من الطرق ب 1.70 مرت ا بام يسمح بمرور السيارات االستعجالية من دون صعوبات ت ذكر. ويقتيض تنفيد املرشوع توسعة 33 نقطة وإقامة 12 نقطة للعودة )2)). تشري املالحظة امليدانية إىل جانب تقييم نتائج تنفيذ مرشوع طرق اخلدمات االستعجالية إىل أن هذا األخري مل ي فع ل يف جل املناطق املستهدفة حيث مل تشمل التدخالت املدرجة يف هذا اإلطار سوى حموري الطالعة الكبرية والطالعة الصغرية يف الضفة اليرسى وحمور الن خ ال ني وزنقة ب ور ج وع ومنطقة امل خ فية وم ص م ود ة يف الضفة اليمنى بحيث أصبحت اآلليات العرصية اخلاصة بجمع النفايات ونقل مواد البناء تستطيع املرور بمسالكها الطرقية بسهولة )3)). مشروع مسعفي القرب المتطوعين إن تيسري عملية تقديم اخلدمات ذات الصبغة االستعجالية لفائدة ساكنة مدينة فاس القديمة ي عترب مسؤولية مجيع الفاعلني واملتدخلني يف الشأن احلرضي بمن فيهم الفاعلون والناشطون يف إطار مجعيات املجتمع املدين فقد أبان احتاد مجعيات ووداديات فاس املدينة دوره الفعال يف التخفيف من وطأة صعوبة ولوج اخلدمات االستعجالية ألزقة املدينة القديمة ودروهبا يف حالة حدوث كارثة ما وذلك من خالل تفعيل ما سم ي مرشوع»مسعفي القرب املتطوعني«وهو مرشوع يقوم عىل عنرصين أساسيني أوهلام عنرص التطوع النابع من وعي ساكنة املجال احلرضي القديم بخطورة التدخل يف األزقة والدروب الضيقة (29) (ADER- Fès): Projet de Réhabilitation de la Médina de Fès (Rapport de synthèse, Fès, 1998), p. 17. )3)) مقابلة مع مسؤول في وكالة التنمية ورد االعتبار إلى مدينة فاس تاريخ 2013/2/3.
116 العدد ٤ / ١٤ خريف فضال عن صعوبة هذا التدخل واملتطوعون هم من فئة الشبان القاطنني يف أحياء فاس القديمة. والعنرص الثاين هو عنرص القرب الذي يمنح فرصة وإمكانية التدخل الرسيع واحليلولة دون تفاقم اخلسائر. ويف إطار العالقة التشاركية مع باقي الفاعلني املحليني واألجانب عمد احتاد مجعيات ووداديات فاس املدينة إىل االنفتاح عىل وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس ومصلحة الوقاية املدنية واملقاطعة احلرضية لفاس املدينة ووالية جهة فاس- بوملان فاس إىل جانب التعاون مع الوكالة السويرسية للتنمية والتعاون. وقد كان الغرض من إقامة هذه العالقات هو العمل عىل تأهيل املتطوعني وتكوينهم يف جمال اإلسعافات األولية وطرق التدخل يف النسيج احلرضي القديم )3)). تأهيل المداخل السيارة وتنظيمها ت عترب مدينة فاس القديمة أكرب جمال للراجلني يف العامل كام سبقت اإلشارة إال أن ضيق األزقة املتميزة بانعراجها وانحدارها جعل املدينة بعيدة عن وسائل النقل العرصية. لذا فإن من درسوا املدن اإلسالمية وعابوا عليها ضيق شوارعها درسوها من منظور املتطلبات العرصية حلركة النقل ومل يراعوا طبيعة العصور التي شيدت فيها هذه املدن )3)). يبلغ عدد املداخل الرئيسية التي جرت هتيئتها لتمكني املدينة القديمة من االنفتاح عىل النقل العرصي مخسة مداخل. ويمكن اعتبار إقامتها داخل نسيج فاس احلرضي القديم رد فعل أمام ما أصبحت تعرفه هذه املدينة من مشكالت ومعيقات عىل مستوى الولوجية والنقل والتنقل ومن تزايد حدة انعزاهلا عن باقي األجزاء احلرضية املشك لة لفاس الكربى )3)). يمث ل الغالف املايل املخصص لتأهيل املداخل السيارة وتنظيمها 50 يف املئة من التكلفة اإلمجالية ملرشوع حتسني الولوجية والبنية التحتية يف املدينة القديمة ويراد منه حتقيق األهداف التالية: إتاحة وصول اخلدمات األساسية إىل مركز املدينة التارخيي حتسني الصالت احليوية بني املدينة وباقي التجمع احلرضي تسهيل حركة السكان والسياح ونقل السلع والبضائع زيادة مواقف السيارات لالستجابة ملستوى الطلب عليها وتعزيز السالمة املرورية هذا مع حتسني تدبريها )3)). خضعت املداخل لعدد كبري من املشاريع هبدف ضبط حركة املرور فيها وحتسني خدماهتا عىل مستوى النقل العرصي سواء اخلاص منه أو العمومي. ويمكن التطرق إىل املشاريع املتعلقة بتأهيل وتنظيم املداخل الرئيسية ملدينة فاس القديمة عىل النحو التايل: - مرشوع حتسني وتأهيل مدخل عني أزليتن: يف سنة 1994 قامت اجلامعة احلرضية لفاس املدينة بتعاون مع وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس )التي كانت تدعى آنذاك وكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ فاس( بفتح مدخل آخر يف منطقة ع ني أ ز ل ي ت ن - الواقعة يف اجلهة الشاملية الغربية للمدينة القديمة- بطول 120 مرت ا ينطلق من وسط الطريق األوىل املتجهة صوب درب ع ام ر وذلك وعي ا من اجلامعة باألمهية التجارية والسياحية التي حيظى هبا حمور الطالعة الكبرية املتصل باملدخل وأيض ا من أجل ختفيف الضغط )3)) صوت المتطوع )فاس( العدد )2010( 1 ص 3. )3)) خالد محمد مصطفى عزب تخطيط وعمارة المدن اإلسالمية كتاب األمة رقم 58. هذه طبعة خاصة بالمغرب طبعت بإذن من وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بدولة قطر )الدار البيضاء: منشورات الفرقان في جمادي األولى 1418 ه م( ص 77. )3)) محمد البغدادي»الولوجية بالمدينة القديمة لفاس: محاولة معاينة وتقييم «مجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية السنة 36 العدد )2014( 13 ص.59 (34) Banque mondial, p. 18.
117 117 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس املروري عن الطريق السيارة األوىل يف منطقة عني أزليتن. وقد ح ددت تكاليف املرشوع ب 4.98 مليون درهم )3)). وكان مقرر ا يف إطار هذا املرشوع إقامة حمطة توقف للنقل العمومي تتسع حلافلتني إال أن ذلك مل يتم. - مرشوع حتسني مدخل واد الزحون وتأهيله: كان مدخل واد الزحون الكائن يف شامل املدينة القديمة يشهد فوىض عىل مستوى حركة املرور وسوء استغالل أماكن الوقوف وسائل النقل العرصي فيه األمر الذي كان يسبب صعوبة الولوج إىل املدينة القديمة عرب هذا املدخل. وقد سعى مرشوع حتسني مدخل واد الزحون إىل تأهيل بنية الطريق السيارة لضامن حركة مرور أفضل ووقوف منظم لوسائل النقل العرصية وجرى تنفيد املرشوع يف ما بني سنة 2001 وسنة 2005 بتكلفة مالية بلغت 6.75 مليون درهم )3)). أم ا الشق املتبقي من املرشوع واملتعلق بإقامة حمطة تتسع حلافلتني عموميتني وأخرى ذات قدرة عىل استيعاب 10 سيارات أجرة فال يزال حتى الساعة حرب ا عىل ورق. - مرشوع هتيئة مدخل بني املدن: ه ي ئ مدخل ب ني امل د ن الواقع يف شامل املدينة ما بني سنتي 2001 و 2005 بتكلفة مالية ق درت ب مليون درهم ممو لة من طرف اجلامعة احلرضية لفاس املدينة وقرض من البنك الدويل. وقد أرشفت وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس عىل املرشوع من الناحية التقنية ومن حيث مواكبة اإلنجاز. وكان مقرر ا ضمن هذا املرشوع إقامة حمطة لثالثة خطوط للنقل احلرضي ومواقف خمصصة لسيارات األجرة ولشاحنات نقل البضائع إال أن ذلك مل يتم تنفيذه وظل مدخل بني املدن مستغ ال بصفة خاصة من طرف السيارات اخلصوصية وبعض السيارات النفعية الصغرية. مراحل مرشوع هتيئة مدخل بني املدن قبل تغطية الواد أشغال تغطية الواد بعد انتهاء األشغال املصدر: وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس القديمة مرشوع إعادة هتيئة مدخل الرصيف: ي ع د مدخل الرصيف املدخل الوحيد الذي خيرتق مدينة فاس القديمة من اجلنوب. وقد ه ي ئ بعد تغطية واد اجلواهر سنة وخالل سنة 2009 أي بعد مرور 36 سنة عىل إحداثه انطلقت أشغال إعادة هتيئته بتكلفة مالية ناهزت 18.8 مليون درهم ممو لة من طرف والية فاس. وقد تولت وكالة التنمية ورد االعتبار إىل مدينة فاس مهمة اإلرشاف التقني عىل املرشوع )3)). (35) ADER FES ; 1998 : op-cit, p 18. )3)) مداخلة حول صيرورة مشاريع اإلنقاذ الواقع واآلفاق للمهندس إسماعيل العلوي بمناسبة اليوم الدراسي حول المدن التراثية الواقع والتحديات المنظم من قبل مختبر الدراسات الحضرية بكلية اآلداب ظهر المهراز فاس يوم 26 نيسان/أبريل )3)) مقابلة مع مسؤول قسم التنمية البشرية بعمالة جهة فاس بولمان تاريخ 2012/12/25.
118 العدد ٤ / ١٤ خريف تتلخص أهداف مرشوع إعادة هتيئة مدخل الرصيف يف الرغبة يف حتقيق مستوى عال من الولوجية يف الضاحية اجلنوبية للمدينة القديمة ويف رفع وترية اإلقبال السياحي عليها. وتتضمن مكونات املرشوع إعادة تنظيم حركة املرور وهتيئة حمطات وقوف حافالت النقل احلرضي وسيارات األجرة هذا إىل جانب إعداد أماكن لركن السيارات اخلاصة بالقرب من مدخل باب اجلديد )3)). مراحل مرشوع إعادة هتيئة ساحة سيد العواد يف مدخل الرصيف قبل هتيئة الساحة يف أثناء أشغال التهيئة احلالة الراهنة للساحة املصدر: عاملة فاس املدينة 2010 )بترصف(. لقد يرس ت مشاريع حتسني املداخل وتأهيلها بشكل كبري للسيارات الوقوف خارج شبكة الطريق املخصصة للراجلني كام سامهت يف رفع املستوى االقتصادي والقيمة العقارية ألحياء وبنايات عدة يف املدينة القديمة ألهنا سهلت الولوجية هبا )3)). مشاريع توفير أماكن وقوف وسائل النقل العصري ت عترب مشاريع إنشاء أماكن خمصصة لوقوف وسائل النقل العرصية من أهم إجراءات تطوير البنية التحتية ورفع مستوى الولوجية يف مدينة فاس القديمة ل م ا توفره من خدمات للسكان وللفاعلني االقتصاديني وكذا ز و ار املدينة خصوص ا السياح منهم إىل جانب أمهية دورها يف ضبط حركة املرور واحلفاظ عىل املناطق املخصصة للراجلني. واملشاريع هذه هي كالتايل: - مرشوع إقامة موقف عني أزليتن / الطالعة الكبرية: نظر ا إىل األمهية السياحية والتارخيية التي ينفرد هبا مدخل عني أزليتن تم توفري 144 مكان ا لوقوف السيارات يف منطقة تقطع السري عىل مساحة تقد ر ب 3000 م. 2 وكان مقرر ا إضافة 113 مكان ا للوقوف بميزانية بلغت 3.65 مليون درهم بتمويل من اجلامعة احلرض ية لفاس املدينة إىل جانب قرض من البنك الدويل )4)). (38) Mohamed Ghrabi, «Exposé sur la médina de Fès : renforcement des capacités et développement durable,» dans: Amina Haoudi, dir., La Médina de Fès: Patrimoine culturel pour un développement durable: Actes du colloque international organisé par la Faculté de droit de Fès les 28 et 29 novembre 2008, Serie Colloques (Fès : Faculté des sciences juridiques économiques et sociales, 2009). هذا العرض أعده الوالي السابق لجهة فاس بولمان سنة 2008 وقد حصلت عليه من األرشيف اإللكتروني للوالية على صيغة.powerpoint (39) Hassan Radoine, «Urban Conservation of Fez-Medina: A Post-Impact Appraisal,» Global Urban Development, vol. 4, no. 1 (August 2008), p. 12. (40) ADER- Fès, p. 22.
119 119 دراسات تحسين الولوجية وإعادة تنظيم النقل والتنقل حالة دراسية: المدينة القديمة في فاس - مرشوع إقامة موقف واد الزحون: ق د ر الغالف املايل ملرشوع إقامة موقف واد الزحون ب مليون درهم وكان عىل نفقة أحد املحسنني. ويمتد هذا املوقف عىل مساحة 1500 م 2 توفر ما جمموعه 104 أماكن لوقوف وسائل النقل اخلاص )4)). - مرشوع إقامة موقف بني املدن: كانت منطقة بني املدن تفتقر إىل أماكن خمصصة لوقوف وسائل النقل العرصي وكانت مواقف السيارات يف كل من مدخل واد الزحون األقرب إىل املنطقة ومدخل الرصيف تغطي هذا العجز. وإلقامة موقف للسيارات يف املنطقة است غل وعاء عقاري مهم يف شامل مدخل بني املدن قدرت مساحته اإلمجالية ب 7500 م 2 من أجل إحداث أماكن خمصصة لوقوف السيارات. وبلغت تكلفة املرشوع 5.08 مليون درهم مو هلا القطاع اخلاص )4)). - مرشوع إقامة موقف مدخل الرصيف: استفادت منطقة الرصيف يف هذا اإلطار من مقاربتني أساسيتني: األوىل هتيئة املداخل يف اجلزء الشاميل وحتسينها ويتعلق األمر بمدخل بني املدن وواد الزحون اللذين يتيحان الوصول إىل مركز املدينة لكن لوحظ أن الغالبية العظمى من زوار املدينة القديمة ال ترتدد عليهام بحسب ترصيح مدير وكالة التنمية ورد االعتبار إىل فاس )4)). واملقاربة الثانية هي استحداث مواقف خاصة بالنقل العرصي عىل طول مدخل الرصيف وذلك من خالل استغالل املجاالت اخلرضاء يف باب اجلديد والتي تقد ر مساحتها ب 7265 م 2 وستسمح هتيئتها باالستجابة جلزء كبري من الطلب عىل مواقف السيارات عىل املدى البعيد )4)). لقد سمح استعامل املجاالت اخلرضاء يف منطقة باب اجلديد بتوفري ثالثة أماكن خمصصة لوقوف السيارات األول عىل الضفة اليمنى رشق ا وتقد ر طاقته االستيعابية ب 80 سيارة والثاين عىل الضفة اليرسى غرب ا بطاقة استيعابية تقد ر ب 160 سيارة والثالث يف اجلهة اليمنى أيض ا ويتسع ل 250 سيارة )4)). جتدر اإلشارة إىل أن إقدام الفاعلني املحليني - املسؤولني عن التدبري احلرضي يف مدينة فاس- عىل حتويل بعض املساحات اخلرضاء إىل أماكن لركن السيارات يف الضاحية اجلنوبية ملدينة فاس القديمة يعود إىل العمل بقاعدة اختيار أخف الرضرين أي جعل املنطقة اخلرضاء موقف ا لركن عرشات السيارات التي تلج املدينة القديمة يومي ا بدل السامح هلا بمتابعة السري إىل أقرب نقطة للنواة الدينية واالقتصادية للمدينة القديمة ألن ذلك حي دث الكثري من املشكالت التي ترض بالقيمة الرتاثية والسياحية للمدينة من قبيل االختناقات املرورية وتلو ث البيئة احلرضية واالستغالل الفوضوي للمناطق املخصصة للراجلني. عىل العموم بعد مقاربة اإلنجازات امليدانية املختلفة واملعنية بموضوع النقل والتنقل وبعد معاينة هذه اإلنجازات يمكن اخلروج بخالصة أولية مفادها أن حتسني الولوجية وإعادة تنظيم هذا القطاع ي ع د ان من السبل الكفيلة بإنقاذ مدينة فاس القديمة ككيان تارخيي وتراثي وكذاكرة تصل املجتمع بامضيه العريق بل ومن شأهنا العمل عىل إعادة احليوية والدينامية إىل مكوناهتا املجالية واالجتامعية واالقتصادية... فمع املتطلبات التي يقتضيها الواقع احلايل ونخص بالذكر تلك املتعلقة بخدمات النقل واملواصالت يبقى من الرضوري تكييف املدينة القديمة مع هذا الواقع وذلك بتمكينها من االستفادة من خدمات النقل (41) ADER- Fès, p. 23. )4)) المصدر نفسه ص 24. (43) Mouna Khamlichi, «Fès: Un plan pour décongestionner la medina,» L Economiste (Maroc), 21/2/2002. édition N 12 )4)) المصدر نفسه. )4)) استقصاء ميداني استجوبت من خالله الحراس المسؤولين عن مراقبة مواقف السيارات في باب الجديد تاريخ 2013/4/15.
120 العدد ٤ / ١٤ خريف العرصي. لكن ينبغي أال يكون ذلك عىل حساب الرتاث املبني أي العمل عىل»بقر«املدينة وإزالة أحياء بأكملها وحموها لشق طرق للسيارات ومداخل متك ن وسائل النقل العرصي من اخرتاقها بل يتحتم أن يتم ذلك وفق اسرتاتيجيات حمكمة ومضبوطة تستجيب للحاجات احلقيقية للمدينة وهتدف إىل تسهيل مستوى الولوجية وحتسينه وتراعي و»حترتم«يف الوقت ذاته القيمة التارخيية والرتاثية هلذا املجال احلرضي. خالصة مل حيتكم ختطيط شبكة الطرق يف مدينة فاس القديمة إىل تصميم مسبق كام هي حال الطرق يف املدينة احلديثة. ولكن عىل الرغم من ذلك فإن لكل وحدة من وحدات شبكة الطرق تلك وظيفة خاصة تؤدي جمتمعة إىل حتقيق التكامل بني خمتلف أجزاء املدينة القديمة. وإذا كانت الطبيعة الطبوغرافية للموضع وغريها من املحددات قد تركت أثرها يف شكل األزقة والطرق فإن طبيعة هذه األخرية انعكست هي األخرى عىل نمط وسائل النقل املستعملة سواء حلمل السلع أو للتنقل يف أرجاء نسيج فاس احلرضي القديم ومن هنا جاءت وسائل النقل تقليدية الطابع. بفضل وجود األبواب التي حتيط بنسيج فاس احلرضي القديم من كل جانب تأتى لشبكة الطرق التقليدية االرتباط بالطرق احلديثة خارج األسوار. وإىل جانب كوهنا تشكل منفذ ا يتيح للمدينة االنفتاح عىل باقي التجمعات احلرضية متث ل األبواب كذلك منتوج ا سياحي ا مهام. لكن ذلك ال يعني أن املدينة القديمة بقيت بمعزل عن املشكالت املرتبطة بالولوجية فاالختناقات املرورية واجتياح املناطق املخصصة للراجلني أضف إىل ذلك ضعف خدمات النقل العرصي... إلخ كل ذلك جعل من مشكلة الولوجية أبرز التحديات التي هتدد كيان نسيج فاس احلرضي القديم. ولرفع هذا التحدي انت هج كثري من السياسات يف إطار مشاريع النهوض بالبنية التحتية وتنظيم حركة املرور. وقد حاولت هذه السياسات مواجهة مشكلة الولوجية من جوانب عدة وبكثري من اإلجراءات )رصف شبكة الطرق املخصصة للراجلني وإعادة هتيئة املداخل مع إضافة أخرى ثم إقامة أماكن وقوف النقل العرصي( وذلك هبدف اسرتجاع»بريق«مدينة فاس القديمة وإدماجها مع باقي الوحدات احلرضية إىل جانب متكني ساكنتها من االستفادة عىل األقل من احلدود الدنيا للخدمات الرضورية ملامرسة حياة حرضية طبيعية. لكن هذه السياسات املتبعة مل ترق إىل املستوى املنشود إذ مل جير تنفيذ املشاريع بشكل كامل ويتضح ذلك جلي ا يف مرشوع الطرق االستعجالية عىل سبيل املثال وهو املرشوع الذي مل ي فع ل يف جل املحاور الطرقية التي كان مقرر ا تغطيتها هبذا النوع من اخلدمة االستعجالية. ت ضاف إىل ذلك مشاريع تطوير جتهيزات النقل يف املداخل الرئيسية فعىل الرغم من كوهنا تبقى كافية لربط املدينة القديمة باملجاالت احلرضية املجاورة فإن املداخل السيارة تفتقر إىل التجهيزات األساسية املرتبطة بالنقل والكفيلة بجعلها قادرة عىل وصل مدينة فاس القديمة بباقي الوحدات احلرضية ذلك بأنه كان مقرر ا جتهيز البعض منها )مدخل واد الزحون ومدخل عني أزليتن( بمحطات للنقل العمومي تعزيز ا خلدمات النقل احلرضي يف املدينة القديمة إال أن ذلك مل ينف ذ عىل أرض الواقع. ولوحظ أيض ا أن السياسات املتعلقة بتحسني مستويات الولوجية يف املدينة القديمة مل تكثرت للحاجات املتعلقة بالنقل السياحي حيث إنه مل خت ص ص يف املداخل الرئيسية أماكن الحتضان هذا النمط من وسائل النقل ملا له من أمهية يف تقوية املكانة السياحية ملدينة فاس القديمة ويف تنمية القطاع السياحي عىل الصعيدين املحيل والوطني.
121 121 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف 123
122
123 123 روبين بيس * االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف ** ترجمة: مازن مرسول محمد ***»االستبعاد االجتامعي«مصطلح متناز ع عليه ال ألنه ي ستخدم لإلشارة اىل حقل واسع من الظواهر والعمليات التي تتعلق بالفقر واحلرمان واملشقة فحسب بل ألنه ي ستخدم أيض ا يف ما يتعلق بحقل واسع من أصناف الناس املستبع دين وأماكن االستبعاد. وهذا التقديم يعرض بعض األدلة عىل الطبيعة امل حرية والصعبة للمفهوم يف كل من االحتاد األورويب ونيوزيلندا. مقدمة )))))))))»االستبعاد االجتامعي«- ماذا تعني هاتان الكلمتان ملاذا أصبحتا شائعتني يف خطاب السياسة يف أجزاء من العامل الناطق باإلنكليزية كيف وعىل أي نحو مها مفهوم متناز ع عليه يمكن القول إهنام مفهوم جديد يتعلق بطريقة ما بمفاهيم الفقر واملشقة واحلرمان والتهميش ولكن يظهر وفق السياق أن املفهوم غامض ومتناقض يف أغلب األحيان. ما زال هناك نقاش يدور حول ما يدل عليه * استندت هذه الورقة إلى مصدرين رئيسيين: بحثي الخاص عن االستبعاد االجتماعي في االتحاد األوروبي ومنشور صدر مؤخر ا من المملكة المتحدة وحررته جين بيرسي سميث من معهد بحوث السياسة في جامعة ليدز ميتروبوليتان Metropolitan(.)Leeds وما أقوله هنا هو إلى حد كبير وجهة نظري الخاصة في هذه المسألة وال تعكس وجهات نظر وحدة البحوث أو في الواقع وزارة السياسة االجتماعية بأي شكل من األشكال. انظر: Robin Peace, «Surface Tension: Place/Poverty/Policy from «Poverty» to Social Exclusion: Implications of Discursive Shifts in European Union Poverty Policy ,» (Unpublished PhD Dissertation, University of Waikato, Hamilton, 1999), and Janie Percy-Smith, ed., Policy Responses to Social Exclusion (Buckingham; Philadelphia, PA: Open University Press, 2000). ** نسخة مترجمة من دراسة صدرت في األصل باللغة اإلنكليزية: Robin Peace, «Social Exclusion: A Concept in Need of Definition?,» Social Policy Journal of New Zealand, no. 16 (July 2001), on the Web: < *** أستاذ علم االجتماع الجامعة المستنصرية العراق.
124 العدد ٤ / ١٤ خريف وحول أفضل استخدام له يف سياقات اخلطاب والسياسة وذلك عىل الرغم من استخدامه عىل مدى عرشين سنة يف االحتاد األورويب )خصوص ا فرنسا( ويف اململكة املتحدة ومجهورية إيرلندا. لكن املفهوم ومع عدم إغفال مستوى اجلدل حوله هو واسع االستخدام وله عىل ما يبدو جاذبية كبرية جد ا بالنسبة إىل منتجي السياسات االجتامعية. قيل ويمكن أن يقال الكثري عن االستبعاد االجتامعي إال أن تركيز الورقة سيكون فقط عىل أربعة أشياء. أوال أقد م موجز ا عن تاريخ إعادة بناء املفهوم ومن أين جاء وملاذا است خدم بطرق معينة للتأثري خاصة يف املحيط األورويب ثاني ا أقد م بعض األشياء التي يشري االستبعاد االجتامعي إليها - أنواع االستبعاد وأصناف الناس املستبع دين - الذين يظهرون يف خطاب االستبعاد االجتامعي. ثالث ا أعر ض لبعض تعريفات االستبعاد االجتامعي يف التداول احلايل لكشف االختالفات الرئيسية بينها. رابع ا وأخري ا أشري إىل بعض اآلثار األخرى املرتتبة عليه والعواقب الضارة وغري املتوقعة املالزمة خلطاب»االستبعاد«. تاريخ المفهوم يف أغلب األحيان تبدأ مناقشة مفهوم االستبعاد االجتامعي بالرجوع إىل تارخيه: من استخدمه أوال وملاذا اختري كتعبري سيايس بدال من املفاهيم األكثر وضوح ا أي مفاهيم»الفقر«أو»احلرمان«أو»املشقة«وماذا عنى به يف السابق كان يصعب عىل الباحثني يف السبعينيات أن جيدوا النصوص التي تضمنت هذه العبارة ضمن وثائق السياسة الصادرة باللغة اإلنكليزية يف أوروبا وأمريكا الشاملية وأوقيانيا. ورغم ظهور»االستبعاد االجتامعي«يف منتصف ثامنينيات القرن املايض فإنه مل يظهر فقط يف وثائق االحتاد األورويب بل ظهر أيض ا يف اخلطاب األكاديمي املنبثق عام يسم ى العامل»األدنى صناعي ا«))) واست خدم بدرجة أكرب كثري ا منذ تسعينيات القرن نفسه. لقد أصبح مفهوم»االستبعاد االجتامعي«مفهوم ا رئيسي ا يف االحتاد األورويب ومفهوم ا تأسيسي ا للسياسات يف حكومة حزب العامل اجلديد برئاسة توين بلري يف اململكة املتحدة وبان سيع ا عىل السطح )ومع ذلك ليس بشكل مقنع( يف أسرتاليا سنة 1999 كمفهوم جامع ألعامل مؤمتر السياسة االجتامعية الكبري. وظهر حديث ا يف نيوزيلندا كجزء من مرشوع إعادة النظر يف وجهة السياسة االجتامعية. وال يوجد عىل أي حال سجل واضح لكيفية دخول هذا التعبري حي ز االستخدام يف سياقات السياسة باللغة اإلنكليزية. وترمجتي اخلاصة هلذه السابقة والتي يساندها عدد من العلامء تشري إىل أن مفهوم االستبعاد االجتامعي كمصطلح يف السياسات ظهر أول مرة يف برامج الفقر لالحتاد األورويب يف الثامنينيات من القرن املايض. كانت الفرنسية واإلنكليزية اللغتني الرسميتني اإللزاميتني جلميع مبادرات السياسات عىل نطاق االحتاد األورويب يف الثامنينيات واملرادف هلذا التعبري الذي يمكن التعرف إليه وج د يف الفرنسية عىل شكل. Exclusion Sociale لقد كافح ص ن اع السياسة األوروبيون من أجل إجياد تعبري لسياسة اجتامعية متطورة تتجنب الوصم بمفاهيم مثل»الفقر«و»احلرمان«ووف ر مفهوم Exclusion Sociale أو (4) Gerry Rodgers, Charles Gore and José B. Figueiredo, eds., Social Exclusion: Rhetoric, Reality, Responses (Geneva: International Institute for Labour Studies, 1995).
125 125 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف»االستبعاد االجتامعي«برتمجته األنيقة بديال جديد ا. كان سهل التمييز بشكل متبادل يف كلتا اللغتني وجينب وصمة عار مفاهيمية وكان يف احلقيقة»بر اق ا وجديد ا«. بمعنى آخر جرى استخدامه كشعار )»عالمة جتارية«)branding ملامرسة برامج الفقر لالحتاد األورويب املثرية جد ا للجدل لسببني: األول هو أنه بدا أهنا ت ضعف مبدأ التفويض subsidiarity( )principle of الذي يعني أن من غري املمكن أن ينتج االحتاد األورويب أو املجموعة األوروبية كام س م ي حينها السياسات التي هي بحق من مسؤوليات الدول األعضاء. الثاين هو أهنا جاهرت ب»الفقر«وهكذا بدت وكأهنا تيسء إىل لغة اللياقة. واالستبعاد كان مفهوم ا أقل صخب ا وأكثر طواعية وهكذا أ خرجت»احلرب عىل الفقر«وأ دخلت»مكافحة االستبعاد االجتامعي«مكاهنا. انترش»االستبعاد االجتامعي«برسعة بصيغته اإلنكليزية اخلاصة بالسياسات األوروبية والتحول يف املعنى الذي انطوت عليه الرتمجة من املعنى القديم )الفرنيس( ومتظهراته اجلديدة بالكاد أشري إليها خارج اخلطاب األكاديمي. بيئة السياسة الفرنسية كان تعبري Exclusion Sociale يف بيئة السياسة الفرنسية ولعقد سابق عىل برامج الفقر لالحتاد األورويب ي ستخدم لإلشارة اىل جمموعة منتقاة جد ا من أصناف الناس الذين است بعدوا من بند التأمني االجتامعي يف فرنسا. وطبق ا لهيالري سيلفر ))) امل عق بة األمريكية عىل سياسات االستبعاد لالحتاد األورويب فإن حملل السياسة االجتامعية الفرنيس بول لينوار Lenoir(.P( مي ز يف سنة 1974 عرشة من األصناف أو املجموعات التي جاءت حتت مظلة الذين»مل يشملهم التأمني«وهي: املعو ق جسدي ا وعقلي ا أولئك الذين كانوا»راغبني يف االنتحار«كبار السن العجزة األطفال املعتدى عليهم مدمنو املخدرات اجلانحون األهل الوحيدون )وبشكل رئييس األمهات الوحيدات( العوائل املتعددة املشكالت )حيث انوجد أكثر من واحد من األصناف يف آن( املهم شون االنطوائيون وغري املتكيفني اجتامعي ا. ربام يكون كثري من هذه املصطلحات أيض ا - خصوص ا الثالثة األخرية - مصطلحات تأثرت يف الرتمجة من الفرنسية لكن الصورة عىل الرغم من ذلك واضحة. لقد أنتجت احلكومات الفرنسية املتعاقبة تلك السياسات التي عرضت تأمني اجتامعي فقط ألولئك الذين كانوا يف العمل املدفوع األجر أو الذين كانوا متزوجني قانوني ا من شخص ما يعمل عمال مدفوع األجر. إن النتيجة احلتمية لسياسات استبعاد الناس عىل أساس قدرهتم عىل الشغل يف العمل املدفوع األجر أفصحت عن تشكيلة منتقاة وعدد متزايد من الناس الذين كانوا قد ت ركوا يف أيدي مؤسسات خريية تابعة للكنيسة أو خاصة وألسباب خمتلفة متام ا. سياق االتحاد األوروبي إن انطالق حتليلنا من هذا املكان )سياق االحتاد األورويب( يبدو مهام نظر ا إىل ما حدث يف أطر السياسات يف االحتاد األورويب يف ما يتعلق ب»االستبعاد االجتامعي«فذلك يتطلب فهام لسياسة االحتاد األورويب. لن (5) Hilary Silver, «Reconceptualizing Social Disadvantage: Three Paradigms of Social Exclusion,» in: Rodgers, Gore and Figueiredo, eds., pp
126 العدد ٤ / ١٤ خريف أتطرق إىل هذا املوضوع بكثري من العمق ويكفي القول إن االحتاد االورويب مث ل بالنسبة إىل دوله األعضاء عالقة اقتصادية بالدرجة األوىل وأثبت أن من الصعب إىل أبعد احلدود تربير إدراج مبادرات السياسة االجتامعية ضمن تفويض أوسع لسياسة االحتاد األورويب. وهكذا حيثام كانت مبادرات»مكافحة الفقر«مقرونة بمبادرات»التوظيف«كان هناك قبول أعظم هلا من جانب الدول األعضاء. وعىل مدى السنوات العرشين لربامج الفقر )مبادرات السياسة التي كانت الناقل الرئييس خلطاب»االستبعاد االجتامعي«إىل الدول األعضاء( حدث»حتو ل خطايب«shift( )discursive مهم )حيث يشري هذا التحول إىل طرق احلديث عن الفقر واالستبعاد والكتابة عنهام(. استلزم التحول اخلطايب يف سياسة االحتاد األورويب االجتامعية االنتقال من الرتكيز عىل»الفقر«إىل الرتكيز عىل»االستبعاد االجتامعي«. وقد اجتذب القدر الكبري من التعقيب ب )اللغة اإلنكليزية( خصوص ا منذ أواسط التسعينيات ))). وفحوى هذا التعقيب هو أن مفهوم االستبعاد االجتامعي أصبح منترش ا بشكل مقبول اآلن يف خطاب سياسة االحتاد األورويب. ومل يستحوذ ذلك فقط عىل الفضاء االستطرادي اللغوي ل»الفقر«يف سياق سياسة االحتاد األورويب بل شجع استخدامه أيض ا وبصورة متزايدة عىل الدمج بفكرة»االستبعاد من التوظيف«كام شجع يف الوقت نفسه عىل التحول بعيد ا عن فكرة التهميش البالغ. هكذا رأى كثري من الباحثني واملحللني واملفرسين أن»االستبعاد االجتامعي«تعبري جديد وبر اق - وربام حتى بمنزلة حصان طروادة - يشجع عىل إعادة التفكري يف القضايا واملشكالت االجتامعية بعيد ا عن املفاهيم امل تع بة واملحدودة للفقر واحلرمان لكن اإلحباط مل يتأخر كثري ا يف املجيء. وللمفارقة بدا أن السياسات التي كانت ت ستمد من اخلطاب اجلديد عن»االستبعاد االجتامعي«كانت قادرة عىل حتديد أن بعض املجموعات واألفراد كانوا مستبع دين حتى من احلديث عن االستبعاد. (6) Most notably: Silver, «Reconceptualizing Social Disadvantage,» but also: J. Andersen [et al.], «The Contribution of Poverty 3 to the Understanding of Poverty, Exclusion and Integration,» in: Poverty 3: The Lessons of the Poverty 3 Programme (Lille: European Economic Interest Group, Animation and Research, 1994); Ajit Bhalla and Frédéric Lapeyre, «Social Exclusion: Towards an Analytical and Operational Framework,» Development and Change, vol. 28, no. 3 (July 1997); Tania Burchardt, Julian Le Grand and David Piachaud, «Social Exclusion in Britain ,» Social Policy and Administration, vol. 33, no. 3 (September 1999); P. Conroy, «Evaluation of the Achievements of Poverty 3: Synthesis,» in: Poverty 3; C. Cousins, «Social Exclusion in Europe: Paradigms of Social Disadvantage in Germany, Spain, Sweden and the United Kingdom,» Policy and Politics, vol. 26, no. 2 (April 1998); Brian Harvey: «Poverty in the European Community: Final Interim Report of the European Provisional Working Group against Poverty,» (Source unknown, Combat Poverty Agency Library, Dublin, 1990), and Combating Exclusion: Lessons from the Third EU Poverty Programme in Ireland (Dublin: Combat Poverty Agency, 1994); Bill Jordan, A Theory of Poverty and Social Exclusion (Cambridge, UK ; Cambridge, MA: Polity Press, 1996); David Gordon and Paul Spicker, eds., The International Glossary on Poverty, CROP International Studies in Poverty Research (London ; New York : Zed Books, 1999); Peter Lee and Alan Murie, Literature Review of Social Exclusion (Cambridge, MA : Polity Press, 1999); Ruth Levitas: «The Concept of Social Exclusion and the New Durkheimian Legacy,» Critical Social Policy, vol. 46, no. 16 (1996), and The Inclusive Society?: Social Exclusion and New Labour (London; New York: Palgravae Macmillan, 1998); Ali Madanipour, Go ran Cars and Judith Allen, eds., Social Exclusion in European Cities: Processes, Experiences, and Responses, Regional Policy and Development Series; 23 (London; Philadelphia: Jessica Kingsley; London: Regional Studies Association, 1998); Peace, «Surface Tension»; Percy-Smith, ed., Policy Responses; Rodgers, Gore and Figueiredo, eds., Social Exclusion, and Graham Room, ed., Beyond the Threshold: The Measurement and Analysis of Social Exclusion (Bristol: Policy Press, 1995), as well as Detailed Reports: Great Britain, Social Exclusion Unit: Opportunity for All: Tackling Poverty and Social Exclusion, Cm (Series); 4445 (London: Stationery Office, 1999), and Bringing Britain Together: A National Strategy for Neighbourhood Renewal, Cm (Series); 4045 (London: Stationery Office, 1998), on the Web: <
127 127 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف التحول من الفعل إلى االسم هناك عدد من األسباب املحتملة التي قد تكون وراء اخللط الذي طاول تطور سياسات االحتاد األورويب وعثراته. وهي خارج جمال بحث هذه الورقة. والدرس املهم الذي يمكن استخالصه هو يف أي حال أن من املهم فهم اليشء الذي ي ستبع د منه شخص ما أو جمموعة ما ومن هو الذي يقوم بفعل االستبعاد. وقد كانت األمور واضحة يف حالة»االستبعاد االجتامعي يف شكله الفرنيس«فاحلكومة الفرنسية عملت عىل وضع سياسات استبعدت جمموعات معينة من احلصول عىل التأمني االجتامعي وهي كانت قائمة عىل أساس معايري واضحة. فإذا أردت أن تكون من ضمن أولئك الذين لدهيم إمكانية للوصول إىل التأمني االجتامعي فيجب أن تكون قد وجدت وظيفة أو تزوجت من شخص ما لديه وظيفة وهذا كان إدماج ا واستبعاد ا بمعنى يمكن حتديده. قدمت»برامج الفقر«بمعنى ما»فضاء حتويلي ا«- أي فضاء حدث فيه تغري يف طبيعة الفقر وفهمه. وعرف مفهوم االستبعاد يف هذا الفضاء التحوييل تغيري ا لغوي ا معقد ا والذي أثر يف ما»يفعله«ص ن اع السياسة اآلن باملفهوم. يف اللغة اإلنكليزية»خدعة«)تسم ى يف املفردات السيامنطيقية التحويل االسمي )Nominalization التي بواسطتها يمكن لألفعال املتعدية القوية أن تتحول إىل أسامء. وهذا حيدث أينام تصبح عىل سبيل املثال عبارة»االجرتار«التي تشري إىل سلوكيات بقرة مشغولة هبضم غذائها موضوع ا ل»تأملنا«أو لتفكرينا البطيء والتداويل يف أي أمر غري عمليات البقر اهلضمية أو عندما تصبح املدرسة التي ترغب يف»االندماج«ضمن قطاع املدرسة احلكومية موضوع ا لسياسات»االندماج«. يف كل حالة يميل التحويل االسمي إىل إنتاج تأثريين لغويني. األول هو أن الوسيط خيتفي - إذ يصبح من»يعمل اليشء«أي ا يكن أو مهام يكن إم ا جمرد ا وإم ا خمفي ا. والتأثري الثاين هو أن حيدث التشيؤ أو ما يسم ى حتو ل العالقات االجتامعية إىل عالقات بني األشياء بحيث يتحول الفعل إىل يشء بحد ذاته. هكذا فإن التفسري الذي يناقش الفعل النشط ل»استبعاد«أحد ما أو يشء ما يشمل حتديد الوسيط )Agency( يف ذلك يف مكان ما:»هم استبعدوا بواسطة جمموعة م ن...هو استبعدها من...«لكن»االستبعاد«كفعل حتول إىل اسم )عملية ت عرف كذلك ب»التشيؤ«( يدل عىل يشء بدال من»فعل«. وبذلك»يؤثر االستبعاد االجتامعي يف فرص حياهتم...«. ومن خالل هذا التحويل االسمي وحالة التشيؤ يتم يف أغلب األحيان استخدام مفهوم»االستبعاد االجتامعي«يف تسمية جمموعات خمتلفة وتوسيمها. األصناف الفعلية يف بحثي اخلاص بشأن سياسات االحتاد األورويب يف ما يتعلق باالستبعاد االجتامعي ))) طورت لفئات املوضوع تصنيف ا )classification( يمكن أن ي ستخدم بالنسبة إىل املوضوع اجلديد عن االستبعاد االجتامعي. يف هذا القسم أقد م بعض ا من هذه التجس دات املفاهيمية )reifications( وأناقش النتائج اإلجيابية والسلبية خلطاب السياسة الذي ينشأ من هذه الرتكيبات اخلاصة. والطريقة التي استخدمتها (7) Peace, «Surface Tension».
128 العدد ٤ / ١٤ خريف يف هذا التحليل كانت عملية دقيقة إلكرتوني ا إذ فحصت أكثر من مئة وثيقة من وثائق سياسة االحتاد األورويب االجتامعية بحث ا عن عبارة»االستبعاد االجتامعي«التي ظهرت يف اجلمل أو الفقرات. وبمجرد العثور عىل العبارة وضبطها يف قاعدة بيانات برامج الكمبيوتر استخدمت برامج حتليل النص NUD.IST( )QSR لتسجيل النتائج وتبويبها وقمت باشتقاق األصناف من العالقات التي حتدث بالشكل األكثر شيوع ا. تحديد طرق استخدام االستبعاد االجتماعي في نصوص السياسة تستخدم وثائق سياسة االحتاد األورويب مفهوم االستبعاد االجتامعي يف نسق حمري. ولكي يكون العرض منطقي ا قس مت النتائج إىل ستة عنارص مصفوفة وقمت بتمييز خاصية لكل عنرص يف املصفوفة والتي بموجبها يمكن أن تندرج النتائج وتضمنت اخلصائص التالية: عالمات/ أسامء/ أصناف للناس املستبعدة أسامء األنواع املختلفة من االستبعاد أسامء العوامل التي جرى حتديد أهنا ت ربز االستبعاد استعارات احلاالت والظروف أو أماكن االستبعاد األسباب البنيوية لالستبعاد أسامء/ عالمات للتأثريات النفسية واالجتامعية اخلاصة باالستبعاد. عىل الرغم من أن توظيفي للمفردات يف هذا اجلدول من اخلصائص كان كيفي ا فإن ذلك قد زودنا بإطار مفيد ليعكس لنا انزالقية مفهوم االستبعاد. ويف ما ييل ت ناقش هذه اخلصائص بشكل كامل سوية مع قوائم بأمثلة لكل خاصية. هذه املادة مقتبسة من رسوم بيانية كبرية ومعقدة وال يمكن نسخها هنا. وقد استحصلنا عىل القوائم من جمموعة من نصوص االحتاد األورويب التي أ سندت بمراجع يف بحثي حيث يمكن العثور عىل البنود بذاهتا مع حواش للنص األصيل ))). تصنيف الناس أثبت بحثنا يف وثائق السياسة عىل نحو فع ال أن هناك عىل األقل واحدة ومخسني طريقة يمكن من خالهلا أن يوصف الشخص بأنه منتم اىل صنف من»املستبعدين اجتامعي ا«. وأفيد بأن هذه»أصناف«ما دامت متعلقة بأفراد قد يكونون ويف أغلب األحيان مصنفني وموسومني بموجب هذه املصطلحات. وهكذا ي فهم أن»فالح ا بال أرض«هو شخص بال أرض وأن»املرشدين«هم أشخاص بال منازل. قادين مزيد من التفحص هلذه التسميات يف سياقها إىل»مجع املجموعات«حتت مخسة عناوين: املهمشون ب»االختيار«املهمشون بشكل اجتامعي ثقايف املستبعدون بحكم العمر أو النوع أو اإلعاقة املهمشون اجتامعي ا واقتصادي ا جمموعات عدة»غري مميزة«ويمكن أن تتضمن كثري ا من الناس الذين يمكن تصنيفهم يف جمموعات أخرى. ))) المصدر نفسه ص
129 129 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف أنواع االستبعاد باإلضافة اىل هذه احلاالت التي عي نتها ك»أصناف«للناس املستبعدين وجدت عىل األقل مخسة عرش نوع ا من أنواع االستبعاد التي ذ كرت يف نصوص السياسة االجتامعية األوروبية. وهذه تتضمن: التهميش االجتامعي الفقر اجلديد االستبعاد القانوين الديمقراطي/السيايس العوائق غري املادية االستبعاد من»طريقة احلياة األدنى املقبولة«االستبعاد الثقايف )بام فيه العرق والنوع( استبعاد من العائلة واملجتمع املحيل استبعاد من دولة الرفاه فقر طويل األمد استبعاد من احلياة السياسية واالقتصادية السائدة فقر حالة حرمان انفصال عن عالقات العمل استبعاد اقتصادي استبعاد من سوق العمل ))). متث ل هذه األسامء والتسميات»أنواع ا«من االستبعاد بمعنى أن هناك»أنواع ا«خمتلفة من االستبعاد أو من»أشكال«االستبعاد املتداخلة. بعض املفردات هذه )خصوص ا األربع األخرية( مت يز بشكل أسايس جوانب من االستبعاد االقتصادي يف حني أن املفردات األخرى هي جزء أعم من خطابات االستبعاد. ويف هذه احلالة يسري األمر كام هو مع أسامء أصناف الناس وهناك أدلة عىل أن االستبعاد هو ظاهرة متعددة اجلوانب. إن»أنواع«االستبعاد هذه ال تغطي فقط تشكيلة واسعة من خمتلف أنواع الظروف االستبعادية لكنها حتدد أيض ا التعابري امللطفة املعارصة للفقر ويف التحدث عن أنواع االستبعاد ي الحظ التأرجح بني»االستبعاد«و»الفقر«بشكل ظاهر. طورت برييس سميث )1)) تصنيف ا ل»أنواع«االستبعاد وحتليلها يقدم إطار ا أكثر ترتيب ا من بنائي اخلاص هنا. وهي تقرتح أن لالستبعاد االجتامعي أبعاد ا»اقتصادية واجتامعية وسياسية وأبعاد ا تتعلق باجلرية والفرد واملكان واملجموعة«ويغيب عن قائمتها بشكل بارز»االستبعاد الثقايف«الذي أجادل بأنه خيتلف عن»استبعاد جمموعة«من»األقليات العرقية«كام عرف ت ه والذي هو واحد ذو أمهية حاسمة يف أوتريوا/ نيوزيلندا Zealand(.)Aotearoa / New عوامل معز زة يندرج ربام القدر األكرب حلركية مفهوم االستبعاد وغموضه الكامن حتت عنوان ما اسميته»عوامل معز زة«factors(.)accentuating وهناك عىل األقل واحدة وأربعون كلمة أو عبارة يف نصوص سياسة االحتاد األورويب التي يمكن أن ت رى كعوامل تساهم يف أو تعز ز ظروف االستبعاد التي يعيش فيها الناس. وقد ق سمت العوامل إىل تلك التي استندت إىل عدم إمكانية الوصول إىل بعض املوارد املهمة وعدم»االعرتاف العادل«وتلك العوامل التي قد ت عترب م عز زات )Intensifiers(»مكانية«أو»شخصية«أو»اقتصادية«. يتضمن العجز عن الوصول عدم الوصول إىل عوامل مثل االرتقاء االجتامعي ووسائل االتصال ونظم اجتامعية أساسية وإسكان ومرافق عامة وضامن اجتامعي وخدمات صحية وخدمات تعليم ومواط نة اجتامعية )1)). ويتضمن االفتقار إىل االعرتاف العادل ما ييل: صورة سلبية عن الفئات الفقرية (10) Percy-Smith, ed., Policy Responses, p. 9. (11) Peace, «Surface Tension,» p ))) المصدر نفسه ص 397.
130 العدد ٤ / ١٤ خريف ومتييز اجتامعي وعدم مساواة ثقافية وحتيزات يف املجتمع الواسع وعداء ووصم وتفرقة ومتييز عرقي ونسب مشاركة منخفضة للنساء )1)). وتتضمن امل عز زات الشخصية عوامل مثل نمط احلياة السيئ وظروف عائلية سلبية ومستويات معيشة منخفضة وصحة سيئة ومديونية وهتريب خمدرات ونوعية غري مر ضية من احلياة وقلة املعرفة واملعلومات ومستويات منخفضة من التعليم والتأهيل )1)). امل عززات املكانية تتضمن: العزلة االجتامعية والعزلة اجلغرافية والشعور بالوحدة يف العائلة واملجتمع واإلحساس باإلمهال واهلجرة إىل اخلارج )1)). يميل هذا التصنيف إىل تأكيد تقديري بأن االستبعاد االجتامعي ليس مفهوم ا متحرك ا فحسب بل هو امتداد واسع أيض ا ويمكن أن يتضمن صور ا من خارج ما هو معتاد يف خطاب»الفقر«. يقوم تنميط»األصناف«و»األنواع«و»العوامل املعز زة«بتقديم صورة غنية عن طرق االستبعاد االجتامعي التي ت نرش يف نصوص سياسة االحتاد األورويب لكنه ال يستنفد كل ما يشري إىل االستبعاد يف جمموعة الوثائق التي درستها. أم ا األصناف الثالثة الباقية التي أعاجلها أدناه فتحاول فرض بعض النظام عىل جوانب ملموسة بدرجة أقل من خطاب االستبعاد االجتامعي وحتديد»االستعارات«و»األسباب البنيوية«و»اآلثار االجتامعية - النفسية«التي هي جزء من مفردات االستبعاد. استعارات االستبعاد هناك عدد من االستعارات )Metaphors( املتميزة واملرتبطة بخطاب االستبعاد االجتامعي والتي يعرب بعضها عىل األقل عن مكانية االستبعاد )التي غالب ا ما هت م ل(. و قمت أنا بتصنيف هذه الرتكيبات اخلاصة كاالستعارات متتبع ا منهج الكوف وجونستون )1)) يف تفسري االستعارة. وقد استلزمت املصطلحات التي است خدمت لوصف االستبعاد االجتامعي يف هذا السياق اقرتانات جمازية معقدة. فمن ناحية ثمة عدد من الرتكيبات التي ال تشري بحد ذاهتا إىل الفضاء واملكان مبارشة ويتم الترصف هبا لغوي ا. تقرتن املصطلحات التي تصف االستبعاد االجتامعي مع مصطلحات مثل»االنحدار«و»األدنى«و»حتت«. ومن الناحية األخرى تقرتن تركيبات أخرى مع مصطلحات تستحرض معنى الدوران والوقوع يف الفخ. االستبعاد االجتامعي ي رص ف باالشرتاك مع كلامت مثل»فخ«و»دوران«و»تشابك«و»تراكم«و»دورة حياة«ومجيعها متيل إىل التشديد عىل فكرة االلتباس اللزجة والسلبية التي ال مفر منها. تتضمن قائمة االستعارات الشائعة: حالة االنحدار املستمر والوجود عىل اهلامش واملجموعات األدنى تفضيال واالنسالخ عن عالقات العمل وفخ الفقر ودورات االستبعاد ومداومة الفقر خالل دورة حياة الفقري وتشابك األرضار وإعاقات مرتاكمة التي تول د الدوائر املفرغة وحاالت اخلطر وحتت خط الفقر ومساحات فقرية وجزر فقرية ومدينة األكواخ وأحياء فقرية ومناطق سكنية خفية ومناطق سكنية عشوائية )1)). )1)) المصدر نفسه. )1)) المصدر نفسه. )1)) المصدر نفسه. (15) George Lakoff and Mark Johnson, Metaphors We Live by (Chicago: University of Chicago Press, 1980). (16) Peace, «Surface Tension,» p. 397.
131 131 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف األسباب البنيوية جتري اإلشارة أيض ا إىل األسباب البنيوية لالستبعاد االجتامعي وهو فرز )grouping( من الصعب إم ا مجعه وإم ا تربيره بأي طريقة بسيطة. إن قبول»األسباب البنيوية«ورفضها يقويان وينحرسان كتفسري النتشار االستبعاد االجتامعي واستمراره. وتظهر اإلشارة اىل»األسباب البنيوية«بشكل متكرر يف كثري من النقاشات اإليرلندية عن االستبعاد االجتامعي ومؤخر ا ظهرت بشكل متزايد يف خطابات وحدة االستبعاد االجتامعي للمملكة املتحدة. ويمكن كام ي زعم أن حتدد األسباب ك»بنيوية«عندما تصف العوامل أو العنارص التي لألفراد سيطرة حمدودة عليها. تشمل هذه عمليات استبعاد تتعلق بالتشغيل مثل عاملة األطفال والشباب غري املؤهلني وذوي األجور املتدنية والعاملني يف الوظائف اخلطرة وغري املاهرة والعامل غري املحميني وعامل مسنني والعاطلني من العمل بشكل مستمر. ويتضمن احلرمان املتعدد أشياء مثل احلرمان البيئي وظروف سكنية سيئة وأرض مهجورة وختريب ومستويات عالية للجريمة ويتضمن أيض ا عدم كفاية املوارد ونقص العمل ونقص املوارد األساسية ونقص اخلدمات الكافية باإلضافة اىل تأثريات سياسات احلكومة )1)). التأثيرات النفسية - االجتماعية لالستبعاد إنه تبويب صغري لكنه فعال. وأصناف الناس التي نشأت عن تلك»التأثريات«من االستبعاد هي التي يظهر حياهلا خطاب االستبعاد االجتامعي أقل فعالية. ويمكن للتأثريات النفسية - االجتامعية أن تتضمن املشكالت النفسية واملشكالت العالئقية وفقدان اهلوية وفقدان االنتامءات الثقافية وعدم التكامل يف عالقات العمل ومشكالت االكتئاب النفيس واالهنيار الداخيل للشخص وفقدان اهلدف وعدم تكامل يف الروابط العائلية وعمليات هلا تداعيات شخصية والب عد الداخيل للفقر وعدم التكامل يف العالقات االجتامعية )1)). أغلب اجلامعات املستبعدة التي تواجه»مشكالت عالئقية«و»فقدان هوية«و»اكتئاب ا نفسي ا«وهلم جر ا هي األشخاص أنفسهم الذين بدأت باستهدافهم برامج الفقر بنجاح يف الثامنينيات والذين تركتهم جانب ا تلك السياسات املوجهة للتوظيف يف التسعينيات. وغالب ا ما ترتبط هذه اخلصائص باألفراد الذين است نفدت قدرهتم عىل االنخراط يف العمل ذي األجر اجليد والذين غالب ا ما ينخرطون يف دورات دخول وخروج من العمل بأجر وما يعنيه ذلك من التغيري الرسيع يف أوضاعهم وتزايد ضعفهم يف سوق العمل املأجور وهم يكتسبون سمعة عمل غري ذات صدقية. إن العالقات املتداخلة بني هذه اخلصائص وأصناف االستبعاد االجتامعي تصبح أكثر تعقيد ا بفعل التأثري املفرط بالبيئة االقتصادية والسياسية لصنع السياسات والتي تطب ق يف وقت واحد ومكان واحد. ضمن هذا اإلطار املعقد تم متثيل االستبعاد االجتامعي يف نصوص السياسة بكثري من الطرق املختلفة. هذا يدل عىل أن تعريف مفهوم االستبعاد االجتامعي هو اخلطوة التالية. )1)) المصدر نفسه ص 400. )1)) المصدر نفسه ص 400.
132 العدد ٤ / ١٤ خريف تعريفات االستبعاد االجتماعي بصورة عامة هناك إمجاع عىل ان»االستبعاد االجتامعي«هو املفهوم الذي يمكن ان ي عر ف وي نرش بطريقتني: يمكن أن ي عر ف تعريف ا ضيق ا - ويف هذه احلالة ي ستخدم كمرادف لفقر الدخل ويشري عىل وجه التحديد إم ا إىل أولئك الناس الذين مل يرتبطوا بسوق العمل املدفوع األجر )االستبعاد من القوى العاملة ذات األجر املدفوع( وإم ا إىل أولئك الناس يف العمل ذوي األجر املنخفض وهو يستخدم يف أغلب األحيان جنب ا إىل جنب مع مفهوم»التامسك االجتامعي«الذي يعني أن املجتمع املتامسك هو الذي حيافظ فيه عىل االستقرار )االقتصادي واالجتامعي والسيايس( ويسيط ر عليه من خالل املشاركة يف القوة العاملة املدفوعة األجر. كام أنه يمكن أن ي عر ف بشكل واسع - ويف هذه احلالة يشري إىل أكثر من الفقر وتفاوت الدخل واحلرمان أو نقص التشغيل. وقد صاغت التقارير النهائية لربامج الفقر لالحتاد األورويب )1)) بمنهجية االستبعاد االجتامعي يف هذه الطريقة املعقدة... حددت املجموعة املؤلفة من اثني عرش تقرير ا بأن االستبعاد كان متعدد األبعاد وأنه تضمن نقص املوارد وإنكار احلقوق االجتامعية وأن االستبعاد كان عملية دينامية. وأنتجت عمليات االستبعاد احلرمان املتعدد وكرس الروابط العائلية والعالقات االجتامعية وفقدان اهلوية واهلدف )2)). هبذا املعنى األخري الواسع واملرن يمكن مفهوم االستبعاد االجتامعي أن يكون مفيد ا لتطوير فهم خمتلف وأكثر تعقيد ا للعوامل والتأثريات التي تؤدي من ناحية إىل الرفاه وامليزة النسبية وتؤدي من ناحية أخرى إىل التفاوت وعدم املساواة واحلرمان النسبي بني أعضاء املجتمع. وقد جرى يف اململكة املتحدة وإيرلندا الشاملية واسكتلندا إدخال هذا التعقيد إىل التعريفات يف عرضهم لل»العمليات«و»التعقيد«و»األسباب«كام يف إشاراهتم ل»األفراد«و»األس«و»املجتمعات«بام جيعل مفاهيم مثل»املشاركة«و»االندماج االجتامعي«واضحة جد ا يف تعريفاهتم. وقد ع ر ف االستبعاد االجتامعي يف إيرلندا الشاملية بأنه: جمموعة من العمليات املتضمنة يف داخل سوق العاملة ونظام الرفاهية التي د فع من خالهلا األفراد واألرس واملجتمعات وحتى فئات اجتامعية بكاملها نحو هامش املجتمع أو أ بقيت فيه. وهو ال يشمل فقط احلرمان املادي لكن أيض ا بشكل أوسع احلرمان من فرصة املشاركة بالكامل يف احلياة االجتامعية واملدنية )التشديد من عند الكاتب( )2)). ويشري املكتب االسكتلندي إىل أن: االستبعاد االجتامعي معقد: أسبابه مرتابطة وتأثرياته تصبح هي نفسها أسباب ا الستبعاد آخر عىل سبيل املثال الفقر هو عىل حد سواء سبب رئييس لالستبعاد االجتامعي ونتيجة رئيسية له. (19) Andersen [et al.], «The Contribution of Poverty 3,» and Conroy, «Evaluation of the Achievements of Poverty 3». (20) Silver, «Reconceptualizing Social Disadvantage». (21) Democratic Dialogue, «Social Exclusion/Inclusion» (Special Report; no. 2, 1995), on the Web: < (Accessed 1 June 2001).
133 133 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف وبالتايل حيتاج العمل لتأسيس اندماج اجتامعي إىل أن يكون شامال ومنسق ا وجيب أن خياطب جمموعة كاملة من القضايا التي تواجه الفرد أو األرسة أو املجتمع. )التشديد من عند الكاتب( )2)). مالت»وحدة االستبعاد االجتامعي الربيطانية«التي هلا تأثري يف إنكلرتا يف توضيحاهتا السابقة إىل الرتكيز أكثر عىل»األفراد«وتعريف االستبعاد من جانب»خطاب الفقر«التقليدي. ولذلك كان التعقيد حمدد ا يف مصطلحات مثل»املشكالت ذات الصلة«: االستبعاد االجتامعي هو إشارة خمترصة إىل ما يمكن أن حيدث عندما يعاين األفراد أو املناطق جمموعة من املشكالت املرتابطة مثل البطالة ومهارات ضعيفة ودخول منخفضة وإسكان سيئ وبيئات جريمة عالية وصحة سيئة وتفكك أسي. )التشديد من عند الكاتب( )2)). ولالستبعاد االجتامعي ثالثة وجوه كام حددها تعريف مستشه د به اىل حد بعيد يف تعليقات االحتاد األورويب املبكرة: اقتصادية: املستبعدون هم... العاطلون من العمل... أولئك املحرومون من األصول مثل املمتلكات أو االئتامن. اجتامعية: فقدان ترابطات الفرد مع االجتاه السائد للمجتمع. سياسية: أصناف معي نة من السكان - مثل النساء واألقليات العرقية والدينية واملهاجرون - من الذين كانوا حمرومني من احلقوق اإلنسانية والسياسية )2)). يقرتح تقرير منظمة العمل الدولية )2)) أيض ا مقاربة متعددة الوجوه لفهم االستبعاد االجتامعي بتحديد االختالفات بني االستبعاد االجتامعي كخاصية لألفراد أو املجموعات واالستبعاد االجتامعي كخاصية للمجتمعات: ]خاصية األفراد[ األشخاص أو املجموعات املستبعدة ينظر إليهم عىل أهنم يف حالة حرمان... تتجاوز التعريف الضي ق للفقر كقلة الدخل أو األمالك املادية... وأن األفراد ي عزلون اجتامعي ا بشكل ما...»وعندهم«أو لدهيم جتربة لرتابط اجتامعي ضعيف... وقد يفتقرون إىل الرتابط مع العائلة والسكان املحليني واجلمعيات الطوعية والنقابات وحتى البلد... وهم قد يتعرضون للرضر من ناحية حقوقهم القانونية... )هذا التعريف( جيمع كال من جوانب احلرمان املتعلقة باالستهالك واملتعلقة بالعمل... ويركز عىل ديناميات العالقة السببية الرتاكمية... ]خاصية املجتمعات[ مقاربة مفيدة من منظور مؤسسايت حيث إن االستبعاد االجتامعي هو خاصية اإلطار املؤسسايت األسايس والرتتيبات املؤسساتية املستمرة التي تتضمن األفراد واملجموعات... االستبعاد االجتامعي خاصية املجتمع إذا كانت أشكال العنرصية واجلنسية أو غريها من أشكال (22) Great Britain, Scottish Office, Social Inclusion: Opening the Door to a Better Scotland; Strategy (Edinburgh: Scottish Office, 1999), pp. 1-2, on the Web: < (23) Great Britain, Social Exclusion Unit, Opportunity for All. (24) Bhalla and Lapeyre, «Social Exclusion,» Quoted in: Sophie Bessis, From Social Exclusion to Social Cohesion: A Policy Agenda: The Roskilde Symposium, 2-4 March, 1995, University of Roskilde, Denmark, MOST Policy Papers; 2 (Paris: United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization, 1995). (25) Rodgers, Gore and Figueiredo, eds., Social Exclusion.
134 العدد ٤ / ١٤ خريف التمييز األخرى موجودة وإذا كانت األسواق التي من ضمنها يكسب الناس عيشهم جمزأة أو أن البضائع املتاحة للجميع )العامة( هي... متاحة هلم شبه عامة. إن واحد ا من أحدث التعريفات يف رأيي وأكثرها فائدة هو ذلك الذي افرتضه كتاب بوركارد وآخرين )2)). يتكلم هؤالء الكت اب عىل خطاب االستبعاد االجتامعي يف اململكة املتحدة يف التسعينيات ويقرتحون حتديد نقطتني للتعريف مها: إن الفرد ي ستبعد اجتامعي ا إذا )أ( هو مقيم جغرافي ا يف املجتمع وإذا )ب( هو ال يشارك يف نشاطات املواطنني العادية يف ذلك املجتمع. ويميض املؤلفون إىل معاجلة مسألة إشكالية تتعلق بام يشكل»النشاطات العادية«وذلك بتمييز مخسة أبعاد حيث ت عترب املشاركة مهمة يف حتقيق رفاه للفرد )واملجموعة(. وهذه األبعاد تتضمن: 1. النشاط االستهالكي ]الذي[ يتعلق بالقياسات التقليدية للفقر. 2. نشاطات املدخرات ]التي[ تتضمن الرواتب التقاعدية واملدخرات وملكية املنزل. 3. النشاط اإلنتاجي: ع ر ف من ناحية»االنخراط يف نشاط ذي قيمة اقتصادي ا أو اجتامعي ا مثل العمل بأجر والتعليم أو التدريب والتقاعد... أو االعتناء بالعائلة«. 4. النشاط السيايس: ع ر ف بأنه»االنخراط يف بعض اجلهود اجلامعية لتحسني البيئة االجتامعية واملادية املبارشة أو األوسع ومحايتها«. 5. النشاط االجتامعي: ع ر ف بأنه»االنخراط يف التفاعل االجتامعي املهم مع العائلة أو مع األصدقاء والتامهي مع ثقافة املجموعة أو املجتمع«)2)). إن عنارص هذا التعريف ذات القيمة اخلاصة هي ذات شقني. أوال : إهنا حتدد األبعاد الطبيعية املتعددة لالستبعاد االجتامعي وتوس ع نطاق التعريف إىل ما هو أبعد من عوامل تتعلق باإلنتاج و/أو الدخل. ثاني ا: إهنا توفر تفسري ا واسع ا جد ا جلوانب االستبعاد اإلنتاجية والسياسية واالجتامعية. كام أن انتقادي األبعاد املوضحة هنا ذو شقني. أوال : االستهالك الذي يشار له يف البند االول معر ف بشكل ضيق جد ا يف ما يتعلق ب»مقاييس الفقر«. وأجادل بأن السياسة االستهالكية يف ما يتعلق باالستبعاد االجتامعي معقدة جد ا والقدرة عىل االستهالك أصبحت عالمة ليست للفقر فحسب وإنام للهوية أيض ا وعىل نحو متزايد. وكون املرء قادر ا عىل»استهالك«)منتوجات معينة وخدمات ومعرفة( حيدد عىل نحو متزايد املعايري الواضحة لالندماج االجتامعي. وهذا جمال حيتاج بشكل كبري إىل مزيد من البحث. ويتعلق انتقادي الثاين بالدمج بني النشاطني الثقايف واالجتامعي عىل الرغم من أن من السهل القول بأن»الثقايف«منغرس بالرضورة يف»االجتامعي«لكن ليس من السهل حتديد املدى الذي تشغله»سياسات اهلوية«يف ما يتعلق باالستبعاد إذا مج ع املفهومان يف رزمة واحدة. ويتطلب جمال اهلوية الثقافية واالستبعاد أيض ا مزيد ا من البحث. (26) Burchardt, Le Grand and Piachaud, «Social Exclusion in Britain». ((2( المصدر نفسه ذكر في: p. 8.Percy-Smith, ed., Policy Responses,
135 135 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف تناقش جني برييس سميث )2)) أيض ا األبعاد التي حددها بوركارد وآخرون لكن بدال من أن تعرتض عىل حمتوى األبعاد فإهنا تقرتح جمموعة من األبعاد اجلديدة وحتاول حتديد املؤرشات التي يمكن أن ت ستخدم لقياس عمليات االستبعاد التي تراها. واملفيد يف تصنيفها هو أهنا حتدد اجلرية والفرد واألبعاد املكانية والفئوية باإلضافة إىل األبعاد السياسية واالجتامعية واالقتصادية. إن الرتكيز عىل اجلوانب املكانية لالستبعاد االجتامعي مل يكن أولوية مهمة يف كثري من التعريفات السابقة لالستبعاد )عىل الرغم للمفارقة من أن االستبعاد ظاهرة مكانية بطبيعتها بام أن اجلامعات واألفراد يتجهون إىل أن يكونوا»مستبعدين«من»فضاءات االندماج«(. كام أن متييز مؤرشات استبعاد»املجموعة«بتعارض مع»الفرد«خيلق كام ي زعم قدرة أكرب للسياسات واملؤرشات للتكيف مع أخالقيات ثقافية تستند إىل املجموعة بدل الفرد كأساس منطقي للحياة. قد يبدو عموم ا أن قدر ا كبري ا من التفكري والنقاش قد توجه إلجياد تعريف»مثايل«لالستبعاد االجتامعي. ويبدو أيض ا حتى من هذا امللخص املوجز أن ليس ثمة حتى اآلن إمجاع يف الرأي. وبالنسبة إىل سياسة نيوزيلندا فإن القرار ال يكمن فقط يف تقرير ما إذا كان تعريف واسع أو ضيق لالستبعاد االجتامعي خيدم مقاصدنا بصورة أفضل بل أيض ا يف تقرير املدى الذي يكون فيه هكذا مفهوم معقد ومن نواح عدة مراوغ نافع ا يف الواقع. ويقدم القسم األخري من هذه الورقة بعض ا من العواقب غري املتوقعة الستخدام مفهوم»االستبعاد«التي أصبحت واضحة يف األماكن التي يتم فيها االستخدام بالفعل. مالبسات أخرى تقدم برييس سميث )2)) وصف ا ملا تدعوه»األجندة األخالقية التي يبدو أهنا تسند الكثري من التدخالت السياسية التي جرى نقاشها«يف ما يتعلق باالستبعاد االجتامعي. وهي تلمح إىل أن األجندة األخالقية تقيم يف التعيري) normalization ( الضمني الذي يتضمنه خطاب االستبعاد وهذا له جانبان: أوال هناك خطاب قوي جيري تداوله يف املجتمعات املنجذبة نحو»االستبعاد االجتامعي«كإطار سياسة عامة يضع قيمة عىل»االستقالل«. إن الفردانية السيادية والتملكية )النظرية التي تقول إن كل فرد يمكن أن يمتلك السيطرة والسلطة عىل نفسه( هي أكثر من جمرد نظرية فلسفية اجتامعية إهنا اإلطار الضمني الذي يوفر أساس ا منطقي ا لصعود قطاع السوق التجارية وأجندات سياسية ل»اليمني اجلديد«. وهو أيض ا خطاب سائد يعر ض مناقشة مفهوم االستبعاد االجتامعي لوضع جيعلها تصبح مناقشة ل»رفاهية العمل«. ويف االحتاد األورويب عىل األقل يبدو الرتكيز عىل»االستبعاد االقتصادي«- االستبعاد من قوة العمل املدفوعة األجر - جلي ا يف تاريخ برامج الفقر. ومتيل املناقشة إىل الرتكيز عىل السياسات التي يمكن أن حترك الناس من حالة»االعتامد«)عىل الدولة( إىل»االستقالل«يف قوة العمل املأجور. وقد توجهت وحدة االستبعاد االجتامعي الربيطانية يف هذا االجتاه يف جزء كبري من مناقشتها بشأن»الفرص للجميع«((3(. النقطة الثانية هي أن تطوير نظرية قوية عن»االندماج االجتامعي«قد يعطي أيض ا إذن ا ل: (28) Percy-Smith, ed., Policy Responses, p. 8. (30) Great Britain, Social Exclusion Unit, Bringing Britain Together. )2)) المصدر نفسه ص 19.
136 العدد ٤ / ١٤ خريف املواقف املتعصبة يف ما خيص املعاجلة التأديبية للذين ي عتربون منحرفني أو غري متوافقني مع السائد... إن العنرص املعياري للسياسة يثري أسئلة مهمة يف ما يتعلق بأولئك الذين اعت رب أهنم استبعدوا أنفسهم طواعية. هناك وجهة تفكري يف»حزب العمل اجلديد«توحي بأن مثل هذا االستبعاد الذايت الطوعي نفسه يشكل مشكلة اجتامعية وهو يف حد ذاته هدف رشعي الختاذ ربام إجراءات عقابية. وخري مثال... هو السياسات التي هدفت إىل»تطهري الشوارع«من النائمني يف العراء واملتسولني )3)). إن كال من هاتني النتيجتني كانت واضحة يف بحثي يف وثائق سياسة االحتاد األورويب. ولتبيان ذلك أعود إىل املناقشة السابقة املتعلقة ب»أصناف املستبع دين«... وسأركز عىل تسعة عرش صنف ا من األصناف التي حددهتا ك»مهم شة باالختيار«. وربام هذه األصناف هي األكثر إشكالية وصعوبة لسياسة االستبعاد االجتامعي. أوال : من املهم أن نالحظ أن فكرة»االختيار«مستد لة من الوضع الذي وجدت فيه األصناف بدال من تفسريي اخلاص. هناك عىل أي حال حي ز خطايب منطقي يقبل بسهولة الفكرة القائلة إن الناس»خيتارونالعيش بطريقة خمتلفة«. وتكون األمور أكثر تعقيد ا يف حال كانت أصناف من الناس الذين»يوضعون يف ذلك املكان«هي يف الواقع أناس»اختاروا«احلرمان من املي زات. إن إحدى املنافع غري املتوقعة لتطوير جزء من مصفوفتي امل كر سة لألصناف هي أن هذا التطوير مكنني من رؤية»ما خلف الكواليس«من نمط ناشئ يف خطاب السياسة كان متصال مبارشة بمشكلة أخالقية بافرتاض أن يكون نوع الشخص هو القادر عىل»اختيار«احلرمان. السياسات القائمة على الهوية ثمة يف القرن احلادي والعرشين توتر واضح عند هذه النقطة يف األمم»الغربية الصناعية«بني مقاربتني فلسفيتني متميزتني لتوزيع الرفاه املستهدف فمن جهة باتت»سياسات اهلوية/السياسة«تعر ف الكثري من مطالب احلقوق والسياسة. وهناك مجاعات هوية أصبحت مألوفة بحسب العرق والعمر والنوع وامليول اجلنسية واإلعاقة يد عي أفرادها األحقية يف مسعاهم للحصول عىل اعرتاف السياسة. ومن جهة أخرى فإن ل»سياسات إعادة التوزيع«)»من األغنياء«إىل»الفقراء«( أصوهلا اخلاصة يف أنظمة الرفاه التي تستند إىل الدولة وإىل الكنيسة. أم ا املناقشة الدائرة حول السياسات القائمة عىل اهلوية كقاعدة لصوغ سياسات للحد من عدم املساواة فيمكن أن تكون مشكلة. ويمكن أيض ا لالفرتاضات الكونية االنتقائية بشأن حقوق اجلامعة ومسؤولياهتا يف ما يتعلق بالسياسات القائمة عىل اهلوية أن تكون مشكلة بالنسبة إىل املفاهيم املحددة بشكل ضي ق لالستبعاد االجتامعي. ونستطيع إذ ذاك فهم ادعاءات املاوري )Mäori( يف سياق أوتريوا/نيوزيلندا يف ما يتعلق ب»سياسات االعرتاف«هذه. تفرتض»سياسات االعرتاف«أن القرارات واملناقشات التي تتعلق بصنف أو جمموعة معي نة يمكن أن حتدث فقط عندما تكون هوية تلك املجموعة واضحة للعيان. وهكذا عىل سبيل املثال كان هناك القليل من املناقشة حول»حقوق النساء«إىل أن حيني الوقت فتصبح»النساء«بمعنى ما»صنف ا من التحليل«. وسياسات االعرتاف يف ما يتعلق باالستبعاد االجتامعي ت بنى عىل فكرة أهنا استبعاد بشكل او بآخر وت نتج رشوط إمكانية االعرتاف هبوية املجموعة. وهكذا وهذه (31) Percy-Smith, ed., Policy Responses, p. 20.
137 137 ترجمات االستبعاد االجتماعي: مفهوم يحتاج إلى تعريف هي احلجة التي أظهرهتا برييس سميث بشكل مق نع )3)) بأن تعريف االستبعاد االجتامعي بطريقة تتجاهل تعقيد االستبعاد السيايس ليس تعريف ا وافي ا كام أن وضع مفاهيم معيارية وسائدة )مهيمنة( لالدماج االجتامعي) inclusion )social والتامسك االجتامعي) cohesion )social هي يف تفسري برييس سميث إشكالية أخالقية. كام أن سياسات إعادة توزيع الرفاه )التي هي بشكل ملحوظ مألوفة ومفهومة جيد ا يف تعبري السياسات يف نيوزيلندا أكثر من السياسة القائمة عىل اهلوية( هي بدورها تفرتض تصنيفات. ويف هذه احلالة فإن املعايري التي يمكن األفراد أن يستندوا وفقها إىل صنف معني هي معايري معر فة بشكل ضيق حيث إن كل صنف يعتمد عادة عىل واحد أو عىل جمموعة صغرية من اخلصائص ذات العالقة لتقسيم أعضائه. وهكذا فبدال من صنف»النساء«هناك صنف»األم الوحيدة«وبدال من صنف»املهاجر«هناك صنف»املهاجر العاطل من العمل«. ويتعلق معظم االستهداف الرئييس بأنظمة ذات صلة بفرض الرضائب والتوظيف وبناء عىل»نامذج العجز املايل«. هذا ويوفر افرتاض جمموعة من املواصفات املعيارية للطموح واإلنجاز األساس الذي يمكن بناء عليه حساب إعادة التوزيع وتقييمه. إن ما كان مهام يف نتائجي بشأن سياسات االستبعاد االجتامعي لالحتاد االورويب هو أن ذلك التوتر بني هذين النموذجني التحليليني ح ل بشكل متناقض وجزئي. يف احلالة األوىل كان عدد من احلقول الرئيسية للسياسة قد اقت طع من أجندة»مكافحة الفقر«وكان هناك حتول قوي نحو سياسات التمييز التي أصبحت واضحة مع صعود عدد كبري من أنظمة السياسة املحددة جد ا عىل أساس اهلوية. وهكذا كان هناك خطط سياسة للمهاجرين والنساء واملعوقني واملسنني من أجل مجيع الناس يف ذلك الصنف بغض النظر عن املدى الذي حيدد فيه الفقر أو احلرمان املادي الوضع الذي يعيش فيه األفراد. يف الطرف اآلخر كانت السياسات املستهدفة ملكافحة الفقر )وإعادة التوزيع بشكل أسايس( تركز بشكل ضي ق عىل الرضيبة والسياسات املتعلقة بالتوظيف. ويف واقع استقطاب السياسات حدث يشء غريب عىل املستوى األورويب كنتيجة لتلك التغريات فقد أصبح يف اإلمكان احلديث عن السياسات عىل نطاق أورويب واسع بالنسبة إىل»املعوقني«عىل سبيل املثال يف أحد أطراف الطيف وإىل العاطلني من العمل يف الطرف اآلخر. وعىل أي حال كانت هناك جمموعات وأفراد من الذين ال أحقية واضحة هلم إم ا من خالل سياسات التمييز )الذي ال يعطى املدمنني املرشدين عىل سبيل املثال وضع»هويايت«بسهولة( وإم ا من خالل استيعاهبم والتعهد هلم بالتوظيف. إن خطاب»االستبعاد االجتامعي«وإعادة صوغ أطر السياسة االجتامعية واالقتصادية التي كانت نتيجة طبيعية الستخدامه أنتج للمفارقة حيز ا باتت فيه جمموعات وأفراد يف خطر أن يصبحوا»مستبع دين من خطاب االستبعاد«)3)). احلالة الثانية املتعلقة ب»املشكلة األخالقية«التي تالزم خطاب»االستبعاد االجتامعي«هي حتمية»التعيري«) normalization ( فمن أجل وضع سياسات مستمدة من مفهوم»االستبعاد االجتامعي«جيب أن يكون هناك بعض املنطق بشأن ما جيري استبعاد الناس منه )ناهيك عن م ن هم الذين يقومون باستبعادهم(. وهكذا ال بد أن يكون هناك فهم ضمني ملا يمكن أن يشك ل أساس»اإلدماج«. ولكن كيف هي أفكارنا (33) Peace, «Surface Tension». )3)) المصدر نفسه.
138 العدد ٤ / ١٤ خريف بشأن»اإلدماج«مشتقة م ن خيلق القواعد واملعايري والتوقعات بخصوص ما ينبغي للشخص أن يعمل أو ينجز أو يطمح إليه لكي يمكن»تضمينه«يف املصفوفة االجتامعية يمكن القول إن من املهم أن يكون هناك وضوح يف قواعد»اإلدماج االجتامعي«وكذلك يف املقصود ب»االستبعاد االجتامعي«. خاتمة اإلدماج االجتامعي كإطار للسياسة هو أيض ا ال خيلو من املخاطر - والتوجهات املعيارية املالزمة خلطاب االستبعاد االجتامعي ال تزال موجودة. عىل أي حال يمكن تفسري الرغبة يف اإلدماج االجتامعي يف سياق السياسة كأجندة لتسهيل القدرات الفردية واجلامعية وإثرائها وتعزيزها وذلك بالنسبة إىل ثالثة أشياء عىل األقل: الفرصة واملعاملة باملثل واملشاركة. تظهر هذه املفاهيم الثالثة جنب ا إىل جنب مع مفهوم االستبعاد يف كثري من النقاشات بشأن السياسة الدولية. ويتطلب االستثامر يف قدرات الناس ومواردها مقاربات للسياسة متعددة الوجوه وهناك حاجة إىل أن تكون تلك سياسات توفر الوصول إىل إفادة أساسية يف الصحة والتعليم واإلسكان ووسائل الراحة. وهناك حاجة أيض ا إىل أن تكون سياسات تسعى إىل محاية الناس من األذى و/أو تلك التي تساعد عىل وقاية الناس من التعرض لظروف صعبة وخماطر غري رضورية. كام أن هناك حاجة إىل سياسات متك ن الناس من البحث عن الفرص اجلديدة واالستفادة من الفرص املتاحة. من الناحية املثالية هناك حاجة إىل وجود آليات سياسة لالعرتاف بأن تلك االستثامرات والفرص التي هي بالنسبة إىل بعض الناس ثمينة ويمكن الوصول إليها ليست بالنسبة إىل آخرين مناس بة أو ال يمكن الوصول إليها. إن أي تطوير لسياسة االستبعاد االجتامعي يف نيوزيلندا حيتاج إىل التنبه إىل تعقيد املفهوم وميوله املتناقضة. باإلضافة إىل ذلك فإن ص ن اع السياسة حيتاجون إىل االنتباه إىل الطرق التي يمكن أن يكون فيها ل»إدارة التعبري«تأثري كبري يف ما جيري احلديث عنه وبالتايل يف اإلجراءات التي يمكن أن ت صاغ. إن استخدام»االستبعاد االجتامعي«كمفهوم تنظيم للسياسة االجتامعية ينطوي عىل خطر تأطري السياسة االجتامعية سلبي ا وكال املفهومني»االستبعاد االجتامعي«و»اإلدماج االجتامعي«عرضة خلطر تأسيس متغريات معيارية تزيد من تعقيد حياة الناس الذين هم بالفعل»عىل احلافة«. وبشكل أكثر إفادة ربام يمكن استرياد االستبعاد االجتامعي إىل نيوزيلندا كمفهوم واحد من بني مفاهيم كثرية. ويف وسعه أن يكون جنب ا إىل جنب مع مفاهيم أكثر وضوح ا مثل»الفقر«و»احلرمان«و»معاناة املشقة«والسعي للوصول إىل»نوعية جديدة من احلياة«. هكذا بدال من أن يوف ر مفهوم االستبعاد االجتامعي إطار ا جديد ا يدخل يف االعتبار عواقب غري متوقعة يصبح أداة مفاهيمية أخرى للتحدث عن العوامل املرتبطة واملرتاكمة والعمليات التي تربك قدرة اإلنسان واملجموعة عىل األمل والفرصة واملعاملة باملثل واملشاركة. يصبح االستبعاد االجتامعي )واإلدماج االجتامعي(»طرق تسمية«أخرى للعمليات اجلمعية التي تعمل عىل حرمان الناس من الوصول إىل الفرص والوسائل املادية أو غري ذلك لتحقيق الرفاه واألمن يف الرشوط التي ت عترب مهمة عندهم. مرجع إضافي Great Britain, Scottish Office, Social Exclusion in Scotland: A Consultation Paper (Edinburgh: Scottish Office, 1998), on the Web: < documents1/socexl.htm>.
139 139 مراجعات شباب دوار هيشر وحي التضامن في مدينة تونس الكبرى بحث سوسيولوجي 141 م ساءلة العدالة االجتماعية داخل النسق الليبرالي 145 قراءة في كتابات مرجعية عن الثورة )الثورة الفرنسية نموذج ا( 149 مقاربات في فهم القادح المحلي للثورة التونسية 159
140
ر ک ش ل ن س ح ن د م ح م ب ن ی ز ن. ل و ئ س م ه د ن س ی و ن ( ی ر ک ش ل &
ن- س ح ی ژ ر ن ا ل ا ق ت ن ا ر د ر ا و ی د ي ر ي گ ت ه ج و د ی ش ر و خ ش ب ا ت ه ی و ا ز و ت ه ج ه ط ب ا ر ل ی ل ح ت ) ر ال ر ه ش ي د ر و م ه ع ل ا ط م ( ي ر ي س م ر گ ي ا ه ر ه ش ر د ن ا م ت خ ا س ل خ
Ακαδημαϊκός Λόγος Εισαγωγή
- سا قوم في هذه المقالة \ الورقة \ الا طروحة بدراسة \ فحص \ تقييم \ تحليل Γενική εισαγωγή για μια εργασία/διατριβή سا قوم في هذه المقالة \ الورقة \ الا طروحة بدراسة \ فحص \ تقييم \ تحليل للا جابة عن هذا
ی ا ک ل ا ه م ی ل ح ر
ل- ال ج ه) ن و م ن م د ر م ت ک ر ا ش م د ر ک و ر ا ب ر ه ش ه د و س ر ف ا ه ت ف ا ب ز ا س و ن ) س و ل ا چ ر ه ش 6 ه ل ح م : د ر و م 1 ل م آ م ظ ع ل ال ج ر و ن د ح ا و م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د ر ه
AR_2001_CoverARABIC=MAC.qxd :46 Uhr Seite 2 PhotoDisc :έϯμϟ έϊμϣ ΔϟΎϛϮϟ ˬϲϠϨϴϛ. : Ω έύδθϟ ϰϡϋ ΔΜϟΎΜϟ ΓέϮμϟ
PhotoDisc :. : "." / /. GC(46)/2 ا ول ا ء ا ر ا و ا آ (٢٠٠١ ا ول/د آ ن ٣١ ) آ ر ا د ا و آ ت د ار ا ه ا ا ا آ ر ر أ ا أذر ن آ ا ر ا ا ر ا ر ا ا ة ا ردن آ ا ر ا و أر ا ر ا آ أ ن ا ر ا ا ر أ ا ر آ ر ا رغ
=fi Í à ÿ ^ = È ã à ÿ ^ = á _ n a f = 2 k ÿ ^ = È v 2 ح حم م د ف ه د ع ب د ا ل ع ز ي ز ا ل ف ر ي ح, ه ف ه ر س ة م ك ت ب ة ا مل ل ك ف ه د ا ل و
ت ص ح ي ح ا ل م ف ا ه ي م fi Í à ÿ ^ = È ã à ÿ ^ = á _ n c f = 2 k ÿ ^ = È v ك ت ب ه ع ض و ه ي ئ ة ا ل ت د ر ي س ب ا مل ع ه د ا ل ع ا يل ل ل ق ض ا ء ط ب ع و ق ف فا هلل ع ن ا ل ش ي خ ع ب د ا هلل ا جل د
ی ن ل ض ا ف ب ی ر غ ن ق و ش ه ی ض ر م ی ) ل و ئ س م ه د ن س ی و ن ( ا ی ن ل ض ا ف ب ی ر غ 1-
ر د ی ا ه ل ی ب ق ی م و ق ب ص ع ت ای ه ی ر ی گ ت ه ج و ی ل ح م ت ا ح ی ج ر ت ر ی ث أ ت ل ی ل ح ت و ن ی ی ب ت زابل) ن ا ت س ر ه ش ب آ ت ش پ ش خ ب و ی ز ک ر م ش خ ب : ی د ر و م ه ع ل ا ط م ( ن ا ر ا ی ه
ج ن: روحا خل ل ب وج یم ع س ن
ک ت ک ج ک ک ره ب ب وس ت ج ن: روحا خل ل ب وج یم ع س ن فهرست ر و و وش 20 21 22 23 24 رت ر د داری! ر ر ر آ ل 25 26 27 28 28 29 ای ع 30 ا ارد ط دی ن وش 34 36 37 38 39 ذوب ن ر گ آ گ ۀ آب اران ع م و د ل 40 41
BINOMIAL & BLCK - SHOLDES
إ س ت ر ا ت ي ج ي ا ت و ز ا ر ة ا ل ت ع ل ي م ا ل ع ا ل ي و ا ل ب ح ث ا ل ع ل م ي ج ا م ع ة ا ل د ك ت و ر م و ال ي ا ل ط ا ه ر س ع ي د ة - ك ل ي ة ا ل ع ل و م ا ال ق ت ص ا د ي ة ا ل ت س ي ي ر و ا ل ع ل
الجزء الثاني: "جسد المسيح الواحد" "الجسد الواحد )الكنيسة(" = "جماعة المؤمنين".
اجلزء الثاين من حبث )ما هو الفرق بني الكلمة اليواننية )سوما )σῶμά بقلم الباحث / مينا سليمان يوسف. والكلمة اليواننية )ساركس σάρξ ((!. الجزء الثاني: "جسد المسيح الواحد" "الجسد الواحد )الكنيسة(" = "جماعة
ت خ ی م آ ر ص ا ن ع ز ا ن ا گ د ن ن ک د ی د ز ا ب ی د ن م ت ی ا ض ر ی س ر ر ب د
ه ت خ م آ ر ص ا ع ز ا ا گ د ک د د ز ا ب د م ت ا ض ر س ر ر ب د ال م ج ر ب ر گ ش د ر گ ب ا ر ا ز ا ب خالر امر ا ر ا ا ر ه ت ا ر ه ت ه ا گ ش ا د ت ر د م ه د ک ش ا د ا گ ر ز ا ب ت ر د م ه و ر گ ر ا د ا ت س
1- عرض وتحليل النتائج الفرضية األولى: يبين مقارنة بين األوساط الحسابية واالنح ارفات المعيارية وقيمتي )T(
1- الفرضية األولى: جدول رقم )06(: يبين مقارنة بين األوساط الحسابية واالنح ارفات المعيارية وقيمتي )T( - المحسوبة والمجدولة بين العينتين التجريبية والضابطة لالختبار القبلي. اختبار التوافق الداللة df T t
( ) ( ) ( ) ( ) v n ( ) ( ) ( ) = 2. 1 فان p. + r بحيث r = 2 M بحيث. n n u M. m بحيث. n n u = u q. 1 un A- تذآير. حسابية خاصية r
نهايات المتتاليات - صيغة الحد العام - حسابية مجمع متتابعة لمتتالية ) ( متتالية حسابية أساسها + ( ) ملاحظة - متتالية حسابية + أساسها ( ) متتالية حسابية S +... + + ه الحد الا ل S S ( )( + ) S ه عدد المجمع
ATLAS green. AfWA /AAE
مج م و ع ة ا لم ن ت ج ا ت K S A ا إل ص د ا ر ا ل د و ل ي ٠ ١ مج م و ع ة ا لم ن ت ج ا ت ٠ ٣ ج و ھ ر ة( ع د ت خ ص ص ة م TENVIRONMENTALLY FRIENDLY PRODUC ح د د ة م ا ل ھ و ي ة و ا ال ب ت ك ا ر و ا ل ط م و
Εμπορική αλληλογραφία Παραγγελία
- Κάντε μια παραγγελία ا ننا بصدد التفكير في اشتراء... Επίσημη, με προσοχή ا ننا بصدد التفكير في اشتراء... يس ر نا ا ن نضع طلبي ة مع شركتك... يس ر نا ا ن نضع طلبي ة مع شركتك... Επίσημη, με πολλή ευγενεία
ة من ي لأ م و ة بي ال ع ج 2 1
ج ا م ع ة ن ا ي ف ا أل م ن ي ة ل ل ع ل و م ا ل ع ر ب ي ة = = =m ^ á _ Â ª ^ = I = } _ s ÿ ^ = ^ È ƒ = I = ø _ ^ = I = fl _ Â ª ^ = I = Ó É _ Î ÿ ^ = = =KÉ ^ Ñ ƒ d = _ s Î = Ñ π ` = f = π à ÿ ^ Ñ g ƒ =
S Ô Ñ ª ^ ھ ھ ھ ھ ا حل م د هلل ا ل ذ ي أ ك ر م ا ل ب رش ي ة ة ب م ب ع ث ا ل ر مح ة ا مل ه د ا ة و ا ل ن ع م ة املسداة خرية خ ل ق ا هلل ا ل ن ب ي ا مل ص ط ف ى و ا ل ر س و ل ا مل ج ت ب ى ن ب ي ن ا و إ م
R f<å< Úe ãñ Úe nü êm åø»ò Úe. R núe êm oòaúe Àg»ò Úe Rãûe Úe óè»ò Úe Ãóå e nü»ò Úe : / م
لمشايخ الحقيقة أقطاب الطريقة: R f
و ر ک ش ر د را ن ندز ما ن تا ا س ی یا را
ی ش ه و ژ پ ی- م ل ع ه م ا ن ل ص ف ) ی ا ه ق ط ن م ی ز ی ر ه م ا ن ر ب ( ا ی ف ا ر غ ج 6931 زمستان 1 ه ر ا م ش م ت ش ه ل ا س 7 3 2-9 4 2 : ص ص ی د ن ب ه ن ه پ و ی ن ا ه ج د ی ش ر و خ ش ب ا ت ن ا ز ی م
ا ت س ا ر د ر ا ب غ و د ر گ ه د ی د پ ع و ق و د ن و ر ی ی ا ض ف ل ی ل ح ت ی ه ا ب ل و ت ب ن
ه) د ن س ی و ن ی ش ه و ژ پ ی- م ل ع ه م ا ن ل ص ف ) ی ا ه ق ط ن م ی ز ی ر ه م ا ن ر ب ( ا ی ف ا ر غ ج 7 9 3 1 ن ا ت س ب ا ت 3 ه ر ا م ش م ت ش ه ل ا س 7 9-9 0 1 : ص ص ن ا ت س ا ر د ر ا ب غ و د ر گ ه د ی
Οι 5 πυλώνες της πίστης: Μέρος 2 Πίστη στους αγγέλους
Οι 5 πυλώνες της πίστης: Μέρος 2 Πίστη στους αγγέλους أركان اإلميان - الركن الثاين : اإلميان ابملالئكة Άχμαντ Μ. Ελντίν Διπλωματούχος Ισλαμικής Θεολογίας www.islamforgreeks.org - Τζαμί «Σάλαφ ους Σαάλιχ»
يئادتبلاا لوألاا فص لل لوألاا يص اردلا لص فلا بل طلا ب تك ةعجارملاو فيلأ تل ب م ق نيص ص ختملا نم قيرف ــه 1435 ـــ 1434 ةعبط م2014 ـــ
للüصف االأول االبتدائي الفüصل الدراSسي ا كتاب الطالب أالول قام بالتÉأليف والمراجعة فريق من المتخüصüصين طبعة 1434 1435 ه 2013 2014 م ح وزارة الرتبية والتعليم 1430 ه فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر
ANTIGONE Ptolemaion 29Α Tel.:
Ενημερώσου για τα τις δράσεις μας μέσα από τη σελίδα του 123help.gr και κάλεσε στο 2310 285 688 ή στείλε email στο info@antigone.gr για περισσότερες πληροφορίες. Get informed on ANTIGONE s activities through
د ا ر م د و م ح م ر ی ا ر ی ح ب د ی م ح ن ن ا م ر ه ق ا ر ا س د
ه) ع ل ا ط م ی ی ا ت س و ر ی ا ه ه ا گ ت ن و ک س ی د ب ل ا ک ی ه ع س و ت ر ب م و د ی ا ه ه ن ا خ ش ق ن ) ک ن و ی ا ت س و ر م ر ی م س ن ا ت س ر ه ش : ی د ر و م 1 ی د ا ر م د و م ح م ر و ن م ا ی پ ه ا گ
2 - Robbins 3 - Al Arkoubi 4 - fry
ف ص ل ن ا م ه ر ه ب ر ی و م د ي ر ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر س ا ل ه ش ت م ش م ا ر ه 3 پاییز 3931 ص ص -6 4 1 1 1 2 ح م ی د ب ر ر س ی ر ا ب ط ه ب ی ن ر ه ب ر ی
)الجزء األول( محتوى الدرس الددراتالمنتظرة
األعداد العقدية )الجزء األل ) 1 ثانية المنصر الذهبي التأهيلية نيابة سيدي البرنصي - زناتة أكا يمية الدار البيضاء الكبرى األعدا القددية )الجزء األل( األستاذ تباعخالد المستى السنة الثانية بكالريا علم تجريبية
الدورة العادية 2O16 - الموضوع -
ا 1 لصفحة المركز الوطني ل ت وي واامتحانا والتوجيه اامتحا الوطني ال وحد للبكالوريا NS 6 الدورة العادية O16 - الموضوع - المادة ع و الحياة واأرض مدة اإنجاز الشعبة أو المس شعبة الع و الرياضية " أ " المعامل
Οι 6 πυλώνες της πίστης: Μέρος 6 Πίστη Θειο διάταγμα (Κάνταρ Πεπρωμένο) اإليمان بالقدر. Άχμαντ Μ.Ελντίν
Οι 6 πυλώνες της πίστης: Μέρος 6 Πίστη Θειο διάταγμα (Κάνταρ Πεπρωμένο) الركن السادس من أركان اإليمان بالقدر اإليمان: Άχμαντ Μ.Ελντίν Διπλωματούχος Ισλαμικής Θεολογίας www.islamforgreeks.org Τζαμί «Σάλαφ
)Decisions under certainty(
) مترين ( نظرية القرارات: مراحل عملية اختاذ القرار: معرفة بيئة وطبيعة القرار حتديد احلوادث أو األخطار حصر مجيع اخليارات والبدائل املتوفرة حتديد مقياس الفعالية )اهلدف من القرار( وضع جدول القرار أو ما يسمى
ن ا ر ا ن چ 1 ا ی ر و ا د ی ل ع د م ح م ر ی ا ف و ی د ه م ی
ه) ع ل ا ط م ی ش ه و ژ ی-پ م ل ع ه م ا ن ل ص ف ) ی ا ه ق ط ن م ی ز ی ر ه م ا ن ر ب ( ا ی ف ا ر غ ج 1396 بهار 2 ه ر ا م ش م ت ف ه ل ا س 111 132- ص: ص ي ر گ ش د ر گ ي ت م ا ق ا ز ك ا ر م د ا ج ي ا ی ا ر
أسئلة استرشادية لنهاية الفصل الدراسي الثاني في مادة الميكانيكا للصف الثاني الثانوي العلمي للعام الدراسي
أسئلة استرشادية لنهاية الفصل الدراسي الثاني في مادة الميكانيكا للصف الثاني الثانوي العلمي للعام الدراسي 4102 4102 تذكر أن :1- قانون نيوتن الثاني : 2- في حال كان الجسم متزن أو يتحرك بسرعة ثابتة أوساكن فإن
پژ م ی عل ام ه ص لن ف
ی ش ه و ژ پ ی- م ل ع ه م ا ن ل ص ف ی ن ا س ن ا ی ا ی ف ا ر غ ج ر د و ن ی ا ه ش ر گ ن 5931 تابستان م و س ه ر ا م ش م ت ش ه ل ا س ی ر ا س ر ه ش ی ی ا ض ف ی د ب ل ا ک ه ع س و ت ل ی ل ح ت و ی س ر ر ب د ا ژ
تايضاير و مولع يئاهن Version 1.1 اي ل
ر ي ا ض ي ا ت نهائي علم Version أ ج ل م ن ب د ا ي ة ح س ن ة ك م ا ل ح ا م د ي 0 الدرجة الثانية... عمميات على الدال... 3 قاعد احلساب على املتباينات... تطبيقات...6 a مع 0 p() = a + b + c p() = a [( + b )
Bacaan Doa dan Dzikir serta Taubat pilihan
ijk Bacaan Doa dan Dzikir serta Taubat pilihan Dibawah ini adalah Dzikir Nabawiyah yang dibaca / diajarkan oleh Rasulullah SAW untuk ummatnya dan Nabi Muhammad SAW menganjurkan untuk diamalkan semua ummatnya.
( ) ( ) ( ) ( ) ( )( ) z : = 4 = 1+ و C. z z a z b z c B ; A و و B ; A B', A' z B ' i 3
) الحدة هي ( cm ( 4)( + + ) P a b c 4 : (, i, j ) المستي المرآب منسب إلى المعلم المتعامد المتجانس + 4 حل في مجمعة الا عداد المرآبة المعادلة : 0 6 + من أجل آل عدد مرآب نصع : 64 P b, a أ أحسب (4 ( P ب عين
ی ن ا م ز ا س ی ر ت ر ا ت ی و ه ر ی ظ ن ( ن ا ر ظ ن ب ح ا ص و
ف ص ل ن ا م ه ر ه ب ر ی و م د ي ر ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر س ا ل ه ش ت م ش م ا ر ه 3 پاییز 3931 ص ص -9 9 7 9 ر ا ب ط ه ب ی ن ر ا ه ب ر د ه ا ی م د ی ر ی ت ت
سأل تب ثل لخ ل يسن ل عسل
ي م ي ل بائح ص يق اس ل عن هي ل ل لي صن لسع لأس لث بت ل خل ل نسي لن ش ل سعودي صن ع ل ي م ت نش م ع ل ص ب جب ائح صن يق استث لص من ق ل هي لس ل لي في ل لع بي لسع ي مع م م ل ستث ين ننصح ج يع ل ستث ين ق ل استث
DOI: / د. ناهدة سابا العرجا أ.د. تيسري حممد عبد اهلل
األمن النفيس وعالقته باالنتامء الوطني لدى قوات امللخص هدفت األمن الوطني الفلسطيني يف منطقة بيت حلم DOI: 10.12816/0011524 )*( د. ناهدة سابا العرجا أستاذ مساعد دائرة العلوم االجتامعية جامعة بيت حلم فلسطني
األستاذ: بنموسى محمد ثانوية: عمر بن عبد العزيز المستوى: 1 علوم رياضية
http://benmoussamathjimdocom/ 55:31 5342-3-41 يم السبت : األستاذ: بنمسى محمد ثانية: عمر بن عبد العزيز المستى: 1 علم رياضية إحداثيات نقطة بالنسبة لمعلم - إحداثيات متجهة بالنسبة ألساس: األساس المعلم في الفضاء:
- سلسلة -2. f ( x)= 2+ln x ثم اعط تأويل هندسيا لهاتين النتيجتين. ) 2 ثم استنتج تغيرات الدالة مع محور الفاصيل. ) 0,5
تارين حلل ف دراسة الدال اللغاريتمية السية - سلسلة - ترين ]0,+ [ لتكن f الدالة العددية للمتغير الحقيقي المعرفة على المجال بما يلي f ( )= +ln. (O, i, j) منحنى الدالة f في معلم متعامد ممنظم + f ( ) f ( )
د ی ن ا م ز ا س ی د ن و ر ه ش ر ا ت ف ر و ی ر ا ک ی گ د ن ز ت ی ف ی ک ل م ا و ع ن ا ی م و
Journal of Industrial/Organization Psychology Vol. 3/Issue10/Spring 2012 PP: 25-37 ن ا م ز ا س / ت ع ن ص س ا ن ش ن ا و ر ه م ا ن ل ص ف 1 9 3 1 ر ا ه ب م ه د ه ر ا م ش. م و س ل ا س 5 2-7 3 : ص ص ن ب ر د
Relationship between Job Stress, Organizational Commitment and Mental Health
Journal of Industrial/Organization Psychology Vol. 3/Issue12/Autumn 2012 PP: 9-19 ف ص ل ن ا م ه ر و ا ن ش ن ا ص ن ع ت / ا ز م ا ن ا ل و م. ش م ا ر ه د و ا ز د ه م پاز 1931 ص ص : -19 9 ب ر ر ر ا ب ط ه ب
مارس 2013 ك ن ث م. ك من
مارس 2013 ك ن ث م. ك من بحث البيانات 1 تتضمن مرحلة أل ى من بحث مجم عة ب انات أنشطة ع ة بعضها تم تغط ته جلسات ت ر ب ة سابقة تأك من متغ ر ت ع حاالت ما ه ألسئلة ت س تم طرحها هل هناك ستبانة ضحة ذ ت ت ز ع أساس
الترقيم الدولي المعياري للدوريات
المجلد 11 العدد 2 صفر 1346 ه / ديسمبر 2014 م الترقيم الدولي المعياري للدوريات 1996 2339 تقصي دقة تقدير النموذج اللوجستي ثالثي المعلمة لمعالم الفقرة وقدرة األفراد في ضوء تغير طول االختبار وحجم العينة: دراسة
ش ز و م آ ت در م و ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 6931 پاز 3 ه ر ا م ش م ه د ز ا ل ا س 7 1-3 4 1 : ص ص ن ا م ل ع م نن ن ا م ز ا س د د د ن و ر ه ش ر ا ت ف ر ج ن
بحيث ان فانه عندما x x 0 < δ لدينا فان
أمثلة. كل تطبيق ثابت بين فضائين متريين يكون مستمرا. التطبيق الذاتي من أي فضاء متري الى نفسه يكون مستمرا..1.2 3.اذا كان f: R R البرهان. لتكن x 0 R و > 0 ε. f(x) = x 2 فان التطبيق f مستمرا. فانه عندما x
م ح ق ق س ا خ ت ه () ک ا ر ش ن ا س- ف ص ل ن ا م ه ر ه ب ر ی و م د ي ر ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر س ا ل ه ش ت م. ش م ا ر ه 1 ب ه ا ر 3 9 3 1 ص ص -8 6 1 1 3 4 1
Website:http://journals.iau-garmsar.ac.ir
ه ب د ن و ا د خ م ا ن ه د ن ش خ ب ن ا ب ر ه م ف ص ل ن ا م ه ع ل م - پ ژ و ه ش ر ه ب ر و م د ير ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر ب ه ا س ت ن ا د م ص و ب ا ت ک م س و
( ) ( ) ( ) - I أنشطة تمرين 4. و لتكن f تمرين 2 لتكن 1- زوجية دالة لكل تمرين 3 لتكن. g g. = x+ x مصغورة بالعدد 2 على I تذآير و اضافات دالة زوجية
أ عمميات حل الدال العددية = [ 1; [ I أنشطة تمرين 1 لتكن دالة عددية لمتغير حقيقي حيث أدرس زجية أدرس رتابة على آل من[ ;1 [ استنتج جدل تغيرات دالة زجية على حيز تعريفها ( Oi ; ; j 1 استنتج مطاريف الدالة إن
ر ه ش ت ی ر ی د م ه ب ن ا د ن و ر ه ش د ا م ت ع ا ن ا ز ی م ی ب ا ی ز ر ا )
ه) ن و م ن ی ش ه و ژ پ ی- م ل ع ه م ا ن ل ص ف ی ن ا س ن ا ی ا ی ف ا ر غ ج ر د و ن ی ا ه ش ر گ ن 1396 بهار م و د ه ر ا م ش م ه ن ل ا س ی ر ه ش ت ی ر ی د م ه ب ن ا د ن و ر ه ش د ا م ت ع ا ن ا ز ی م ی ب ا
Το παρόν κεφάλαιο περιλαμβάνει τις εξής υποενότητες:
Το παρόν κεφάλαιο περιλαμβάνει τις εξής υποενότητες: Ι) ΤΑ ΑΡΑΒΙΚΑ ΓΡΑΜΜΑΤΑ.. 3 ΙΙ) ΤΑ ΦΩΝΗΕΝΤΑ ΚΑΙ ΟΙ ΚΙΝΗΣΕΙΣ.. 7 ΙΙΙ) ΟΙ ΚΙΝΗΣΕΙΣ ΚΑΙ ΤΟ «ΣΟΥΚŌŪΝ» ΜΕ ΤΑ ΑΡΑΒΙΚΑ ΓΡΑΜΜΑΤΑ.. 10 IV) ΔΗΜΙΟΥΡΓΙΑ ΜΙΑΣ ΛΕΞΗΣ..
السنة الجامعية: /
قسم علم النفس وعلوم التربية واألرطوفونيا أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علم النفس تخصص علم النفس المدرسي وتطبيقاته الموضوع: دراسة ميدانية لدى تالميذ السنة الثالثة من مرحلة التعليم املتوسط من إعداد الطالب:
ا ر ب د. ر ا د د و ج و ط ا ب ت ر ا ی گ د ن ز ر س ن ا ز ی م و ی د ب ل ا ک و ش
ه) د ن س و ن ش ه و ژ پ - م ل ع ه م ا ن ل ص ف ) ا ه ق ط ن م ز ر ه م ا ن ر ب ( ا ف ا ر غ ج 6931 تابستان 3 ه ر ا م ش م ت ف ه ل ا س 9 6 2-24 8 : ص ص ت ال ح م و ص ا ص ت خ ا ا ه ه ل ح م ر د ر ه ش گ د ن ز ر س
2
م ط ا ل ع ه) ف ص ل ن ا م ه ر ه ب ر ی و م د ر ت آ م و ز ش د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م و ا ح د گ ر م س ا ر س ا ل ه ف ت م ش م ا ر ه ب ه ا ر 9 3 ص ص -8 3 7 ح س ن ع ل ب ر ر س ر ا ب ط ه م ا ن ر ه ب ر ت ح
وزارة التربية التوجيه العام للرياضيات العام الدراسي 2011 / 2010 أسئلة متابعة الصف التاسع الكتاب األول
وزار التري التوي العام للرياضيات العام الراي 0 / 00 ئل متاع الف التاع الكتا الول الفل الول : العالق والتطيق وال : الئل المقالي عر عن المموعات التالي ذكر الف المميز 7 8 6 0 ع 8 ك عر عن المموعات التالي ذكر
1/ الزوايا: المتت امة المتكاملة المتجاورة
الحصة األولى الز وايا القدرات المستوجبة:* تعر ف زاويتين متكاملتين أو زاويتين متتام تين. * تعر ف زاويتين متجاورتين. المكتسبات السابقة:تعريف الزاوية كيف نستعمل المنقلة لقيس زاوية كيف نرمز للزاوية 1/ الزوايا:
م ش د ی ج م ن گ ر ب ه م ط ا ف ن ) ل و ئ س م ه د ن س ی و ن ( ی گ ر ز ب
ش) خ ب ر 4 ف ن ر ا د ی ا پ ه ع س و ت د ر ک ی و ر ا ب ی ر ه ش ل ق ن لو م ح ی ط ی ح م ت س ی ز ت ا ر ث ا ی ب ا ی ز ر ا ) ر ی ال م ر ه ش ی ز ک ر م س م ش د ی ج م ن ا ر ی ا ر ی ال م ر ی ال م د ح ا و ی م ال س
ل ی ل خ د و و ا د ه ا ر ج ا ه م ز ا ن ه ب 3 د ن ک م ی ل س ی ف ر ش ا د ی ش ر ف : ه د ی ک چ.
شی ز و م آ ت دیری م و ی ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و می ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 5931 پاییز 3 ه ر ا م ش م ه د ل ا س 5 1 1-12 3 ص ص ی ل ی ل خ د و و ا د ه ب ی ل غ ش ت ی ا ض ر ی ر گ ی ج ن
( ) ( ) ( ) = ( 1)( 2)( 3)( 4) ( ) C f. f x = x+ A الا نشطة تمرين 1 تمرين تمرين = f x x x د - تمرين 4. نعتبر f x x x x x تعريف.
الثانية سلك بكالوريا علوم تجريبية دراسة الدوال ( A الا نشطة تمرين - حدد رتابة الدالة أ- ب- و مطاريفها النسبية أو المطلقة إن وجدت في الحالات التالية. = ج- ( ) = arctan 7 = 0 = ( ) - حدد عدد جذور المعادلة
المحاضرة 15 التحليل األولي للقياسات اهليدرولوجية
المحاضرة 15 كلي ة الهندسة السنة الثالثة الفصل األول الدكتور:هشام التجار هيدرولوجيا م الضس ز م أدل بعض الدزاضات اهل دز ل د معسف ق ه اهلط ل خالل أشمي قصري ددا هلر احلال ته الشد املطس أنرب بالتال التصس ف
ت س ا ه د ش ن.
ش ز و م آ ت در م و ر ب ه ر ه م ا ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ا د 6931 پاز 3 ه ر ا م ش م ه د ز ا ل ا س 9 6-6 8 : ص ص م ال س ا ر و ه م ج ر د ا م ل ع م ر ا ج ه د ه ع ت ا ب ه ت س ب م
ر ی د م ی د ه م ن ر ی د م ن ا س ح ا ن
ز ا س م ه ی ر ا م ع م ی ح ا ر ط و ی م ی ل ق ا ش ی ا س آ ی ا ه ص خ ا ش ی س ر ر ب ن ا ج ن ز ر ه ش م ی ل ق ا ا ب ی ر ی د م ی د ه م ن ا ر ی ا ن ا ر ه ت ر ت ش ا ک ل ا م ی ت ع ن ص ه ا گ ش ن ا د ی ر ه ش ی ز ی
الركن الخامس من اركان االيمان اإليمان باليوم
Οι 6 πυλώνες της πίστης: Μέρος 5 Πίστη στην Ημέρα της Κρίσης الركن الخامس من اركان االيمان اإليمان باليوم اآلخر Άχμαντ Μ.Ελντίν Διπλωματούχος Ισλαμικής Θεολογίας www.islamforgreeks.org Τζαμί «Σάλαφ ους
- سلسلة -3 ترين : 1 حل التمرين : 1 [ 0,+ [ f ( x)=ln( x+1+ x 2 +2 x) بما يلي : وليكن (C) منحناها في معلم متعامد ممنظم
تارين وحلول ف دراسة الدوال اللوغاريتمية والسية - سلسلة -3 ترين [ 0,+ [ نعتبر الدالة العددية f للمتغير الحقيقي المعرفة f ( )=ln( ++ 2 +2 ) بما يلي. (O, i, j) وليكن منحناها في معلم متعامد ممنظم ) ln يرمز
استخدام شبكة التواصل االجتماعي )الفيس بوك( وعالقته بالتوافق النفس ي لدى املراهقين
جامعة املجلد 81 العدد 2 تلخيص: هدفت هذه استخدام شبكة التواصل االجتماعي )الفيس بوك( وعالقته بالتوافق النفس ي لدى املراهقين 75-118 )4163 /6341( استخدام شبكة التواصل االجتماعي )الفيس بوك( وعالقته بالتوافق
( D) .( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) الا سقاط M ( ) ( ) M على ( D) النقطة تعريف مع المستقيم الموازي للمستقيم على M ملاحظة: إذا آانت على أ- تعريف المستقيم ) (
الا سقاط القدرات المنتظرة *- الترجمة المتجهية لمبرهنة طاليس 1- مسقط نقطة مستقيم D مستقيمين متقاطعين يجد مستقيم حيد مار من هذا المستقيم يقطع النقطة يازي في نقطة حيدة ' ' تسمى مسقط نقطة من المستى تعريف )
ر گ ش د ر گ ت ع ن ص ة ع س و ت ر ب ن آ ش ق ن و ی ی ا ت س و ر ش ز ر ا ا ب ت ف ا ب ی ز ا س ه ب )
ی ش ه و ژ یپ م ل ع ه م ا ن ل ص ف ) ی ا ه ق ط ن م ی ز ی ر ه م ا ن ر ب ( ا ی ف ا ر غ ج 1396 بهار 2 ه ر ا م ش م ت ف ه ل ا س 191 209 ص: ص ی ر گ ش د ر گ ت ع ن ص ة ع س و ت ر ب ن آ ش ق ن و ی ی ا ت س و ر ش ز ر
[ ] [ ] ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) I و O B بالنسبة ل AC) ( IO) ( بالنسبة C و S M M 1 -أنشطة: ليكن ABCD معين مرآزه O و I و J منتصفي
O ( AB) تحيلات في المستى القدرات المنتظرة - التعرف على تقايس تشابه الا شكال استعمال الا زاحة التحاآي التماثل. - استعمال الا زاحة التحاآي التماثل في حل مساي ل هندسية. [ AD] التماثل المحري التماثل المرآزي
(Ptolemy (or Claudius Ptolemaeus or Klaudios Ptolemaios Πτολεμαίος Κλαύδιος, Πτολεμαίος Κλαύδιος) lived in )
األخطاء في القرآن 5 سبع سموات و سبع أ ر ض ين محمد حياني mhd@mohamedtheliar.com الحوار المتمدن - العدد: - 2934 2010 4 / 3 / المحور: العلمانية, الدين, االسالم السياسي راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع لقد
ن ا ب ر ق د ا و ج د م ح م ن
ه ک ب ش ت ی ض و و ی ژ و ل و ف م و ئ ژ ا ب ن آ ه ط ب ا و ی ن و ک س م ی ا ه ز ا س و ت خ ا س ه س و ت ل ی ل ح ت ی ل ز ن ا ن ب ه ش ج ن پ ه ی ح ا ن : ی و م ه ل ا ط م ی ه ش ن و ت ا ف ا ص ت و ل ق ن و ل م ح 1 ه
ت ي ق ال خ خ ر م ي ن ي ت ي ص خ ش خ ر م ي ن ي ش و ه خ ر م ي ن : ی د ی ل ک ی ا ه ه ژ ا و ن. managers skills (Tehran Sama University)
Journal of Industrial/Organization Psychology Vol. 3/Issue13/Winter 2012 PP: 59-70 ی ن ا م ز ا س / ی ت ع ن ص ی س ا ن ش ن ا و ر ه م ا ن ل ص ف 1 9 3 1 ن ا ت س م ز م ه د ز ی س ه ر ا م ش. م و س ل ا س 9 5-0
ک ک ش و ک ن ا ی ن ا م ح ر ی د ه م ن
ی ش ه و ژ پ ی- م ل ع ه م ا ن ل ص ف ی ن ا س ن ا ی ا ی ف ا ر غ ج ر د و ن ی ا ه ش ر گ ن 1395 زمستان ل و ا ه ر ا م ش م ه ن ل ا س ع ی ا ن ص ر ب د ی ک أ ت ا ب ی ی ا ت س و ر ی ن ی ر ف آ ر ا ک ه ع س و ت ی و ر
. ) Hankins,K:Power,2009(
ن و ی س ن د ه) م ط ا ل ع ه) ف ص ل ن ا م ه ع ل م ی- پ ژ و ه ش ی ج غ ر ا ف ی ا ( ب ر ن ا م ه ر ی ز ی م ن ط ق ه ا ی ) س ا ل ه ش ت م ش م ا ر ه 4 پاییز 1397 ص ص : 23-40 و ا ک ا و ی ز ی س ت پ ذ ی ر ی د ر ف ض
Website:http://journals.iau-garmsar.ac.ir
ه ب د ن و ا د خ م ا ن ه د ن ش خ ب ن ا ب ر ه م ف ص ل ن ا م ه ع ل م ی - پ ژ و ه ش ی ر ه ب ر ی و م د ير ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر ب ه ا س ت ن ا د م ص و ب ا ت ک
د. فراس أحمد الحموري كلية التربية - جامعة اليرموك إربد- األردن
الوعي القرائي وعالقته بالتحصيل الدراسي لدى عينة من طلبة المرحلة الثانوية د. فراس أحمد الحموري كلية التربية - جامعة اليرموك إربد- األردن تاريخ االستالم 2010-06-13 تاريخ القبول 2010-06-28 الخالصة هدفت الدراسة
Mohammad Kafi Zare Dr.Kambiz Kamkary Dr.Farideh Ganjoe Dr.Shohreh Shokrzadeh Shahram Gholami
Journal of Industrial/Organization Psychology Vol. 4/Issue16/Autumn 2013 PP: 33-50 ی ن ا م ز ا س / ی ت ع ن ص ی س ا ن ش ن ا و ر ه م ا ن ل ص ف 2 9 3 1 ز ی ی ا پ م ه د ز ن ا ش ه ر ا م ش. م ر ا ه چ ل ا س 3
ه ش م ر ه ش ه ط س و ت م م و د ع ط ق م ن ز ن ا م ل ع م 2
زش و م آ ت در م و ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 7 9 3 1 ر ا ه ب 1 ه ر ا م ش م ه د ز ا و د ل ا س 5 8-7 9 ص ص ل غ ش ت ا ض ر ا ب ن ا م ز ا س و ج و ف ن م و ت ب ث
1. Dwyer et al., 2. Beugre et al.,
ك) ب س ن ا م ز ا س گ ن ه ر ف زش و م آ ت در م و ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 6 9 3 1 ن ا ت س م ز 4 ه ر ا م ش م ه د ز ا ل ا س 3 7-8 9 : ص ص ت ا ر ا د ا ر د ن ا
ر ا د م ن ا ر ی د م ب ا خ ت ن ا د ن ی آ ر ف و د ا د ع ت س ا ت ی ر ی د م ه ط ب ا ر ی س ر ر ب ز ر ب ل ا ن ا ت س ا ن ا ش و ه ز ی ت 2
ي ش ز و م آ ت ي ر ي د م و ی ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و ي م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 3931 پاییز 3 ه ر ا م ش م ت ش ه ل ا س 9-29 ص ص 1 ی م ی ر ک ر و پ د ا و ج ا ر ا س س ر ا د م ن ا ر ی
ا ت س ز و خ د ال و ف ت ک ر ش ی ر ا د ا ر و م ا ن ا ن ک ر ا ک و Comparison of Resilience and Mental Health of Blue-Color and White-Color Staff Members
Journal of Industrial/Organization Psychology Vol. /Issue/Summer PP: 6-7 ن ا م ز ا س / ع ن ص س ا ن ش ن ا و ر ه م ا ن ل ص ف 9 ن ا س ب ا م ه ز ا ه ر ا م ش. م و س ل ا س 6-7 : ص ص ) م ق س م ء ا ح ا ( ش خ ب
Website:http://journals.iau-garmsar.ac.ir
ه ب د ن و ا د خ م ا ن ه د ن ش خ ب ن ا ب ر ه م ف ص ل ن ا م ه ع ل م ی - پ ژ و ه ش ی ر ه ب ر ی و م د ير ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر ب ه ا س ت ن ا د م ص و ب ا ت ک
عن ضريق اد ؼاركة, تبدو الص قغة حسب لوقا مبتورة بشؽل مقموس.»أهيا ا ب, لقتؼدس اشؿك. لقلت مؾؽوتك.
شرحكتاب: حتريف أقوال يسوع, ل بارت إيرمان... ]1[ رشح كتاب: حتريف أقوال يسوع, ل بارت إيرمان Misquoting Jesus: The Story Behind Who Changed The Bible And Why العبد الػؼر إىل اهلل أبو ادترص صاهني ادؾؼب ب التاعب
ا و ن ع ه ب ن آ ز ا ه ک ت س ا ی ی ا ه ی ن و گ ر گ د ه ب ط و ب ر م ر ص ا ح م ی م ل ع ث ح ا ب م ی ا ه ه ی ا م ن و ر د ز ا ی ک ی ی
ه) ع ل ا ط م 5 9 ن ا ت س م ز / چهارم شماره / دهم سال شناختی جامعه پژوهشهای Journal of Sociological Researches, 2016 (Winter), Vol.10, No.4 ن د ب مدیریت و ن د ش نی ا ه ج بین ه ط ب ا ر تی خ ا ن ش ه ع م ا
نگرشهاي دانشيار چكيده سطح آبه يا گرفت. نتايج
فصلنامه علمي-پژوهشي نو در جغرافياي انساني نگرشهاي 395 سال هشتم شماره چهارم پاييز روش (AHP) و مدل مكانيابي صنايع كارخانهاي با منطق فازي در شهرستان سبزوار كيخسروي قاسم بهشتي تهران اايران دكتري اقليم شناسي
ي ش ز و م آ ت ي ر ي د م و ی ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و ي م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 3931 پاییز 3 ه ر ا م ش م ت ش ه ل ا س 1 5-2 6 ص ص ن ا س ا ن ش ر ا ک ه ا گ د ی د ز ا ي ل غ ش ت ي ا ض
محمود الشمالي تلخيص: توجيه الطلبة وإرشادهم ومساعدتهم على التفكير وبالتالي فهو موضع االهتمام وهو محور جامعة النجاح الوطنية معلما ومعلمة
مستويات التنور العلمي لدى معلمي العلوم للمرحلة األساسية العليا مستويات التنور العلمي لدى معلمي العلوم للمرحلة األساسية العليا محمود الشمالي جامعة النجاح الوطنية تلخيص: هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على مستوى
ص ا د ق ف ص ل ن ا م ه ر ه ب ر ی و م د ي ر ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر س ا ل ه ش ت م. ش م ا ر ه 1 ب ه ا ر 3 9 3 1 ص ص -2 8 5 9 م ق ا ی س ه م ی ز ا ن ک ا ر ب س ت
د ن د و ب ط س و ت م. ن ا ی گ ن ه ر ف ه ا گ ش ن ا د ن ا ن ک ر ا ک ی ن ا م ز ا س گ ن ه ر ف : ا ه ه ژ ا و د ی ل ک
شی و م آ ت دیری م و ی ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و می ال س ا د ا آ ه ا گ ش ن ا د 7 9 3 1 ن ا ت س ب ا ت 2 ه ر ا م ش م ه د ا و د ل ا س 3 7 1-16 8 ص ص ن ا ر د ن ا م ن ا ت س ا ن ا ی گ ن ه ر ف
د ش ک ا ر د ا ی ن ا م ز ا س ت ل ا د ع و ی و ن ع م ی ر ب ه ر ن ی ب ه ط ب ا ر ی
ش ز و م آ ت در م و ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 6931 پاز 3 ه ر ا م ش م ه د ز ا ل ا س 9-0 3 : ص ص ه د ش ک ا ر د ا ن ا م ز ا س ت ل ا د ع و و ن ع م ر ب ه ر ن ب
بسم الله الرحمن الرحيم اإلحصاء التطبيقي
بسم الله الرحمن الرحيم مركز البحوث اإلحصاء التطبيقي المفاهيم األساسية وأدوات التحليل اإلحصائي األكثر استخدام ا في الدراسات والبحوث االجتماعية واإلنسانية باستخدام SPSS تأليف د. سعد بن سعيد القحطاني 1436
ه ش ر ا د ی ا پ ت ال ح م د ر ک ی و ر ر ب د ی ک ا ت ا ب ی ر ه ش ت ال ح م ی ر ا د ی ا پ ش ج ن س )
ه) د ن س ی و ن د) ر و م ی ش ه و ژ پ ی- م ل ع ه م ا ن ل ص ف ) ی ا ه ق ط ن م ی ز ی ر ه م ا ن ر ب ( ا ی ف ا ر غ ج تابستان ه ر ا م ش م ت ف ه ل ا س - : ص ص ری ه ش ر ا د ی ا پ ت ال ح م د ر ک ی و ر ر ب د ی ک
Website:http://journals.iau-garmsar.ac.ir
ه ب د ن و ا د خ م ا ن ه د ن ش خ ب ن ا ب ر ه م ف ص ل ن ا م ه ع ل م ی - پ ژ و ه ش ی ر ه ب ر ی و م د ير ي ت آ م و ز ش ي د ا ن ش گ ا ه آ ز ا د ا س ال م ي و ا ح د گ ر م س ا ر ب ه ا س ت ن ا د م ص و ب ا ت ک
ی ا ر د د ر ا د ی گ ت س ب ی د د ع ت م ی ن و ر ی ب و ی ن و ر د ل م ا و ع ه ب ن ا ن ز ن د ش د ن م ن ا و ت د ن ت س ی ن ی ت ل ع ک ت ی ع ا م ت ج ا م
) د ن س ی و ن ) ع ل ا ط م ی ش و ژ پ ی- م ل ع م ا ن ل ص ف ) ی ا ق ط ن م ی ز ی ر م ا ن ر ب ( ا ی ف ا ر غ ج 7 9 3 1 ن ا ت س ب ا ت 3 ر ا م ش م ت ش ل ا س 9 3 2-3 5 2 : ص ص ر ش ن گ ش م ن ا ت س ر ش ا ت س و ر
( ) ( ) ( ) ( ) تمرين 03 : أ- أنشيء. ب- أحسب ) x f ( بدلالة. ب- أحسب ) x g ( تعريف : 1 = x. 1 = x = + x 2 = + من x بحيث : لتكن لكل. لكل x من.
عمميات حل الدال العددية السنة الا لى علم تجريبية علم رياضية تذآير : إشارة دالة تا لفية ثلاثية الحدد طريقة المميز المختصر ( 4 ): ( ) I- زجية دالة عددية : -( أنشطة : تمرين 0 : أدرس زجية الدالة العددية في
ا ب ی م ا ر گ ن ا گ ت خ ی ه ر ف ر ب
ه ب د ن و ا د خ م ا ن ه د ن ش خ ب ن ا ب ر ه م ی ن ا ر ی ا ه ی ا م ر س و ر ا ک ز ا ت ی ا م ح ی ل م د ی ل و ت ل ا س د ا ب ی م ا ر گ ن ا گ ت خ ی ه ر ف ر ب ف ص ل ن ا م ه ع ل م ی - پ ژ و ه ش ی ر ه ب ر ی و م
ش ز و م آ ت ی ر ی د م د ش ر ا س ا ن ش ر ا ک. 4
ي ش ز و م آ ت ي ر ي د م و ی ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و ي م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 3931 تابستان 2 ه ر ا م ش. م ت ش ه ل ا س 9 4-5 6 ص ص ه ل خ ا د م م د ع و ی ل د ا ب ت ن ی ر ف آ ل و
المحاضرة الطبقة احلدية
كلي ة الهندسة السنة الثالثة الفصل األول المحاضرة 7 الدكتور:أمجد زينو ه درول ك 3 الطبقة احلدية مفوىم الطبقة احلدية: ي أخر ضا ٥ ال ذك ك ا جيس بطسع ١ تظ ١ د أ تعسض أل ١ إعاق ١ ي طع صف ر ١ طت ١ أفك ١ ثابت
Πολιτισμός και ψυχοπαθολογία:
Πολιτισμός και ψυχοπαθολογία: Επιπτώσεις στη συμβουλευτική και ψυχοθεραπεία με μετανάστες και τις οικογένειές τους Βασίλης Παυλόπουλος Τομέας Ψυχολογίας, Πανεπιστήμιο Αθηνών vpavlop@psych.uoa.gr http://www.psych.uoa.gr/~vpavlop
ا د ی بن ت و ی ولا ی ذ ار گ د ف ه ما ن ت
ي ش ز و م آ ي ر ي د م و ی ر ب ه ر ه م ا ن ل ص ف ر ا س م ر گ د ح ا و ي م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د 2 9 3 1 ن ا س م ز 4 ه ر ا م ش م ف ه ل ا س 1 4-55 ص ص ه ط س و م ع ط ق م ر خ د ن ا ز و م آ ش ن ا د س ر
ا ر ه ت ت ا ق ی ق ح ت و م و ل ع د ح ا و ی م ال س ا د ا ز آ ه ا گ ش ن ا د زنان مطالعات د ش ر ا ی س ا ن ش ر ا ک ی و ج ش ن ا د
:) ه ع ل ا ط م د ر و م 39 تابستان / م و د ه ر ا م ش / م ت ش ه سال شناختی جامعه پژوهشهای Journal of Sociological researches, 2014(summer), Vol.8, No.2 ا ه ن آ ن ا ر د ا م و ن ا ر ت خ د ن ا ی م ر د ا ه ش
يط... األعداد المركبة هذه التمارين مقترحة من دورات البكالوريا من 8002 إلى التمرين 0: دورة جوان 8009 الموضوع األول التمرين 8: دورة جوان
األعداد المركبة 800 هذه التمارين مقترحة من درات البكالريا من 800 إلى 800 المضع األل التمرين 0: حل في مجمعة األعداد المركبة المعادلة: = 0 i ( + i) + نرمز للحلين ب حيث: < ( عدد حقيقي ) 008 - بين أن ( المستي